أجمل القصائد والشعر عن الأم

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الخميس، 21 مارس 2024

للقصيدة امتدادٌ إذ يتسرب من أصابعِ الشعراء، لا يبلغه إلا مجازٌ واحد، وللمجاز أفقٌ بلوريٌ لا يمكن تجاوزه إلا بقصيدةٍ فيها يسيل الضوء، ويصبح الجمر ثلجاً، والقلب يغدو فيها وردةً من غيمٍ تمطر الوجود

وهذه القصيدة وذاك المجاز مطويان في كتابٍ مفتوحٍ أبداً على عوالم تذوبُ على جدرانها السماواتُ والسحب والنجوم، ويندى فيها الندى، ويخضل كلُّ صوتٍ تيبَّس فيه الحب، فربما ذلك بعضٌ مما قصده الشعراء عندما كتبوا كلاماً عن الأم.

الأم هي المطلق في قصائد الشعراء العربية

في كثيرٍ من قصائد الشعراء، التي يتحدث فيها الشاعر عن أمه _حنيناً وحباً أو وصفاً ورثاءً_ تحمل صورة الأم المطلق من الصفات، فهي الحب الأوحد، وهي المقدسة، التي لا يبلغ درجة حبها وحنانها وصدقها أحدٌ من نساء العالم.

فالشاعر إذا أحس بسراب الحب و اصطناعه، تذكر تلك المرأة التي لا تتقن غير الحب فقط لأجل الحب، وإذا اغترب تذكر حضن أمه وخبزها ودموعها وخوفها على ذلك الطفل، الذي لا يعود طفلاً إلا بين ذراعي أمه وفي حضرة تذكرها، وعند موت الأم.. تبلغ الصورة عمقها الحقيقي، كما دموع الشاعر نفسه، فقد مات مطلق الحب والحنان والشوق، فيولد مطلق الصورة العذبة والصادقة، ومطلق الأسى.

شعر الأم المقدسة

لآيةٌ مقدسةٌ تتلوها الأم بأنفاسها عندما تعانق طفلها وتلفه بحبها، فالشاعر أبو القاسم الشابي لا يخال أن هناك مشهداً وحالةً تتجاوز بقدسيتها حالة الأم وهي تعانق طفلها وتُغدق عليه حنانها، فقال:

الأُمُّ تلثُمُ طفْلَها وتَضمُّه ... حرمٌ سماويُّ الجمال مقدَّسُ

تتألَّه الأَفكارُ وهي جوارهُ ... وتَعود طاهرةً هناكَ الأَنفسُ

حرم الحياة بِطهْرِها وحنانها ... هل فوقه حرمٌ أَجلُّ وأَقدسُ

بوركت يا حرمَ الأُمومَةِ والصِّبا ... كم فيكَ تكتملُ الحياةُ وتَقدُسُ

نزار قباني مشتاقٌ لقدّيسته

لم تكن شوارع مدريد لتتسع قلب نزار قباني الذي يفيض شوقاً لأمه فائزة، فهي قديسته وجميلته التي تملأ قلبه وتؤجج حنينه، فقال في قصيدة "خمس رسائل إلى أمي":

صباح الخير يا حلوة.. صباح الخير يا قديستي الحلوة

مضى عامان يا أمي ... على الولد الذي أبحر

برحلته الخرافية ... وخبأ في حقائبه

صباح بلاده الأخضر.. وأنجمها، وأنهرها، وكل شقيقها الأحمر

وخبأ في ملابسه.. طرابيناً من النعناع والزعتر.

والشاعر في وحدته لم يجد حضناً أوسع من حضن أمه، ولا حناناً دفاقاً كحنان أمه، فكل النساء عواطفهن زائفة أمام عاطفة الأم، فقال:

أنا وحدي.. دخان سجائري يضجر

ومني مقعدي يضجر ... وأحزاني عصافيرٌ..

تفتش بعد عن بيدر ... عرفت نساء أوروبا..

عرفت عواطف الإسمنت والخشب

عرفت حضارة التعب..

وطفت الهند، طفت السند، طفت العالم الأصفر

ولم أعثر.. على امرأةٍ تمشط شعري الأشقر

وتحمل في حقيبتها ... إلي عرائس السكر

وتكسوني إذا أعرى ... وتنشلني إذا أعثر.

أشعار الحنين للأم

لم ينسَ نزار أدق تفاصيل حنو أمه عليه، فالشاعر طفلٌ في حضرة الذاكرة التي تسكنها الأم، فكيف لنزار أن يكبر وما زالت عروسة السكر التي كانت تعدها له والدته في صغره تسكن قلبه، فقال:

أيا أمي. أيا أمي..

أنا الولد الذي أبحر ... ولا زالت بخاطره

تعيش عروسة السكر ... فكيف.. فكيف يا أمي

غدوت أباً.. ولم أكبر؟

محمود درويش مشتاقاً

يشتاق محمود درويش إلى كل الأشياء التي تربطه بطفولته وحنان أمه، فالخبز والقهوة وحتى لمسة اليد، تستحيل أبدياتٍ لا يمحوها الاغتراب، فقال:

أحن إلى خبز أمي ... وقهوة أمي ..

ولمسة أمي .. وتكبُر فيَّ الطفولةُ

يوماً على صدر يومٍ ... وأعشقُ عمري لأني

إذا متُّ أخجل من دمع أمي ... خذيني إذا عدت يوماً وشاحاً لهدبُك

وغطي عظامي بعشبٍ تعمدَ من طهر كعبك ... وشدي وثاقي .. بخصلة شعر

بخيط يلوح في ذيل ثوبك ... ضعيني، إذا ما رجعت وقوداً بتنور نارك

وحبل غسيل على سطح دارك ... لأني فقدت الوقوف بدون صلاة نهارك

هرمت فردي نجوم الطفولة ... حتى أشارك صغار العصافير

درب الرجوع لعشّ انتظارك ...كل النساء سرابٌ بعد الأم

لم يجد الشاعر محمود درويش في من عرفهن من النساء حباً وحناناً حقيقاً، فكأنه بغير حضن أمه لا يلامس إلا السراب، فقال:

أَمَا زِلْتِ حِينَ تُحبِّينَني تُنْشِدِينَ وَتَبْكِينَ مِنْ أَجْلِ لَا شَيْءَ، أَمِّي أَضَعْتُ

يَدَيَّ عَلَى خَصْرِ امْرَأَةٍ مِنْ سَرَابٍ، أَعانِقُ رَمْلاً، أُعَانِقُ ظِلاً، فَهَلْ أَسْتطِيعُ

الرُّجُوعَ إلَيْكِ ... لَا تَتْرُكِينِي وَحِيداً شَرِيداً، أُرِيدُ يَدَيْكِ لأَحْمِلَ قَلْبِي

أَحِنُّ إِلَى خُبْزِ صَوْتِكِ أُمِّي ... أَحِنُّ إِلَى كُلِّ شَيْءٍ، أَحِنُّ إلَيْكْ.

درويش يتمنى لو يبقى صبياً على ساعد أمه

لِدِينِي لأَعْرفَ فِي أَيِّ أَرْضٍ أَمُوتُ وَفِي أَيِّ أَرْضٍ سَأَبْعَثُ حَيَّا

سَلَامُ عَلَيْكِ وَأَنْتِ تُعِدّينَ نَارَ الصَّبَاحِ، سَّلَامٌ عَلَيْكِ

أما آنَ لِي أَنْ أُقَدِّمَ بَعْضَ الهَدَايَا إِليْكِ؟

أَمَا آنَ لِي أَنْ أَعُودَ إِليْكِ؟

أَمَا زَالَ شَعْرُكِ أَطْوَلَ مِنْ عُمرِنَا وَمِنْ شَجَرِ الغَيْمٍ وَهوَ يَمُدُّ السَّمَاءَ إِليْكِ ليَحْيَا؟

لِدِينِي لأَشربَ مِنْكِ حلِيب البِلاَدِ، وَأَبْقَى صَبِيَّاً عَلَى سَاعِدَيْكِ وَأَبْقَى صَبِيَّاً

إِلَى أًبَدِ الآبِدِينَ. رَأيْتُ كَثِيراً يَا أَمِّي، لِدِيني لأَبْقَى عَلَى رَاحَتْيكِ.

الثلج يربط ذاكرة إلياس فرحات بحنان أمه

يوقظ برد الثلج في نفس الشاعر اللبناني إلياس فرحات حنان أمه التي كانت تخاف عليه من البرد، فتدثره بحضنها وتحميه، فقال:

يا ثلج قد ذكرتني أمي أيام تقضي الليل في همي

مشغوفةً تحار في ضمي تحنو عليَّ مخافة البرد

برد الشتاء ذكره بحضن أمه

لم يكن لينسى الشاعر نعمة الحاج (شاعر لبناني من شعراء المهجر) حضن أمه، ولكن برد الشتاء عاد بذاكرته إلى حضنٍ يسلم فيه، و يتدفأ بحنانه وينسى برد الشتاء، فقال:

ذكرتك إذ جاءه الشتاء وقره....سهام إلى الأكبادِ يشققنَ أصلها

فحنت إلى دفء القلوب وشاقها.....تذكر حضن الأم إذا طاب مضجعا.

قصائد في حب الأم

حب الأم لأولادها هو الحب الذي يصدق فيه وصف السرمدي (الأبدي)، وهو ما جعل الشاعر اللبناني سعيد عقل يحلق بعيداً في صوت أمه، فيسكن كل تفاصيل الجمال ويعود طفلاً في حضرة حبٍ أبدي هو حب الأم، وهي القصيدة التي غنتها فيروز:

أمّي يا ملاكي... يا حبّي الباقي الى الأبد

ولا تزل يداك... أرجوحتي ولا أزل ولد

يرنو إلى شهر.... وينطوي ربيع

أمي وأنت زهر..... في عطره أضيع

وإذ أقول أمي.... أفتن بي أطير

يرف فوق همّي... جناح عندليب

أمّي يا نبض قلبي.... نداي إن وجعت

وقبلتي وحبي....... أمي إن ولعت

أمّي يا ملاكي

يا حبّي الباقي إلى الأبد.

حب الأم لا يبلغه أي حب

لو أن الموت يبعد بالحب، لما مات ولدٌ تظلله الأم بحبها، وفي ذلك قال الشاعر سليم خوري:

لو كان يغني الحب أو يدفع الردى.... لما نام تحت الشاعر العراقي أمٌّ

أتيتك راجياً قلبي لحضنٍ.... أحبُّ إليّ من هذا وأكرمُ.

أشعار عن حنان الأم

لم يكن لبعد المسافة أن يمنع أم محمود درويش من أن تمارس حنانها المعتاد، فهي تتفقد ولدها، وتسرح شعره وإن كان بعيداً عن عينيها، وفي قصيدة تعاليم حورية يقول درويش واصفاً ذلك:

أمي تعد أصابعي العشرين عن بعدٍ

تمشطني بخصلة شعرها الذهبي

وترفو جوربي المقطوع.

فإن أم درويش بلغ حنانها وحبها لولدها مبلغاً جعلها تضحي بكل عواطفها، فقط لأجل أن ترى ابنها سعيداً وقوياً وناجحاً، فهي تدعوه ليرمي كل ذكرياته وعواطفه، وأن يترك لها البكاء والحنين، لأن ذلك جوهر حياتها ومهنتها المحببة، فقال في ذلك محمود درويش:

تقول لي: تزوج أي امرأةً من الغرباء، أجمل من بنات الحي

ولكن لا تصدق أية امرأة سواي، ولا تصدق ذكرياتك دائماً

لا تحنَّ إلى مواعيد الندى، كن واقعياً كالسماء

ولا تحن إلى عباءة جدك السوداء

وإلى رشوات جدتك الكثيرة، وانطلق كالمهر في الدنيا

وكن أنت حيث تكون واحمل عبء قلبك وحده

أمي تضيء نجوم كنعان الأخيرة حول مرآتي، وترمي في قصيدتي الأخيرة شالها.

الرضي بين البكاء وحياء الرجولة.. رثاء الأم

لم يكن بوسع الشاعر العراقي الشريف الرضي أن يحتفظ بجلده بعد موت أمه، فحار وتخبّط بين الحزن الشديد وذرف الدموع وبين حياء الرجولة، فلم يستطع صبراً وتماسكاً أمام المصاب العظيم، فقال:

أبكيك لو نقع الغليل بكائي.... وَأقُولُ لَوْ ذَهَبَ المَقالُ بِدائي

وَأعُوذُ بالصّبْرِ الجَميلِ تَعَزّياً..... لَوْ كَانَ بالصّبْرِ الجَميلِ عَزائي

طوراً تكاثرني الدموع وتارةً..... آوي إلى أكرومَتي وحيائِي

كم عبرةً موهتُها بأناملي...... وسترتُها متجملاً بردائِي

ما كنت أذخر في فداك رغيبةً..... لو كان يرجع ميت بفداءِ

فَارَقْتُ فِيكِ تَماسُكي وَتَجَمّلي.... ونسيت فيك تعززي وإبائي

لا حياة بعد فقدان الأم

وفي ذلك يصف الشاعر محمود سامي البارودي ما آل إليه حاله بعدما فقده لأمه، فودّ لو يستبدل ذلك ويردى هو لتسلم أمه، إذ لا معنى للحياة بعد موت الأم، فقال:

وَشَتَّانَ مَنْ يَبْكِي عَلَى غَيْرِ عِرْفَة..... جزافاً وَ منْ يبكي لعهدٍ تجرما

لَعَمْرِي لَقَدْ غَالَ الرَّدَى مَنْ أُحِبُّهُ..... وَكانَ بودي أنْ أموتَ وَ يسلما

وَ أيُّ حياةٍ بعدَ أمًّ فقدتها........ كَمَا يفْقِدُ الْمَرْءُ الزُّلاَلَ عَلَى الظَّمَا

تَوَلَّتْ فَوَلَّى الصَّبْرُ عَنِّي وَعَادَنِي..... غرامٌ عليها شفَّ جسمي وأسقما

وَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ ذاكرةٌ تَبْعَثُ الأَسى...... وَطَيْفٌ يُوَافِيني إِذَا الطَّرْفُ هَوَّمَا

وَ كانتْ لعيني قرةٌ وَ لمهجتي...... سروراٌ فخابَ الطرفُ وَ القلبُ منهما

فَلَوْلاَ اعْتِقَادِي بِالْقَضَاءِ وَحُكْمِهِ....... لقطعتُ نفسي لهفة وَ تندما

فيا خبراً شفَّ الفؤادَ فأوشكتْ...... سويدَاؤهُ أنْ تستحيلَ فتسجما

الشاعر الأسير نذر دموعه ليبكي أمه

يفتقد الشاعر الأسير أبو فراس الحمداني لمن يحنو عليه ويدعو له ويخاف عليه، فبموت أمه أصبح كل ذلك سراباً، فنذر دموعه ولياليه التي يقومها حداداً على أمه، فقال:

أيا أمَّ الأسير سقاكِ غيثٌ.... بكره منك ما لقي الأسيرُ

إذ ابنك سار في بر وبحر.... من يدعو له ويستجيرُ

ليبكِ كل ليلٍ قمت به..... إلى أن يبتدي الفجرُ المنيرُ

أخيراً... ما امتلأت سطور الشعراء بما يرغبون عندما يكتبون عن أمهاتهم، كيف وهم كانوا يصفون عجز أرقّ الكلمات وأجملها من أن تبلغ شسع حب الأم وخوالجها وحنوها على أبنائها، فسكب الشعراء من فيضهم وكتبوا تارةً بالسحاب وبالربيع، وتارةً بدموعهم وأرواحهم، ليبلغوا أرق التجليات التي توازي قداسة الأم، فكتب الشعراء وأقلامهم قد تكون بلغت جمالية الصورة وعذوبتها، كما أن قصائدهم بلغت عمق القصيدة التي يرومون بميزان الشعر، لكنها لم تبلغ التجليات الحقيقية لحنان الأم وحبها لأبنائها، فربما في حضرة الأم يصدق ما قاله الشاعر نزار قباني: إن الكلامَ يموتُ حينَ يقالُ.

مقالات ذات علاقة