لاجئون محبطون بسبب قرار لم الشمل في ألمانيا

  • DWWbronzeبواسطة: DWW تاريخ النشر: منذ 12 ساعة
لاجئون محبطون بسبب قرار لم الشمل في ألمانيا

بعد غياب لسنوات عن الساحة السياسية، عادت المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل لتخرج بتصريحات حول ملف الهجرة، ولكن هذه المرة بصفتها ناقدة لا صاحبة قرار. وفي تصريحات لافتة اتسمت بوضوح قانوني ونبرة إنسانية، انتقدت ميركل سياسة الحكومة الحالية في التعامل مع طالبي اللجوء، معتبرة أن مجرد طلب اللجوء يجب أن يُقابل بإجراء قانوني عادل، لا بالترحيل الفوري.

تزامن ذلك مع مصادقة البرلمان الألماني (البوندستاغ)، الجمعة 27 يونيو/حزيران 2025، على قانون يقضي بتعليق لمّ شمل أسر اللاجئين الحاصلين على "الحماية الثانوية" لمدة عامين. وقد أثار القرار جدلًا واسعًا داخل أروقة البرلمان، وشكّل أولى الخطوات ضمن حزمة قوانين جديدة يسعى وزير الداخلية الاتحادي، ألكسندر دوبرينت، إلى تمريرها بهدف الحد من تدفق المهاجرين واللاجئين إلى ألمانيا.

ويستهدف هذا الإجراء فئة اللاجئين الذين لا يتمتعون بالحماية الكاملة بموجب اتفاقية جنيف، بل مُنحوا "الحماية الثانوية"، وهي شكل من أشكال الحماية المؤقتة تُقدَّم للأشخاص المعرضين لمخاطر جسيمة في بلدانهم الأصلية، دون أن تنطبق عليهم شروط اللجوء الكامل.

رحلة موت من أجل مستقبل أطفالي

يروي أبو مهيب، لاجئ سوري يبلغ من العمر 34 عامًا وأب لثمانية أطفال، رحلته الشاقة نحو ألمانيا بكلمات تختلط فيها المرارة بالحسرة:

"خضت رحلة التهريب إلى ألمانيا بعد أن دفعت تسعة آلاف يورو. استغرقت الرحلة خمسة وعشرين يومًا عبر جبال روسيا. كنّا نسير وسط الثلوج، نتضور جوعًا، نرتجف من البرد، ونترقب الموت في كل لحظة. لم يكن لدينا طعام كافٍ، ولا مأوى، ولا دفء. كان الأمل الوحيد الذي يدفعني للاستمرار هو أن أصل إلى ألمانيا لأتمكن من إحضار أطفالي وتوفير حياة كريمة لهم."

يضيف أبو مهيب: "عندما وصلت، كانت الحكومة الألمانية تسمح بلمّ الشمل. قيل لنا إنه بمجرد الحصول على الإقامة، سيكون بمقدورنا تقديم طلبات لمّ العائلة. لكن القوانين تغيّرت فجأة، ومرت ثلاث سنوات ونحن في انتظار دورنا."

ويشيرأبو منيب أطفالي الثمانية يعيشون بلا أب، محرومون من التعليم والرعاية والاستقرار. تركتهم من أجل مستقبل أفضل، لكنهم اليوم يواجهون قسوة الحياة بلا سند. عائلتي تتفتت وأنا عاجز عن جمع شملها."

يعيش أطفال أبو مهيب اليوم مشتتين بين أقارب وجيران بلا رعاية أسرية حقيقية. انفصل عن زوجته الأولى التي تعيش حاليًا في تركيا، بينما أطفاله منها يعيشون في ظروف قاسية، وأطفاله الثلاثة من زوجته الثانية مع أهلها في سوريا.

يقول الناشط الحقوقي عباس الدليمي" تلقينا العديد من المناشدات من عائلات وأفراد سوريين حاصلين على الحماية الثانوية، يعانون من حالة من الغموض والضياع بعد قرار تعليق لمّ الشمل. كثيرون لا يعرفون إلى أين يتوجهون أو ماذا يفعلون. نحن بدورنا نقلنا هذه المطالب والشكوى إلى الجهات الألمانية .

في ظل قوانين جديدة تعمّق الأزمة

يواصل أبو مهيب سرد معاناته: "في سوريا، دفعت خمسمائة دولار عن كل جواز سفر. أصبح الجواز السوري أغلى من أي وثيقة، لأنه التذكرة الوحيدة للهروب من الجحيم. اضطررت للاستدانة من كل جهة كي أتمكن من الرحيل. وبعد أن وصلت وبدأت أتعلم اللغة وأحاول الاندماج، جاءت الصدمة: قرار جديد يجمّد لمّ الشمل لعامين إضافيين."

ويُوضح أبو مهيب بحسرة: "هل يُعقل أن أبدأ الإجراءات من جديد؟ ثم أُجبر على الانتظار سنة ونصف أو أكثر؟ هذا ظلم. أعيش منذ ثلاث سنوات بعيدًا عن أولادي، لا أستطيع العودة إلى سوريا، ولا إحضارهم إليّ. فكرة تهريبهم مستحيلة، فقد اختبرت الموت بنفسي في الطريق، والتكاليف باهظة، وعدد أطفالي كبير. كيف أعرضهم لذلك الخطر؟"

بحسب ما ورد في الموقع الرسمي للمكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين، تُمنح الحماية المؤقتة للأشخاص الذين يثبتون بشكل موثوق وجود مخاطر كبيرة تهدد حياتهم أو سلامتهم، ولا يتوفر لهم الحماية الكافية في بلادهم الأصلية.

وأضاف: أبو مهيب "تعلمت اللغة وأتابع دراستي للحصول على رخصة قيادة كي أعمل بشكل رسمي. أريد الاندماج، لكن قلبي معلق بأطفالي. إلى متى ننتظر؟ أين حقوق الأطفال؟ أين حقوق الأسرة؟ نحن لم نأتِ إلى ألمانيا لنعيش على المساعدات، بل لنعيش بكرامة."

رنا تكافح من أجل لمّ شمل أطفالها

من جهة أخرى، تروي اللاجئة السورية رنا (اسم مستعار، 31 عامًا)، وهي أم لطفلين، رحلتها المحفوفة بالمخاطر للوصول إلى ألمانيا، على أمل جمع شمل أسرتها في مكان آمن.

تقول رنا : "وصلت إلى ألمانيا بعد أن سلكت طريق الغابات عبر بيلاروسيا وبولندا. مشت خمسة أيام وسط العتمة والبرد والخوف، مع مجموعة من الشباب، ولم يكن بيننا أطفال. رأيت أشخاصًا يفقدون حياتهم ويُتركون خلفهم لمصير مجهول.

كانت المرأة الوحيدة في تلك الرحلة. قال لها البعض إن هذا الطريق لا يصلح للنساء، لكنه كان الخيار الوحيد لتكون أمًّا حقيقية لأطفالها.

حصلت رنا على "الحماية الثانوية" في ألمانيا، وانتظرت ثلاث سنوات لتبدأ إجراءات لمّ الشمل، لكنها فوجئت بتجميدها بفعل تغيّر القوانين. واليوم، بعد تعليق لمّ الشمل لعامين إضافيين، تشعر أن الأرض انسحبت من تحتها.

توضح رنا: "هذا القرار قاسٍ وغير عادل. انتظرت ثلاث سنوات، والآن يُطلب مني تحمل سنتين إضافيتين، وربما أكثر. لا أعلم إن كنت سأتمكن من لمّ شمل أطفالي قبل أن يكبروا وينسوني. هل سيبقون بحاجة إليّ بعد كل هذا الغياب؟ هل سأظل أمهم في نظرهم؟"

يؤكدعباس الدليمي الناشط االحقوقي أننا نعلم خلفية القرار الحكومي :"هدفه تهدئة مخاوف المواطن الألماني الذي أصبح مستاءً من تزايد أعداد اللاجئين والضغط المتزايد على الخدمات" يقول الدليمي.

هل تبقى الإنسانية في بلد اللاجئين؟

بنبرة يائسة، تضيف رنا: "أطفالي يعيشون الآن من دون أم، ولا أحد يرعاهم كما يجب. لا تعليم ولا استقرار ولا تواصل حتى فالإنترنت في مكان إقامتهم ضعيف وأحيانًا تمر أسابيع دون أن أسمع أصواتهم. هل هذا هو مستقبلهم؟ ألم نأتِ إلى ألمانيا باعتبارها بلد الإنسانية وحقوق الإنسان؟"رنا تعمل على الاندماج في المجتمع، وتجري تدريبا مهنيا لكنها تعيش حيرة كبيرة.

توضح رنا لا أدري هل أواصل دراستي وأكمل طريقي، أم أعود أدراجي بعد كل هذا الجهد. لا أستطيع زيارة أطفالي، ولا جلبهم إلى هنا. وكلما مر الوقت، أشعر أنني أفقدهم أكثر فأكثر."

ويشير الدليمي إلى أن لمّ الشمل يعد جزءًا لا يتجزأ من خطة الاندماج ؟ لذا، شكل قرار تعليق لمّ الشمل صدمة كبيرة لهم، خاصة مع عدم تطبيقه بأثر رجعي، مما يترك العديد من الأسر في حالة صدمة وقلق..

يشار إلى أنه يمكن لمواطني الدول الثالثة، أي الدول خارج الاتحاد الأوروبي، الذين يثبتون التكافؤ الكامل لمؤهلاتهم الأجنبية ويصنفون كـ "عمالة متخصصة"، الحصول على بطاقة الفرصة بمجرد إثبات قدرتهم على تغطية نفقات المعيشة، دون الحاجة إلى استيفاء شروط خاصة إضافية."

قرارٌ سياسي... وثمنه عائلات ممزقة

تتساءل رنا: "لماذا يحصل بعض اللاجئين على لمّ الشمل، بينما يُحرَم آخرون؟ هل سننتظر ست سنوات أخرى قبل أن نتمكن من الحصول على الجنسية؟ هل يُراد لنا أن نعود؟ وإلى أين؟ إلى الموت؟".

المستشار الألماني فريدريش ميرتس، أعلن عزمه تنفيذ مزيد من عمليات الترحيل، منتقدًا سياسات الهجرة في عهد المستشارين السابقين أولاف شولتس وأنغيلا ميركل. جاء ذلك في أول بيان حكومي له أمام البرلمان، بعد أسبوع من توليه المنصب.

بحسب السجل المركزي للأجانب، بلغ عدد الأشخاص الحاصلين على الحماية الثانوية المقيمين في ألمانيا أكثر من 381 ألفًا بنهاية عام 2024، منهم نحو 296,000 لاجئ من سوريا. ولا تزال الأرقام الدقيقة لأولئك الذين تمكنوا من لمّ شمل أسرهم أو ينوون القيام بذلك غير محددة حتى الآن.

"العالم كله يرى ما يحدث في سوريا من تفجيرات وقصف وفوضى، حيث لا أمان هناك. وإذا لم يكن من أجلنا، فليكن من أجل أطفالنا" تقول رنا.

مهاجر نيوز 2025

ندى عبد الفتاح

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة