أجمل ما قيل في رثاء الأب

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: السبت، 23 ديسمبر 2023

الرثاء واحدٌ من أهم أشكال الشعر العربي القديم كما لم يغب عن الشعر الحديث أيضاً، وإن أصبح أكثر صدقاً في العصر الحديث كون رثاء الملوك والأمراء والرثاء المصطنع لم يعد عملاً محموداً للشعراء كما كان.

وعندما نقلب صفحات الرثاء -قديمها وجديدها- نجد فيها رثاء الأحبة والأهل يسبق في لهفته وصدقه أي رثاء، ولعل ما قيل في رثاء الأم وفي رثاء الأب من أجمل ما قيل في الرثاء كله.

في هذه المادة؛ سنتعرف معاً على أجمل أبيات رثاء الأب، والقصائد التي حاول الشعراء من خلالها إعطاء الأب حقه من الحزن والتقدير في آنٍ معاً، وكيف تضاربت المشاعر بين الحزن والإنكار أو التصالح مع الفاجعة.

رثاء الشعراء لآباءهم

في القصائد التي سنتعرف عليها معاً، سنلمس معنى وجود الأب بالنسبة لهؤلاء الشعراء، فمنهم من افتقد الأمان، كقولة هند بنت عتبة ترثي والدها:

(أبـكي عـميد الأبطـحـين كليهما... وحـاميـهما مـن كـل باغ يريدها)

ومنهم من افتقد المعلم والموجه، فيما نجد بعضهم أكثر عاطفةً يبحث عن حنانٍ ضائع بفقدان الأب، وفي هذا الزحام من المشاعر والأفكار، وأمام مصيبة من العيار الثقيل بالنسبة لهم، قاموا باللجوء إلى القصيدة كصندوق لحفظ الألم.

أحمد شوقي في رثاء والده

نبدأ مع قطعة فنية مميزة لأمير الشعراء أحمد شوقي، لم يتوقف فيها عند الحزن والرثاء، بل صور علاقته المميزة بوالده، ومدى اتحادهما.

كما طرح على نفسه مجموعة من الأسئلة الوجودية الكبيرة عن لقاء الأحياء والأموات، وعن الموت نفسه.

يبدأ شوقي قصيدته بمخاطبة من عاتبه أنَّه لم يرثُ ِ أباه، فيقول:

سأَلوني لِمَ لَمْ أَرْثِ أَبي؟ ورِثاءُ الأَبِ دَيْنٌ أَيُّ دَيْنْ

أَيُّها اللُّوّامُ ما أَظلمَكم! أينَ لي العقلُ الذي يسعد أينْ؟

أمير الشعراء في وفاة والده

يا أبي، ما أنتَ في ذا أولٌ، كلُّ نفسٍ للمنايا فرضُ عَيْنْ

هلكَتْ قبلك ناسٌ وقرَى ونَعى الناعون خيرَ الثقلين

غايةُ المرءِ وإن طالَ المدى آخذٌ يأخذه بالأصغرين

وطبيبٌ يتولى عاجزاً نافضاً من طبَّه خفيْ حنين

إنَّ للموتِ يداً إن ضَرَبَتْ أَوشكَتْ تصْدعُ شملَ الفَرْقَدَيْنْ (الفرقدين: النجم القطبي ونجم آخر يشبهه)

شاهد ايضاً: أشعار عن الأب

العلاقة بين أمير الشعراء ووالده

أنا منْ ماتَ، ومنْ ماتَ أنا، لقيَّ الموت كلانا مرتين

نحن كنا مهجةً في بدنٍ ثمَّ صِرْنا مُهجةً في بَدَنَيْن

ثم عدنا مهجة في بدنٍ ثم نُلقى جُثَّةً في كَفَنَيْن

طالما قمنا إلى مائدةٍ كانت الكسرةُ فيها كسرتين

وشربنا من إناءٍ واحدٍ وغسلنا بعدَ ذا فيه اليدينْ

وتمشَّيْنا يَدي في يدِه من رآنا قال عنّا: أخوين

أحزان أمير الشعراء وأسئلته

يا أبي والموتُ كأسٌ مرةٌ لا تذوقُ النفسُ منها مرتينْ

كيف كانت ساعة قضيتها كلُّ شيءٍ قبلَها أَو بعدُ هَيْن؟

أَشرِبْتَ الموت فيها جُرعةً أَم شرِبْتَ الموتَ فيها جُرعتين؟

لا تَخَفْ بعدَكَ حُزناً أَو بُكا، جمدتْ منِّي ومنكَ اليومَ عينْ

أنت قد علمتني تركَ الأسى كلُّ زَيْنٍ مُنتهاه الموتُ شَيْن

ليت شعري هل لنا أن نلتقي مَرّةً، أَم ذا افتراقُ المَلَوَين؟ (يقصد الليل والنهار)

وإذا متُّ وأُودعتُ الثرى أَنلقَى حُفرةً أَم حُفْرتين؟

أبو القاسم الشابي ورثاء أبيه

كعادته، يقدم الشاعر التونسي الراحل أبو القاسم الشابي نمطاً مختلفاً من القصيدة من حيث طريقة تناوله لفكرتها.

فهو في رثاء والده -وبشكل نادرٍ واستثنائي- يتحدث عن استمرار الحياة على الرغم من الفقد، فهو الذي اعتقد أن الحياة انتهت برحيل أبيه، لكنه وجد نفسه بعد سنين وقد أقبل على الحياة، إنهيرثي والده متمسكاً بالفرح، فيقول:

ما كنتُ أحْسَبُ بعدَ موتَك يا أبي ومشاعري عمياء بأحزانِ

أني سأظمأُ للحياةِ، وأحتسي مِنْ نهْرها المتوهِّجِ النّشوانِ

وأعودُ للدُّنيا بقلبٍ خَافقٍ للحبِّ والأفراحِ والألحانِ

ولكلِّ ما في الكونِ من صُوَرِ المنى وغرائبِ الأهُواء والأشجانِ

حتى تحرّكتِ السّنون، وأقبلتْ فتنُ الحياةِ بسِحرِها الفنَّانِ

فإذا أنا ما زلتُ طفْلاً مُولَعاً بتعقُّبِ الأضواءِ والألوانِ

وإذا التشاؤمُ بالحياةِ ورفضُها ضرْبٌ من الُبهتانِ والهذيانِ

إنَّ ابنَ آدمَ في قرارةِ نفسِهِ عبدُ الحياةِ الصَّادقُ الإيمانِ

قصيدة نزار قباني في رثاء والده

لمتخلُ حياة الشاعر السوري الراحل نزار قباني من المصائب التي غيرت في تكوينه الشعري وفي تعامله مع القصيدة.

فحزنه الوطني بعد نكسة عام 1967 جعله ينتقل من الغزل والرومانسية إلى القصيدة السياسية والاجتماعية.

كذلك حزنه الشخصي نتج عنه مجموعة من قصائد الرثاء التي تحولت لعلامة بارزة في دفتر الشعر الحديث.

فقد رثا زوجته بلقيس بقصيدة طويلة، ورثا ابنه توفيق الأمير الدمشقي، ورثا والديه، فيقول في رثاء أبيه في قصيدته الضهيرة بعنان (أبي):

أماتَ أَبوك؟!

ضَلالٌ! أنا لا يموتُ أبي....

ففي البيت منه روائحُ ربٍّ وذكرى نَبي

هُنَا رُكْنُهُ... تلكَ أشياؤهُ... تَفَتَّقُ عن ألف غُصْنٍ صبي

جريدتُه، تَبْغُهُ، مُتَّكَاهُ... كأنَّ أبي بَعْدُ لم يّذْهَبِ

لم يغادر والد الشاعر نزار قباني منزله!

يكمل نزار قباني وكأنَّه ينكر رحيل والده، ويرى أنَّ ذاك الرجل ما زال موجوداً في كل التفاصيل:

أجولُ الزوايا عليه؛ فحيثُ أمرُّ، أمرُّ على مُعْشِبِ

أشُدُّ يديه.. أميلُ عليهِ، أُصلِّي على صدرهِ المُتْعَبِ

أبي لم يَزلْ بيننا، والحديثُ حديثُ الكؤوسِ على المَشرَبِ

يسامرنا فالدوالي الحُبالى تَوَالَدُ من ثغرهِ الطَيِّبِ

هل يعود أبي في تموز؟! يسأل القباني

حَمَلْتُكَ في صَحْو عَيْنَيَّ.. حتى تَهيَّأ للناس أنِّي أبي..

أشيلُكَ حتى بنَبْرة صوتي، فكيف ذَهَبْتَ ولا زلتَ بي؟

إذا فُلَّةُ الدار أعطَتْ لدينا ففي البيت ألفُ فمٍ مُذْهَبِ

فَتَحْنَا لتمُّوزَ أبوابَنا ففي الصيف لا بُدَّ يأتي أبي..

الشاعر عبد الله الفيصل في رثاء والده

أمَّا مع الشاعر السعودي الراحل الأمير عبد الله بن فيصل بن عبد العزيز آل سعود، فالشاعر لم يرثِ والده فقط، وإنَّما رثا الملك.

وتأتي هذه المرثية بعد عام من اغتيال الملك فيصل بن عبد العزيز  عام 1975، لكن شاعرنا يبدأ قصيدته بالحزن أولاً، ويرثي والده قبل أن يرثي السمو الملكي، فيقول:

أيّ ذكرى تعودُ لي بعد عامٍ لم تزل فيه نازفاتٍ جراحي

أيّ شهرٍ ربيعُ عمري ولّى فيه وارتاح في ضلوعي التياحي

أيّ خطبٍ مروّعٍ كنت أخشاهُ فأبلى عزمي وفلّ سلاحي

أيّ يتمٍ أذلَّ كبرَ أنيني وأراني دجنَ المسا في صباحي

أيّ يومٍ ودّعتُ فيه حبيبي ثم أسلمتُ مهجتي للنّواحِ

إنه يوم ميتتي قبل موتي واختلاجُ الضياء في مصباحي

ليتني كنتُ فديةً للذي ماتَ، فماتتْ مِن بَعْدِهِ أفراحي

رثاء الأب الملك

"فيصلي" يا مهنداً ما أحبّ الغمدَ يوماً، ولا ارتوي من طماحِ

يا حساماً في قبضة الحقّ والإيـمان سَلّت شباهُ أعظمُ راحِ

راحُ "عبد العزيز" ملحمةُ العز وأسطورة العُلى والكفاحِ

كيف أرثيك يا أبي بالقوافي والقوافيّ قاصراتُ الجناحِ

كيف أبكيك والخلودُ التقى فيـكَ شهيداً مجسّماً للفَلاحِ

العودة إلى الحزن في رثاء فيصل الأب

كيف تعلو ابتسامةُ الصفو ثغري كيف تحلو الحياةُ للمُلتاحِ

كيف لا أحسبُ الوجود جحيماً يحتويني في جيئتي ورواحي

كيف أقوى على احتباس دموعي وأنا لا أخاف فيك اللاّحي

كيف أنساك يا أبي... كيف يمحو من خيالي خيالك الحُلْوَ ماحِ

ليس لي والذهول أمسى نديمي والأسى رغم وأده فضَّاحي

غيرُ ربّي أرجوه مدّيَ بالصبــر، ولقياكَ في الجنان الفساحِ

الشاعر فاروق شوشة في رثاء والده

أمَّا مع الشاعر المصري الراحل فاروق شوشة فالأمر مختلف، حيث يبدأ قصيدته متلمساً مدى التطابق بينه وبين والده، وكأنَّهما قد حلَّ أحدهما في الآخر روحاً وجسداً، يقول فاروق شوشة مخاطباً أباه الغائب:

يفاجئني الذي اكتشفتْ... أنتَ في نفسي حللت!!

في صوتي المرتجِّ بعض صوتك القديم

في سحنتي بقيةٌ من حزنكَ المنسلِّ في ملامحك

وفي خفوت نبرتي إذا انطفأت ألمح انكساراتك

والد فاروق شوشة بقي يلعب دوره كموجهٍ وسندٍ لابنه في الشدائد

يفاجئني أنَّكَ لم تزل معي

وأنت شاخص في وقفتي الصماء، والتفاتاتي

أرقبني فيكَ، وأستدير باحثاً لدي عنك

تحوطني، فأتكئ... تمسك بي إذا انخلعت... تردني لوجهتي

مقتحماً كآبة الليل المقيم

البحث عن حضن الأب وحمايته

في هذا المقطع من القصيدة يعبر فاروق شوشة عن رغبة شديدة في الحصول على مساعدة الأب التي اعتاد عليها، ويتمنى بحرقة أن يستمد من والده سكينته، كما استمد منه خيبته:

ها أنا ذا ألوذ بك... أنا المحارب الذي عرفته، المفتون بالنزال

وابنك .. حينما يفاخر الآباء بالبنوة الرجال

منكسراً أعدو إليك... أشكو سراب رحلتي، وغربتي، ووحدتي

محتمياً بما لديك من أبوتي

ولم يزل في صدركَ الرحيبِ مُتسع

وفي نفاذ الضوءِ من بصيرتكَ جلاءُ ظلمتي وكربتي

(...)

هذا ابنك القديم... وابنك الجديد

يبحث فيك عن زمانه، وحلمه البعيد

فافتح له خزانتك!

الشاعر أدونيس ورثاء والده

دون تكلُّف، ودون خوض في التفاصيل يكتفي الشاعر أدونيس (علي أحمد سعيد إسبر) بمقطعين فقط وكلمات قليلة.

ليبوح بما يدور في نفسه عن فقدان والده، في قصيدته بعنوان (مرثيتان إلى أبي )، يختصر أدونيس الكثير من المعاني العاطفية التي تربط الابن بأبيه فيقول:

أبي غدٌ يخطر في بيتنا

شمساً وفوق البيت يعلو سحابْ

أحبُّه سرّاً عصياً دفينْ

وجبهةً مغمورةً بالترابْ

أحبّه صدراً رميماً، وطينْ .

-2-

على بيتنا ، كان يشهق صمتٌ ويبكي سكونُ

لأن أبي مات، أجدبَ حقلٌ وماتت سنونو.

فاروق جويدة والموت

في هذه القصيدة يستخدم الشاعر فاروق جويدة رمزية الأب للتعبير عن حالة الضياع التي يعيشها، بل الضياع الذي تعيشه مدينته كلها، فيستهل قصديته بقول أبيه له:

قد قال لي يوماً أبي: إن جئت يا ولدي المدينة كالغريبْ

وغدوت تلعق من ثراها البؤس في الليل الكئيبْ

قد تشتهي فيها الصديق أو الحبيبْ

إن صرت يا ولدي غريباً في الزحامْ

أو صارت الدُّنيا امتهاناً في امتهانْ

أو جئت تطلب عزة الإنسان في دنيا الهوانْ

إن ضاقت الدنيا عليك فخذ همومك في يديك

واذهب إلى قبر الحسين وهناك صلي ركعتين

(2)

كانت حياتي مثل كل العاشقين، والعمر أشواق يداعبها الحنين

كانت هموم أبي تذوب بركعتين

كل الذي يبغيه في الدنيا صلاة في الحسين

أو دعوة لله أن يرضى عليه لكي يرى جد الحسين

قد كنت مثل أبي أصلي في المساء

وأظلُ أقرأ في كتاب الله ألتمس الرجاء

بالرغم منا قد نضيع

أبتاهُ .. لا تحزن فقد مضت السنين

ولم أصلِّ .. في الحسين

لو كنتَ يا أبتاهُ مثلي لعرفتَ كيف يضيع منا كلُ شيء

بالرغم منا .. قد نضيع

بالرغم منا .. قد نضيع

من يمنح الغرباءَ دفئاً في الصقيع؟

من يجعل الغصنَ العقيمَ يجيء يوماً .. بالربيع ؟

من ينقذ الإنسان من هذا .. القطيع ؟

أبتاهُ.... بالأمس عدتُ إلى الحسين

صليتُ فيه الركعتين

بقيت همومي مثلما كانت

صارت همومي في المدينة

لا تذوب بركعتين

قصائد أخرى للشعراء في رثاء الميت

الشاعر ابراهيم نصر الله في رثاء والده:

كلما حدثتنيَ عنه اكتشفتُ بلاداً بعيدةْ

لم أكن قمحها ذات يومٍ ولم أطوها في قصيدةْ !!

كلما حدثتنيَ عن شـمسهِ

عن عصافيرَ تخفقُ في سـمهِ

وعن رحمة اللـه تجري كما النهرِ في دمهِ

كلما حدثتنيَ عن خوفه كجناحٍ علينا

وعن حُلْمهِ بصباحٍ أليفٍ تناثرَ

ندعوه، يأتي كما الطيرِ سعياً إلينا

كلما حدثتنيَ عن شجرٍ يتدفَّـقُ كالماءِ في كلماتِـهْ

وعن صوتهِ، وشموخِ صلاتِـهْ

وعن زهوهِ آخرَ العمرِ سراً بأقمارِ أبنائـهِ وبناتِـهْ

كلما حدثتنيَ عن ذلك البحرِ في صدرهِ

وعن عِـزَّةِ النّخل في فقرهِ

وعن حُلْمهِ بثلاثينَ حرفاً يُـرَتِّـبُها

كي يسطرَ أسماءنا مثلَ طفلٍ بدفترهِ

خلتُ أن أبي كانَ يكتبُ شعراً ولسنا سوى بعضِ أشعارِهِ

الشاعر ريان عبد الرزاق الشققي

قلبي يحدثني حديث معاتب ويحيك في صدري خيوط مراكبي

هذي مراكب وحدتي تنساب في طرق الأثير

فوق الحقول تعانق السهل الوثير

تمضي يسابقها العبير والشوق يجعلها تسير

للحب ، للذكرى ، لرابية الروافد والمصير

أبتاه دعني أبتدي

أبتاه دعني أستريح من المتاعب والمسير

عندي يقين عندي مراتع ذكريات

عندي معاني الحب تسمو فوق هامات الجبال

عندي حنين يشتري شهب السماء

عندي هيام يقطف العبرات من جوزائها

فيحيلها قصبا ، وشجو الناي في أرجائها

أين المسالك ، أين مسرى وجهتي ،،،

أين المرابع ، بل إلى أين المسير؟

الشاعر محمد أبو العلا

وَأَصْبَحْتَ طَيْفَاً بَعيدَ المَزارْ وأُقْصِيتَ عَنَّا

فَلَمَّا فَقَدْناكَ ذاكَ النَّهارْ وجُرِّدْتَ مِنَّا

أتينا إليْكْ... بَكَيْنا عَلَيْكْ

فَقَدْ كُنْتَ فينا كعصْفورِ أيْكْ بِحُبٍ تَغَنَّى

وقَدْ كُنْتَ فينا مع الحُلْمِ حُلْمَاً

معَ العُمْرِ عُمْرَاً، معَ اللَّيْلِ بَدْراً بهِ قَدْ فُتِنَّا

وَأَصْبَحْتَ طَيْفَاً بَعيدَ المَزارْ

لَقَدْ كانَ يَوْمَاً عَصيباً عَلَيْنا

فَوا أسَفا حَيْثُ ضَاعَ الشَّبابْ

فَقَدْ كانَ كالشَّمْسِ ما إن تَبَدَّتْ

فَكَيْفَ تَوارَى وفى الفَجْرِ غَابْ؟!

وَها صارَ كالحُلْمِ نَهْفوا إليهِ

فَنَلْقاهُ حَيْثُ انتهيْنا... سَرَابْ

وما كُنْتُ أَحْسَبُ أنَّ الليالي

سَتَغْتالُ نُدْمانَها والشَّرابْ

وأنَّ نُجومَ السَّما النَيْراتِ سَتَهْوِى

ليَعْلو ذُراها التُّرابْ !!

ويُصْبِحُ مَنْ كانَ يَمْشى الهُوَيْنا

يُحَلِّقُ كالطَّيْرِ... بَلْ كالشِّهابْ

ويَجْتاحُنا الحُزْنُ حتَّى كَأنَّا كَفُلْكٍ

تَرَامَتْ بطَامِي العَبَابْ

وَدَاعاً أبي... وَدَاعاً فللمَوْتِ جُرْحٌ عَمِيقٌ، وَدَاعاً فللمَوْتِ ظُفْرٌ وَنَابْ

ودَاعاً أبى وَلْتَنلْ حَيْثُ تَرْقَى رَفيعَ الجِنانِ وحُسْنَ المَآبْ

الشاعر حسن شهاب الدين

ظلال أبي... هل تذكرين مساءنا

ونحن هنا حول الحكايات نسمر

نغنـّي معاً... نلهو... نعابث عمرنا

وصوت أبي كالحلم ريـّان أخضر

 وأمـّي تضيء الوقت، تنسج دفئنا

وتتركنا في شمسها نتدثر

أراها تحطّ الآن كالطير في يدي

وتشرب من صوتي الحنين فيزهر

ختاماً.... كما رأينا، فلكل شاعر طريقته في التعبير عن علاقته مع والده وأسلوبه في نعيه ورثائه، فعلى الرغم من الحزن.

إلَّا أن الحياة لا بد أن تستمر؛ لأنَّ الفقد من طبيعتها، وهذا ما عبر عنه أبو القاسم الشابي في قصيدته المذكورة أبلغ تعبير حين قال:

وإذا التشاؤمُ بالحياةِ ورفضُها ضرْبٌ من الُبهتانِ والهذيانِ

إنَّ ابنَ آدمَ في قرارةِ نفسِهِ عبدُ الحياةِ الصَّادقُ الإيمانِ.

رثاء الأب في الشعر الجاهلي

يعد الرثاء من أشهر مواضيع الشعر العربي الجاهلي وقد برع الشعراء العرب الجاهليون في التفنن في كلمات الرثاء والحزن على المتوفى، وخاصة الأب حيث كان يُنظر إليه بأنه سيد البيت المطاع.

ومن نماذج الشعر الجاهلي في رثاء الأب ما قالته ابنة الحكيم بن عمرو العبدية في رثاء أبيها واستخدمته لتطلب من قومها الثأر لوالدها فتقول:

أيرجو ربيع أن يؤوب وقد ثوى

حكيم وأمسى شلوه بمطبق

فإن كنتم قوما كرامًا فعجلوا

له جرأة من بأسكم ذات مصدق

فإن لم تنالوا نيلكم بسيوفكم

فكونوا نساء في الملاء المخلق

وقولوا ربيع ربكم فاسجدوا له

فما أنتم إلا كمعزى الحبلق

وقصيدة امرؤ القيس في رثاء أبيه حجر البيت أظهر فيه حاله وشكل الحياة بعد وفاة والده فيقول:

ألم أنض المطي بكل خرق

أمق الطول لماع السراب

وأركب في اللهام المجر حتى

أنال مآكل القحم الرغاب

وكل مكارم الأخلاق صارت

إليه همتي وبه اكتسابي

وقد طوفت في الآفاق حتى

رضيت من الغنيمة بالإياب

أبعد الحارث الملك ابن عمرو

وبعد الخير حجر ذي القباب

أرجي من صروف الدهر لينا

ولم تغفل عن الصم الهضاب

رثاء الأب في الشعر العباسي

ونجد ما قاله المعري في رثاء والده وهي من القصائد النادرة التي يصف فيها والده ويعدد صفاته الحميدة منها الوقار والجرأة والسماحة، ويقول:

مضى طاهر الجثمان والنفس والكرى

وسهد المنى والجيب والذيل والردن

فهل أنت إن ناديت رمسك سامع

نداء ابنك المفجوع بل عبدك القن

وأحمل فيك الحزن حيًا فـإن أمت

وألقك لم أسلك طريقا إلى الحزن

وبعدك لا يهوى الفؤاد مسرة

وإن خان في وصل السرور فلا يهنى

رثاء الأب بالعامية

كلمة شكر يابوي ما توفي الشعور..

وإحساسي صوبك يابعدي أكبر كثير..

مهما شكرتك لآزم أشعر بـ القصور

بنتك يآبوي دآيم تشوفك كــــبير

غآلي يابوي وقلتها بقلب فخور

يآ تآج أحطه فوق رآسي وين أسير ..

يآ إللي غلآك بـ قلبي بآني له قصور

قلبي بلادك و أنت يآبوي الأميـر

تتكحل عيوني ويغمرها السرور

كل مآ أشوفك مبتسم قلبي يطير

يآنور كل مآشفته زآد بـ وجهي نور

مادامك أنت بخير هالدنيا بخير

و إن جيت ألف الكون ذآ كله و أدور

بلقآك شي بـ هالزمن مآله نظير ..

يعني بـ إختصار إللي بـ قوله من شعور

بنتك يآ ضي عيونهآ تحبك كثيــــر

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة