كيم كونج أون (Kim Kong Un) الرئيس الحالي لكوريا الشمالية

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الأربعاء، 15 سبتمبر 2021
كيم كونج أون (Kim Kong Un) الرئيس الحالي لكوريا الشمالية

ليس فقط الــ(DNA) هو ما يحمله كيم كونج أون من جده كيم إيل سونج وأبيه كيم كونج إيل، وإنما حمل شخصية الزعيم الدكتاتور الذي يسيطر على كل جوانب حياة الشعب الكوري الشمالي، ولم يكن ذلك أمراً غريباً في بلدٍ يسوده النظام الشمولي القائم على وضع كل شؤون الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بيد الحاكم.

ذلك في ظل بيئة يحكمها الخوف والرعب من الأجهزة الأمنية، إلا أن الأكثر إثارة للجدل هو وصول كيم جونج أون أولاً إلى رتبة الجنرال في الجيش الكوري وهو لم يبلغ بعد الثلاثين عاماً ولا يتمتع بأية خبرة عسكرية، ثانياً توليه الحكم وتقديمه على أخيه الأكبر سنا جونغ تشول، إلا أن كيم كونج أون الحاكم الأصغر سناً في القرن الحادي والعشرين؛ يشكل أكبر الأخطار على الأمن الدولي ولاسيما من خلال تجاربه النووية المتكررة، التي لا تقيم اعتباراً للقرارات والعقوبات الدولية.

كما أنه يشكل عامل عدم استقرار للولايات المتحدة الأمريكية وذلك بتطويره المستمر لأنظمة الصواريخ البالستية بعيدة المدى والتي تجعل من السواحل الغربية للولايات المتحدة الأمريكية أهدافاً في متناول اليد، فما الذي يقف خلف شخصية الحاكم الشاب الديكتاتور؟ وكيف وصل إلى الحكم؟ 

طفولة كيم كونج ودراسته في سويسرا تحت اسم مستعار

ولد كيم كونج أون (Kim Kong Un) عام 1983، وهو ابن كيم إيل (Kim Jong-il) الرئيس السابق وقائد الجيش الشعبي في كوريا الشمالية (وصل إلى الحكم عام 1994، وتوفي عام 2011)، كما أن كيم كونج أون ثاني أولاد إيل عمراً، يكبره أخوه كيم كونج تشول (Jong Cho) بعامين، وتصغره أخته كيم يو كونج (Kim Yo-jong) بأربعة أعوامٍ، وفي سن العاشرة التحق كيم كونج بمدرسة خاصة لتعلم اللغة الإنكليزية في مدينة بيرن بسويسرا، ولكن تحت اسم مستعار وهو تشول باك (Chol-pak)، أو باك تشول (Pak-chol)، وكان كيم في تلك الآونة طفلاً خجولاً، يحب كرة السلة ولديه علاقات جيدة مع زملائه.

درس كيم كونغ في جامعة إيل سونج (Il-sung) الكورية في قسم قيادة الضباط من عام 2002 إلى عام 2007، وفي عام 2013 حصل على شهادة دكتوراه فخرية بالاقتصاد من جامعة هيلب (HELP) الماليزية، تزوج من ري سول جو (Ri Sol-ju) في عام 2009، ولديه منها ابنة تدعى جو (Ju-ae).

كيم كونج الوريث الأجدر بالحكم

كان كونغ نام (Kim Jong-Nam)، وهو الأخ غير الشقيق (أخوه من أبيه) لكيم كونج أون، مرشحاً لأن يستلم الحكم في كوريا الشمالية عام 2010، لكن ما أقصاه عن المنصب، هو ما قام به عام 2001، إذ حاول دخول اليابان باستخدام جواز سفرٍ مزور، بغية الدخول إلى طوكيو ديزني لاند إلا أن أمره انكشف وقتها، ما جعل ثقة والده كيم كونج إيل تهتز به ومن ثم أبعد أنظاره عنه في تولي مقاليد الحكم بعده، لذا أصبح الاختيار قائماً بين ولديه كيم كونج أون وأخيه الأكبر جونغ تشول.

إلا أن جونغ تشول كان يتمتع بشخصية رقيقة لا تتسم بالقوة والجلافة، وعلى عكسه كان كيم جونغ الذي يتمتع بصفات القائد الصلب والشديد، وهو الأكثر قرباً في سماته إلى والده، ما جعل اختيار الوالد يقع عليه، مقصياً أخيه الأكبر جونغ تشول، ولم يكتفِ كيم كونج بإقصاء كونغ نام عن الحكم حيث غادر كوريا الشمالية، ليعيش في ماليزيا، وإنما مخاوف كيم كونج من أخيه غير الشقيق وصلت به إلى حد التخلص منه وكان ذلك في 13 شباط 2017 في مطار العاصمة الماليزية كوالالمبور.

حيث نفذت عملية الاغتيال باستخدام السم، وأظهرت كاميرات المراقبة في مطار كوالالمبور تقدم امرأتان قامتا بوضع غطاء مسمم على وجه كيم كونغ نام، ما أودى بحياته، وبعدها تم القبض عليهما ليتبين أن إحداهما من أصل فيتنامي والثانية من أصل إندونيسي، تم تجنيدهما من قبل المخابرات الكورية الشمالية لتنفيذ عملية الاغتيال.

كيم كونغ يرث الحكم و طاعة الشعب

في عام 2009 رُقي كيم كونج أون من قبل والده إلى مرتبة وسطى في لجنة الدفاع الوطني الكوري (وهو جزءٌ من الجيش الكوري)، بعدها أصبحت تماثيل جيم كونغ تقدس كما تماثيل أبيه، وفي نفس العام بدأ والد كيم جونغ يعوّد الشعب الكوري على إنشاد أغنية الثناء لولده بنفس الطريقة التي كانوا ينشدونها بها له، وفي 27 أيلول/سبتمبر عام 2010 قُدّم جيم كونغ للشعب الكوري كجنرال في الجيش الكوري على الرغم من عدم تمتعه بالخبرة العسكرية المسبقة.

وكان تقديمه يسبق عيد العمال في كوريا الشمالية بيوم، وعُين في اللجنة المركزية لحزب العمال في إشارة إلى أنه سيخلف والده في الحكم، وفي العاشر من تشرين الأول/أكتوبر من عام 2010 وقف جنباً إلى جنب مع والده في الذكرى الخامسة والستين للاحتفال بعيد حزب العمال الحاكم في كوريا، فكان ذلك بمثابة تأكيد بأن كيم كونغ سيصبح رئيساً لحزب العمال، وهو ما حصل بعد وفاة أبيه، إذ أمسك مقاليد الحكم في نهاية عام 2011، ولم يكن يبلغ الثلاثين عاماً حينها، ليصبح أصغر حاكمٍ في العالم خلال القرن الواحد والعشرين.

كيم كونج ينفذ سلسلة من الإعدامات منذ تسلمه السلطة

تميزت كوريا الشمالية بنظام حكم شمولي (وهو القائم على الاستبداد بكل نواحي الحياة في الدولة بجميع جوانبها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بذلك تكون بيد فئة واحدة هي الحاكمة)؛ نظام أرسيت أسسه منذ فترة حكم كيم إيل سونغ (جد كيم كونغ أون، ومؤسس الحكم لأسرة كونغ وصل إلى الحكم عام 1946 ميلادي)، ووفقاً لشمولية النظام الحاكم في كوريا، فإن حكم الإعدام كان من الأحكام الأساسية التي تنفذ بحق الشعب الكوري، وهو شيءٌ كرسه القائد كيم كونغ ولم يتخلَّ عنه، بل وسعه ولا سيما ليفرض شخصية الشاب الصغير الذي وصل إلى الحكم ولم يتجاوز الثلاثين عاماً.

بدأ مسلسل الإعدامات والتصفيات السياسية منذ الأعوام الأولى التي تسلم فيها السلطة، والبداية الأقوى كانت بإعدام عمه جانغ سونغ (Jang Song) الذي كان شخصيةً بارزة وأساسية في الأسرة الأولى التي حكمت كوريا الشمالية، كما كان قيادياً بارزاً ولعب دوراً كبيراً في الفترة الأخيرة من حكم جونغ إيل والد كيم كونغ، فكانت تصفيته كنوع من التخلص من الحرس القديم (وهم القياديون الذين امتدت أذرعهم عميقاً في شؤون السلطة)، ما أثار مخاوف كيم كونغ، وبشكل أكبر من عمه الذي كان يحاول الوصول إلى السلطة.

إلا أن كونغ تمكن من تدبير التهم لعمه بأنه يخون صفوف حزب العمال الكوري، وبحجة جعل صفوف الحزب أنقى، كانت نهاية جانغ سونغ إعداماً عام 2013، تلا ذلك إعدام المزيد من أقاربه، فأعدم كيم أخت جانغ وزوجها، ثم أعدم أخ جانغ وبذلك تخلص من كل أقرباء جانغ الذين قد يشكلوا خطراً على سلطته، وامتدت سلسلة الإعدامات، فأعدم كيم وزير الأمن العام سانغ هون (Sang-hon)، بذلك استمر كيم جونغ بانتهاك حقوق الإنسان، بغية إرساء قواعد سلطته وبث الرعب في قلوب المعارضين لسلطته، ليعيد بذلك ممارسات أبيه وجده من قبله.

كيم كونج يخلف وعوده مع الولايات المتحدة الأمريكية

تتسم العلاقات الأمريكية الكورية الشمالية بالتصادم وعدم الاتفاق، لاسيما أن هذه العلاقات المتوترة بدأت مع اندلاع الحرب الكورية عام 1950 في ظل الحرب الباردة، حيث كانت قوات الولايات المتحدة الأمريكية تدعم القسم الجنوبي من كوريا (كوريا الجنوبية)، والاتحاد السوفيتي يدعم القسم الشمالي (كوريا الشمالية).

وتزايد التوتر في العلاقات مع الاتجاه العسكري الذي اتخذته كوريا الشمالية، وذلك منذ عهد كيم إيل سونغ، حيث بدأت في عهده صناعة الأسلحة بعيدة المدى ولاسيما الصواريخ البالستية، ومن ثم تهديده المستمر لأمريكا، لذلك لم تكن هناك حتى علاقات دبلوماسية بين البلدين.

واستمر الأمر كذلك حتى بدايات القرن الواحد والعشرين، فصنف الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش كوريا الشمالية بأنها ضمن دول محور الشر (ويشمل إيران والعراق وكوريا الشمالية)، ذلك في فترة حكم سونغ إيل، الذي صعّد التوتر في العلاقات الكورية الأمريكية، ولم ينتهِ الأمر في فترة حكم السليل الأصغر للأسرة (كيم كونج أون)، حيث قدم في البداية وعوداً وهمية بأنه سيغير سياسته اتجاه الولايات المتحدة، وفي عام 2012 أظهر أنه سيوقف التجارب النووية الكورية، وإطلاق الصواريخ بعيدة المدى، أو تهديد أمن الولايات المتحدة الأمريكية، فكان رد الإدارة الأمريكية بقيادة أوباما بتقديم 240 ألف طنٍّ من المواد الغذائية.

إلا أن كل تلك الوعود كانت هباءً، وكسرت بعد أسبوعين من تأكيدها، كان ذلك في آذار/مارس عام 2012، حيث أطلقت كوريا قمرها الصناعي كوانغ ميونغ سونغ (Kwangmyŏngsŏng) احتفالاً بذكرى ميلاد المتوفى كيم إيل سونغ، ما أثار مخاوف الولايات المتحدة الأمريكية، فأوقفت المساعدات الغذائية عن كوريا رداً على ذلك.

كما أن الرئيس الشاب كيم كونج لم يتوقف عند ذلك وعاد إلى ما كانت عليه العلاقات الأمريكية الكورية قبل توليه الحكم وهي العلاقات المتضاربة والمتوترة، حيث عمل على تطوير الصواريخ البالستية، وأصبح مداها يطال الساحل الغربي للولايات المتحدة الأمريكية، وكان ذلك بمثابة عامل ردع للولايات المتحدة، وتأكيد على سياسة الأب والجد من قبل، فضلاً عن التجارب النووية التي استمر كيم جونغ بإجرائها، فأثارت رعباً في المنطقة ولاسيما لدى كوريا الجنوبية الجارة الأقرب لكوريا الشمالية، كذلك اليابان التي كانت تصل الصواريخ إلى مياهها الإقليمية، ذلك زاد من مخاوف الولايات المتحدة الأمريكية، التي بدأت تصف أعمال كوريا الشمالية بأنها سبيل إلى تكريس مزيد من عزلتها عن المجتمع الدولي.

كيم كونج يخترق الأعراف والقوانين الدولية

استمر كيم كونج باتباع سياسة القائد المجازف الذي لا يبالي بالقوانين الدولية، متجاوزاً في سياسته تلك ما كان يفعله والده من قبله، حيث أجريت في عهده تجربتين نوويتين الأولى عام 2006 والثانية عام 2009، وأثارت كلا التجربتين مخاوف الولايات المتحدة الأمريكية وغضب الرأي العام العالمي، ومن ثم فرض العقوبات على كوريا التي تنص على منعها من القيام بأية تجارب نووية أو إطلاق صواريخ بالستية.

إلا أن كل تلك القرارات التي اتخذها مجلس الأمن ذهبت سدىً، وأثارت التجارب التي أجراها كيم كونج أون رد فعلٍ عالمي أكبر لا سيما التجربة النووية الخامسة التي أجريت في كانون الثاني/يناير عام 2016، والتي أدت إلى هزة أرضية بمقدار 5.3 رختر في شمال شرق كوريا الشمالية، وكان أن وسعت الولايات المتحدة الأمريكية عقوباتها بالتعاون مع الصين الحليف الرئيسي لكوريا الشمالية، وتمثلت العقوبات بوقف استيراد الصين للفحم الكوري الشمالي، بغية عدم حصول كوريا على موارد اقتصادية كافية لإجراء تجاربها النووية أو تطوير الصواريخ البالستية.

فعل ما لم يفعله كلٌّ من والده وجده

رغم موقف كيم كونج المعادي للولايات المتحدة الأمريكية، وما تتميز به العلاقات الكورية الأمريكية من توتر منذ عام 1950 (كما أسلفنا)، إلا أن العلاقة التي تربط كيم كونج بلاعب كرة السلة الأمريكي دينيس رودمان (Dennis Rodman) (من محترفي كرة السلة الأمريكية الملقب بالدودة)، وصداقتهما القوية جعلت كيم كونج يصنع ما لم يصنعه أبوه أو جده من قبل (بعدم إقامة أي علاقة ود أو تقارب مع الأمريكان).

بل كان رودمان يقوم بزيارات متكررة إلى كوريا الشمالية، ويتدخل في اختيار لاعبي فريق السلة الكوريين الذين سيشاركون بمنافسات كرة السلة والبطولات الأولمبية، كما أن كيم جونغ قدم زوجته ري سول جو (Ri Sol-Ju) لأول مرة للشعب الكوري عام 2012 في أجواء احتفالية احتوت على موسيقى البوب الأمريكية، وهو ما لم يسبق له مثيل في كوريا الشمالية، بيد أن ذلك اقتصر فقط على الناحية الثقافية والرياضية، ومن الناحية العسكرية والسياسية فإنه لم يقدم أية تنازلات بل كان متعنتاً بدرجة أكبر من والده وجده كما تحدثنا سابقاً.

ختاماً.. تعتبر شخصية الزعيم الكوري كيم كونج أون من الشخصيات الفريدة على المستوى العالمي، ولا سيما لما يتمتع به من غرابة أطوار ورغبة جنونية في إثارة الرعب على نطاق دولي، وتحدي الولايات المتحدة الأمريكية وتهديد استقرارها.

وتختلف وجهات النظر حول كيم كونغ فهو من جهة حاكمٌ ديكتاتور يستبد بكل جوانب الحياة ويثير رعب الشعب الكوري، حيث أنه بمثابة الحاكم المقدس الذي يركع الشعب لتماثيله ويخضع لقراراته، ويعاقب أشد العقاب من يخالف سياسته وسلطته، ومن جهةٍ أخرى يعتبر كيم كونج الشخصية التي حافظت على مكانة كوريا الشمالية لا سيما عسكرياً، بل جعل منها قوة عسكرية لا يستهان بها، كما لعبت شخصيته الجنونية دوراً بارزاً في إثارة رعب الولايات المتحدة الأمريكية، بالتالي جعل كوريا الشمالية تلك القوة العسكرية والنووية التي لا يمكن الاعتداء على حرمة أرضها.