ناجي العلي، صرخة رفضٍ انتهت برصاصة

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الأربعاء، 11 أغسطس 2021
ناجي العلي، صرخة رفضٍ انتهت برصاصة

كان يعلم نهايته منذ البداية لكنه رفض الصمت، فأصبح الأيقونة التي تقيس الطريق إلى فلسطين بمسافة الثورة وتصرخ في وجه الساكتين، رسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي صاحب الأربعين ألف لوحةٍ كاريكاتورية، التي قضّت مضاجع كل الصامتين عن القتل والتهجير كما قضّت مضاجع القاتلين أنفسهم.

ابتكر ناجي العلي شخصية الطفل "حنظلة" و من خلالها يمكن قراءة تاريخ ناجي وطفولته، كما يمكن قراءة رفضه وصرخته التي اغتيلت برصاصة في أحد شوارع لندن، فمن هو الطفل حنظلة؟ ولماذا اغتيل ناجي العلي، وكيف كانت البداية من مخيم عين الحلوة؟ في هذا المقال سنجيب عن تلك الأسئلة.

 

حياة ناجي العلي ومسيرته في الصحف

ولد ناجي العلي عام 1937 في قرية الشجرة الواقعة بين طبريا والناصرة، وبعد نزوحه مع عائلته إلى مخيم عين الحلوة القريب من صيدا عمل في حقول البرتقال. اعتقلته القوات الإسرائيلية أول مرة أثناء وجوده في مخيم عين الحلوة بسبب رسوماته التي ملأت الجدران وعبّرت عن رفضه الاحتلال الإسرائيلي، وفي السجن نمت موهبة ناجي على جدران الزنزانة، سافر إلى طرابلس وهناك حصل على شهادةٍ في ميكانيكا السيارات، ودخل كلية الفنون الجميلة في لبنان عام 1960، حيث كان راغباً بأن يعطي لموهبته طابعاً أكاديمياً، لكنه لم يكمل دراسة الفنون الجميلة.

تزوج من سيدة تدعى وداد نصر وأنجب منها أربعة أولاد هم (خالد وأسامة وليال وحسنية) وفي عام 1963 ذهب إلى الكويت وهناك عمل كمحرر ومخرج ورسام في صحيفة الطليعة الكويتية. عاد ناجي العلي إلى لبنان وعمل في جريدة السفير عام 1974 وبقي في لبنان وشهد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، كما اعتقلته إسرائيل في بيروت بنفس العام، بسبب رسوماته الكاريكاتورية التي يصور فيها قسوة الاجتياح ورفضه كل ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي وبعد أن أخلي سبيله عاد إلى الكويت عام 1983 وعمل في صحيفة القبس، ثم انتقل عام 1985 إلى لندن، ليعمل في صحيفة القبس الدولية وهناك كانت محطته الأخيرة.

 

ناجي العلي في مخيم عين الحلوة

هُجِّر ناجي العلي مع عائلته بعد النكبة عام 1948 إلى مخيم عين الحلوة في لبنان وكان عمره عشر سنواتٍ، خرج ناجي العلي من وطنه حاملاً في أعماقه صور التشرد والدمار، فشكلت وحياً لرسوماته التي ملأت جدران مخيم عين الحلوة فيما بعد مصوراً فيها معاناة الشعب الفلسطيني والقهر الذي فرض عليهم.

كانت إحدى رسومات ناجي على جدران مخيم عين الحلوة عبارةً عن مخيم وفوقه يدٌ تلوح، حيث شكلت هذه اللوحة البداية لناجي العلي في عالم الصحافة، إذ نشرها الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني في جريدة الحرية عام 1961، بعد زيارته لمخيم عين الحلوة وإعجابه برسومات ناجي العلي التي ملأت الجدران، وبعدها بدأت رحلة ناجي العلي في عالم الصحافة والكاريكاتير.

 

حنظلة: أشهر شخصيات ناجي العلي الكاريكاتورية

طرح ناجي العلي في رسوماته عدة شخصيات رافقته في رحلته الكاريكاتورية وشكلت أيقوناتٍ ورموزاً عبّر من خلالها ناجي العلي عن أفكاره ورفضه. كانت أشهر شخصياته الكاريكاتورية وأكثرها حضوراً شخصية الطفل "حنظلة" (سنتحدث عنها في وقت لاحق من هذا المقال) بالإضافة إلى شخصية "فاطمة" التي مثلت الرفض والثورة وحاول من خلالها استنهاض الهمم كما ظهر ذلك في رسومات ناجي العلي وشخصية الرجل السمين ذي المؤخرة العارية التي تمثل الأنظمة العربية، كما جسد شخصية الجندي الإسرائيلي ذو الأنف الطويل الذي يظهر خائفاً أمام الحجارة؛ متمرداً ومتعالياً أمام الأنظمة العربية، كما استطاع ناجي من خلال هذه الرموز أن يعبر عن معاناة الشعب الفلسطيني وصمت الأنظمة العربية أمام ما تفعله قوات الاحتلال.

ناجي العلي "الطفل حنظلة هو أنا"

ولدت شخصية الطفل حنظلة عام 1969 في الصحافة الكويتية بجريدة السياسة الكويتية. حنظلة الطفل أشعث الشعر غير أنيق المظهر وحافي القدمين، يحمل في داخله البراءة وهمّ التشرد والتهجير وناقوساً يوقظ به الضمائر، كان حنظلة بمثابة توقيعٍ حملته كل رسومات ناجي العلي الكاريكاتيرية، بالتالي اختلفت قراءات شخصية حنظلة إذ قيل إنها تمثل صمود الشعب الفلسطيني كما تعني أن هذا الطفل حنظلة، الذي هّجر من بيته وهو ابن عشر سنوات لا زال ينتظر العودة ولديه الأمل (كما ذكر في مقال نشر في مجلة دبي الثقافية في عددها الذي نشر عام 2011).

بيد أن ناجي العلي أسقط طفولته على شخصية حنظلة، هذه الشخصية التي كبرت مع رسوماته ومع تفتح وعيه، فأصبحت الشخصية رمزاً ليس فقط فلسطينياً بل إنسانياً، حيث قال في أحد لقاءاته التلفزيونية على قناة شبكة التلفزيون الكويتية: "حنظلة يمثلني إنه أنا، الطفل الذي عاش في المخيم وتهجر صغيراً، إن الطفل حنظلة بدأ عندي رمزاً فلسطينياً ومع تفتح وعيي أصبح رمزاً قومياً وإنسانياً، فقد يكون إفريقياً أو أفغانياً أو من أي مكان، إنه يمثل الضمير الحي الذي يشاهد ما يحدث، أما اسم حنظلة فأنا سميته كما يسمي الناس أطفالهم واستوحيت اسم حنظلة من نبات الحنظل هذا النبات الذي يتميز بمرارته، وذلك كدليلٍ على المعاناة والمرارة التي أصور بها حنظلة".

 

بوجه من صرخ ناجي العلي

أربعون ألف رسمٍ كاريكاتيري أو أربعون ألف رفضٍ وصرخةٍ هي حصيلة ريشة ناجي العلي، فمنذ انطلاق صرخته الأولى في مخيم عين الحلوة، بدأت مسيرة الرفض في مهنة ناجي، إذ رفض سياسة الإحتلال الإسرائيلي فجسد ذلك من خلال كاريكاتوريات عكس فيها دموية الإسرائيليين وجرائمهم.

كما صرخ بوجه الأنظمة العربية إبان صمتها عن كل ما يحدث فجسد ذلك برسومات تعكس صورة الأنظمة العربية التي لا تملك القرار، كما رفض اتفاقية كامب ديفيد من خلال رسومات تصوّر السادات متربعاً على قبور الفلسطينيين، وأثناء اجتياح قوات الاحتلال الإسرائيلية لبنان في عام 1982 بدأ هجوم ناجي العلي الكاريكاتوري على المحتلين وكانت أولى رسوماته؛ صورة فتاة تعبر عن بيروت ويقدم لها الطفل حنظلة وردةً ليواسيها في غياب الحلول.

 

اغتيال ناجي العلي "صرخة رفضٍ انتهت برصاصة"

بدأت نهاية ناجي العلي قبل اغتياله عام 1987، بل مع أول كاريكاتيراته الرافضة سياسة إسرائيل رسم ناجي نهايته، حيث كانت رسومات ناجي العلي جسراً مستساغاً لدى قرائه لا يقتصر على النخب، ولذلك كانت رسائله سريعة العبور إلى فهم القارئ سواء كان مثقفاً أم لا، ما جعله يشكل خطراً على من هاجمهم برسوماته.

فكانت لندن محطة ناجي الأخيرة وفي شارعٍ يفصل ناجي عن مكان عمله في جريدة القبس الدولية اغتيل برصاصةٍ اخترقت وجهه، ونقل على إثرها إلى مستشفى "تشيرينغ كروس" حيث بقي 38يوماً في حالة سباتٍ وقضى بعدها.

أدين شابٌ فلسطيني يدعى إسماعيل صوان باغتيال ناجي العلي، حيث عثرت الشرطة البريطانية على متفجرات في منزله أثناء بحثها عن القاتل، كما أتهم الصوان أنه كان عميلاً للموساد مجندٌ لاغتيال ناجي العلي، ودُفن جثمان ناجي في مقبرة بروك وود الإسلامية (Brookwood) في بريطانيا، بعد رفض قوات الاحتلال الإسرائيلي دفنه في قرية الشجرة مسقط رأسه في فلسطين.

ناجي العلي.. الريشة التي لم تعرف الصمت منذ تفتحها على جدران مخيم عين الحلوة حتى تكميمها برصاصةٍ عام 1987، جسد ناجي معاناة الفلسطينيين من خلال أبلغ الرموز وأبسطها، حيث تمثلت بعدة شخصيات كان أشهرها الطفل حنظلة الذي ولد في الصحافة الكويتية عام 1969، ومن خلاله يعبر ناجي العلي عن ذاته بعد تهجيره من بلده عام 1948 كما يعبر عن كل شخصٍ يقاسمه همومه، فحنظلة تجاوز كل القوانين الفسيولوجية ولم يكبر، ليبقى الضمير اليقظ والشاهد على كل المآسي، فحنظلة ليس مجرد رمزٍ فلسطيني لكنه أصبح رمزاً قومياً وإنسانياً.

اغتيل ناجي العلي عام 1987 تاركاً خلفه أربعين ألف لوحةٍ كاريكاتورية بمثابة صرخةٍ بوجه الاحتلال الإسرائيلي والأنظمة العربية التي اختارت الصمت أمام الكثير من الجرائم التي وقعت على الفلسطينيين وكانت أشهر مقولاته "لن أتخلى عن مبادئي لو على قطع عنقي"، فرحل ناجي العلي و حنظلة لم يكبر وما يزال ابن العشرة أعوامٍ وما يزال عاقداً يديه خلف ظهره وحافي القدمين.. منتظراً.

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة