خلفيات وأشكال "جريمة العشائر"وسبل مكافحتها في ألمانيا!

  • DWWبواسطة: DWW تاريخ النشر: الجمعة، 20 نوفمبر 2020
خلفيات وأشكال "جريمة العشائر"وسبل مكافحتها في ألمانيا!

بين الحين والآخر تتصدر جرائم نوعية كبيرة عناوين الصحف ونشرات وسائل الإعلام في ألمانيا، والتي ترتكبها عوائل كبيرة أغلبها ذات أصول عربية. ففي العام الماضي قام رجال ملثمون بالتسلل إلى القبو الآخضر في متحف دريسدن، حيث توجد تحف ومجموعات فنية تاريخية، وسرقوا أعمالا فنية فريدة لا تقدر بثمن. ومؤخرا قامت شرطة برلين بحملة مداهمة واعتقلت ثلاثة أشخاص من عائلة رمو الكبيرة على خلفية عملية السرقة تلك، ولا تزال الشرطة تبحث عن اثنين من افراد تلك العائلة وأصدرت مذكرة بحث دولية بحقهم.

لكن من هي هذه العائلات الكبيرة وما هي أصولها وكم عددها في ألمانيا وما هي الجرائم التي ترتكبها عادة؟ وماذا تفعل السلطات للتصدي لها والجريمة المنظمة التي تمارسها؟

ماذا يعني مصطلح "جريمة العائلات" الكبيرة؟

منذ عام 2018 تشير هيئة مكافحة الجريمة في تقريرها عن "الجريمة المنظمة" في ألمانيا إلى ما يسمي بـ "جريمة العشائر" لتفريقها عن أنواع الجريمة المنظمة الأخرى، وهي التي يرتكبها أفراد عائلات كبيرة "ينتمون لإثنية معينة" تشكل مجتمعات موازية منعزلة.

وفي أحد تقاريره يعرّف اتحاد شرطة مكافحة الجريمة، "جريمة العشائر" بأنها جريمة يرتكبها "أفراد تجمعهم قرابة عائلية ومن أصول إثنية مشتركة وتتم حماية المجرم بشكل جيد، وبالتالي المساعدة في تنفيذ الجريمة أو تعقيد وتصعيب إمكانية كشف ملابساتها". ويتم كل ذلك من خلال "الالتزام بقيمهم الخاصة ورفض النظام القانوني الألماني".

لكن هناك من ينتقد هذا التوصيف، لهذا النوع من الجريمة المنظمة وتسميتها بـ "جريمة العشائر" مثل الصحافي محمد أمجاهد الذي يرى أن ذلك قد يؤدي إلى الاشتباه بكل أفراد العائلة والتمييز ضدهم رغم أنهم لا علاقة لهم بالجريمة لا من قريب ولا من بعيد. مثلا بعض هؤلاء يجدون صعوبة كبيرة في العثور على منزل للايجار أو على فرصة عمل، حيث يتم ربطهم بأبناء تلك العائلات الكبيرة التي تمارس الجريمة المنظمة لأنهم يحملون نفس الاسم العائلي (الكنية).

لكن الشرطة والداوئر الأمنية تشير إلى أن مصطلح "العشيرة" يستخدم لوصف بنية هذه المجموعة الإجرامية. لذلك فإن مصطلح "جريمة العشائر" يستخدم في كل التقارير الرسمية لشرطة مكافحة الجريمة الاتحادية وفي الولايات.

ما حجم "جريمة العشائر"؟

هناك أسماء معروفة في كل ألمانيا مثل: أبو شاكر، رمو، ميري، الزين ينتمون لعائلات كبيرة (عشائر) معروفة. لكن وحسب التقرير الاتحادي عن "الجريمة المنظمة" في ألمانيا، فإن 7,8 بالمائة فقط من الجريمة المنظمة التي تمت ملاحقتها والتحقيق فيها خلال العام الماضي 2019، قد تم ارتكابها من قبل هذه العائلات.

وعن أصول هذه العائلات الكبيرة (العشائر) التي تمارس الجريمة المنظمة، فإن الهيئة الاتحادية لمكافحة الجريمة تشير إلى من يسمون بالمحلمية الأكراد من جنوب شرق تركيا ولبنان، ومجموعات ذات أصول عربية وتركية ومن دول غرب البلقان والدول المغاربية.

وهذه العائلات لا تنشط في كل أنحاء ألمانيا، وإنما في مناطق محددة. وثلثا الجرائم التي تم التحقيق فيها، ارتكبها أفراد من عائلات في ولايات: شمال الراين ويستفاليا، وساكسونيا السفلى، وبريمن وبرلين. وليس معروفا عدد الأفراد المجرمين في هذه العائلات، ويعود ذلك إلى أن كل ولاية تقيّم وتحصي عدد هؤلاء بشكل مختلف. ففي ولاية بريمن تشير الشرطة إلى أن هناك 3500 شخص من المحلمية، ولكن من يسببون مشاكل ويرتكيون جرائم منهم يقدر عددم بنحو 50 إلى 100 شخص، حسب رئيس شرطة بريمن لوتس مولر.

أما في ولاية شمال الراين ويستفاليا فإن السلطات الأمنية تقدر عدد العوائل أو كما تسميهم العشائر المجرمة بـ 111 عائلة! ويشير تقرير الولاية عن مشهد الجريمة إلى أن 3779 فرادا من هذه العائلات يشتبه بتنفيذهم 6104 جرائم. في حين عدد المشتبه بهم في ولاية ساسكونيا السفلي فيقدر بـ 1646 شخصا ينتمون لهذه العائلات. وقد تم انتقاد هذه الإحصائيات بشدة لأنها وحسب تقارير إعلامية تشير إلى الاسم العائلي (الكنية) للمتهمين. فمثلا لو قام شاب من هذه العائلات بسرقة من أحد المحلات، فإن سرقته تصنف ضمن "جريمة العشائر".

ما هي أهم الجرائم المرتكية؟

إن أهم الجرائم التي ترتكبها العائلات الكبيرة هي جرائم المخدرات وتجارة السلاح وغسيل الأموال والقمار والسرقة والاعتداء على المنافسين وقتلهم. لكن النسبة الأكير هي تهريب وتجارة المخدرات، وتقدرها الهيئة الاتحادية لمكافحة أن هذه الأخيرة تشكل نحو نصف جرائم هذه العائلات، التي تنشط بعضها على مستوى دولي. وبعضهم يستخدمون (يجندون) اللاجئين الذين قدموا في السنوات الأخيرة من سوريا والعراق في عمليات نقل للمخدرات مثلا. وهذا ما يقلق الدوائر الأمنية، التي لاحظت أن هؤلاء اللاجئين الشباب بدؤوا هم أيضا بتكوين مجموعاتهم الإجرامية الخاصة بهم.

وعلاوة على ذلك فإن عناصر الشرطة والسلطات الأمنية يشتكون من أن أفراد العائلات المجرمة يتصرفون معهم بطريقة غير محترمة وبعنف. وهكذا فإن مداهمة بسبب جريمة بسيطة يمكن أن يتم التصعيد بسببها ويصبح الوضع في دائرة الخطر.

كيف تتعامل السلطات مع هذه العائلات وجرائمها؟
بعد سنوات من الإهمال والتقليل من خطر الجريمة في إطار العائلات الكبيرة المجرمة، بدأت بعض الولايات بالتحرك وإيلاء الموضوع الاهتمام اللازم. ففي ولاية شمال الراين ويستفاليا، يراهن وزير الداخلية المحلي، هربرت رويل على ما يسمية بـ "استراتيجية الألف وخزة" التي يتم من خلالها القيام بمداهمات وتفتيش مستمر للمنازل والملاحقة والضبط، وهو ما من شأنه أن يضعف بنية هذه العائلات، وبرلين أيضا تتبع هذه الاستراتيجية.

وتقرير الولايتين عن الجريمة يشير إلى أنه تم خلال العام الماضي القيام بـ 382 عملية مداهمة في برلين و870 مداهمة في شمال الراين ويستفاليا ضد هذه العائلات.

وإضافة إلى ذلك يتم التركيز الآن أكثر على تجفيف مصادر الأمول أيضا. فبعد تعديل قانوني أجري عام 2017 أصبح أسهل بالنسبة للدوائر الرسمية مصادرة الثروات التي يتم جنيها بطريقة غير شرعية. وهذا يسمح للدوائر الرسمية بمصادرة الممتلكات التي لا يعرف مصدر الأموال التي تم دفعها لاقتنائها أو كانت هناك شبهة غسيل أموال. وما يعنيه ذلك توضحه قضية آل رمو في برلين، حيث تم في عام 2018 مصادرة 77 عقارا تعود ملكيتها لهذه العائلة.

وصرح مؤخرا عمدة حي نوي كولن في برلين، مارتين هيكيل، بأنه يجب اتباع طرق أخرى لمكافحة "جريمة العشائر" حيث يجب على المتهمين الذين يحصلون على مساعدات من الدولة ولديهم ممتلكات غالية مثل العقارات، أن يثبتوا أن الأموال التي دفعوها لاقتناء ممتلكاتهم مصدرها شرعي، وأضاف هيكيل أن "أسوأ رسالة يمكن أن نوجهها لهؤلاء، هي أن ما يقوموا به يستحق أن يصبح المرء من أجله مجرما".

ليزا هينيل/ عارف جابو

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة