بطولة أب تهزم السرطان الذي كاد أن يقضى على ولده

  • DWWبواسطة: DWW تاريخ النشر: الثلاثاء، 25 يوليو 2017
بطولة أب تهزم السرطان الذي كاد أن يقضى على ولده

يحكي أُبَيّ سناء لـDW عربية عن رحلته الطويلة مع علاج ابنه حمزة من مرض السرطان، ويقول إنه قبل سنوات، وأثناء قيام زوجته بغسل ابنها حمزة، كما تفعل دائما، اكتشفت الأم أن الطفل، صاحب الأعوام الخمسة، لديه تكتل في بطنه، فذهبنا به فورا إلى الطبيب، الذي طلب عمل "سونار" (تصوير بالموجات الصوتية)، لكن الأمر لم يتضح.

ذهبا الوالدان بحمزة في صباح اليوم التالي إلى مركز لعمل أشعة رنين مغناطيسي، ليخرج طبيب الأشعة مبشرا بأن الأمر بسيط، "فهو عبارة عن "هيمانغيوما" (وحمات وعائية)، قد تذهب بالعلاج أو استئصال جزئي للكبد."

لم يهدأ للوالدين بالٌ فذهبا في عصر ذلك اليوم إلى عيادة أكبر أستاذ كبد للأطفال، فأكد كلام طبيب الأشعة، كاتبا جرعات قوية من الكورتيزون. وفي المساء ذهب الأب وحده لأكبر مركز للأشعة في مصر، وحالة من القلق الكبير والترقب تسيطر عليه "وتمر الدقائق كالسنين"، يحكي أُبَيّ سناء، الذي يعمل مدرسا للإعلام بجامعة حلوان.

في تمام العاشرة ليلا يخبر طبيب في مركز الأشعة والد حمزة أن كلا التشخيصين السابقين خطأ "وأننا أمام أمر جلل لن يتأكد إلا بعمل سونار باستخدام جهاز نادر، ولأول مرة سمعت كلمة السرطان ... وأظلمت الدنيا في وجهي، إذ كيف أرجع الى البيت وأخبر والدته؟"، يتساءَل أُبَيّ.

لم يستطع والد حمزة إخفاء الحقيقة عن زوجته، التي ما أن أبلغها حتى سمع صوت بكاء بنحيب "لم أسمع مثله في حياتي ولا زلت أسمعه حتى الآن"، يقول الرجل. "كان حمزة مازال صغيرا ولم نقل له شيئا فلن يستوعب المرض ولكن قلنا له إن هناك جرحا صغيرا في بطنك ونعمل على إزالته"، يتابع أُبَيّ.

تجربة العلاج

ويحكي والد حمزة أن رحلة العلاج بدأت في ربيع عام 2011 ومستمرة حتى الآن، ويضيف "بدأت بالكيماوي ولياليه الطويلة، ثم عملية معقدة استمرت أكثر من ١٤ ساعة استئصل فيها أكثر من ٧٠ في المائة من الكبد لتبدأ رحلة أخرى من الكيماوي."

بعد إتمام الجرعات بدأت مرحلة متابعة الورم، وفي إحدى المرات وبعد عام كامل عاد الورم ثانية، وبدأت رحلة علاج بالكيماوي من جديد ثم استئصال جزء جديد من الكبد، ثم كيماوي آخر، يوضح والد الطفل.

"بعد عودة السرطان لحمزة للمرة الثانية ضاقت بي الأرض، واسودت الدنيا في عيني وكنت ذاهبا لأركب السيارة واشغل الراديو فسمعت الآية الكريمة "وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ"، وتكرر الموقف أكثر من ثلاث مرات في يوم واحد، فكانت الرسالة، حسب ما فهمت، ألا أيأس"، يؤكد أستاذ الإعلام بجامعة حلوان.

صدمة وقرار صعب!

رغم أن أُبَيّ أستاذ في الإعلام إلا أنه من أسرة طبية، فقد كان والداه طبيبين، لكنهما توفيا قبل تلك الأحداث. استعان بأصدقاء والده كثيرا، لكن المفاجأة أن أحدهم أبلغه أن علاج ابنه يكمن في زراعة الكبد وليس ما قاموا به من استئصال وجلسات العلاج الكيماوي؛ لأن هناك خلايا من الورم طالت الوريد البابي الكبدي المغذي للكبد بالدم.

وضع والد حمزة الحقيقة الجديدة بين أيدي معالجي ابنه وكانت الصدمة أنهم قالوا له: "أتدري معنى زراعة الكبد للأطفال، إنها مغامرة فظيعة لا ننصحك بها لصعوبة تفاصيلها وتكلفتها."

لكن أُبَيّ قرر أن يجري عملية زراعة كبد لابنه وأن يكون هو المتبرع منذ اللحظة الأولى وليس أم حمزة، يحكي الرجل لـDW عربية بتأثر شديد، ولكثرة بكائه أكثر من مرة توقفنا عن الحديث والتقيناه مرة أخرى بعد أيام.

في مصر أجريت فحوصات ضخمة وكثيرة، وكان أصعبها عندما أخذوا منه عينة الكبد لتحليلها وأظهرت النتائج وجود نسبة دهون على الكبد، وقال له الطبيب إن ذلك قد يعيقه عن التبرع لابنه "ساعتها بكيت في الشارع وركنت بجانب الطريق ولم أستطع قيادة السيارة حتى تواصلت مع أحد أساتذة زراعة الكبد وقال إن نسبة الدهون لدى في إطار النسبة المسموح بها في التبرع"، يتابع أُبَيّ.

أمر ملكي سعودي بعلاج حمزة

نصحه فريق من أكبر الأطباء وأمهرهم بعدم إجراء العملية في مصر، لأنهم قاموا بمحاولة زراعة كبد لسبع أطفال مات ستة وعاش واحد فقط. ثم جاء التفكير في إجرائها في مستشفى في بريطانيا، وراسلهم بالفعل وقالوا إنها ستكلف ١٥٠ ألف جنيه استرليني، دون الإقامة وأي علاج إضافي، "فقررت أن أبيع شقتي وسيارتي وسيارة زوجتي على أن اقترض باقي المبلغ وبالفعل هممت في تنفيذ هذه الإجراءات." يقول أُبَيّ. لكنه لم يبع شيئا من كل ذلك، فقد جاء "أمر ملكي" سعودي بعلاج حمزة، عليه اسم الملك الحالي سلمان بن عبدالعزيز، الذي كان وليا للعهد آنذاك.

الحصول على الأمر الملكي كان يبدو مستحيلا. فبعدما نصحه صديق أمريكي، يعمل في إحدى أكبر مستشفيات السعودية بإجراء الجراحة هناك على يد البروفسير الألماني ديتر برورنغ، أحد أكبر جراحي زراعة الكبد في العالم، قيل إن العملية تحتاج إلى أمر ملكي، وكان كان كل من يتكلم مع أُبَيّ يقول له مستحيل أن يصل طلبك إلى الملك (عبدالله) أو ولي العهد، "وبفضل الله لم يمض سوى يومين وكان الأمر الملكي قد صدر"، يؤكد والد حمزة.

كبد رجل كويتي يُزرع في السعودية لطفل مصري

يحكي والد حمزة عن حدوث "معجزة"، فبعدما استأصل الأطباء في السعودية منه الفص الأيسر من الكبد وفتحوا عند حمزة للبدء في زراعته اكتشفوا وصول الخلايا السرطانية للوريد البابي الكبدي، وهذا يجعل زراعة الكبد بلا قيمة، وكان القرار بتأجيل العملية.

لكن في نفس التوقيت وفي الغرفة المجاورة كانت تجرى عملية أخرى لزراعة الكبد لمريض سعودي ضمن بروتوكول تعاون خليجي، وفي يوم ٢٦ يناير/ كانون الثاني ٢٠١٣ كان المريض المتوفى دماغيا في الكويت والمريض الذي سينقل له الكبد في الرياض في مستشفى الملك فيصل التخصصي في الغرفة المجاورة لحمزة.

وصل الكبد بالفعل للغرفة المجاورة ولكن الطبيب نظر إلى الكبد فلم تعجبه حالته وقرر إلغاء العملية، حيث أنه لا جدوى من زراعته، "وهنا تتجلى رحمة الله فالعملية الأخرى ألغيت والكبد الذي جاء من الكويت جاء خصيصا للمريض القابع في الغرفة المجاورة، حمزة أُبَيّ سناء، حيث استخلص الأطباء منه الوريد ليكمل مع الفص الأيسر لي كبدا جديدا يزرع في جسم حمزة"، يحكي والد الطفل.

والعجيب أن يكون الكبد القادم للمتوفى الكويتي من نفس فصيلة دم الأب ودم حمزة ، وتنجح العملية ويتعافى حمزة ويذهب السرطان تماما".

كبر حمزة وأصبح عمره الآن 11 عاما، ويتابع حاليا مع أطبائه كل ٦ أشهر، ويعالج بمثبطات مناعة طوال العمر، ولكن آثارها الجانبية لا تقارن بآثار السرطان.

وينصح والد حمزة من لديه المرض بألا يخاف من السرطان كمرض "فهو سبب من مليون سبب للوفاة مثل حادث بسيارة أو الضغط أو السكر أو أي مرض ..." ويتابع لـDW عربية "على المريض أن يحاول أن يفهم جيدا كل التفاصيل لأنه شريك في اتخاذ القرار الطبي ... فضلا عن ضرورة أن تكون هناك توعية من جانب الدولة ضد مرض السرطان وكل الأمراض."

مصطفى هاشم - القاهرة

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة