كيف سيغير الذكاء الصناعي الجامعات؟

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الثلاثاء، 02 نوفمبر 2021
كيف سيغير الذكاء الصناعي الجامعات؟

على عكس معظم نتاج التاريخ البشري كانت فكرة وجود الذكاء الصنعي تبدو غالباً خيالاً بحتاً لمعظم الأشخاص، فالتطور التقني الأخير جعل هذه الفكرة قريبة للواقع للغاية ومحط أبحاث كبرى وتمويل عملاق من أكبر الشركات في العالم بداية من (Google) و (Tesla) وحتى (Facebook) و (Apple) و(Microsoft)، وربما الأنجح حتى الآن (IBM).

بالطبع الذكاء الصنعي يعني أن كل ما نعرفه عن العالم اليوم قد يتغير بشكل لا يمكن تحديده بدقة، فالاحتمالات غير منتهية وفي الواقع هناك العديد من العلماء المشككين بجدوى تطوير الذكاء الصنعي وحتى المتخوفين منه ومن كونه ربما يؤدي إلى نهاية البشرية حتى.

لكن بالمجمل الموقف العام من الذكاء الصنعي إيجابي إلى حد بعيد، والغالبية العظمى ترى أن تأثيراته كبيرة ومفيدة لنا كبشر، هنا سنحاول استكشاف التأثير الممكن للذكاء الصنعي علينا وبالتحديد في مجال الجامعات والتعليم العالي.

ماذا يعني الذكاء الصناعي عموماً؟

شرح مفهوم الذكاء الصنعي يحتاج للعديد والعديد من الصفحات كتابةً، كما أنه غير متفقٍ عليه عموماً، حيث لا يتفق العلماء على مفهوم الذكاء البشري ومعناه أصلاً، لكن إذا أردنا التحدث بتبسيط كبير للأمور يمكن وصف الذكاء الصنعي وتمييزه عن أداء الحواسيب العادية بالقول:

إنه قدرة الحواسيب على القيام بمهام أو تصرفات لم تبرمج بها سابقاً، حيث تمتلك القدرة على إبداع أشياء جديدة عليها وتمتلك ما يشبه الوعي البشري (مع كون تعريف الوعي البشري بحد ذاته واحد من أكثر الأمور الجدلية في الفلسفة والعلم حتى اليوم).

حالياً لا يمكن القول بأن الذكاء الصنعي المطور من قبل الشركات المختلفة قادر على التغلب على البشر في مجال الوعي، لكنه بدأ يظهر تفوقه في مجالات أخرى عدة، فمشروع (Watson) الخاص بشركة (IBM) والمستخدم لأغراض طبية يستطيع تشخيص الأمراض بناءً على الأعراض بشكل يضاهي الأطباء وكثيراً ما يتفوق عليهم.

عدا عن كونه قادراً على تكوين آرائه الخاصة والخوض بالنقاشات في مواضيع عدة والتعلم بشكل مشابه للغاية للبشر.

الأمر لا يتوقف هنا، فالذكاء الصناعي تمكن من التغلب على أفضل لاعبي العالم في لعبة (GO) الصينية (وهي لعبة أعقد بكثير من الشطرنج العادي من حيث الاحتمالات) وحتى في لعبة (Dota 2) الشهيرة.

فالذكاء الصنعي بات هو المهيمن، ومع إضافة حقيقة كون روبوتان يعملان بالذكاء الصنعي ضمن أبحاث شركة (Facebook) تمكنا من اختراع لغة خاصة للتواصل بينهما بشكل لا يفهمه البشر، فمن الواضح أننا نقترب أكثر وأكثر من أن نجد دوراً كبيراً للذكاء الصنعي في حياتنا اليومية.

كيف سيؤثر انتشار استخدام الذكاء الصنعي على الجامعات؟

مع أن مشاريع الذكاء الصنعي الأولى كانت قد بدأت عموماً من الجامعات ومراكز الأبحاث الخاصة بها - خصوصاً بعض الجامعات الكبرى مثل: (Harvard) و(Cambridge) و(MIT) وغيرها - فهي اليوم قريبة من أن تضع هذه الجامعات أمام مفرق طرق مهم للغاية: التأقلم أو الانقراض! هنا بعض من أهم النواحي التي ستتغير في الجامعات عموماً في عصر الذكاء الصنعي:

الحاجة القسرية لاستخدام الذكاء الصنعي كأداة تعليمية للجامعات

مع التطور المتتابع والمتسارع كذلك للذكاء الصنعي اليوم فهو يمتلك موارد لا يمكن للبشر الوصول إليها جميعاً، إذ نحتاج لساعات وعلى الأرجح لأيام لننهي قراءة كتاب كبير الحجم ودون التركيز فيه حتى بينما العملية تحتاج لثوانٍ على الأكثر بالنسبة لحاسوب خارق.

أي أن الذكاء الصنعي يمتلك القدرة على فهم وتحليل كمية معلومات أكبر مما يمكن لأي بشري منفرد تحليلها خلال حياته كاملة، ومع الوصول للمعلومات وقدرة الذكاء الصنعي على التعلم الذاتي فسرعان ما سيصبح أفضل بمراحل من معلمي الجامعات الحاليين، حيث سيجعل عملهم منتهي المدة في الواقع مع كونه أكثر إحاطة بالمعلومات عموماً.

هذا الأمر يعني أن الجامعات التي ستنتهج استخدام الذكاء الصنعي كأداء تعليمية (خصوصاً مع تقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز الحالية) ستمتلك أفضلية كبرى من حيث جودة التعليم مقابل تلك التي ترفض أو لا تستطيع استخدامه.

وبمرور الوقت يؤدي هذا الاختلاف إلى تقوية الجامعات الداعمة للذكاء وزيادة نفوذها مقابل ضعف تلك الأخرى وكونها أقل أهمية بمرور الزمن نتيجة ابتعادها عن مواكبة التغيير.

تحسين البحث العلمي والإتيان بنظريات جديدة

على الرغم من أن العديد من الأشخاص يرون الجامعات كمراكز تعليمية بالدرجة الأولى فجزء كبير وأساسي من عمل الجامعات عموماً هو مجال البحث العلمي الذي يحظى باهتمام كبير في الجامعات الأفضل عالمياً.

حيث أن مقدار البحث العلمي المنجز ضمن أي جامعة هو المعيار الأساسي لتقييم الجامعات ومفاضلتها من حيث القيمة التي تقدمها للمجتمع العلمي وللبشرية عموماً بالضرورة، ومع تمكين استخدام الذكاء الصنعي في هذا المجال فالنتائج ستكون مبهرة بشكل مؤكد.

استخدام الذكاء الصنعي في المجال العلمي يساهم في قدرته على الإتيان بفرضيات جديدة، وتنظيم وتصميم التجارب اللازمة لها، وتحليل نتائج التجارب ومقارنتها مع الفرضيات للقدوم بنظريات جديدة.

الأمر لا يتوقف هنا بطبيعة الحال، فمع كون الذكاء الصنعي قادراً على تحليل الكثير من المعلومات والببانات الآتية من الرصد والتجارب كذلك هو قادر على استنتاج ارتباطات وعلاقات بين النظريات من الممكن أن يكون العلماء قد غفلوا عنها، أو أن تخصصهم جعلهم غير مدركين لوجودها أصلاً.

بالمحصلة، يمكن القول أن استخدام الذكاء الصنعي في مجال البحث العلمي على نطاق واسع من شأنه أن يحدث ثورة جديدة في العلم، ويسرع تقدمنا العلمي المتسارع أصلاً بشكل كبير، بالطبع فالعديد من النظريات والافتراضات ستكون ضمن المجالات غير العملية كالفيزياء النظرية والرياضيات مثلاً، لكن التقدم في هذه المجالات هو ما يسمح بالتقدم لمجالات أخرى وينعكس على تحسين نوع حياة البشر عموماً.

الأسئلة الفلسفية التي لا مفر منها في ظل الذكاء الصنعي

وجود الذكاء الصنعي يطرح العديد من الأسئلة الوجودية دون شك، فالذكاء الصنعي يجعلنا نتساءل عن العديد من الأمور التي يتم تجاهلها في الحياة اليومية، فوجود الذكاء الصنعي يعني أننا بحاجة لتعريف موحد وأفضل للكثير من الأمور مثل الذكاء والوعي والإدراك الطبيعيين.

وحتى معنى أن نكون بشراً وما الذي يميزنا حقاً، وعلى الرغم من أن هذه الأسئلة لطالما طرحت من قبل الفلاسفة والمفكرين على امتداد التاريخ المعروف مع العديد من الإجابات المختلفة والمتناقضة أحياناً، فحاجتنا لأجوبة على هذه الأسئلة في عصر الذكاء الصنعي باتت أكبر من أي وقت مضى.

الأمر لا يتوقف عند حدود الأسئلة التي تتناول وجودنا بالطبع، فوجود الذكاء الصنعي يضعنا أمام مفترق أخلاقي كبير في طريقة نظرتنا وتعاملنا مع هذا الذكاء، ففي حال تم تجسيد ذكاء صنعي ضمن آلة ما (Robot) تكون معاييرنا الحالية للتعامل غير كافية لهكذا وضع مستقبلي قد لا يكون بعيداً.

فحتى الآن تتركز الأخلاقيات البشرية عموماً على كوننا مميزين عن كل شيء آخر ويحق لنا استغلال أي شيء أقل وعياً منا، لكن ماذا عن وجود ذكاء صنعي ذي وعي وتفكير أكثر تعقيداً من تفكيرنا حتى؟ ما أسلوب التعامل معه؟ وهل من الممكن استغلاله حقاً؟

التعليم العالمي والتعليم عن بعد أكثر فاعلية مع الذكاء الصناعي

بالطبع فالتعليم عن بعد لم يعد أمراً مستقبلياً اليوم بل أنه أمر واقعي ويحدث بشكل دوري ولو على نطاق ضيق حتى الآن، ومع كون هذا التعليم يعاني من العديد من الثغرات مثل غياب التفاعل الحي من ناحية وعدم قدرة المعلمين على التواصل والتفاعل مع جميع الطلبة في آن واحد.

أو حتى كون التجربة مختلفة للغاية عندما تكون خلف شاشة حاسوب أو هاتف ذكي بدلاً من الواقع من ناحية أخرى، فالذكاء الصنعي والتقنيات الحديثة باتت تحمل معها السر والحلقة الناقصة لجعل التعليم عن بعد وفي مختلف الأماكن أمراً ممكناً.

إضافة الذكاء الصنعي إلى التعليم عن بعد يعني القدرة على التعليم المباشر والتفاعلي والإجابة على الأسئلة والاستفسارات لجميع الطلاب وفي وقت واحد، حيث أن الذكاء الصنعي لا يتقيد بالقيود المفروضة على المعلمين التقليديين من حيث القدرة على التواصل مع شخص واحد في كل لحظة.

ومع أخذ تقنيات الواقع المعزز بعين الاعتبار فتجربة التعليم عن بعد مستقبلاً ستكون فعالةً أكثر من التعليم التقليدي الحالي حتى وأكثر جدوى عدا عن خفض تكاليفها.

جعل التعليم متاحاً لفئات أكثر وبتكاليف أدنى

واحد من العوائق الأساسية أمام انتشار التعليم العالي على نطاق أوسع من الآن هو كونه غالباً ما يكلف الكثير من المال، وعلى الرغم من أن العديد من البلدان تتضمن جامعات حكومية مجانية أو رخيصة إلى حد بعيد.

فغالباً ما يكون التعليم العالي في المؤسسات التعليمية الأفضل أكثر تكلفةً واستنزافاً للموارد بشكل يجعله حصرياً لفئات اجتماعية محددة، فيحرم العديد من الناس منه كما يحرم الجميع من مواهب كانت لتتألق وتبرز في حال حصلت على التعليم المناسب.

استخدام الذكاء الصنعي والتعليم عن بعد قد يكون حلاً حقيقياً لهذه المشكلة، فمع أن هذا الأمر لن يجعل التعليم مجانياً تماماً لكن التعليم عن بعد سيتخلى عن العديد من المتطلبات المكلفة حالياً.

بداية من المناهج الجامعية المستنزفة للمال ووصولاً حتى السكن الجامعي وقاعات المحاضرات وغيرها، فالتخلي عن هذه الأمور يعني انخفاض تكاليف التعليم بالنسبة للجامعات ويتيح لها تخفيض رسومها وأقساطها للوصول لأعداد أكبر من الراغبين بالتعلم.

بالطبع فالانتقال نحو التعليم الأرخص والأفضل لن يكون فورياً وسريعاً بالضرورة لكنه سيتم على مراحل متعددة، ومع تطور الذكاء الصنعي وتقنيات الواقع المعزز والواقع الافتراضي فالأمر يبدو كانتقال حتمي لا مفر منه خلال العقد أو العقدين القادمين.

هل سيكون تقييم الطلاب أكثر عدلاً مع الذكاء الصنعي؟

تستخدم الجامعات والمؤسسات التعليمية عموماً العديد من أساليب تتبع الأداء ومفاضلة مستوى الطلاب بين بعضهم البعض، لكن هذه الأساليب غالباً ما تتركز حول الاختبارات التقليدية بالدرجة الأولى؛ مما يجعلها أقل فاعلية وعدلاً في الواقع.

حيث كثيراً ما تقوم الاختبارات بتقييم الحفظ بدلاً من الفهم، كما أنها غالباً ما تكون غير شاملة لجميع النواحي المهمة لاعتبار الطالب جيداً أو سيئاً وكونه ذو أحقية بالنجاح والتفوق أو لا.

استخدام الذكاء الصنعي لأغراض التقييم بشكل عادل أكثر سيكون مفيداً للغاية بالطبع، ومع أن الأمر يحمل معه مخاوف كبرى تتمحور غالباً حول الخصوصية واستخدام خيارات الطلاب الشخصية خارج نطاق تأثيرها فالمستقبل سيحمل معه -على الأرجح- أنظمة تقييم تعتمد على جمع المعلومات من مصادر أكثر تنوعاً وتبني اختبارات ونشاطات أفضل في تقييم الطلاب وتقليل احتمال ظلمهم قدر الإمكان.

في النهاية، ربما يبدو أن الذكاء الصنعي لا يزال بعيداً جداً (بالأخص لغير المختصين) لكنه يتطور بشكل مضطرد للغاية، حيث تمكن الذكاء الصنعي الخاص بشركة (OpenAI) مثلاً من التغلب على أفضل اللاعبين في العالم في لعبة (Dota 2) الاستراتيجية.

ومع الوقت يبدو أن تطوره سيكون أسرع وأسرع حتى الوصول إلى مستويات ذكاء صنعي يصعب تمييزها عن البشر حتى من ناحية القدرة على الإبداع والتفكير المستقل مثلاً، واستخدام الذكاء الصنعي ضمن القطاع التعليمي يبدو كأنه آتٍ لا محالة.

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة