أجمل ما قيل من شعر عن المطر

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الجمعة، 15 ديسمبر 2023

كلمة "المطر" تعطي إحساساً بتدفق العواطف والمشاعر الرقيقة والشفافية، فهي تعتبر كلمة شاعرية استوحى منها الشعراء لإبداع قصائدهم في مواضيع الحب والجمال والسخاء.

فالمطر يعبر عن نقاء وصفاء كل ما حولنا، وهو يغمر العاشقين بعالم من الأحلام الوردية، حيث يتخيل كل منهم نفسه يسير برفق مع الحبيب في عالم جميل تحت قطراته العذبة.

وسنجد أن للمطر حصة كبيرة في الشعر العربي، وفي هذه المادة نستعرض معاً أبرز الأبيات والقصائد التي قيلت عن المطر أو استخدمت رمزيته في التعبير عن الأفكار.

عدنان الصائغ وغياب المطر

عندما نقلِّب دفاتر الشعراء بحثاً عن قطرات المطر فوق صفحاتهم، سنجد أن لكلِّ شاعرٍ طريقته الخاصة في استخدام هذا الرمز ولكلٍّ منهم إحساسه المميز وشجنه الفريد الذي تبعثه الأمطار في فؤاده.

فالشاعر عدنان الصائغ مثلاً وجد في غياب المطر فرصة ملائمة للتعبير عن المقولة الشهيرة (مصائب قوم عند قومٍ فوائدُ)، فيقول:

حين يموتُ المطرُ ستشّيعُ جنازتَهُ الحقولُ

وحدها شجيرةُ الصبير ستضحكُ في البراري

شامتةً من بكاءِ الأشجار

غادة السمَّان وشجون المطر

أمام قطرات المطر التي تنساب خيوطاً من الماء على زجاج النافذة، اكتشفت الشاعرة غادة السمان كلمة السر، وتحدثت مع الأشباح المتراقصة خارج جدران غرفتها:

أحدّق في المطر وهو يلتهم النافذة

والليل يتدفق نهراً من الظلال.

أحدِّقُ... كما أفعل منذ ألف عام

وللمرة الأولى أرى الأشباح بوضوحٍ تام

وهي تتابع حياتها خارج الغرف الموصدة على الصدأ...

أفتح النافذة، وأمد يدي إليها فتضمها - بأصابعها الدخانية – بحنان

وأمضي معها إلى غابة المجهول، نتسامر بحكايا ما وراء المألوف..

آه كيف قضيتُ عمري كالحمقى أخاف من الأشباح، وهم مفتاح الليل و"كلمة السر"!

الشاعر بيان الصفدي والخوف من المطر

منذ كنت صغيراً و أنا أخاف من المطر

أخاف من غيومه التي تتكدس فوق صدري

من الرعد الذي يتوعد البيوت بصوتٍ عالٍ

من البرق الذي يبحلق بعينيه إلى أقصاهما

من حباله التي تربط الجِرارَ وتكسرها على السقوف

من المطر.. دائماً يبقى طريق موحل طويل

وجنيَّة في الليل تنتظرني خلف الباب

وجدتي.. جدتي التي لا أعرف على أي شيء كانت تنوح

نزار قباني وحزب المطر

مُبْحِراً .. نحو فَضَاءٍ آخَرٍ نافضاً عنِّي غُبَاري

ناسياً اسْمي, وأَسْماءَ النَبَاتَاتِ، وتاريخَ الشَجَرْ ..

هارباً من هذه الشَمْسِ التي تجلُدُني بكرابيج الضَجَرْ ..

هارباً من مُدُنٍ نامتْ قُرُوناً تحت أقدامِ القَمَرْ ..

تاركاً خلفي عُيُوناً من زُجَاجٍ وسماءً من حَجَرْ ..

ومَضَافَاتِ تميمٍ ومُضَرْ ..

لا تقولي : عُدْ إلى الشَّمس .. فإِنِّي أَنتمي الآنَ إلى حِزْبِ المَطَرْ .

مطر الشاعر نزار قباني

للشاعر السوري الراحل نزار قباني ارتباط عاطفي واضح مع فصل الخريف وبدايات الشتاء، وهي الوقت الذي يشهد أولى حفلات المطر، كما يعتبر شهر أيلول/سبتمبر من الأشهر المميزة في قصيدة نزار قباني:

الشعر يأتي دائماً مع المطر.

و وجهكِ الجميل يأتي دائماً مع المطر.

و الحبُّ لا يبدأ إلا عندما تبدأ موسيقى المطر..

إذا أتى أيلول يا حبيبتي أسألُ عن عينيكِ كلَّ غيمة

كأنَّ حبِّي لكِ مربوط بتوقيت المطر…

نزار قباني وعودة المطر

المطرُ يتساقط كأغنيةِ متوحِّشة

ومَطَركِ يتساقط في داخلي كقرع الطبول الإفريقية

يتساقط ..كسهام الهنود الحُمْرْ

حبّي لكِ على صوت المطرْ..

يأخذ شكلاً آخر..

يصير سنجاباً، يصير مهراً عربياً..

يصير بَجَعةً تسبح في ضوء القمرْ

كلَّما اشتدَّ صوتُ المطرْ

وصارت السماء ستارةً من القطيفة الرمادية..

أخرجُ كخَرُوفٍ إلى المراعي أبحث عن الحشائش الطازجة

وعن رائحتكِ التي هاجرتْ مع الصيف

عقدة المطر عند نزار قباني

أخاف أن تُمطر الدُّنيا ولستِ معي

فمنذ رحتِ وعندي عقدةُ المطرْ

كان الشتاء يغطيني بمعطفهِ فلا أفكر في بردٍ و لا ضجرْ

وكانت الريح تعوي خلف نافذتي

فتهمسين: تمسَّك ها هنا شعري

و الآن أجلسُ والأمطارُ تجلدني

على ذراعي.. على وجهي.. على ظهري

فمن يدافع عني.. يا مسافرة مثل اليمامة بين العين والبصرْ

وكيف أمحوكِ من أوراقِ ذاكرتي

وأنتِ في القلب مثل النقشِ في الحجرْ

عيناكَ سريران تحت المطر لمحمد الماغوط

الحبُّ خطواتٌ حزينةٌ في القلب

والضجرُ خريفٌ بين النهدين

أيتها الطفلة التي تقرع أجراس الحبر في قلبي

من نافذة المقهى ألمح عينيكِ الجميلتين

من خلال النسيم البارد

أتحسَّسُ قبلاتكِ الأكثر صعوبةً من الصخر .

ظالمٌ أنتَ يا حبيبي وعيناك سريران تحت المطر

مطر سعاد الصباح

ومن بين المشاهد الرومانسية التي رسمها الشعراء سنجد مشهداً مميزاً ومشهوراً للشاعرة الكويتية سعاد الصباح في قصيدتها (كن صديقي):

فاهتماماتي صغيرة .. و هواياتي صغيرة

و طموحي هو أن أمشي ساعات و ساعات معك

تحت موسيقى المطر

و طموحي هو أن أسمع في الهاتف صوتك

عندما يسكنني الحزن ويضنيني الضجر.

سعاد الصباح تحت المطر الرمادي

على هذه الكُرَةِ الأرضية المُهتزّهْ

أنت نُقْطَةُ ارْتِكازي

وتحت هذا المَطَر الكبريتيِّ الأسودْ

وفي هذه المُدُنِ التي لا تقرأُ... ولا تكتبْ

أنت ثقافتي...

الشاعر منذر أبو حلتم وعدوى المطر

الليل يمعن في السفر

وعلى أطاريف المدى تحلقين كما القمرْ

الليل يمضي مثل غيماتِ الشتاءْ

كالنهر حين يذوب فيه مبكراً عطر الضياءْ

الليل يمضي دون وجهك ... آه من هذا المساءْ

ها قد أتى أيلول يحمل في ثناياه الرياح

وأنا إذا جاء الشتاء تصيبني عدوى المطرْ ..!

المطر الملوَّن للشاعر منذر أبو حلتم

تعالي نلوِّن هذا المطرْ... تعالي نغني نشيد السحرْ

تعالي نلملم حلماً جميلاً رسمناه يوماً ثم انكسر

تعالي لنجمع قطر الندى .. ونجمع رجع انبعاث الصدى

ونبني جسراً بنبض القلوب... تعالي نعيد بهاء القمرْ

تعالي نحلِّق فوق الغيوم، تعالي نخبئ سر النجوم

فهذي النجوم شريكاتنا بليل طويل مضى وانحسرْ

مطر الشوارع والشاعر عدنان الصائغ

لماذا تمرينَ مسرعةً

هل تأخرتِ – بضعَ دقائق – عن موعدٍ؟

أم تخافين يا حلوتي أن يبلّلَ فستانَكِ المدرسيَّ نثيثُ المطرْ؟!

أنا قلبي مع المطرْ

يبلّلُ كلَّ الفساتين، كلَّ الضفائرِ، كلَّ الدفاترِ

كلَّ الشوارعِ، كلَّ الشجرْ

فاتركي لي يديكِ، أتركي لي يديكِ

فكلُّ الحدائقِ مملوءةٌ بالزهرْ

علي الشرقاوي مطره مثل النار

مثلما النار كان المطر

يتساقط دفئاً على خصلات الطريق الصديق

يدثِّرنا مثل أطفاله الخارجين إلى البرد.

صادفتُ وجدي حريقاً، وأنتِ يدي

يرتدينا المطرْ، ويكوكبنا في الغيوم نجومًا ترى حلمها في النهرْ

مشينا، تدحرج في قدمينا المطر

تسلق فينا الصباح المراهق

كان المطر

يعذبنا كالرحيق يهيم برائحة النحلِ

أو كالحريق المهاجم عبر الضلوعْ

وكنا الطلوع المشاكس

كان المطرْ

يتساقط في أفق العين

في جذوة الظهر في شهقة القلب

كان المطرْ

بدر شاكر السياب وأنشودة المطر

ولا يمكن أن نتحدث عن الشعراء أو عن المطر، ولا نذكر الشاعر العراقي الراحل بدر شاكر السياب وقصيدته البديعة (أنشودة المطر):

عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السحَرْ،

أو شُرفتان راح ينأى عنهما القمر.

عيناك حين تبسمان تورق الكرومْ

وترقص الأضواء... كالأقمار في نهَرْ

يرجّه المجذاف وهْناً ساعة السَّحَر

كأنما تنبض في غوريهما، النّجومْ...

وتغرقان في ضبابٍ من أسىً شفيفْ

كالبحر سرَّح اليدين فوقه المساء،

دفء الشتاء فيه وارتعاشة الخريف،

والموت، والميلاد، والظلام، والضياء؛

فتستفيق ملء روحي، رعشة البكاء

ونشوةٌ وحشيَّةٌ تعانق السماء

كنشوة الطفل إِذا خاف من القمر!

كأن أقواس السحاب تشرب الغيومْ

وقطرةً فقطرةً تذوب في المطر...

وكركر الأطفالُ في عرائش الكروم،

ودغدغت صمت العصافير على الشجر

أنشودةُ المطر...

مطر...

مطر...

مطر...

تثاءب المساء، والغيومُ ما تزالْ

تسحُّ ما تسحّ من دموعها الثقالْ.

كأنِّ طفلاً بات يهذي قبل أن ينام:

بأنَّ أمّه – التي أفاق منذ عامْ

فلم يجدها، ثمَّ حين لجّ في السؤال

قالوا له: "بعد غدٍ تعودْ.. "

لا بدَّ أن تعودْ

وإِنْ تهامس الرفاق أنهَّا هناكْ

في جانب التلّ تنام نومة اللّحودْ

تسفّ من ترابها وتشرب المطر؛

كأن صياداً حزيناً يجمع الشِّباك

ويلعن المياه والقَدَر

وينثر الغناء حيث يأفل القمرْ.

مطر..

مطر..

أتعلمين أيَّ حُزْنٍ يبعث المطر؟

وكيف تنشج المزاريب إِذا انهمر؟

وكيف يشعر الوحيد فيه بالضّياع؟

بلا انتهاء – كالدَّم المراق، كالجياع،

كالحبّ، كالأطفال، كالموتى – هو المطر!

ومقلتاك بي تطيفان مع المطر

وعبر أمواج الخليج تمسح البروقْ

سواحلَ العراق بالنجوم والمحار،

كأنها تهمّ بالشروق

فيسحب الليل عليها من دمٍ دثارْ.

أَصيح بالخليج: " يا خليجْ

يا واهب اللؤلؤ، والمحار، والرّدى! "

فيرجعُ الصّدى

كأنّه النشيجْ:

" يا خليج

يا واهب المحار والردى.. "

أكاد أسمع العراق يذْخرُ الرعودْ

ويخزن البروق في السّهول والجبالْ،

حتى إِذا ما فضَّ عنها ختمها الرّجالْ

لم تترك الرياح من ثمودْ

في الوادِ من أثرْ.

أكاد أسمع النخيل يشربُ المطر

وأسمع القرى تئنّ، والمهاجرين

يصارعون بالمجاذيف وبالقلوع،

عواصف الخليج، والرعود، منشدين:

" مطر...

مطر...

مطر...

وفي العراق جوعْ

وينثر الغلالَ فيه موسم الحصادْ

لتشبع الغربان والجراد

وتطحن الشّوان والحجر

رحىً تدور في الحقول... حولها بشرْ

مطر...

مطر...

مطر...

وكم ذرفنا ليلة الرحيل، من دموعْ

ثم اعتللنا – خوف أن نلامَ – بالمطر...

مطر...

مطر...

ومنذ أنْ كنَّا صغاراً، كانت السماء

تغيمُ في الشتاء

ويهطل المطر،

وكلَّ عام – حين يعشب الثرى – نجوعْ

ما مرَّ عامٌ والعراق ليس فيه جوعْ.

مطر...

مطر...

مطر...

في كل قطرة من المطر

حمراءُ أو صفراء من أجنَّة الزَّهَرْ.

وكلّ دمعةٍ من الجياع والعراة

وكلّ قطرة تراق من دم العبيدْ

فهي ابتسامٌ في انتظار مبسم جديد

أو حُلمةٌ تورَّدتْ على فم الوليدْ

في عالم الغد الفتيّ، واهب الحياة!

مطر...

مطر...

مطر...

سيُعشبُ العراق بالمطر... "

أصيح بالخليج: " يا خليج..

يا واهب اللؤلؤ، والمحار، والردى! "

فيرجع الصدى

كأنَّه النشيج:

" يا خليج

يا واهب المحار والردى. "

وينثر الخليج من هِباته الكثارْ،

على الرمال،: رغوه الأُجاجَ، والمحار

وما تبقّى من عظام بائسٍ غريق

من المهاجرين ظلّ يشرب الردى

من لجَّة الخليج والقرار،

وفي العراق ألف أفعى تشرب الرَّحيقْ

من زهرة يربُّها الفرات بالنَّدى.

وأسمع الصدى

يرنّ في الخليج

" مطر..

مطر..

مطر..

في كلّ قطرة من المطرْ

حمراء أو صفراء من أجنَّةِ الزَّهَرْ.

وكلّ دمعة من الجياع والعراة

وكلّ قطرةٍ تراق من دم العبيدْ

فهي ابتسامٌ في انتظار مبسمٍ جديد

أو حُلمةٌ تورَّدت على فم الوليدْ

في عالم الغد الفتيّ، واهب الحياة. "

ويهطل المطرْ..

مطرٌ أسود ... مطرٌ أحمر الشاعر أديب كمال الدين

مرّتْ سنين طويلة حتَّى غطّتْ بغداد غيمة لا أوّل لها ولا آخر

وبدأتْ تمطر

كانت الغيمةُ سوداءَ كجهنم فنزل المطرُ أسودَ كالقير

ضحكَ الأطفالُ أوّل الأمر للمطر

لكنهم بكوا حين أصبحتْ وجوههم كالقير

واستبشر الزرّاع خيراً

لكنهم وجموا إذ رأوا أشجارهم تموتُ ببطء

ثم جاء الدورُ للسحرة الذين وقفوا في أزقة المدينة

ينتظرون المطر ينزل في أوانيّهم.

كانوا يرقصون فهذا المطر رديف للسحر الأسود

قالوا أنهم سيسحرون به كلّ شيء

حتّى صاحب الجند نفسه!

أمطار مظفر النواب

أنا لا أمللك بيتا أنزع فيه تعبي

لكني كالبرق أبشِّر بالأرض

وأبشِّر أن الأمطار ستأتي

وستغسل من لوحتنا كل وجوه المهزومين

وستغسل من يبحث عن خيبته عن مبتغى

وستغسل بالمطر الدافئ جنح النورس

وبيوت أحبتنا.... والحرف الأول في لغتي

يا زهرة بيتي، يا وطني، أمطرني...

أحزان ليلة ممطرة الشاعر المصري فاروق جويدة

في هذه القصيدة سنجد فرقاً كبيراً في رؤية الشاعر فاروق جويدة لمعنى المطر كما رأيناه عند السيَّاب والنوَّاب، فالشاعر هنا يستبشر أياماً لا أحزان فيها ولا أمطار تبعث على الكآبة، فيقول:

السقفُ ينزفُ فوقَ رأسي

والجدارُ يئنُّ من هول المطرْ

وأنا غريقٌ بين أحزاني تطاردني الشوارع للأزقة .. للحفر !

في الوجه أطياف من الماضي

وفي العينين نامت كل أشباح السهرْ

والثوب يفضحني وحول يدي قيد لست أذكر عمرهُ

لكنه كلُّ العمر ..

(...)

لا تحزني ...

إن الزمان الراكع المهزوم لن يبقى

ولن تبقى خفافيش الحفر..

فغداً تصيح الأرض .. فالطوفان آت

والبراكين التي سجنت أراها تنفجر..

والصبح هذا الزائر المنفي من وطني

يطل الآن .. يجري... ينتشر

وغداً أحبك مثلما يوم حلمت

بدون خوف، أو سجون، أو مطر

أمطار نازك الملائكة

أمطري، لا ترحمي طيفي في عمق الظلامْ

أمطري صبّي عليَّ السَّيل، يا روح الغمامْ

لا تبالي أن تعيديني على الأرض حطامْ

وأحيليني إذا شئتِ جليداً أو رخامْ

اتركي ريح المساء الممطر الداجي تجنّْ

ودعي الأطيار تحت المطر القاسي تئنّْ

أغرقي الأشجار بالماء ولا يحزنك غصنْ

زمجري، دوّي، فلن أشكو لن يأتيك لحن

أمطري فوقي كما شئتِ على وجهي الحزينِ

لا تبالي جسدي الراعش في كفِّ الدجونِ

أمطري؛ سيلي على وجهي أو غشّي عيوني

بللي ما شئت كّفيّ وشعري وجبيني

أغرقي، في ظلمة الليل، القبور الباليةْ

وألطمي، ما شئتِ أبواب القصر العاليةْ

أمطري، في الجبل النائي وفوق الهاويةْ

أطفئي النيران، لا تبقي لحيٍّ باقيةْ

آه ما أرهبك الآن، وقد ساد السكونْ

غير صوت الرّيح في الأعماق تدوي في جنونْ

لم تزل تهمي من الأمطار في الأرض عيونْ

لم يزل قلبي حزيناً تحت أمواجِ الدجونْ

نزار قباني وحبيبة المطر

عاد المطرُ، يا حبيبةَ المطرْ..
كالمجنون أخرج إلى الشرفة لأستقبلَهْ
وكالمجنون، أتركه يبلّل وجهي..
وثيابي..
ويحوّلني إلى إسفنجة بحريّة..
المطر..
يعني عودةَ الضباب، والقراميد المبلّلة
والمواعيد المبلّلة..
يعني عودتَكِ .. وعودةَ الشعر.
أيلول .. يعني عودة يديْنا إلى الالتصاقْ
فطوال أشهر الصيف..
كانت يدُكِ مسافرة..
أيلول..
يعني عودةَ فمك، وشَعْرك
ومعاطفك، وقفّازاتك
وعطركِ الهنديّ الذي يخترقني كالسيفْ.
المطر.. يتساقط كأغنية متوحّشة
ومَطَركِ..
يتساقط في داخلي
كقرع الطبول الإفريقية
يتساقط ..
كسهام الهنود الحُمْرْ..
حبّي لكِ على صوت المطرْ..
يأخذ شكلاً آخر..
يصير سنجاباً..
يصير مهراً عربياً..
يصير بَجَعةً تسبح في ضوء القمرْ..
كلما اشتدَّ صوتُ المطرْ..
وصارت السماء ستارةً من القطيفة الرمادية..
أخرجُ كخَرُوفٍ إلى المراعي
أبحث عن الحشائش الطازجة
وعن رائحتك..
التي هاجرتْ مع الصيف..
 

محمود درويش والمطر الناعم

مَطَر ناعمٌ في خريف بعيدْ
والعصافير زرقاءُ.. زرقاءُ
والأرض عيد.
لا تقولي أنا غيمة في المطارْ
فأنا لا أريدْ
من بلادي التي سقطتْ من زجاج القطار
غير منديل أُمي
وأسباب موت جديد.

مطر ناعم في خريف غريبْ
والشبابيك بيضاءُ... بيضاءُ
والشمسُ بيّارة في المغيب
وأنا برتقالٌ سليب,
فلماذا تفرّين من جَسَدي
وأنا لا أُريد
من بلاد السكاكين والعندليب
غير منديل أُمي
وأسباب موت جديد

مطر ناعم في خريف حزين
والمواعيد خضراءُ... خضراءُ
والشمسُ طين
لا تقولي رأيناك في مصرع الياسمين
كان وجهي مساء
وموتي جَنين
وأنا لا أُريد
من بلادي التي نسيتْ لهجة الغائبين
غير منديل أُمي
وأسباب موت جديد
مطر ناعم في خريف بعيد
والعصافير زرقاءُ... زرقاءُ
والأرض عيد.
والعصافير طارت إلى زمن لا يعود
وتريدين أن تعرفي وطني؟
والذي بيننا؟
وطني لذَّة في القيودْ
قُبلتي أرسلت في البريدْ
وأنا لا أُريد
من بلادي التي ذَبَحَتْنِي
غير منديل أُمي
وأسباب موت جديد...
 

مقالات ذات علاقة
القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة