الطربوش الأحمر، من زي رسمي إلى هدايا تذكارية للسُياح

  • تاريخ النشر: الخميس، 07 أكتوبر 2021
الطربوش الأحمر، من زي رسمي إلى هدايا تذكارية للسُياح

يهتم الرجال العرب بغطاء الرأس منذ قديم الزمان، وعلى مر التاريخ، ظهرت العديد من أغطية الرأس المختلفة مثل العمامة والعقال الطربوش.

ما تزال بعض أغطية الرأس هذه شائعة في بعض الدول، لكن عندما نقرأ عن تاريخ الطربوش الأحمر، فإننا نجد أنه مر بالعديد من المراحل التاريخية المثيرة.

فقد كان الطربوش في مرحلةٍ ما رمزاً للأناقة والوجاهة والرقي، وفي مرحلةٍ أخرى كان علامة على التمرد ضد الدولة ونظام الحكم، وحالياً، تحول إلى رمزٍ تقليدي وجزءٍ من ثقافة الماضي لبعض الشعوب.

أصل الطربوش الأحمر

لا أحد يعرف ما هو أصل الطربوش بالتحديد، البعض ينسبه إلى جزيرة قبرص حيث جلبه الرومان البيزنطيون إلى اليونان ومنطقة البلقان، فيما يظن البعض أن أصله من النمسا، ويعتقد البعض الآخر أن أصله من المغرب.

بغض النظر عن أصل الطربوش الأحمر، هناك حقيقة واحدة يعلمها الجميع، وهي أن ارتداء هذا الطربوش لم يعد رسمياً ولا يستخدم للدلالة على أي شيء، وأصبح جزء من الثقافة والتاريخ في بعض البلدان وصناعته أصبحت على وشك الانقراض.

انتشار الطربوش الأحمر

يقول المؤرخون أن الطربوش الأحمر كان يجلب من دول أوروبا، لكن في عهد السلطان العثماني محمود الثاني، انتشر الطربوش على نطاق واسع.

ففي عام 1826، أصدر السلطان العثماني محمود الثاني فرماناً ينص على اعتبار الطربوش الأحمر جزءً من الزي الرسمي لرجال الدولة والعسكريين، لهذا السبب، أصبح من يرتدي الطربوش شخصاً محترماً من قبل عامة الناس.

لم يكن فرمان السلطان العثماني محمود الثاني مقبولاً من قبل كل أبناء الشعب، فالبعض اعتبر هذا الفرمان حرباً على العمامة البيضاء التي ترمز للدين الإسلامي. وهي غطاء الرأس التي يرتديه المشايخ ورجال الدين المسلمين، لدرجة أن بعض رجال الدين أصدروا فتوى تنص على تحريم ارتداء الطربوش الأحمر ومقاومته، لكنهم تراجعوا فيما بعد عن هذه الفتوى خوفاً من الاعتقال أو القتل بتهمة التمرد على سلطة الدولة وأوامر السلطان، وهكذا استطاعت الدولة العثمانية أن تفرض ارتداء الطربوش الأحمر على موظفي الدولة وضباط الجيش في كل الولايات التابعة لها.

بعد الحرب العالمية الأولى وانهيار الدولة العثمانية، كان الطربوش قد أصبح رسمياً ولم يرغب الناس بالتخلي عنه، واعتبروه شعاراً قومياً يجب الاحتفاظ به، كما وجدوا فيه وسيلة للتميز عن الأجانب الذين جاءوا مع المستعمرين الذين كانوا يرتدون القبعة الغربية.

قانون القبعة في تركيا

مصطفى كمال أتاتورك مرتديًا القبعة الغربية

بعد انهيار الدولة العثمانية، تم تأسيس الجمهورية التركية الحديثة برئاسة مصطفى كمال أتاتورك، كان أتاتورك معجباً بالحضارة الغربية وأراد أن يطبق النموذج الغربي على المجتمع التركي والتخلص من الإرث العثماني الذي كان يعتبره لا يمثل الأمة التركية، فأصدر البرلمان التركي في عام 1925 قانون القبعة الذي ينظم أنواع أغطية الرأس التي يُسمح بارتدائها على أراضي الجمهورية التركية.

نص هذا القانون على حظر ارتداء الطربوش بشكلٍ نهائي واستبداله بالقبعة الغربية، وتم اعتبار من يرتدي الطربوش الأحمر مخالفاً للقانون ويُحكم عليه بالسجن.

وكما حصل حين فرض السلطان العثماني محمود الثاني الطربوش على المجتمع، تمرد البعض ورفض القبعة الغربية، تم اعتبار ذلك تمرداً ضد الجمهورية التركية ونظام حكمها الجديد، لهذا السبب اعتقل الكثير من الناس.

في منطقة الأناضول، تم تنظيم مظاهرات ضد قانون القبعة، ردت السلطات بإعلان الأحكام العرفية في مقاطعات الأناضول لمدة شهر كامل، وتم اعتقال عدد كبير من الأشخاص، وتم إعدام 13 شخصاً منهم بتهمة التمرد على نظام الحكم.

في مدينة قيصري التركية، نظم الشيخ أحمد أفندي وأربعة من أصدقائه مسيرة حاشدة ضد قانون القبعة، قامت السلطات باعتقال 300 شخص شاركوا في هذه المسيرة، وتم إعدام الشيخ أحمد أفندي وأصدقاءه الأربعة الذين نظموا هذه المسيرة.

منذ أن تم إصدار قانون القبعة وحتى الآن، تخلي المجتمع التركي عن الطربوش الأحمر بشكلٍ نهائي ولم يعد يستخدم، لكنه يباع في بعض الأماكن السياحية كهدية تذكارية يأخذها السياح معهم.

حظر الطربوش في سوريا

استمر الطربوش الأحمر كجزء من الزي الرسمي للرجال في سوريا، وكان يرتديه المثقفون وموظفو الدولة والمسؤولون السياسيون، وخلالها فترة الاستعمار الفرنسي كان المسؤولون يرتدون الطربوش حتى في زياراتهم للدول الأخرى ومشاركتهم في المؤتمرات.

من الزعماء السوريين الذين اشتهروا بلبس الطربوش نذكر هاشم الأتاسي الذي أصبح رئيساً لسوريا عدة مرات والرئيس شكري القوتلي، بالإضافة إلى رئيس الوزراء سعد الله الجابري ورئيس الوزراء فارس الخوري.

في عام 1949، أصدر الرئيس السوري حسني الزعيم الذي جاء إلى السلطة بانقلاب عسكري مرسوماً ينص على حظر ارتداء موظفي الحكومة للطربوش، ثم أصدر مرسوماً آخر يمنع السوريين من الخروج إلى الأماكن العامة بالبيجامة، يعتقد الكثيرون أن حسني الزعيم أصدر هذه القرارات متأثراً بمراسيم مصطفى كمال أتاتورك في تركيا.

لم يستمر حكم حسني الزعيم إلا 130 يوماً، وقام الرئيس هاشم الأتاسي الذي أستلم السلطة بعده بإلغاء مرسوم حظر الطربوش والبيجامة.

في سوريا اليوم، لا يرتدي أحدٌ الطربوش الأحمر في الشوارع، لكن صناعته موجود بشكلٍ محدود ويباع في بعض الأماكن التي عادة ما يتردد عليها السياح.

الطربوش في سوريا لا يرتديه الرجال فقط، ففي منطقة جبل العرب جنوب سوريا، يعتبر الطربوش جزءً من الزي التقليدي للنساء، ويتم تقديمه مرصعاً بالذهب والفضة للعروس.

الطربوش الأحمر، من زي رسمي إلى هدايا تذكارية للسُياح

الطربوش الأحمر في المغرب

هناك اعتقاد لدى الكثير من المؤرخين بأن أصل الطربوش الأحمر هو من المغرب، وحالياً يعتبر شعب المغرب الطربوش رمزاً وطنياً، لا يرتديه الجميع، لكن الملك ووزراء الحكومة والسفراء عادة ما يرتدون الطربوش الأحمر في اللقاءات الرسمية.

الطربوش الأحمر، من زي رسمي إلى هدايا تذكارية للسُياح

صناعة الطربوش الأحمر

ما تزال صناعة الطربوش موجودة في العديد من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وخاصة في تركيا وسوريا ومصر والمغرب، يصنع الطربوش عادة من الجوخ الذي يتم استيراده من دول أوروبا الشرقية، يتم لف هذا الجوخ على قالب من القش ليكتسب الشكل والمتانة والتناسق، ثم يكبس على النار لمدة ثلاث دقائق.

مكوجي الطربوش الأحمر

للمحافظة على نوعيه القماش وشكل الطربوش، هناك حاجة إلى أن يكوى بين الحين والآخر، وفي الماضي، حين كان الطربوش منتشراً، كانت هناك محلات مخصصة لكي الطرابيش، ويعرف الشخص الذي يعمل في هذه المحلات باسم موجي الطرابيش.

قصة طربوش فارس بيك

يروي الكاتب السوري الشهير عادل أبو شنب في كتابه "شوام ظرفاء" قصة طريفة عن طربوش رئيس الوزراء السوري فارس الخوري:

"كان فارس الخوري يسير في أحد أسواق مدينة دمشق فلفت انتباهه طربوش جربه وتبين أنه يناسب رأسه، وحين سأل عن سعر الطربوش، وضع البائع سعراً كبيراً، يبدو أن البائع رفع السعر لندرة وجود طربوش يستوعب رأس فارس الخوري، لكن الخوري لم يرغب في دفع هذا المبلغ الكبير وانصرف، فقال له البائع: اسمع يا فارس بيك، لو دورت الدنيا كلها من شرقها لغربها ومن شمالها لجنوبها لن تجد طربوشاً مثل هذا يناسب شكل رأسك المبجبج، فرد عليه فارس الخوري وقال: اسمع يا أخي، وأنت أيضاً لو درت الدنيا كلها فلن تجد راساً مثل رأسي على مقاس الطربوش حفر وتنزيل، يقال أن فارس الخوري اشترى الطربوش برأسماله، أي بسعر التكلفة".