الأديب الراحل نجيب محفوظ

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الإثنين، 08 نوفمبر 2021
الأديب الراحل نجيب محفوظ

هو من أسطع نجوم الأدب العربي، كما أنه في رأي العديد من النقاد من أبرع من كتب القصة والرواية في العصر الحديث، فعبرت أعماله عن وجدان مجتمعه المصري البسيط، ما جعلها تخرج بانسيابية من الورق إلى الشاشة الكبيرة، إنه الأديب العربي الراحل نجيب محفوظ، الذي سنحاول تسليط الضوء على حياته وأدبه من خلال هذه المادة.

مخاض عسير أعطاه اسمه المركب

ولد نجيب محفوظ عبد العزيز إبراهيم أحمد باشا في الحادي عشر من كانون الأول/ديسمبر من العام 1911، في حي الجمالية المصري، ليكون الطفل الأصغر في عائلته، حيث أن له أربعة أشقاء وشقيقتين، أقربهم إليه يكبره بعشر سنوات، كما كان والده موظفاً بسيطاً ليس له اهتمامات ثقافية أو أدبية تذكر، أما اسم نجيب محفوظ؛ فقد شاء القدر أن يحمله الطفل بعد أن عانت والدته من مخاض عسير عجزت أمامه القابلة، فاضطر والده عبد العزيز لاستدعاء الطبيب نجيب باشا محفوظ (1882-1974)، حيث لم يكن من المقبول أن يقوم طبيب رجل بعملية الولادة، إلا في الظروف الصعبة كالتي مرت بها والدة نجيب، وتيمناً بالطبيب القبطي نجيب باشا محفوظ، أطلق الوالد اسمه كاملاً على طفله، وهو الاسم الأول فقط لأديبنا.

كانت طفولة نجيب محفوظ عادية لا تحمل أحداث مميزة على الصعيد الشخصي، إلا أن الفترة التي ولد فيها كانت مليئة بالأحداث السياسية والاجتماعية الكبرى، حيث لم يكن قد تجاوز السابعة من عمره عند قيام ثورة العام 1919 في مصر، كذلك شهد في طفولته وشبابه على سطوع عمالقة الفن المصري بشتى مجالاته، مما ساهم في تكوين إدراكه وتوسيع آفاقه.

لكن وبحسب محفوظ؛ "لم يكن للعائلة دور في انتهاجي للأدب، القراءة وحدها جذبتني إلى الكتابة"، إضافة إلى التربية الإسلامية الصارمة التي تلقاها ضمن عائلته الملتزمة، إلا أن والدته فاطمة قشيشة ابنة أحد علماء الأزهر؛ كانت تحب زيارة المتاحف والآثار، حيث كانت تأخذه معها دائماً، فارتبط بالتاريخ المصري والآثار الفرعونية، هذا ما انعكس في أولى أعماله، كما كان للأحياء الشعبية التي ترعرع فيها محفوظ أثر كبير، بدا واضح الملامح في كل ما قدمه من أعمال لاحقاً.

على صعيد آخر كان نجيب محفوظ يكره المدرسة، ويحب لعبة كرة القدم، كما كان يحلم أن يصبح موسيقياً فيما بعد، أما والده كان يرغب أن يصبح ابنه طبيباً أو محامياً، لكن اطلاع محفوظ على أدب طه حسين (1889-1973) والمنفلوطي (1876-1924) وغيرهم؛ وضع قدمه على طريق الأدب.

مقالات ذات علاقة

تخلى عن دراسة الماجستير ليكون كاتباً

  • كان نجيب محفوظ ميالاً إلى المواد العلمية في مراهقته، لكنه غير رأيه لاحقاً عندما بدأ يطلع على الفلسفة والأدب، فالتحق بكلية الفلسفة في جامعة مصر (جامعة القاهرة الآن) عام 1930، حيث وقف حينها أمام لجنة القبول في كلية الآداب التي كان يرأسها عميد الأدب العربي طه حسين، فسأله "لما اخترت هذه الدراسة"، فأجابه محفوظ "أريد أن أدخل كلية الآدب لأدرس أصل الوجود"، عندها قال له طه حسين "أنت تقول كلام غير مفهوم، اذهب إلى كلية الفلسفة". فيما بعد أصبح طه حسين أستاذ نجيب محفوظ، على الرغم من أن حسين لم يكن يدرسه ضمن المقرر، لكن الطلبة كانوا يجتمعون حوله في أوقات فراغهم، ليستمعوا إلى آرائه.
  • تخرج نجيب محفوظ بعد أن حصل على ليسانس بالفلسفة عام 1934؛ فبدأ بدراسة الماجستير في الفلسفة الإسلامية، لكنه تراجع قبل أن ينهي رسالته، وقرر أن يتفرغ للأدب، كما بدأ عمله في السلك الحكومي من خلال وزارة الأوقاف عام 1938، ليتنقل بين عدة وظائف حكومية أخرى حتى تقاعده عام 1971، حيث كان رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة للسينما.
  • من جانب آخر بدأ نجيب محفوظ بكتابة القصص عام 1932، ثم بدأ ينشر قصصه في جريدة الرسالة عام 1938، حيث نشر أكثر من ثمانين قصة مجاناً قبل أن يتقاضى جنيهاً مصرياً واحداً كأول أجر له، كما أصدر في العام نفسه مجموعته القصصية الأولى (همس الجنون)، التي وإن لما تتعدى المحلية آن ذاك، لكنها كانت الدافع ليقدم روايته الأولى (عبث الأقدار) عام 1939، ثم (كفاح طيبة) عام 1943، و(رادوبيس) عام 1944، حيث انتمت هذه الروايات إلى الرواية التاريخية - الفرعونية، وتحتوي جميعها على إسقاطات رمزية للواقع المعاصر، لكن بصبغة فرعونية.

فارقه وحي الأدب بعد ثورة تموز/يوليو عام 1952 فانتقل إلى كتابة السيناريو

عاصر نجيب محفوظ الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، حيث كان لتلك الحرب انعكاساتها على مصر، التي ترزح تحت الاحتلال الإنجليزي؛ وكان لأحداث الحرب أثر كبير على منهجية محفوظ أيضاً، فانتقل بعد انتهاء الحرب من الرواية التاريخية، إلى الواقعية الاجتماعية، كما بدل لهجته من التلميح إلى التصريح.

(القاهرة الجديدة) هي أول روايات محفوظ الواقعية

تلك التي كتبها عام 1945، بعد أن أدرك ضرورة الانتقال من الرواية التاريخية، إلى الواقعية، حيث تدور أحداث الرواية في منتصف الثلاثينيات، الفترة التي عرفت الصراع على الدستور الذي ألغاه الإنجليز رغماً عن الملك فاروق (1920-1965)، أما بطل رواية (محجوب عبد الدايم) هو شخص انتهازي، يحصل على وظيفة كبيرة جراء صفقة بينه وبين البيك، تقضي أن يشاركه البيك زوجته، فتتطور الأحداث ضمن سياق الرواية لتكشف الفروق الطبقية، وصراع الناس مع الفقر والجوع، فكانت المرة الأولى التي يتناول فيها محفوظ الواقع مباشرة.

قدم محفوظ روايته الثانية (خان الخليلي) عام 1946

ليخوض في الواقع أكثر، ويسلط الضوء على الحياة ضمن هذا الحي الشعبي المشهور، ثم قدم إنتاجاً كثيفاً في السياق الواقعي الاجتماعي، فقدم رواية (زقاق المدق) عام 1947، ثم (السراب) عام 1948، و(بداية ونهاية) عام 1949.

ثم نشر محفوظ أحد أهم أعماله؛ ثلاثيته المشهورة

(بين القصرين، قصر الشوق، السكرية) وهي التي كتبت دفعة واحدة، ثم قُسمت لاحقاً لثلاثة أجزاء، ونُشرت بداية عام 1952، حيث يذكر محفوظ أنه مذ قرأ رواية (شجرة البؤس) لــ طه حسين، أراد أن يكتب سلسلة تتحدث عن تطور الأجيال، حيث تدور أحداث الأجزاء الثلاث حول شخصية (أحمد عبد الجواد) وابنه (كمال)، فترصد حياة الأسرة حين يكون كمال طفلاً، ثم شاباً؛ فرجلاً، كما تتبع الأحداث التاريخية على طول الامتداد الزمنية للرواية، مثل اندلاع ثورة عام 1919 عندما يكون كمال في الثامنة من عمره، أي في نفس سن نجيب محفوظ عند وقوع الثورة، إضافة إلى أن الثلاثية لفتت انتباه النقاد إلى محفوظ أكثر من أي شيء أنتجه، علق طه حسين عليها بقوله "أتاح للقصة أن تبلغ من الإتقان والروعة ومن العمق والدقة ومن التأثير الذي يشبه السحر؛ ما لم يصل إليه كاتب مصري قبله"، ومن الثلاثية بدأت كلمات محفوظ تطرق باب العالمية.

توقف نجيب محفوظ عن الكتابة الأدبية بعد ثورة 23تموز/ يوليو 1952

حيث لم يكن قادراً على الكتابة في ظل الظروف السائدة، إضافة إلى حالة القلق التي تسود الشارع المصري آن ذاك، كما شعر أنه سيتوقف عن كتابة الرواية إلى الأبد، فسجل نفسه في نقابة المهن السينمائية ككاتب سيناريو محترف، وبدأ تعاونه مع المنتج والمخرج صلاح أبو سيف (1915-1996)، ليقدما معاً العديد من الأفلام السينمائية، التي حملت ذات السمة الواقعية التي انتهجها محفوظ.

فكان أول هذه الأفلام (رية وسكينة) عام 1953 المأخوذ عن قصة واقعية، الذي يتحدث عن قصة قاتلتين قامتا بقتل العديد من النساء في الإسكندرية عام 1920 بهدف السرقة، الفيلم من بطولة رياض القصبجي (حسب الله)، زوزو حمدي الحكيم (سكينة)، ونجمة إبراهيم (ريا)،ثم تبع ذلك فيلم (الوحش) عام 1954، ثم (بين الأرض والسما) عام 1959، فقدم نجيب محفوظ للسينما المصرية ما قدمه للرواية، حيث يعتبره النقاد من أهم رواد السينما المصرية الذين رسموا ملامحها وطوروا من أساليبها.

مُنعت رواية أولاد حارتنا في مصر ومعظم الدول العربية

توقف محفوظ عن الكتابة الأدبية طيلة خمس سنوات، ليعود "ملهوفاً" إلى الأدب، لكن هذه المرة من باب الرمزية، حيث قدم روايته الأكثر شهرة (أولاد حارتنا) عام 1959، التي سببت أزمة اجتماعية وسياسية في مصر آن ذاك.

أولاد حارتنا وجريدة لأهرام

تقدم نجيب محفوظ بروايته (أولاد حارتنا) إلى محمد حسنين هيكل (1923-2016) رئيس تحرير جريدة الأهرام لنشرها كسلسلة متتابعة، لكن الرواية بدأت تثير حولها الكثير من الجدل بعد عدة فصول، حيث اعتبر البعض أن الرواية تزدري الرموز الدينية، إضافة إلى اتهام محفوظ بالتجديف والكفر من قبل العالم الأزهري محمد الغزالي (1917-1996)، كما تم تهديده بالقتل علناً إذا نشر هذه الرواية.

هيكل ينشر الرواية

فقام هيكل بنشر الفصول بشكل يومي عندما شعر بأنه من الممكن منع نشرها، بذلك تمكنت جريدة الأهرام من نشر الرواية كاملة، كما تم تقديم شكاوى عديدة ضد الرواية إلى الجهات الرسمية، حتى وصلت إلى الرئيس جمال عبد الناصر (1918-1970)، فانتدب عبد الناصر لجنة لتقييم الرواية، كما تكونت لجنة دينية يرأسها الشيخ محمد الغزالي لنقاش نجيب محفوظ بما جاء في روايته، فتم تحديد موعد للقاء بين اللجنة والأديب المتهم في مكتب أحد مستشاري عبد الناصر، إلى أن أحداً من أعضاء اللجنة لم يأتي لمواجهة نجيب محفوظ وفق ما كان مخططاً، لكن عبد الناصر طلب من محفوظ ألا تطبع الرواية في مصر، فاستجاب محفوظ الذي لم يكن يرغب في إحداث مشكلة اجتماعية جديدة، كما تم نشر الرواية لاحقاً في لبنان - دار الآداب عام 1968، إلا أنها بقيت ممنوعة في مصر، كما في معظم الدول العربية حتى عام 2006 عندما صدرت عن دار الشروق - القاهرة.

الاسقاطات الدينية في أولاد حارتنا

تدور أحداث الرواية حول شخصية الجبلاوي، وهو رجل متعدد الزوجات يسكن في بيت كبير (عزبة)، أنجب إدريس ورضوان، كما أنجب من زوجته الأصغر ابنه أدهم، الذي تزوج من أميمة؛ فيقوم إدريس بإغواء أدهم -بدافع الغيرة- ليدخل إلى الغرفة التي تحتوي على صك ملكية دار الجبلاوي، وهي غرفة محرمة، إلا أن الجبلاوي يكتشف أمر ابنه العاق، فيطرده وزوجته خارج الدار الكبيرة (الفردوس)، فيهيم أدهم مع زوجته بين العوام، ليعاني من الفقر والعوز، كما ينجب أدهم طفلين، همام وقدري، فيما بعد يختار الجد (الجبلاوي) حفيده أدهم ليعيش معه في القصر.

فيقوم قدري الذي بقي تحت رحمة الفقر بقتل أخيه (قابيل وهابيل). فيما بعد يأتي رفاعة وهو من أحفاد الجبلاوي ويطلب بالعودة إلى الحارة، فيقوم بشفاء المرضى وطرد العفاريت، فيقتله -فتوات- الحارة، ليأخذه جده ويدفنه في منزله، في نهاية الرواية يقوم عرفة بقتل الجبلاوي، لكنه يشعر فيما بعد أن هذه الحارة كانت تحتاج إلى وجود جبلاوي.

الانتقادات الموجهة لرواية أولاد حارتنا

رأى المعترضون على هذه الرواية أن محفوظ تناول الذات الإلهية من خلال شخصية الجبلاوي، كما صور إبليس في شخصية إدريس ليعيد صياغة قصة آدم وحواء، كما يتناول قصة عيسى عليه السلام من خلال شخصية رفاعة، إضافة إلى نهاية الرواية التي رأى فيها المعترضون قتل الذات الإلهية على يد عرفة، الذي هو رمز المعرفة، لكن محفوظ تجنب الحديث عن هذه الرواية، أو توضيح مقاصده، حيث تنازل عن نشرها في مصر، وهدأت الانتقادات التي طالته بعد فترة، ليتابع أعماله الأدبية اللاحقة.

أعمال روائية وأدبية أخرى

تم نشر روايته (اللص والكلاب) عام 1961، المأخوذة عن قصة حقيقة، ثم العديد من الأعمال الروائية التي انتشرت على نطاق واسع، أهمها (ثرثرة فوق النيل) عام 1966 التي تناولت الفساد السياسي في مصر، ما جعل السلطة تصدر أمراً باعتقال محفوظ، لكنه نجا من الاعتقال؛ ربما بسبب علاقته المتينة من محمد حسنين هيكل، كما اعتبر بعض النقاد أنه تنبأ بهزيمة حزيران/يونيو عام 1967 من خلال هذه الرواية، كما قدم رواية (ميارمار) 1967، إضافة إلى (ملحمة الحرافيش) عام 1977، و(أفراح القبة) عام 1981, كما الكثير من الروايات والقصص والمقالات، إلى جانب خمس نصوص مسرحية يصفها محفوظ "بالهامشية"، كما أصبحت بعض جمله مشهورة جداً، على غرار "آفة حارتنا النسيان".

تزوج متأخراً خوفاً من أن ينشغل عن الأدب

تأخر زواج نجيب محفوظ حتى بلغ الخامسة والأربعين من العمر، لأنه كان يرى انهماك أصدقائه بتأمين متطلبات عوائلهم، إضافة إلى الواجبات الاجتماعية الكثيرة، إلا أنه أخيراً تزوج من السيدة عطية الله إبراهيم عام 1954، وهي مسيحية أرثوذكسية، أنجب منها ابنتيه، أم كلثوم وفاطمة، كما أبقى محفوظ على زواجه شبه سري، حيث لم يعرف أحد من المحيطين به مهنياً بالأمر، إلا بعد مرور عشر سنوات.

عاش محفوظ مع زوجته حياة هادئة ومستقرة، كما كان أهم أهدافه التقاعد من العمل الحكومي، والتفرغ الكامل للأدب، حيث تقاعد عام 1971، بعد أن شغل عدة مناصب، منها مدير الرقابة على المصنفات الفنية في وزارة الثقافة، ومديراً عاماً لمؤسسة دعم السينما.

من جانب آخر تعرض محفوظ للعديد من الضغوطات في حياته، أبرزها أزمة (أولاد حارتنا)، إضافة إلى الجدل الكبير الذي أثاره حصوله على جائزة نوبل، حيث اعتبر الكثير من الصحفيين والنقاد أن حصول محفوظ على نوبل، إنما مكافأة له لدعمه اتفاقية السلام بين مصر و العدو الإسرائيلي، حيث شجع محفوظ على الحوار مع إسرائيل بعد حرب عام 1967، لكن من جانب آخر دافع عنه الكثيرون، واعتبروه استحق الجائزة بجدارة.

لماذا لم يسافر نجيب محفوظ لاستلام جائزة نوبل؟

حصل نجيب محفوظ على جائزة نوبل عن فئة الأدب عام 1988، عندما كان في السادسة والسبعين من عمره، حيث أيقظته زوجته على خبر فوزه بالجائزة، فكان من المفروض أن يذهب محفوظ إلى السويد لتسلم الجائزة في ذكرى ميلاد العالم السويدي ألفريد نوبل (Alfred Nobel1833-1896) في العاشر من ديسمبر/كانون الأول.

لكن نجيب محفوظ لم يكن يحب السفر، إضافة إلى أن المظاهر الاحتفالية لم تكن تروق له، حيث سيضطر لارتداء الثياب الرسمية، كما يجب الالتزام بتقاليد لقاء الملك، لهذه الأسباب قرر محفوظ عدم الذهاب إلى السويد، إنما أرسل ابنتيه ليستلمن الجائزة نيابة عنه، كما ألقى كلمته الصحفي محمد سلماوي، من جانب آخر قدم محفوظ رواية واحدة بعد نوبل بعنوان (قشتمر) عام 1988، حيث تعود التسمية إلى مقهى يجتمع فيه أبطال الرواية الخمسة، كما قدم عدداً من المجموعات القصصية.

شبح أولاد حارتنا طارده طيلة حياته وكاد يقتله

على الرغم من محاولة نجيب محفوظ وأد الفتنة التي أحدثتها روايته (أولاد حارتنا)، ذلك من خلال تنازله طوعاً عن طباعتها ونشرها في مصر، إلا أن شبح الرواية بقي يلاحقه، وكاد أن يقتله في الرابع عشر من تشرين الأول/أكتوبر عام 1994، عندما كان مع صديقه الدكتور فتحي هاشم في سيارته تحت المنزل؛ فتقدم شاب صغير باتجاه النافذة حيث يجلس محفوظ، وطعنه في عنقه، ليهرب ويترك السكين في مغروسة في رقبة نجيب محفوظ، لكنه نجا بأعجوبة من هذه المحاولة، كما زاره في المشفى الشيخ محمد الغزالي الذي أثار قضية أولاد حارتنا قبل قرابة خمس وعشرين سنة.

روايته على الشاشة الكبيرة

تميز نجيب محفوظ بأسلوبه المميز بتصوير الأحداث، حتى اعتبر بعض النقاد أن شخصياته تكاد تخرج من الصفحات وحدها، لذلك تم إنتاج أغلب رواياته من خلال أعمال سينمائية مصرية وعالمية، إلا أن محفوظ على الرغم من أنه كتب السيناريو، لكنه لم يكن يكتب السيناريو لروايته، حيث كان يعتبر ذلك أمراً غير ممكن تقنياً، إما أن يكتب السيناريو، أو يكتب رواية ويأتي بأحد آخر ليحولها إلى سيناريو، وأهم هذه الأعمال هي:

  • فيلم القاهرة 30: المأخوذ عن روايته القاهرة الجديدة، أنتج الفيلم عام 1966، وهو من بطولة سعاد حسني، وعبد المنعم إبراهيم، وإخراج صلاح أبو سيف.
  • فيلم زقاق المدق (النسخة المصرية): مأخوذ عن روايته زقاق المدق، أنتج عام 1964، وهو من إخراج حسن الإمام، وبطولة شادية، ويوسف شعبان.
  • فيلم Midaq Alley (النسخة المكسيكية من زقاق المدق): تم إنتاجه عام 1994، من بطولة سلمى حايك.
  • إضافة إلى أفلام الثلاثية (بين القصرين، قصر الشوق، السكرية): من إخراج حسن الإمام، وبطولة يحيى شاهين، عبد المنعم إبراهيم، ونور الشريف.
  • كما تم تصوير العديد من الأفلام الأخرى المأخوذة عن روايات محفوظ، منها (اللص والكلاب) بطولة شكري سرحان، (الطريق) بطولة شادية، (الكرنك) بطولة نور الشريف.

أهم الجوائز التي حصل عليها

  • جائزة وزارة المعارف عن روايته كفاح طيبة عام 1944.
  • جائزة مجمع اللغة العربية عن روايته خان الخليلي عام 1946.
  • وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى عام 1962.
  • جائزة الدولة التقديرية في الأدب عام 1968.
  • جائزة نوبل للآداب عام 1988.
  • قلادة النيل العظمى عام 1988 (من المفارقة أن الطبيب نجيب باشا محفوظ الذي حمل أديبنا اسمه، هو أول من حمل هذه القلادة).

نظرة إلى أدب نجيب محفوظ

يتفق معظم النقاد أن نجيب محفوظ هو من عبَّد الطريق أمام الرواية العربية لتأخذ مكانها في الأدب العالمي، حيث استطاع محفوظ أن يستكمل العناصر الفنية للرواية من حيث الشكل، كما تمكن من تناول مضامين مختلفة طيلة مسيرته الإبداعية، ولم يقف عند نوع محدد من الرواية، وإنما كان يجرب كل الأنماط والمدارس الأدبية.

كما يعتبر نجيب محفوظ أول من أدخل الناس العاديين إلى الرواية العربية، واهتم بتصوير أدق التفاصيل الاجتماعية والسياسية، كذلك العمرانية في الأحياء الشعبية التي عاش فيها، إضافة إلى أنه لم يقع في فخ المحلية، حيث استطاع بحنكة أدبية عالية أن يحافظ على عمومية الفكرة الإنسانية، على الرغم من القالب المحلي الذي اختاره لكل أعماله.

من جانب آخر؛ أثر أدب محفوظ في الوجدان الشعبي، لأنه أخذ على عاتقه ملاحقة القضايا الاجتماعية التي تحكم حياة الناس، على الرغم من أنه بدأ بالرواية التاريخية بإسقاطات خجولة، إلا أنه اعتبر فيما بعد من أكثر الأدباء جرأة على السلطة السياسية والاجتماعية، هذا ما برز من خلال روايته (القاهرة الجديدة)، إضافة إلى (الكرنك) على سبيل المثال لا الحصر، يضاف إلى ذلك أن شخصيات محفوظ كانت تغري المخرجين بتجسيدها، كما أن سرديته المحكمة تجعل القارئ يرى الرواية كأنها فيلم يشاهده، هذا ما أدخل أدب محفوظ إلى الشاشة الكبيرة بغزارة.

وفاة الأديب نجيب محفوظ

رحل الأديب نجيب محفوظ عن عمر ناهز الرابعة والتسعين، في التاسع والعشرين من آب/أغسطس عام 2006، نتيجة إصابته بقرحة نازغة، تاركاً ورائه 34 رواية، وأكثر من 350قصة قصيرة، إضافة إلى مقالاته وأفلامه السينمائية.

استطاع الأديب الراحل أن يرسم طريقاً جديداً للأدب العربي، كما ساهم بشكل مباشر في تطوير البنية الفنية للرواية العربية، حيث يعتبر امتداداً لعميد الأدب العربي طه حسين، فمهما اختلفت الآراء حوله، يبقى الأدب مديناً له أنه قضى عمره يحاول تحسين شكل الرواية، وإغناء مضمونها.

خلاصة

ولد نجيب محفوظ في 11كانون الأول/ديسمبر عام 1911، وعاش حتى الرابعة والتعسين، قدم خلال حياته الطويلة إنتاجاً أدبياً كثيفاً، وفريداً، توزع بين الرواية والقصة والملحمة، إضافة إلى السيناريو والمسرحية، حيث قدم في الرواية وحدها 34 عملاً، أبرزها أولاد حارتنا، وثلاثية القاهرة (بين القصرين، قصر الشوق، السكرية)، إضافة إلى زقاق المدق، والكرنك.

تميز أدب نجيب محفوظ بالواقعية الاجتماعية، حيث تناول الأحياء الشعبية المصرية بأدق تفاصيلها، ومن كل نواحيها، كما قدم الرواية التاريخية في بداياته، إضافة إلى روايته الرمزية أولاد حارتنا، التي أثارت جدلاً كبيراً، حيث اتهم على إثرها بالزندقة والكفر، فمنعت روايته في مصر ومعظم الدول العربية، كما تعرض لمحاولة اغتيال نجا منها بأعجوبة بعد أن تلقى طعنة في العنق.

حاز محفوظ على العديد من الجوائز، أبرزها جائزة نوبل للآداب عام 1988، إضافة إلى قلادة النيل العظمة في نفس العام، توفي في 29 آب/أغسطس عام 2006.