كيف تدير المافيا الصينية شبكة احتيال في ميانمار؟

  • DWWbronzeبواسطة: DWW تاريخ النشر: الثلاثاء، 06 فبراير 2024
كيف تدير المافيا الصينية شبكة احتيال في ميانمار؟

تحولت أحلام آرون (تم تغيير الاسم) إلى كابوس مرير بدأت فصوله بعدم تصديقه أنه شارف على الحصول على وظيفة أحلامه بعد أن تلقى عرضا وظيفيا من إحدى شركات التكنولوجيا الناشئة في تايلاند للعمل في جنوب أفريقيا براتب مغري ومزايا رائعة بما يحمل هروبا من مستقبل بائس في بلده.

وفي ذلك، قال آرون: "كنت أتمنى السفر والعمل في الخارج. وفي أحد الأيام، تلقيت اتصالا واعتقدت أن كل شيء يجري بشكل قانوني حتى وصلت إلى بانكوك"، مضيفا أنه في المطار جرى استقباله بالترحاب واصطحابه إلى السيارة مع شابين آخرين من شرق أفريقيا.

وقال "كان من المفترض أن نذهب إلى فندق يبعد عشر دقائق عن المطار. لكننا سافرنا في مسار مختلف"، مشيرا إلى أن السيارة وصلت إلى مدينة ما سوت الحدودية التايلاندية بعد ثماني ساعات حيث جرى تهريبه ونقله وآخرين كانوا برفقته عبر نهر موي إلى منطقة في ميانمار.

وبنبرة حزينة، يستدعي آرون ذكرى ذاك اليوم، قائلا: "كان هناك أشخاص يحملون أسلحة ينتظروننا وأبلغونا أنه يجب أن نستقل قارب لعبور النهر".

ميانمار..معقل الاتجار بالبشر

جرى تهريب آرون ورفاقه إلى مجمع يشبه السجن يحمل اسم "كيه كيه بارك" حيث يُجبر آلاف الأشخاص على الضلوع في جرائم احتيال تستهدف ضحايا في الولايات المتحدة وأوروبا والصين إذ تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن أكثر من مئة ألف شخص يُجبرون على العمل في مراكز الاحتيال في ميانمار.

التقت وحدة التحقيقات الاستقصائية في DW بالعديد من الناجين من هذا السجن حيث سردوا مشاهداتهم لأعمال المراقبة والتعذيب واسعة النطاق وحتى جرائم قتل تقع بشكل أسبوعي داخل هذا المركز.

وقال لوكاس(تم تغيير الاسم)، وهو شاب من غرب أفريقيا: "كنا نعمل 17 ساعة يوميا ولا يسمح لنا بالتذمر أو الحصول على إجازات أو راحة. وإذا قلنا لهم إننا نريد أن نغادر، يبلوغننا بأنهم سوف يبيعوننا أو يقتلوننا".

من المسؤول؟

قامت وحدة التحقيقات الاستقصائية في DW بمراجعة صور حصرية جرى التقاطها من داخل المجمع وتحدثت إلى العديد من الناجين الذين استطاعوا التعرف على شارات الحراس التي تشبه تلك التي ترتديها عناصر تابعة لما تُعرف بـ "قوة حرس الحدود الرسمية" وهي تتألف من مجموعة من المتمردين السابقين الذين وافقوا قبل عقد من الزمن على وقف قتال المجلس العسكري في ميانمار مقابل سيطرتهم على هذه المنطقة.

قالت مصادر إن عناصر "قوة حرس الحدود الرسمية" تقوم بمهام الحراسة في "كيه كيه بارك"، لكن عناصر صينية تتولى مهام القيادة.

فك اللغز

وقامت وحدة التحقيقات الاستقصائية في DW بتقفي أثر ومسار أموال كانت بحوزة العديد من الضحايا حيث وصل الأمر إلى محافظ للعملات المشفرة تستخدمها "كيه كيه بارك" لجمع أموال الضحايا فيما يتم تحويل الأموال بعد ذلك إلى محافظ أخرى تكون بمثابة حسابات رقمية لتخزين العملات المشفرة.

تعود ملكية إحدى هذه المحافظ إلى رجل أعمال صيني يقيم في تايلاند يُدعى "وانغ يي تشينغ" حيث حصل على عملات مشفرة تصل قيمتها إلى عشرات الملايين من الدولارات من محافظ للعملات المشفرة تستخدمها "كيه كيه بارك".

يعد وانغ جزءا من شبكة كبيرة تضم رجال أعمال صينيين يعيشون في الخارج لينتهي المطاف إلى زعيم للمافيا الصينية سيئة السمعة.

وكشف التحقيق عن أنه في الوقت الذي كان يحصل فيه وانغ على تحويلات مباشرة من محافظ للعملات المشفرة تستخدمها "كيه كيه بارك"، فإنه كان يشغل منصب نائب رئيس جمعية التبادل الاقتصادي التايلاندية الآسيوية ومقرها بانكوك المنوط بها تعزيز العلاقات بين الصين وتايلاند.

ويقع مقر الجمعية في نفس المبنى الذي يتواجد فيه "مركز هونغمن للتبادل الثقافي الخارجي" الذي داهمته الشرطة في عام 2023 إلى جانب مركز آخر لهونغمن في بانكوك بسبب التورط في أعمال غير قانونية والتستر على أبرز العصابات الصينية المنظمة.

الصين...كلمة السر

ويشير التحقيق إلى أن هذه المنظمات ترتبط ارتباطا وثيقا بـ "وان كوك كوي" الملقب بـ "صاحب السن المكسورة" الذي دشن رابطة "هونغمن" العالمية للتاريخ والثقافة عام 2018، وهي منظمة فرضت عليها الولايات المتحدة عقوبات لتورطها في الجريمة المنظمة.

بيد أن رابطة "هونغمن" بزعامة "وان كوك كوي" تروج لمبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها الصين عام 2013 بهدف بناء شبكة اقتصادية وهياكل أساسية تربط آسيا بأوروبا وأفريقيا وتعزيز النفوذ العالمي للصين من شرق آسيا إلى أوروبا من خلال جعل الدول في جميع أنحاء العالم تعتمد بشكل متزايد على الصين.

وفي مقابلة مع DW، قال جيسون تاور، الخبير البارز في عصابات الجريمة المنظمة في المعهد الأمريكي للسلام، إن وان كوك كوي "يردد كثيرا عبارة مفادها أنه اعتاد في الماضي العمل لصالح العصابات، لكنه الآن يعمل لصالح الحزب الشيوعي الصيني".

وتقع "كيه كيه بارك" في إحدى المناطق المستهدفة لإقامة مشاريع استثمارية في إطار مبادرة الحزام والطريق الصينية حيث أشادت تقارير الحكومة الصينية بمشاريع التنمية في المنطقة القريبة من الموقع كجزء من طموحاتها في إطار المبادرة، لكن الحكومة نأت بنفسها لاحقا عن عمليات الاحتيال واسعة النطاق.

الجدير بالذكر أنه لم يرد اسم "كيه كيه بارك" في الاتصالات الصينية الرسمية ولم يقام بداخلها أي احتفالات كبيرة كالتي تُقام احتفاء بمشاريع التنمية الأخرى في المنطقة. وتشير التحقيق إلى أنه جرى تشييد "كيه كيه بارك" للانخراط في عمليات احتيال.

شبكة "كيه كيه" الكبيرة

تعود عمليات الاحتيال التي تقوم بها "كيه كيه بارك" إلى شبكة معقدة من الشركات والجمعيات التي يستخدمها المجرمون لإضفاء الشرعية على جرائم غسيل الملايين من الأصول التي حصلوا عليها عن طريق الاحتيال فيما تسعى الشبكة إلى توسيع نشاطها غير القانوني من جنوب شرق آسيا إلى أفريقيا وأوروبا وأمريكا الشمالية.

وفي ذلك، قال تاور "نرصد فعلا زيادة قوة وتأثير هذه الشبكات الإجرامية حتى أنها باتت مضمنة في بلدان مختلفة حول العالم. الجهود التي تبذلها سلطات إنفاذ القانون لمحاربة هذه الشبكات لا تصيب إلا قمة الجبل الجليدي وما خفي كان أعظم."

أعده للعربية: محمد فرحان

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة