رابعة العدوية حياتها وشعرها

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الخميس، 17 يونيو 2021
رابعة العدوية حياتها وشعرها

هي الاسم الأكثر شهرة بلا منازع بين الإناث اللواتي اخترن طريق التصوف والعشق الإلهي في الإسلام، كما أنَّ سيرة حياتها تعرضت إلى الكثير من الخلاف والجدل بين المؤرخين والباحثين اعتباراً من تاريخ ولادتها ووفاتها مروراً بأدق تفاصيل حياتها.

كما يعتبر شِعر رابعة العدوية من أجمل ما قيل في الصوفية والعشق الإلهي، لكن هل حقاً أنَّها كانت غارقة في الإثم ثم تابت وتصوفت؟! أمَّ أنَّها كانت عابدة منذ الصغر؟.

 

خلاف كبير حول مولد رابعة العدوية وحياتها حتَّى وفاتها

لا تكاد تتفق المصادر على رواية واحدة فيما يتعلق بولادة رابعة العدوية وحياتها، فالمتفق عليه بالكاد أنَّ رابعة ولدت في البصرة حوالي سنة 100 هجرية 720 ميلادية.

وهي رابعة أم الخير بنت اسماعيل، حيث سميَّت رابعة لأنها كانت البنت الرابعة لأهلها، وقد عُرفت أيضاً برابعة القيسية نسبة إلى آل عتيك القيسيين، ونسبة لهم أيضاً عرفت بالعدوية فهم من بني عدوة.

وفي أمر آل عتيك خلافٌ أيضاً فلا يعرف على وجه الدقَّة إن كانت رابعة قد بيعت إلى آل عتيك أم أنَّ أهلها في الأصل كانوا من الموالي قبل ولادتها حتَّى، لكن الدكتور عبد الرحمن بدوي في كتابه (شهيدة العشق الإلهي) يرجِّح أن رابعة ولدت لأسرة من الموالي لآل عتيك.

كما يشكِّك بدوي بأن اسم والدها اسماعيل ويعتقد أن هناك شخصيتين حملتا الاسم نفسه في التاريخ هنَّ القدسية، فيما يعتقد آخرون أن وجود عدَّة شخصيات حملت ذات الاسم لعب دوراً كبيراً في اتساع الجدل حول قصة حياة رابعة العابدة الخاشعة.

 

سمعت رابعة العدوية صوتاً يعدها بالرحمة

ينقل الدكتور عبد الرحمن بدوي عن فريد الدين العطَّار أنَّ رابعة ولدت في بيت فقير وتوفي أهلها عندما كانت شابة صغيرة، ثم تركت البصرة بعد أن حلَّ بها القحط لتقع في الأسر ويتم بيعها بستة دراهم.

وقد بيعت لرجل أثقل عليها العمل كما يروي العطَّار، وفي هذه الأثناء هبطت عليها رسالتها الروحية، حيث كانت تسير ويسير خلفها رجلٌ أضمر لها الشرَّ فهربت منه، ثم رمت بنفسها على التراب وصارت تناجي ربها وتقول: "إلهي... يتيمة غريبة أرسف في قيود الرق، لكنَّ غمي الكبير هو أن أعرف: أراضٍ عني أم غير راضٍ؟"

وأكمل العطار أن رابعة سمعت صوتاً يقول لها: "لا تحزني، ففي يوم الحساب يتطلع المقرَّبون في السماء إليكِ ويحسدونكِ على ما ستكونين فيه"؛ فعادت رابعة إلى بيت سيدها تصوم وتصلي طيلة الليل متهجدة لله عزَّ وجل.

ويروي العطار أيضاً أن صاحب البيت شاهد رابعة وهي تتهجد ليلاً وتناجي الله وتقول أنَّها لولا خدمتها عند هذا الرجل القاسي لما توقفت عن عبادة الله وخدمته، كما رأى الرجل فوق رأس رابعة قنديلاً يضيء البيت كلَّه، فما كان منه إلَّا أن أعتقها في اليوم التالي، وقال لها: "أي رابعة، وهبتك الحريَّة، فإن شئت بقيت هنا ونحن جميعاً في خدمتكِ، وإن شئتِ رحلتِ أنَّى رغبتِ"، فرحلت رابعة بعد أن أخذت حريتها وانصرفت إلى العبادة والصلاة. 

 

هل كانت رابعة العدوية غارقة في الإثم ثم تابت؟!

وفي إثم رابعة العدوية وتوبتها خلاف كبير بين المؤرخين والباحثين العرب منهم والمستشرقين، فيما تميل العامة من الناس لتصديق الرواية التي تقول أن رابعة غرقت في الإثم وعملت في الرقص والغناء ثم تحولت إلى العبادة والتصوف، بينما يدافع آخرون عن رابعة ويقولون أنَّها لم تعرف الإثم ولم تكن راقصة أو بائعة هوى، وأنَّ توبتها تلت اعتاقها من بيت سيدها فانصرفت إلى العبادة حتَّى وفاتها، حيث سنجد الدكتور عبد الرحمن بدوي يفترض أن رابعة "قطعت شوطاً طويلاً في طريق الإثم وغرقت في بحر الشهوات واقتاتت بقوت الحواس حتَّى الثمالة"، وقد استدل على ذلك كما يبرر بأنَّ الاعتدال حسب قوله من شيم الضعفاء التافهين، والتطرف من شيم الممتازين، فلا بد أن تكون قد أغرقت في الإثم حتَّى وصلت إلى هذا الانقلاب الروحي الكبير.

فيما نجد الدكتور يوسف زيدان يخالفه الرأي بشدة من خلال حلقة تلفزيونية خاصة عن رابعة العدوية ضمن برنامج (الأولياء)، ويعتقد زيدان أنَّ حياة رابعة العدوية قد تعرضت للكثير من الاجتهادات الشخصية من قبل الباحثين خاصة ما يتعلق بإثمها وتوبتها، فهذا الإثم في رأيه لم يكن منه شيء.

كذلك يعتقد الدكتور عبد المنعم الحفني في كتابه (رابعة العدوية إمامة العاشقين والمحزونين) أن الرواية التي تقول بإثم رابعة ليست صحيحة السند خاصة ما يتعلق بمقارنتها مع القديسين المسيحيين الذين دخلوا في الإثم قبل التوبة واعتماد ذلك كقاعدة ثابتة، حيث يذكر الدكتور بدوي أنَّ هذا الانقلاب هو نفس الانقلاب في حياة تيريزا والقديس بولس... إلخ.

 

الحب والإيمان عند رابعة العدوية

السمة الكبرى في مذهب رابعة العدوية في التصوف أنَّها من أوائل من قال في الحبِّ الإلهي الخالص لأجل الحبِّ، لا خوفاً من النار ولا طمعاً بالجنة وإنَّما الحبُّ الخالص لله تعالى وهذا ما اتفق عليه الباحثون، حيث يذكر ذلك كل من الحفني وبدوي وزيدان، إضافة إلى ذكره في مواقع أخرى، فهي التي آمنت بعبادة الله حباً به وشوقاً إليه، لا خوفاً من ناره ولا طمعاً في جنته، وكان قصدها من ذلك أنَّها لا تحبس نفسها رغبةً في النجاة من العقاب والحصول على الثواب وحسب، وهي لم تنفي الرجاء في النجاة والثواب إنَّما قدَّمت عليه الحبَّ الخالص، وقد قالت في حبِّها هذا أروع أبيات التصوف.

 

شِعر رابعة العدوية

قالت رابعة من شعر التصوف أجمل ما عرفه المتصوفون، كما تعتبر قد مهدت الطريق أمام المتصوفين اللاحقين ليأخذوا عنها منهجها في العشق الإلهي، وربما يكون أبرز ما نقل عن رابعة العدوية قولها في المحبَّة (أحبُّكَ حبين)، لكن في هذه القصيدة يقول زيدان في الحلقة التلفزيونية المذكورة سابقاً أنَّ هذه القصيدة ليست من شعر رابعة العدوية، وإنَّما من شعر ذي النون المصري.

بينما نجد الدكتور الحفني في المرجع المذكور يؤكد نسبة هذه الأبيات إلى رابعة العدوية في أكثر من موقع، ومنها ما رواه عن لقاء رابعة بذي النون المصري الذي قال لها: "صفي لي المحبَّة"؛ فأجابته: "سبحان الله أنت عارف بها وتتكلم بلسان المعرفة وتسألني عنها؟!"، فقال لها: "للسائل حقُّ الجواب"؛ فأنشدته قصيدتها هذه:

أحبّك حبّيْن حُبّ الهوى ... وحُبّاً لأنك أهل لذاكَ

فأمَّا الَّذي هو حُبّ الهوى ... فشُغلي بذكركَ عمَّن سِواكَ

وأمَّا الَّذي أنتَ أهلٌ لهُ ... فكشفكَ للحُجبِ حتَّى أراكَ

فما الحمدُ في ذا وذاكَ لي ... ولكن لكَ الحمدُ في ذا وذاكَ

قصة رابعة العدوية والحسن البصري

من أكثر القصص التي تروى عن رابعة شهرة هي قصة إقبال الخاطبين عليها، وهو أمرٌ فيه نظر أيضاً بين الباحثين من حيث دلالاته، فهي عند البعض لم تتزوج قط، وعند آخرين تزوجت ومات زوجها قبل وفاتها ببضع سنين، فجاءها الخاطبون بعد أن مات عنها زوجها، وكان من بين الخاطبين الحسن البصري وهو من كبار علماء الإسلام في عصره، فطلبت منه رابعة أن يجيبها عن أربعة أسئلة لتكون له زوجة، وكانت الأسئلة:

  1. ما يقول الفقيه العالم إن أنا متُّ، هل خرجتُ من الدنيا مسلمةً أم كافرة؟.
  2. فما يقول إن وضعتُ في القبر وسألني منكر ونكير، أفقادرٌ على جوابهما أم لا؟.
  3. فإذا حُشر الناس في القيامة وتطايرت الكتب، فيعطى بعضهم كتابه بيمينه، ويعطى بعضهم كتابه بشماله، أفأعطى كتابي بيميني أم بشمالي؟.
  4. فإذا نودي في الخلائق ففريق في الجنة، وفريقٌ في السعير، فمن أي الفريقين أكون؟.

وكان جواب البصري على الأسئلة الأربعة واحداً، أنَّ هذا من علم الغيب الذي لا يعلمه إلَّا الله، فقالت رابعة له: "فإن كان الأمر كذلك، وأنا في قلق وكرب من هذه الأربعة فكيف أحتاج إلى الزوج وأتفرغ له"، ثم أنشدتهم قصيدتها:

راحتي يا إخوتي في خلوتي ... وحبيب دائمًا في حضرتي

لم أجد لي عن هواه عوضًا ... وهواه في البرايا محنتي

حيثما كنتُ أشاهدُ حُسنهُ ... فهو مِحرابي إليهِ قبلتي

إنْ متُّ وجداً وما تم رضى ... واعنائي في الورى واشقوتي

يا طبيب القلبِ يا كلَّ المُنى ... جُد بوصلٍ منكَ يشفي مُهجتي

يا سروري يا حياتي دائماً ... نشأتي منكَ وأيضاً نشوتي

قد هجرتُ الخلقَ جمعاً أرتجي … منكَ وصلاً فهو أقصى مُنيتي

وإذا نظرنا من عين المنطق إلى هذه القصة، واجهنا بها من اعتبر أنَّ رابعة هجرت الإيمان الحقَّ إذ تخلت عن الرغبة بالثواب والنجاة من عقاب الله، فالإيمان بالوعد والوعيد جزءٌ رئيسي من الإيمان بالله واليوم الآخر، فرابعة إذاً مشغولة بيوم القيامة وراغبة أنْ تؤتى كتابها بيمينها، وأن تموت مسلمة، لكنَّها إنَّما تعبد الله من باب المحبَّة والرضا بما يصنع قبل أن تعبده خائفة أو طامعة.

حبُّكَ الآن بغيتي ونعيمي

يا سروري ومنيتي وعمادي ... وأنيسي وعُدتي ومرادي

أنت روح الفؤاد أنت رجائي ... أنت لي مؤنس وشوق كزادي

أنت لولاك يا حياتي وأُنسي ... ما تشتتُ في فسيح البلاد

كم بدت مِنة وكم لك عندي ... من عطاءٍ ونعمةٍ وأيادي

حُبك الآن بُغيتي ونعيمي ... وجلاءُ لعين قلبي الصادي

ليس لي عندك ما حييت براحٍ ... أنت منى مُمَكن في السواد

إن تكن راضياً عليّ فإني ... يا مُنى القلب قد بدا إسعادي

 

أقوال رابعة العدوية وحكمتها

  • قال رجلٌ لرابعة: "إني أكثرتُ من الذنوب والمعاصي، فلو تبتُ فهل يتوبُ عليَّ؟ فأجابته رابعة: "لا بل لو تاب عليكَ لتبتَ".
  • كما قيل أن رابعة أصابها المرض، فلما سُئلت عن سبب مرضها أجابت: نظرتُ بقلبي إلى الجنَّة فأدَّبني، فله العتبى لا أعود.
  • وكانت رابعة تناجي الله عزَّ وجل فسألته: "إلهي، أتحرق بالنار قلباً يحبُّك؟"، فهتف بها هاتفٌ: "ما كنَّا لنفعل هذا فلا تظني بنا ظنَّ السوء".
  • سُئلت رابعة متى يكون العبد راضياً، فأجابت: إذا سرَّته المصيبة كما سرَّته النعمة.
  • ويقول الشعراني أنَّ رابعة كانت كثيرة البكاء، تغيب عن الوعي إذا سمعت ذكر النار، وكانت تقول: مالي حاجة في الدنيا.
  • وكانت رابعة ترفض العطايا أو الصدقات وتقول: الله يعلم أنَّني أستحي منه أن أسأله الدنيا وهو يملكها، فكيف أن أريد أن آخذها ممن لا يملكها.
  • وينقل الدكتور الحفني عن سفيان الثوري أنَّه قال: "المؤدبة التي لا أجد من أستريح إليه إذا فارقتها".
  • وكانت إحدى القائمات على خدمة رابعة وهي عبدة بنت أبي شوال تقول أنَّ رابعة العدوية كانت تصلي الليل كلَّه، فإذا طلع الفجر هجعت في مصلاها هجعة خفيفة حتَّى يسفر الفجر، فكانت تسمعها تقول إن وثبت من مرقدها ذاك وهي فزعة: "يا نفس كم تنامين، وإلى كم تقومين، يوشك أن تنامي نومة لا تقومين منها إلَّا لصرخة يوم النشور!".

ختاماً... ويقول العطَّار أنَّ رابعة كانت تضرب الناي، وفيما عدا ذلك لا يوجد ما يدلُّ على اشتغال رابعة في أمور الغناء أو الرقص إلَّا من باب الاجتهاد والتحليل المبني على استنتاجات شخصية لبعض الباحثين، وقد قام باحثون آخرون بالدفاع عن شخصية رابعة وأنَّها لم تكن آثمة بل كانت توبتها عن الدُّنيا وشؤونها لتتفرغ لعبادة الله ومحبَّته ولم تكن توبةً عن الإثم.

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة