تعايش سلمي: اليهود والمسلمون في البوسنة والهرسك

  • DWWbronzeبواسطة: DWW تاريخ النشر: منذ 13 ساعة زمن القراءة: 5 دقائق قراءة
تعايش سلمي: اليهود والمسلمون في البوسنة والهرسك

في العاصمة البوسنية سراييفو تقع الكنائس والمساجد والمعابد اليهودية متجاورة بجانب بعضها البعض. وأقدم هذه المعابد اليهودية "الكنيس القديم" الذي بُني في عام 1566 ويضم اليوم المتحف اليهودي. وهذا الكنيس مبني بالأسلوب المعماري الموري الجديد وما يزال يُستخدم في الصلاة من قبل الجالية اليهودية.

وقبل المحرقة، كانت نسبة اليهود 20 بالمائة من سكان مدينة سراييفو، الذين كان يبلغ عددهم 60 ألف نسمة. وخلال الحرب العالمية الثانية لم ينجُ 85 بالمائة من أفراد الجالية اليهودية من احتلال النازيين للبوسنة والهرسك. وكان عدد الناجين نحو 2000 يهودي هاجر نصفهم تقريبًا إلى إسرائيل بعد عام 1945.

واليوم ما يزال يعيش نحو 700 يهودي في البوسنة، موزعين على ست مجتمعات، ومعظمهم في سراييفو. والمعابد والمؤسسات اليهودية لا تحتاج هناك حماية من الشرطة، على العكس ما هو معهود في دول غرب أوروبا، كما قال فلاديمير أندرل من المجتمع اليهودي في البوسنة خلال فعالية في ميونيخ ضمن مهرجان المهاجرين "أوسارتن" (المختلفون).

ويتولى أندرل منذ عام 2022 رئاسة مؤسسة الرعاية الاجتماعية للجالية اليهودية "لا بينيفولنسيا" (الإحسان)، التي تأسست قبل 133 عامًا. لقد وُلد ونشأ في سراييفو ودرس فيها التربية الموسيقية. وأحيانًا يرتدي الكيباه (القبعة اليهودية) عندما يتجول في المدينة، ولا يخاف.

وفي هذا الصدد يقول: "معاداة السامية انتشرت لدينا أيضًا بشكل كبير على وسائل التواصل الاجتماعي منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 - ولكن حتى الآن لم يسيء لي أحد أو يهاجمني". ويضيف أنَّ العلاقات التي تطورت على مر القرون بين اليهود والمسلمين في البوسنة خلقت أساسًا متينًا بين الطوائف الدينية، لا يمكن إن تدمره حتى حرب إسرائيل في قطاع غزة.

إشارة من القادة الدينيين

وتتميز البوسنة والهرسك حتى اليوم بالهويات الدينية الخاصة بجميع الشعوب الثلاثة التي "تشكّل الدولة" وفقًا للدستور: البوشناق مسلمون تقليديًا، والصرب مسيحيون أرثوذكس، والكروات كاثوليك رومان. وبعد خمسة أيام من مذبحة حماس، دعا مفتي البوسنة الأكبر، حسين كافازوفيتش، الذي يتولى منصبه منذ عام 2012، رئيس الجالية اليهودية، ياكوب فينشي، لشرب قهوة رمزية. وقد أدان الزعيمان الدينيان في بيان مشترك جميع أشكال العنف ضد المدنيين.

وكان الهدف من ذلك هو إظهار أنَّ اليهود والمسلمين يقفون معًا حتى في هذا الظرف الصعب. ويرى أندرل أنَّ هذا كان إشارة مهمة، حتى إلى الذين يعتبرون أنفسهم جزءًا من طائفة دينية من باب العادة فقط.

ولكن كانت أيضًا المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين كثيرة خلال العامين الماضيين. إذ أنَّ معاناة الأهالي المدنيين في قطاع غزة أثارت غضب الكثيرين في البوسنة. ولكن مع ذلك فقد تمت مراعاة الجالية اليهودية، كما يقول أندرل. حيث منع المسؤولون ترديد الشعارات المعادية للسامية مثل "الموت لليهود". ولم تكن المظاهرات تسير مباشرةً أمام المؤسسات اليهودية.

الشجاعة المدنية ما تزال حاضرة في الذاكرة الجماعية

وعندما ظهرت كتابات معادية للسامية على جدران المتحف اليهودي، قامت امرأة مسلمة محجّبة بإزالتها من تلقاء نفسها، كما يقول أندرل. ويضيف "أنَّها تعمل بالقرب وتعتبر هذا العمل غير مناسب. الناس في بلدنا لا يعتبرون يهود سراييفو مسؤولين عن سياسات إسرائيل".

ويلعب موقف الجالية اليهودية خلال حرب البوسنة (1992-1995) دورًا مهمًا في ذلك. وخلال حصار سراييفو من قبل الصرب البوسنيين، قامت مؤسسة "لا بينيفولنسيا" اليهودية بتهريب نحو 2000 بوسني مسلم إلى خارج المدينة بوثائق مزورة تعود لأعضاء الجالية اليهودية. وفي تلك الأيام وصل إلى المدينة عبر هذه المؤسسة اليهودية نحو 40 بالمائة من إمدادات الإغاثة المرسلة لسراييفو.

كما أنَّ مثل هذه الأمثلة من الشجاعة المدنية ما تزال حاضرة في الذاكرة الجماعية البوسنية حتى يومنا هذا، كما تقول دزيفادا غاريك، أستاذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية في كلية سراييفو للعلوم والتكنولوجيا. وتضيف أنَّ "سراييفو تعتبر منذ قرون من الزمن رمزًا للاحترام المتبادل بين المسلمين والمسيحيين واليهود. وهذه الهوية متعددة الثقافات تشكل حتى اليوم حمضنا النووي".

وأنَّ الإسلام في البوسنة اضطر مرارًا وتكرارًا إلى إيجاد إجابات جديدة على ظروف الحياة المتغيرة خلال الحكم العثماني، وفي عهد النمسا-هابسبورغ، وفي يوغوسلافيا الشيوعية، وقد طوّر بالتالي قدرة على مواجهة التطرف.

لا توجد فرصة للتطرف

وتوجد اليوم بطبيعة الحال أيضًا أصوات مسلمة تسعى إلى الانعزال وتريد زرع بذور التطرف، كما يقول فلاديمير أندرل. ويضيف أنَّ "هؤلاء أفراد قليلون، لكن المجتمع لا يسمح لهم باللجوء إلى أعمال متطرفة". وأنَّ التطرف غير موجود لدى المسلمين فقط، ولكن أيضًا لدى الصرب والكروات، كما تظهر مثلًا من الرموز النازية المعروضة علنًا في الجزء الكرواتي من مدينة موستار.

وبالنسبة للمسلمة غاريتش فإنَّ السياسة التي تهيمن عليها النزعة القومية هي التي تعيق تطور البوسنة بشكل رئيسي بعد 30 عامًا من اتفاق دايتون. والبوسنة تعاني من ارتفاع نسبة البطالة والفساد والمحسوبية وغياب سيادة القانون، ولم تتمكن حتى الآن من معالجة ماضيها. تقول غاريتش: "مع أنَّ اتفاق دايتون حقق السلام، ولكنه لم يخلق دولة مستقرة".

اليهود مواطنون من الدرجة الثانية

ومن عيوب اتفاق دايتون أنَّه يميّز ضد اليهود والأقليات الأخرى. فأعضاء هذه الجماعات، المصنفة باعتبارها "جماعات آخرى"، لا يملكون - على العكس من أعضاء "الشعوب المشكّلة للدولة" - الحق في الترشح للرئاسة أو لمقعد في مجلس الشعوب، أعلى مجلس في البرلمان.

لقد أدانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان هذه الممارسة ست مرات منذ عام 2009، باعتبارها تتعارض مع اتفاقية الاتحاد الأوروبي لحقوق الإنسان. ولكن هذه الأحكام لم يتم تنفيذها. ومن أجل إجراء تعديل في الدستور لا بد من وجود توافق بين ممثلي المجموعات العرقية الثلاث التي تشكل الدولة - وهذا التوافق غير موجود في البوسنة في أية مسألة سياسية.

وبعد مرور ثلاثين عامًا على اتفاق دايتون، تظل الآفاق المستقبلة صعبة بالنسبة للبوسنة. ويقول فلاديمير أندرل: "نحن نتقاسم الظروف الصعبة، سواء كنا يهودًا أو مسيحيين أو مسلمين. الفقر والأزمة الاقتصادية وانعدام الآفاق، وغياب سيادة القانون عوامل تؤثر على الجميع".

أعده للعربية: رائد الباش

تحرير: يوسف بوفيجلين

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة