أجمل شعر قيل في الليل وأبيات شعر فصيح عن الليل

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 | آخر تحديث: الأحد، 18 ديسمبر 2022

This browser does not support the video element.

مقالات ذات صلة
أجمل أبيات شعر عن الدنيا والناس.
أجمل قصائد وأبيات شعر مدح​​​​​​​
شعر عن الحب.. تعرف على أجمل أبيات العشق والغزل

لا يمكن إحصاء عدد مرات ذكر اللَّيل في الشِّعر العربي، حيث تشعَّبت دلالات اللَّيل وتعددت استخداماته حتَّى بات من الصَّعب أن يُتمَّ الشَّاعر ديوانه دون أن يستخدم رمزية اللَّيل.

فيديو ذات صلة

This browser does not support the video element.

في هذه المادَّة سنطَّلع وإيّاكم على مجموعة من أجمل القصائد والأبيات التي قيلت عن اللَّيل أو استخدمت اللَّيل كرمزٍ لأحاسيس ومشاعر متنوعة، فكان اللَّيل جديراً بحمل هذا العبء لتصلنا أبيات شعر عن الليل.

رمزية الليل في القصيدة العربية

قبل أن نخوض في عرض جمل ما قيل من شعر عن الليل حسب المواضيع سنتوقف قليلاً عند رمزية الليل، فيما يحتويه الليل من ظلام ووحشة أوحى إلى العديد من الشِّعراء أنْ يستخدموا رمز الليل للتعبير عن الحزن والأسى.

فها هو أبو الطيب المتنبي يقول في رثائه لشقيقة سيف الدولة:

أرَى العرَاقَ طوِيلَ اللَّيلِ مُذ نُعِيَتْ فكَيفَ ليلُ فتَى الفِتيانِ في حَلَبِ

فأبو الطَّيب الذي بلغه خبر وفاة خولة وهو في العراق أحسَّ أن اللَّيل قد طال عليه ويتساءل عن حال سيف الدَّولة صاحب الفاجعة متوقعاً أنَّ ليله قد طال أكثر. وسنجد نفس المعنى للَّيل في قول أبو تمام:

عادتْ له أيامُه مسودَّةً حتى توهَّم أنَّهنَّ ليالي

لكن هناك من وجد في الليل مراداً آخر

فعلى الرغم من ارتباط الليل بالهمِّ والضِّيق أيضاً إلَّا أن قيساً بن الملوَّح يناجي ليله كأنَّه صديق أو وخل؛ يقول مجنون ليلى مناجياً اللَّيل:

أيا ليل زنْدُ البَيْن يقدَحُ في صَدري ونَار الأسى تَرمي فُؤادي بالجَمرِ

وسنجد مثل هذه المناجاة بل وأكثر منها تقرباً إلى الليل في أبيات الشَّاعر العراقي بدر شاكر السَّيَّاب:

ليتَ اللَّيالي تُنسي قَلبي الألمَا، والنَّجم يُنِبئها عَني بِما عَلِما

لعَينيكَ يا ليلُ سِرٌّ لا تبوحُ بِهِ، أُغمضتْ عَنهُ عيونُ النَّاسِ فانكَتَما

كما سنجد توقُّد هذه العلاقة في أوجِّها عند الشَّاعرة نازك الملائكة في قولها:

إِيهِ يا عَاشِقةَ اللَّيلِ وواديهِ الأَغنِّ

هو ذا اللَّيل صَدَى وَحي، ورؤيا مُتَمنِّ

تَضحكُ الدُّنيا وما أنتِ سوى آهةِ حُزْنِ

فخُذي العودَ عن العُشْبِ وضُمِّيهِ وغنِّي

وصِفي ما في المَساءِ الحُلوِ مِن سِحرٍ وفنِّ

كما نرى اتحاداً بين الشَّاعر واللَّيل في قصيدة فدوى طوقان التي هي حوار بينها وبين قلبها، فتخبره عن الليل وترصد الشبه بين الليل وقلبها:

وللَّيلِ يا قَلبُ أيُّ امتِدادٍ يحُيطُ بهذا الوُجودِ العَظيمْ

سَرَى واحتَوى الكَونَ في عُمقِهِ فلفَّ البِحارَ ولفَّ الأديمْ!

وكاللَّيل أنتَ، حويتَ وُجوداً مِن العَاطفاتِ كَبيراً جَسيمْ

ففيكَ السَّماءُ، وفيكَ الخِضمُّ، وفيكَ الجَديدُ، وفيكَ القَديمْ!!.

ليالي الحبِّ والغزل لها حصَّة من الأبيات والقصائد

كما هي العادة لا يمكن أن يكون للرمز دلالة واحدة ما دام قد وصل الأمر إلى الشُّعراء، فاللَّيل المظلم الحالك قد يتحول إلى نورٍ في الغَزل، أو قد يزداد ظلاماً للفراق، لنتعرف ما قاله الشُّعراء العشاق من ابيات شعر عن اللَّيل.

لنبدأ مع بهاء الدِّين زهير وهو يواجه الليل والشوق مجاهداً، فيقول:

غَيري عَلى السَّلوانِ قَادِرْ، وسِوايَ في العُشاقِ غَادِرْ

لي في الغَرامِ سَريرَةٌ واللهُ أعْلَمُ بالسَّرائِرْ

يا لَيلُ مَا لَكَ آخرٌ يُرْجَى، ولا للشَّوقِ آخِرْ

يا لَيلُ طُلْ، يا شَوقُ دُمْ، إنِّي عَلى الحَالَينِ صَابرِ

لي فيكَ أجرُ مُجاهِدٍ؛ إنْ صَحَّ أنَّ اللَّيلَ كافرْ

يعجب الشَّاعر يحيى السماوي من اجتماع الظلام والنور في وجه من يحب، فيقول:

لَيلٌ حِجابُكِ حَولَ وجهِكِ قد سَجا فعَجِبتُ إذْ جُمِعَ الضِّياءُ مَع الدُّجى

(الدُّجى: سواد الليل مع الغيم مغطياً القمر والنجوم)

جَلسا معاً: لَيلٌ وصُبحٌ مُشمـِسٌ فكأنَّ بَدراً بالظَّلامِ تبَرَّجا

ومَشتْ؛ فقُلتُ: ربابَةٌ تمشي على صَدرِي فحَقّ لخافقي أنْ يَهزِجا

وتـثاقَلتْ في الخَطوِ تفتعِلُ الضَّنَى، فودَدْتُ لو كانتْ ضُلوعِي هَوْدَجا

أمَّا الشَّاعر علي محمود طه فيرى في الليل موعداً لتلبية دعوة ملاك الحب:

دنا اللَّيل فهيا الآن يَا ربَّةَ أحلامِي، دَعانَا مَلكُ الحُبِّ إلى مِحرابِهِ السَّامِي

تَعالي فالدُّجَى وَحيُ أناشِيدٍ وأنغَامِ

سَرتْ فَرحَتُهُ في الماءِ والأشجارِ والسُّحبِ، ألا فلنحلُمْ الآنَ فهذي ليلةُ الحُبِّ

على النِّيلِ، وضوءِ القَمرِ الوضَّاح كالطِّفلِّ، جَرى في الضِّفة الخَضراءَ خَلفَ الماءِ والظِّلِ

تعالي مِثلَهُ نَلهو بلثمِ الوَردِ و الطَّلِّ

هناكَ على رُبى الوَادي لنا مَهدٌ مِن العُشبِ، يلفُّ الصَّمتُ رُوحينَا ويَشدو بلبلُ الحُبِّ

الشاعرة فواغي صقر القاسمي تقول:

صيَّرنا الحُبَّ قصائدَهُ رَوضاً يَختالُ بهِ الوَردُ

ونجومُ مَساءٍ سَاهرةٍ، كَمْ لَيل العَاشقِ مُمتدُّ

يَسقينَا خَمرَ صَبابتِهِ يُثمِلُنا حِيناً ويصدُّ

نبقى والحُلمُ يهدهدُنا فيَتيهُ الشَّوقُ ويرتَدُ

لا نعرف كَيفَ نخبؤنا! وعيونُ الفَجرِ لنَا رَصدُ

فكأنَّ النَّورَ يُهددُنا برجيمِ الوَقتِ ويحتدُّ

إذ أنَّ اللَّيل بنا شَغِفٌ وكلينَا يُشعلِهُ الوَجدُ

يا قمرٌ ما بالُكَ سَاهٍ تَتركُنا حِينا وتَردُ

نتساقَطُ في كَفِ الدُّنيا ولهاً، والعِشقُ بِنا يَشدو

"يا ليلُ الصَبُّ متى غَدهُ" هل بالإصباحِ لنَا وَعدُ؟

يُسهرنا الحُبُّ ينادمِنا كَم لَيل العَاشِقِ مُمتَد!!

وفي الليل تستعر الأشواق وتستبدُّ بقلوب المحبين

لأن الشَّوق يرتبط بالسَّهر وفقدان القدرة على النوم سنجد أنَّ المشتاق تجمعه علاقة مميزة مع الليل، فهو وإن أراد أنْ ينام ليله لم يستطع حتَّى صار شوقه شوقان، أولهما لمن يحب وثانيهما للنوم.

وهذا ما يعبِّر عنه مصطفى صادق الرافعي في قوله:

حرَّمتَ يَا لَيلُ عَلينا المَنامْ، أمَا كَفَى الهَجرُ وبَرْحُ الغَرامْ

مَهلاً أبثُّ وَجدِي وقِفْ، لا يَنقلُ الوَاشونَ عنَّا الكَلامْ

يا ليلُ بي همَّي وظلمُ الوَرى وأنتَ والهَجرُ وكَلٌّ ظلامْ

أراكَ للعشاقِ قَبراً فهلْ فيكَ مِن العُشَاقِ إلا عِظامْ؟!

رُحماكَ يا لَيلُ ورُحماكَ بي وألفُ رُحماكَ ودَعني أنامْ

عسَى يوافي طَيفُها مَضجَعي فتَسمحُ اليَومَ ولو بالسَّلامْ

ويلاهُ مِن سَقمِ الهَوى، والهَوى إنْ قلتُ وَيلاهُ يزدني سقامْ!

أمَّا ابن النَّبيه فقد وَصَلَ السَّهر وهجر النوم سابحاً بدموعه وحرِّ أشواقه؛ يقول:

قمتُ لَيلَ الصُّدودِ إلَّا قَليلا، ثُمَّ رَتَّلتُ ذِكرَكم تَرتيلا

ووَصلتُ السُّهادَ قُبِّحَ وصلاً، وهَجرتُ الرقادَ هَجراً جَميلا

مَسمَعي كَلَّ عَن كلامِ عَذولٍ حينَ ألَقَى عَليهِ قَولاً ثَقيلا

وفؤادي قَد كانَ بَينَ ضُلوعِي أخذَتْهُ الأحبابُ أخذاً وَبيلا

قُل لرَاقي الجُفونِ إنَّ لجَفني في بَحارِ الدُّموعِ سَبحاً طَويلا

والمشتاق ابن شيخان السالمي يتمنَّى لو أنَّ نور الحبيب يطلُّ فيغيِّر ما في هذا الليل من عتمة ولوعة؛ يقول:

يُهَنّا بطيب النَّومِ لَيلُ الحَبائبِ، وبالسُّهْدَ لَيلُ الصَّبِّ رحبُ الجَوانبِ

سَهرتُ بليلٍ لا لصبغَةِ لونِهِ انجلاءٌ ولا نجمُ السَّماءِ بغارِبِ

أبثُّ بِهِ كُتبَ المحبَّةِ والأسَى، يقابِلُني فيهِ ببثِّ الكَتائبِ

أما للوجوهِ المسفِراتِ بليلِنا طُلوعٌ؟! فإني بَعدها في غَياهِبِ

وهل للَّيالي الماضياتِ بطِيبِها رُجوعٌ؟! فحالي في النَّوى والنَّوادبِ

أمّا البحتري فله باعٌ طويل في السَّهر اشتياقاً، فلا تكاد الدُّموع تطفئ ناره حتَّى يشعلها العشق وآلامه، يقول الوليد بن عبيد بن يحيى التنوخي الطَّائي الملقَّب بالبحتري:

كَمْ لَيلةٍ فيكِ بِتُّ أسهَرُها!، ولَوعَةٍ في هَواكِ أُضمِرُها!

وحُرقَةٍ والدُّموعُ تُطفِئُها، ثُمَّ يَعودُ الجَوَى فيُسعِرُها (الجوى: شدَّة العشق وحرقته)

يا عَلْوَ! عَلَّ الزَّمانَ يُعقِبُنَا أيَّامَ وَصلٍ نَظَلُّ نَشكُرُها

وهذا صاحبنا شاعر عصره أبو الطَّيِّب المتنبِّي وقد أصبحت لياليه كلُّها طوال ومتشابهة لما يذوقه من شوقٍ وألمِ فراق؛ فيقول:

لَياليَّ بَعدَ الظَّاعِنِينَ شُكُولُ طِوالٌ ولَيلُ العَاشِقينَ طَويلُ

(الظاعن: المسافر، شكول: يقصد بها التشابه)

يُبِنَّ ليَ البدرَ الَّذي لا أُريدُهُ ويُخفِينَ بَدراً مَا إلَيهِ سَبيلُ

ومَا عِشْتُ مِن بَعدِ الأحِبَّةِ سَلوةً، ولَكِنَّني للنَّائِباتِ حَمُولُ

وإنَّ رحِيلاً واحِداً حالَ بَينَنَا، وفي المَوْتِ مِنْ بَعدِ الرَّحيلِ رَحيلُ

أما في النُّجوم السّائراتِ وغَيرِهَا لعَيْني عَلى ضَوْءِ الصَّباحِ دَليلُ؟

ألمْ يَرَ هَذا اللَّيلُ عَينيكِ رُؤيَتي فَتَظْهَرَ فيهِ رِقَّةٌ ونُحُولُ؟!

ويدخل بدر شاكر السَّيَّاب في حوار طويل مع الليل، فلا بد أنَّ الليل قد احترق وأفزع الكواكب والنُّجوم لرؤية محبوبته، لكن الشَّاعر نفسه يشتاق لهذا اللقاء! حيث يقول:

ليتَ اللَّيالي تُنسي قَلبي الألمَا، والنَّجم يُنِبئها عَني بِما عَلِما

لعَينيكَ يا ليلُ سِرٌّ لا تبوحُ بِهِ، أُغمضتْ عَنهُ عيونُ النَّاسِ فانكَتَما

إلَّا عيونِي مَا أغمَضَتْ سَاهِدَها، فبِتْنَ يرقبنَ مِنكَ النَّوءَ والظُلمَا (النَّوء: النجم إذا مال للغروب)

قَدْ اتقيتُ أذَاها فاستثرتُ لَها دَمعاً لَهتْ فِيهِ عمَّا فيكَ مُنسجِمَا

صَحبتُ فيكَ سَرى الأحلامِ مُفزِعها وعَذبها فطويتَ الغَور والأكَمَا

فما التقيتُ بمَن أهَوى، أتَحسبها يقظَى لديكَ فمَا أهديتَها حُلما؟!

و هَل نعمتَ مِن الدُّنيا برؤيَتِها؟ أمَا احترَقتَ فأفزعتَ النُّجومَ... أما؟!

ألمْ تخُنكَ الدَّراري مُذ شُغِفنَ بِها؟! وكيفَ وارينَ غَربَ الدَّمعِ حينَ هَما؟

(...)

فمَا نُجومُكَ وهيَ النَّيراتُ سِوى آثارِ أقدامِها تَروِي لكَ الألمَا

ومَا أغَانيكَ وهيَ الخَالداتُ سِوى أشَتاتِ قلبي تَروي حبَّهُ نَغَما

أما سَئمتَ مِن الآهاتِ نُرسِلُها ناراً؟! وقلبُكَ مِن قَلبي أمَا سَئما؟!

ضمَّ الفُؤادينِ لِمَ تُبقِ النَّوى بهما؟ ما يَستطيعُ حَياةً إنْ هُما انصرما

لطالما ارتبط رمز الليل الصَّريح والمبطَّن بالأُنس واللَّهو...

إذا كان في الليل حرقة للعاشق ولوعة للمشتاق ففيه أيضاً لذَّة الوصل، لذلك نجد أن لليل السَّعيد اللَّاهي حظ من الشِّعر كما لليل الكئيب المسهِد إن لم نقل أكثر.

ومن أشهر ما قيل في ليالي الأُنس موشح لسان الدين بن الخطيب، وهو من أشهر القصائد المغنَّاة التي قدمتها فيروز بلحنٍ بديع، يقول ابن الخطيب:

في لَيالٍ كتَمَتْ سِرَّ الهَوَى، بالدُّجَى لَولا شُـموسُ الغُـرَرِ

مَالَ نَجمُ الكَأسِ فِيها وَهَوَى، مُستقيمَ السَّيرِ سَعْدَ الأَثَـرِ

وطَـرٌ مَا فيه مِن عَيبٍ سِوَى، أَنَّهُ مَرَّ كَلمْحِ البصَرِ (الوطر: الغاية)

حِينَ لذَّ الأُنسُ شَـيئاً أَو كَما، هَجَمَ الصُّبحُ هُجومَ الحَرَسِ

غَارت الشُهبُ بِنا أو ربَّما، أَثَّرَتْ فِينا عُيونُ النَّرجِسِ

ويتذكر الفارس والشَّاعر أبو فراس الحمداني ليلة من ليالي الأُنس:

يا لَيلةً لَستُ أنسى طِيبها أبداً، كَأنِّ كُلَّ سُرُورٍ حَاضِرٌ فِيهَا

باتَتْ وبِتُّ، وبَاتَ الزَّقُّ ثالِثَنَا حَتَّى الصَّبَاحِ تُسَقيني وأسقِيهَا

(الزَّق: وعاء من جلد للشراب)

كَأنَّ سُودَ عَنَاقِيدٍ بِلِمّتِهَا أهدتْ سلافتها صرفاً إلى فيها!

(السُّلافة: أفضل الخمر وأجوده )

كذلك يتذكر الشَّاعر السُّعودي عبد الله الفيصل إحدى ليالي الوصل فيقول:

ليلةٌ مرَّتْ بدهري، لم تَكُن مِن خَيطِ عُمري

إنْ تَكُن مرَّتْ سَريعاً فهي مَا زالتْ بفِكري

لَستُ أدري كَيف مرَّتْ يا حبيبي لَستُ أدري

قدْ نَسيتُ النَّفسَ فيها وجعلتُ الحُبَّ خَمري

كانَ لَيلي مستَنيراً إذ أضَاء اللَّيلُ بَدري

أسعدُ الأوقاتِ عِندي عندَما هدهدتَ صَدري

طارتْ النَّفسُ شجاعاً سابحاً في الخلد يَسري

ليتَها عَادت سَريعا ليلة مرَّت بعمري

ويروي الشَّاعر الجزائري عبد القادر مكاريا إحدى لياليه بما يمكن أن يعتبره البعض شعراً فاحشاً، لكنه لا يخلو من العذوبة والرِّقَّة:

سَاهراً كنتُ معَ اللَّيلِ، وغيري لا يعي

والَّتي كانتْ مَعي، أثقَلَ اللَّيلُ الطَّويلُ مهدبيْها... زادتْ طَمعي

قلتُ: أُعطيكِ ثَلاثين دليلاً لبُلوغي واختصارِ الوَجعِ

فاعبري صَمتي إليَّ، وحنيني، وجهاتي الأربعِ

نتعاطى بَعضنا في الصَّمتِ، نغفو في النَّبيذ المُمتِعِ

نتعرَّى مِن خطايا كُلِّ عشاقٍ تناءوا، وتلاقوا، فيا للغرامِ الوَاسِعِ

(...)

أيُّها اللَّيل ترفَّقْ، أيُّها الشِّعرُ تدفَّقْ

أيُها القَلبُ تمزَّقْ

كيتيمين؛ نُباهِي بَعضنا بالحزنِ، والخِبرةِ في اللَّهوِ... ونغرقْ

يميَّز الشُّعراء ليلة بعينها لحدثٍ وقع فيها

إذ نجد الشُّعراء قد فضلوا اللَّيل على النهار للدلالة على يوم وقوع الحدث، وإن كنا لا نعلم إنْ كان هذا الحدث قد وقع حقاً في اللَّيل أم أنَّها وسيلة اتبعها الشَّاعر لاستغلال ما في رمزية الليل من شجنٍ وقوة.

ومن هذه اللَّيالي قصيدة هاشم الرفاعي التي تحاكي رسالة محكومٍ عليه بالإعدام يكتبها في ليلته الأخيرة:

أبتاهُ ماذا قدْ يَخطُّ بَناني والحَبلُ والجَلادُ ينتظراني

هذا الكِتابُ إليكَ مِنْ زَنْزانَةٍ مَقرورَةٍ صَخرِيَّةِ الجُدْرانِ

لَمْ تَبْقَ إلاَّ ليلةٌ أحْيا بِها وأحِسُّ أنَّ ظَلامَها أكفاني

سَتَمُرُّ يا أبتاهُ لَستُ أشكُّ في هَذا وتَحمِلُ بعدَها جُثماني

اللَّيل مِنْ حَولي هُدوءٌ قاتِلٌ والذِكرياتُ تَمورُ في وِجداني

ويَهُدُّني أَلمي فأنْشُدُ راحَتي في بِضْعِ آياتٍ مِنَ القُرآنِ

ومع أحمد شوقي سنجد عمقاً مختلفاً، فهو يؤرِّخُ ليلةً اجتمع فيها الموت والميلاد؛ يقول:

يا لَيلةً سَمَّيتُها لَيلَتي لأَنَّها بالنَّاس ما مَرَّتِ

أذكرُها، والمَوتُ في ذِكرها عَلى سَبيلِ البَثِّ والعِبْرَةِ

ليعْلَمَ الغَافلُ ما أمسُهُ؟ ما يَومُهُ؟ ما مُنتَهى العِيشةِ؟

نبَّهَني المَقدورُ في جُنْحِها وكُنتُ بينَ النَّوم واليَقْظةِ

الموتُ عَجلانٌ إلى والدي، والوَضعُ مستَعصٍ على زَوجتِي

هذا فَتىً يُبكَى على مِثلِه، وهَذه في أوَّلِ النَّشأةِ!!

وتِلكَ في مِصْرَ عَلى حالِها، وذاكَ رَهْنُ الموْتِ والغُرْبَةِ

والقَلبُ مَا بَينَهما حَائرٌ، من بَلْدَةٍ أَسْرى إلى بَلدةِ

حتَّى بَدا الصُّبحُ ، فولَّى أبي، وأقبلتْ بعدَ العَناءِ ابنتي!

فقلتُ أَحكامُكَ حِرنا لها يا مُخرجَ الحيِّ مِنَ الميِّتِ!

أمَّا كآبة الليل فتتعدى الأشواق والحبَّ إلى كآبة الشعراء أنفسهم

وإنْ كنا قد رأينا كآبة الليل في بعض ما قرأنا من قصائد الحبِّ والاشتياق إلَّا أنَّ الليل من أكثر رموز الكآبة استعمالاً في شتَّى المواضيع.

فما أن يأتي الشَّاعر إلى ساحة الألم حتَّى يرى في الليل من السكون والظلام ما يؤهله ليعبِّر عن هذا الألم أو بعضه.

فها هو الشَّاعر إيليا أبو ماضي يناجي اللَّيل فلا ندري أهو يهجونه أم يعاتبه!

يا لَيلُ قدْ أغريتَ جِسمي بالضَنا حتَّى ليؤلِمَ فَقدهُ أعضَائي

ورَمَيتَني يا لَيلُ بالهَمِّ الذي يَفري الحَشَا، والهَمُّ أعسرُ دَاءِ

يا لَيلُ مَالكَ لا تَرِقُّ لحالَتي أتُراكَ والأيَّام مِن أعدائي؟

يا لَيلُ حَسبي مَا لَقيتُ مِن الشَّقَا رُحماكَ لَستُ بِصخرةٍ صَمَّاءِ

بِنْ يَا ظَلامُ عَن العُيونِ فرُبَّما طَلعَ الصَّباحُ وكانَ فيهِ عَزائي!

ونرى أبو القاسم الشابي يدخل مع الليل في حوارٍ وجودي عميق فيسأله عن القدر:

يا لَيلُ ما تَصنعُ النَّفسُ التي سَكَنتْ هَذا الوجودَ ومِنْ أعدَائِها القَدَرُ؟

تَرضَى وتَسْكُتُ؟ هذا غيرُ محتَمَلٍ، إذاً فهل تَرفضُ الدُّنيا وتَنتحِرُ؟

وذا جنونٌ لَعَمري كلُّهُ جزعٌ باكٍ ورأيٌ مريضٌ كُلُّه خَوَرُ!

فإنَّما الموتُ ضَربٌ مِن حَبائِله لا يُفلتُ الخَلقُ ما عاشوا... فما النَّظرُ؟

كما يرى الشَّاعر اليمني عبد الله البردوني في اللَّيل من الكآبة والحزن ما لا يمكن للقلب احتماله، لكنه أيضاً يرى أنَّ اللَّيل في جوفه أسرار كثيرة؛ فيقول:

كَئيبٌ بَطيءُ الخُطى مؤلِمُ يِسيرُ إلى حيث لا يَعلَمُ

ويسري، ويسري؛ فلا ينتهي يسراه ولا نَهجهُ المُظلِمُ

وتَنسابُ أشباحُهُ في السُّكونِ حَيارى بخيبَتِها تَحلُمُ

هو اللَّيلُ في صَمتِهِ ضَجَّةٌ وفي سرِّهِ عَالمٌ أبكَمُ

كأنَّ الصَّبابات في أفقِهِ تَئنُّ فترتَعشُ الأنجُمُ

حزينٌ غَريقٌ بأحزانِهِ كَئيبٌ بآلامِه مُفعَمُ

كأنَّ النُّجومَ على صدرِهِ جِراحٌ يلوحُ عَليها الدَّمُ

هو اللَّيل يَطوي بأعطافِه قُلوباً بأشواقِها تُضرمُ

تُساهِرُ أعينُ السَّاهرينَ وتقتَاتُ أحلامه النوَّمُ

ويشكو إلى جوِّهِ عَاشقٌ ويشدو على صمتِه مُلهَمُ

يُناجي المعنَّى المُعنّي به ويهفو إلى المغرَمِ المغرَمُ

ويبتهِجُ القَصرُ في ظلِّهِ وينتَحبُ الكُوخ والمعدمُ

ففيه التآويه والأغنياتُ وفي طيِّهِ العُرسُ والمأتمُ

وفي صَدرِه سُرُّ هذا الوجودِ فماذا يُذيعُ وما يَكتمُ؟

واللَّيل بالنسبة لآلام إبراهيم ناجي وقت الذروة! فالجرح الذي يرافقه ينفجر ليلاً، يقول ناجي:

ذَلكَ الجُرحُ ومَا أفدحَهُ ما عَليهِ لَو إلى السَّلوى عَبرْ

قدْ طَواهُ اليَّومُ في بُردَتِه وأتَى اللَّيلُ عليهِ فانفَجرْ!

ويصوِّرُ الياس أبو شبكة ليلة الشَّاعر المهموم؛ فيقول:

لِمَ ينقضِ اللَّيلُ ويَأتي السَحَر، مَهزلَةٌ مِن مهزَلاتِ القَدَر

في ذلِك اللَّيل العَصيبِ الطَويلْ، تذَكَّرَ الشَّاعِرُ عَهداً جَميلْ

لم يَرَ مِنهُ غيرَ شَطرِ ضَئيلْ

إِذا كَانَ في مَيعَتِهِ الناعِمَةْ، يَحلمُ بِالسَّعادَةِ الدائِمَةْ

خابَ رَجاءُ الأنفُسِ الحَالِمَةْ

يا خافِقاً أَلِلَّهَ ما أَوجَعَك، ما أَبخلَ الدُنيا وَما أَطمَعَك

تُعطي وَلا تُمنَحُ حَتَّى القَليل!

في ذلِكَ اللَّيل وما أَظلَمَه، ذِكرُ الصِبى في الأَكبُدِ المُغرَمَةْ

ونُورُه في اللَّيلةِ المُظلِمَةْ

تَذكَّرَ الشاعِرُ فَجرَ الشَباب، وذلِكَ الوادي وَتِلكَ الهِضاب

وعودَةَ القُطعانِ عِندَ الغِياب

أمَّا الشَّاعر طلعت سفر فقد أثقله الليل بمزيد من الحزن والأسى؛ يقول:

تثاءَبَ اللَّيلُ واستلقَى عَلى عُمري فلم يَدعْ أُفُقاً للَّهو والسَّمرِ

فلا مُلاءَتُهُ السَّوداءُ حائلةً عنه، ولا ذَيلُهُ يَلتمُّ في السَّحرِ

سَها الصَّباحُ فلم يرسلْ بشَائرَهُ؟!، أمْ أنَّهُ نَاءَ مِن شيْبٍ ومِن كِبَرٍ؟!

لم يصْحُ مِن وسَنٍ؟!، أمْ مسَّهُ رَمدٌ؟ حتَّى يُخبِّئ عينيْهِ عَن البشرِ!

يُهاجرُ النَّومُ أياماً ويتركني على وسائدَ مِن شَوكٍ ومِن حَجرِ

صارَ السّهادُ لعيني صَاحباً فلها في كُلِّ يومٍ نَديمٌ بالكُؤوسِ ثَرِ

تعلَّقتْ بجناحيْ طَائرٍ غَرِدٍ يظلُّ يزرعُ خَدَّ الأفقِ بالسَّفَرِ

قدْ قبَّلَ الحُزنُ أجفاني وعانقني ليلي الطَّويلُ عَلى أُرجوحَةِ السَّهرِ

كَم جلجَلَتْ سُحُبٌ فيها وكَم لَمَعتْ فرحتُ أغسلُ وَجهَ اللَّيلِ بالمطر

كما استخدمت القصائد الوطنية رمزية الليل بكثافة

ها قد وصلنا إلى القصائد الوطنية التي استُخدمت رمزية الليل فيها، حيث غالباً ما أشار الليل إلى الجانب المظلم، فليل الأوطان هو الضياع وهو وقت حصاد الأرواح وإحصاء الشهداء، يقول تميم البرغوثي:

علَى نَشرَةِ الأخبارِ في كلِّ لَيلةٍ نَرى مَوْتَنَا تَعْلُو وتَهْوِي مَعَاوِلُهْ

أَرَى الموتَ لا يَرضَى سِوانا فَرِيسَةً كأَنَّا لَعَمرِي أَهلُهُ وقَبائِلُهْ

لَنا يَنسجُ الأَكفانَ في كُلِّ لَيلةٍ لِخَمسِينَ عَاماً مَا تَكِلُّ مَغازِلُهْ

سليمان العيسى:

يا ليالي الضياع ، والقيد، زولي نحن باقون وحدةً لن تزولا

وحدة .. تلهم الكواكبَ مسراها وتمشي في القفر ظلاً ظليلا

وحدة .. في السماء والأرض منها لهبٌ يغسل الأذى والدخيلا

وحدة .. تَفْجُرُ الينابيع في الكون فراتاً يسقي العطاش ونيلا

وحدة .. تجمع المشرّد بالأهلِ، عناقاً بعد الفراق طويلا

وتلمّ المعذبين بأرضي موجةً لن تضلّ بعدُ السبيلا

يا ليالي الضّياع والذل غوري تحت أقدامنا رعيلا رعيلا

عربيّ الشعاع هذا الضحى المتلعُ جيداً إلى الخلود أصيلا

سلبتنا الدنيا قناديلنا الزهرَ، فعدنا .. نُحيلها قنديلا

ليل تونس في عيون أبو القاسم الشابي:

لَسْتُ أبكي لِعَسفِ لَيلٍ طَويلٍ، أَو لِربعٍ غَدا العَفَاءُ مَرَاحهْ

إنَّما عَبرَتِي لِخَطبٍ ثَقِيلٍ قد عَرانا ولم نجد من أزاحهْ

كلَّما قامَ في البلادِ خطيبٌ مُوقِظٌ شَعبَهُ يُرِيدُ صَلاَحَهْ

ألبسوا روحَهُ قميصَ اضطهادٍ فاتكٍ شائكٍ يردُّ جِماحَهْ

(...)

أنَا يَا تُوْنسَ الجَمِيلةَ فِي لُجِّ الهَوى قدْ سَبَحتُ أيَّ سِبَاحَةْ

شرْعَتي حُبُّكِ العَميقُ وإنِّي قدْ تَذوَّقتُ مُرَّهُ وقَرَاحَهْ

لَستُ أنصاعُ للوَّاحي ولَو متُّ وقَامتْ عَلى شَبابي المناحَةْ

لا أبالي, وإنْ أُريقتْ دِمائي فَدِمَاءُ العُشَّاق دَوماً مُبَاحَةْ

وبطولِ المَدى تُريكَ الليالي صَادِقَ الحِبِّ والوَلاَ وسَجاحَهْ

إنَّ ذا عَصرُ ظُلْمَةٍ غَيرَ أنِّي مِن وَراءِ الظَّلامِ شِمتُ صَبَاحَهْ

ضَيَّعَ الدَّهرُ مَجدَ شَعبِي وَلكِن سَتَرُدُّ الحَياةُ يَوماً وِشَاحَهْ

معين بسيسو "إلى عيني غزَّة في منتصف ليل الاحتلال الإسرائيلي":

غزَّتي أنَا لمْ يَصدأ دَمي في الظُّلماتْ

فدَمي النِّيران في قَشِّ الغُزاةْ

وشَراراتُ دَمي في الرِّيح طَارتْ كَلماتْ

كَعصافيركِ يا قوسَ قزحْ

أنتِ يا إكليلَ شَعبي وهو يُدمى في القيودْ

إنَّنا سوفَ نَعودْ

وعَلى دَرب كألوانكِ يا قوسَ قزحْ

وستذرو الرِّيح أشلاءَ الشَّبحْ

فلسطين في عين عبد الرحمن العشماوي:

هَذي فِلسطينُ التي أصبَحتْ تُكنِّسُ أرضَ الذُّلِ للكافِرِ

لا تَتركوهَا تَحتَسي بؤسَها وَحيدةً في قَبضَة السَّامري

تَشكو ظَلامَ اللَّيلِ كَمْ عَربدت أوهامُه في قَلبِها الطَّاهرِ

ليلٌ تَلاشى الطُّولُ في طولِهِ وصَارَ مِثل الأسدِ الكَاسرِ

ليلٌ مِن الأحزانِ، ظلماؤهُ باتَت على بوابة السَّاهرِ

واستسلَمتْ أنجُمهُ لمْ تُطقْ رَداً لموجِ الظُّلمةِ الهَادرِ

ومدَّدت ظلماؤه رِجلَها تَسخرُ بالغائبِ والحَاضرِ

ليلُ الخلافاتِ الذي لم يزل يرفعُ رأسَ الظَّالمِ الجَائرِ

ولمْ يزَل يغتالُ أحلامَنا ويخلطُ البَاطنَ بالظَّاهرِ

وأمَّتي في ظِلهِ أصبحَتْ مغلوبةً مقطوعةَ الدَّابرِ

مِن أينَ لي اليوم بشهمٍ لهُ عَزم "بلالٍ" ورضى "ياسرِ"

يا أمَّةِ الإسلامِ قولي لَنا "أمَا لِهَذا اللَّيل مِن آخرِ"

والليل يزيد من وحشة الغربة وحرقة الاشتياق؛ فيقول ابن الرومي وقد رحل عن بغداد إلى آمد شمال سوريا:

رَقدتُ وما لَيلُ الغَريبِ براقدِ، ومَا رَاقدٌ لمْ يرْعَ نَجماً كسَاهِدِ

وكَيفَ رُقادُ الصَّبِّ مَا بينَ سَائقٍ مِن الشَّوْق يُقريه النِّزاعَ وقائدِ

إذا مَا تَدَانيْنا مُنعتُ وإنْ تَبِنْ جَزِعْتُ ومَا في المَنْعِ عُذرٌ لواجِدِ

تَبيتُ ذِراعي لي وِسَاداً ومُنْصُلي ضَجيعاً إذا ما بِتُّ فَوقَ الوَسَائدِ

أحنُّ إلى بَغداد والبِيدُ دُونها حَنينَ عميدِ القَلب حَرَّانَ فاقِدِ

وأتركها قَصْداً لآمِدَ طَائعاً وقَلبي إليها بالهَوى جِدُّ قاصِدِ

أمَّا ايليا أبو ماضي شاعر المهجر فيحنُّ إلى ليالي بوسطن؛ يقول:

يَا لَيالي "بوسطن" هَل تَرجعينَ فَأرَى صَحبي الكِرامَ البَرَرَةْ؟

ويَزولُ الهمُّ عَن قَلبي الحَزين بالوجوهِ المُشرِقاتِ النَّضرةَ

إنَّه يَسألني في كُلِّ حَينٍ أينَ تِلكَ الجَنَّة المحتضرةْ؟

ذَهبتْ يا قلبُ ، إلَّا ذكرياتٍ كبروقٍ ضَحكتْ في الغَسَقْ

تأنسُ العَينُ بِها في الظُّلماتِ وهي تَفنى في رحابِ الأفقْ

يا لَيالي بوسطن ليتَ الحَياةَ عدَلتْ فينا فلَم نَتفرقْ!.

قصيدة ياسر الأطرش عن الليل

ختاماً... تعرفنا وإياكم إلى أجمل ما قيل عن الليل وأبرز القصائد التي استخدمت رمزيته، ونترككم في ختام هذه المادة مع قصيدة الشَّاعر ياسر الأطرش:

في اللَّيل يسقط عن متاريس القلوب الخوفُ‏... تنشقُّ الصدورُ‏

وتنبتُ الأحلامُ كالأعشابِ فوقَ وِسَادةِ الوَقتِ الفَقيرْ‏

في اللَّيل يَعبُرنا الأسَى‏، وتُعرِّشُ الأحزانُ فوقَ بيوتِنا.

الكلماتُ تنفضُ عَن جَناحيها الغُبارَ‏، وتَستريح عَلى بياضِ الصَّمتِ‏

في النَّهرِ الذي بينَ الحَقيقةِ والكَلامْ‏

في اللَّيل ينتحرُ الظَّلامْ‏

وتمارسُ الأشياءُ خَطوتها البَريئةَ‏، كلُّ شيءٍ نامَ.. إلا أنَّه لا شَيء نامْ!‏

في اللَّيل تَغتسِلُ القلوبُ بماءِ صَحوتِها‏، وتنبضُ أنْ على النَّاس السَّلامْ‏

.......

في اللَّيل تنزرعُ الشَّوارعُ بالحَنينِ‏، الوَجدُ يقتلعُ الخَرائطَ من سَنابِلها

العيون بنفسجٌ‏، واللَّيلُ شباكٌ يُطلُّ على النَّدى‏

اللَّيل مَرحلة المدى، واللَّيل مذبحة اليَمامْ‏

اللَّيلُ قبعةُ الغَريبْ

وخُطوةُ الأعمَى، اتجاهٌ آخرٌ للموتِ‏، أو موتٌ أخيرْ..‏

اللَّيلُ أجنحَةُ الفَقيرْ‏

واللَّيلُ صَوتي عِندما لا صَوتَ لِي‏، واللَّيلُ وَجهي‏

حينَ تَصلِبني البِلادُ- مقاتلاً- فَوقَ الرُّخامْ..‏

اللَّيلُ... هذا الأسوَدُ المزروعُ في اللاشيء‏

هذا القُمقُمُ السِّحريُّ والجَسدُ الغَريبْ..‏.

اللَّيلُ... هَذا المعطَف السِّريُّ‏

هذا الانتقال من البَعيدِ إلى القَريبْ...‏

اللَّيلُ... هَذا الشَّارع الرُّوحيُّ‏ تعبرُه الصَّلاةُ‏

وظلُّ عينيها المرابطتين خَلفَ زُجاجها المَسكونِ‏ حتى سُكْرِهِ بالياسمينْ‏

اللَّيل؛ مذبحة الحنينْ‏

وأنا حبيبي... صَرخةٌ كَادتْ تُضيءْ‏ لَو مَسَّها صَوتٌ‏

ولكنَّ البَّنادقَ لا تُحبُّ النَّاسَ إلَّا صَامتينْ‏

وأنا حبيبي ليلة الميلاد‏، أعبرُ في ثُقوبِ الأمنيات إلى الألَمْ‏

ثلجٌ، وأوراقُ العُيونِ عَلى بَياضِ الثَّلج مَوتى‏

......

مَن تُرى يصطادُ أحلامَ الصِّغار‏؟ ومَن عَلى عَينيكِ يَرسمُ وَجهَ غَيري؟‏

من يحرّفُ في الوريد دم الوطنْ؟‏

اللَّيل؟!‏

أمْ أنَّ الذينَ نُحبُّهم لَيلٌ يسافِرُ بيننا كَي لا نُضيءْ‏

أمْ نَحنُ نَكرهُ جوعَنا للَّيلِ‏

يُغمض ضفّتيهِ عَلى مَواعيدٍ تعذِّبنا ويبطئ... لا يَجيءْ‏

اللَّيلُ متّهمٌ بريءْ..‏

واللَّيلُ طفلٌ ما لهُ أمٌّ ولا وَطنٌ‏

يُسافرُ كَي يعودَ إلى السَّفرْ، ‏اللَّيلُ قَلبٌ مِن مَطرْ‏

نغفو عَليهِ؛ ولا يَنامْ‏...

اللَّيلُ.. طول اللَّيل‏ يدعو أنْ على النَّاسِ السَّلامْ‏