أرفض إدراج شركاتي في الأسهم السعودية قبل إصلاح الخصوصية

المطالبات بحماية خصوصية رواد الأعمال في ظل الشفافية المالية بالمملكة العربية السعودية

  • محمد باحارثbronzeبواسطة: محمد باحارث تاريخ النشر: الأحد، 27 يوليو 2025 زمن القراءة: 3 دقائق قراءة
أرفض إدراج شركاتي في الأسهم السعودية قبل إصلاح الخصوصية

في وطني الحبيب، المملكة العربية السعودية، نفتخر بجهود جبّارة في سنّ الأنظمة والتشريعات التي تحفظ كرامة الإنسان وحقوقه، ومنها نظام حماية البيانات الشخصية، الذي يُعد من أبرز ملامح التحول الرقمي والاجتماعي الذي نعيشه. أصبح من غير المقبول قانونيًا أن تُستخدم بياناتك الخاصة دون إذنك، وأصبح مفهوم “الخصوصية” جزءًا من الوعي الجمعي الجديد. لكن وسط هذا التقدّم، هناك استثناء قانوني يُفاجئ الكثيرين: إذا كنت مديرًا تنفيذيًا أو رئيسًا لمجلس إدارة شركة مدرجة في السوق المالية، فإن كل ما يتعلق بحياتك المالية يصبح مباحًا للنشر، ومتاحًا للجميع، بل ومادة خصبة للتشهير، دون أن يُعد ذلك خرقًا للقانون.

كل ما تملكه، كل ما تكسبه، كل صفقة تُتمها، كل مكافأة تصلك، تُدرج علنًا في تقارير رسمية، وتُتناقل عبر وسائل الإعلام، وتُفصّل على منصات التواصل الاجتماعي، وكأن نجاحك أصبح تهمة، وكأن ثروتك مدعاة للريبة. بل الأسوأ من ذلك، أن القانون لا يمنع استخدام صورتك أو الحديث عن تفاصيل وضعك المالي في محتوى عام، حتى وإن تم تحوير السياق أو استخدامه للنيل منك شخصيًا. وهذه الفجوة القانونية تُستخدم لتبرير تشويه السمعة والتدخل في الشأن الشخصي، تحت غطاء “الشفافية المالية”.

أنا رجل أعمال أؤمن بالمساءلة والشفافية، وأفهم دور الأنظمة الرقابية في حماية المستثمرين والأسواق. ولكن ما يحدث حاليًا لا يُحقق توازنًا بين الرقابة وحقوق الأفراد، بل يفتح الباب لتسليط الأضواء على تفاصيل شخصية، لا تؤثر على جودة السوق ولا على مصالح المساهمين، لكنها تؤثر بشكل مباشر على حياة الشخص وعائلته ونفسيته وسلامه الداخلي. حين تُصبح ثريًا في هذا السياق، تتحول إلى هدفٍ متحرك. تنهال عليك طلبات التبرع من جهات غير مرخصة، وتُطارَد من أشخاص يستغلون وضعك المالي في التسول المقنّع، بل قد تجد نفسك في مرمى محاولات الاحتيال، لأن ببساطة… الجميع يعرف كم تكسب، وكيف تنفق، ومتى تبيع.

هذا الواقع لا يُشجّع الريادة، بل يخنقها. نحن نعيش في زمن تُشجّع فيه الدولة — مشكورة — على تمكين القطاع الخاص، وتحفيز الاكتتابات، ونقل الشركات العائلية إلى شركات مساهمة تُثري الاقتصاد. ولكن كيف نتوقع من رواد الأعمال والمبدعين أن يخاطروا، ويُدرجوا شركاتهم، إذا كانت النتيجة أنهم سيُعاملون كمشاهير تحت المراقبة اليومية، بلا حصانة، بلا خصوصية، وبلا تقدير للجهود التي أوصلتهم للنجاح؟

الشفافية ليست مرادفًا للتجريد من الإنسانية. بالإمكان سن قوانين تحفظ حق المساهم في المعرفة، دون أن تُحوّل المدير إلى “ترند” أسبوعي. يمكننا إنشاء نظام إفصاح ذكي، يوازن بين حاجة السوق للمعلومة، وحق الفرد في الخصوصية. ويمكننا أيضًا وضع ضوابط تمنع استخدام الصور الشخصية والبيانات المالية في محتوى تحريضي أو تجاري على منصات التواصل.

لن أضع أي من شركاتي في سوق الأسهم السعودي — رغم الفرص، ورغم الفوائد — حتى يتم إصلاح هذا الخلل. ليس لأنني أُخفي شيئًا، بل لأنني لا أقبل أن يُستخدم نجاحي كسلاح ضدي. لأنني أريد أن أكون قدوة لمن بعدي، بأن النجاح لا يجب أن يُكلفك كرامتك، ولا أن تُعاقب على اجتهادك.

نحن بحاجة ماسة إلى مراجعة الأنظمة المرتبطة بحوكمة الشركات، وإعادة تعريف مفهوم الشفافية المالية بما يتناسب مع قيمنا السعودية، ومع التحولات العالمية في حماية الخصوصية. ما يحدث الآن يُعزز الانطواء، ويدفع بالكفاءات إلى تفادي السوق، أو إبقاء شركاتهم ضمن دائرة “المحدودين” فقط، خوفًا من هذا الانكشاف المالي والاجتماعي.

وفي ظل اقتصاد عالمي يتطلب مزيدًا من الانفتاح والاستثمار، لا نحتاج فقط إلى بيئة عمل محفزة، بل إلى بيئة تحترم إنسانية من يعمل. لا نريد من المبدعين أن يختبئوا خلف الأبواب المغلقة، بل نريدهم أن يظهروا ويقودوا، بثقة وأمان، دون خوف من التشهير أو الابتزاز المجتمعي.

لذا أقولها بوضوح: لا اكتتاب لشركاتي، ولا إدراج، حتى يتم إصلاح منظومة الخصوصية المالية في السوق. ليس رفضًا للسوق، بل حبًا له. ليس انسحابًا، بل دعوة للتطوير.

هل توافق أن خصوصية رواد الأعمال يجب أن تُحمى كما تُحمى بيانات الأفراد؟

تم نشر هذا المقال مسبقاً على Inc Arabia. لمشاهدة المقال الأصلي، انقر هنا

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة
  • المحتوى الذي تستمتع به هنا يمثل رأي المساهم وليس بالضرورة رأي الناشر. يحتفظ الناشر بالحق في عدم نشر المحتوى.

    محمد باحارث bronze

    الكاتب محمد باحارث

    مستثمر سعودي في قطاع الفضاء ورئيس نادي الفضاء السعودي، سفير السيارات الكهربائية، ومستشار أعمال في مكتب محاماة.من ذوي الإعاقة، ومؤسس مبادرة التوعية بـ الديسلكسيا .كاتب تجاوز الـ ٥٠ مؤلفًا باللغتين العربية والإنجليزية.حائز على جائزة مجلس هارفارد العالمي للأعمال وجائزة جدة للإبداع.صنّف ضمن الأشخاص الأكثر تأثيرًا .يمزج بين الفِكر، والابتكار، والتحدي… ليُثبت أن الاختلاف ليس عائقًا، بل علامة تفوّق !

    image UGC

    هل لديكم شغف للكتابة وتريدون نشر محتواكم على منصة نشر معروفة؟ اضغطوا هنا وسجلوا الآن!

    انضموا إلينا مجاناً!