الدكتور طلال أبو غزالة: كنت أسير ساعتين تحت المطر للوصول إلى المدرسة

  • تاريخ النشر: الأحد، 01 يونيو 2014 آخر تحديث: الثلاثاء، 08 فبراير 2022
د. طلال أبو غزالة

هو شخصية غنيّة عن التعريف في عالم النجاح والإبداع والتميز، فهو الناجح في مجالات عدة، وله إنجازات على المستوى المحلي والإقليمي بل والدولي لا تعد ولا تحصى، وهو المؤسس والرئيس لمجموعة طلال أبو غزاله الدولية، وهي مجموعة شركات تقدم الخدمات المهنية في مجالات المحاسبة والاستشارات الإدارية ونقل التكنولوجيا والتدريب والتعليم والملكية الفكرية والخدمات القانونية وتقنية المعلومات والتوظيف والترجمة والنشر والتوزيع. ويسجل له الاعتراف بفضله في الترويج لأهمية الملكية الفكرية في المنطقة العربية، هو الدكتور طلال أبو غزالة تستضيفه “ليالينا” في حوار مطول وصريح تناولت معه جانباً (غير ظاهر) من شخصيته سواء الاجتماعية منها والحياتية والفكرية والدراسية ومراحل الطفولة، فكان هذا الحوار الممتع:

الدكتور طلال أبو غزالة: كنت أسير ساعتين تحت المطر للوصول إلى المدرسة

ماذا يمثل إليك النجاح بعد كل هذه الإنجازات التي حققتها عبر مر السنين؟
مسيرتي عبر السنين تعني لي الإنتصار على المعاناة ذلك أن الظروف الصعبة التي واجهتها في مرحلة الطفولة جراء نكبة فلسطين عام 1948 وتهجير أهلها قسراً، فرضت علي ومنذ كنت طفلاً في العاشرة من العمر ظروفاَ معيشية استثنائية كاضطراري أن أسير من بيتي في بلدة الغازية إلى المدرسة مدة ساعتين سواء تحت المطر والبرد القارص أو الحر القائظ، كما برزت أمامي مسؤوليات أخرى تجاه عائلتي، فامتهنت عدة مهن، وفي مرحلة ما عملت بترجمة الكتب، وقبلها عملت بائعاً جوالاً للبوظة، وقادتني الظروف الصعبة للعمل في سوق الخضار في ساعات الفجر الأولى قبل التوجه للمدرسة. هذه الأعمال وإن كانت صعبة على فتى صغير، لكنها لم تنل من عزيمتي بقدر ما أعطتني خبرة كبيرة في كيفية التعامل وإكتساب الرزق وهو الأمر الذي أفادني في السنوات اللاحقة أيما إفادة.

الدكتور طلال أبو غزالة: كنت أسير ساعتين تحت المطر للوصول إلى المدرسة


هلاّ حدثتنا بشكل مُجمل عن طفولتك حينما كنت في فلسطين قبل أن تنتقل إلى لبنان، كيف كانت؟
طفولتي في فلسطين أقتصرت على السنوات العشر الأولى من العمر، وفي هذه الفترة حظيت بمرافقة والدي في كثير من زياراته إلى أعماله وإلى بساتين الزراعة واللقاء مع الأصدقاء والمعارف، وكنت محظوظاً في تلك الفترة أن أراقب وألاحظ ما يجري وتعامل الكبار، وأعجب بشغف بما يدور حولي، وفي هذه المرحلة أيضاً أذكر أن والدي كان يصطحبني معه لزيارة أول مصنع للثلج كان قد أقامه مع إخوتي الأكبر مني، وكانت تجربة فريدة في ذلك الوقت، وأذكر أن والدي وهو يجول في البساتين كان يقول أن المُزارع هو أكثر الناس وطنية وإخلاصاً لأنه مرتبط بهذه الأرض ليس كالآخرين ولكن إرتباطه بها، إبتداء من حفرها وزرعها ورعاية الزرع ورّيه كل يوم ثم جنيها، لذلك كان يقول يجب أن تفكر دوماً بأنك مزارع لكي ترتبط بأرضك، ومازلت حتى اليوم أعتز بهذه الفكرة التي زرعها والدي في نفسي. وأذكر أن والدي كان وكيلاً لشركات زيوت السيارات ولديه مخازن كبيرة خارج مدينة يافا، ولهذا كانت أسرتي ميسورة الحال، وكان الحاج توفيق والدي شخصية معروفة، وقد سمي الشارع الذي كنا نملك فيه منزلاً في يافا باسم شارع أبو غزاله.

الدكتور طلال أبو غزالة: كنت أسير ساعتين تحت المطر للوصول إلى المدرسة


هل كانت لنشأتك الأسرية متمثلة في والدك ووالدتك دوراً في تشكيل شخصيتك العملية، والدفع بها نحو الطموح وتحقيق النجاحات؟
نعم هناك مواقف كثيرة حدثت مع والدي، تعلمت منها أن المبادئ هي التي تصنع النجاح . وذات مرة كان عند والدي قضية في المحكمة ورفض أن يوقع على إقرار طلبته المحكمة وخسر القضية وهو راضٍ، وقال يومها: أنا أدرك بأنني خاسر للقضية، وأنا مدرك أن ذلك لعدم تجاوبي والتوقيع ولكني سأكسب كرامتي وضميري وخلقي وأسمي وسمعتي وشرفي. والكل كان شاهداً بأن الحاج توفيق أبو غزاله رفض أن يكتب الإقرار لأنه إلتزم بأن الإقرار يجب أن يكون شهادة حقيقية  وهذه واحدة من دروس كثيرة تعلمتها من الوالد. هذه القيم زرعها والدي في نفسي ولا تزال، وأفخر وأعتز أن أمتثل بهذا الرجل الكبير الذي علمني ورعى عائلتنا الكبيرة وأسهمت سمعته العطرة بتسمية أحد شوارع يافا بإسمه. لقد أتاح لي كنوزاً من المعرفة والحكم، استفدت منها في مراحل الحياة، وورثت عنه حبه وإلتزامه للعمل. حيث كان يشرف بنفسه على اعماله ويستيقظ مبكراً، وكان يقول: (الأرزاق توزع قبل بزوع الشمس)، هذه الحكمة استهدى بها إلى اليوم.

الدكتور طلال أبو غزالة: كنت أسير ساعتين تحت المطر للوصول إلى المدرسة


مرحلة دراستك الإبتدائية والثانوية بمنطقة «صيدا» اللبنانية، ماذا تذكر منها، وهل هناك ذكريات أو أصدقاء في مخيلتك لا تنساهم في تلك المرحلة؟
كطفل في تلك المرحلة كانت من نعم الله عز وجل ومن نعم الحياة أنني عندما كنت في بلدة الغازية، ووصلنا إلى بداية العام الدراسي لم يكن هناك مدرسة في البلدة، وفي ذلك الوقت كان والدي دائم التفكير بأن أكون أنا وأخوتي بمدرسة تؤمن أفضل تعليم، فنحن كنا في المدرسة الأرثوذكسية في يافا وعندما هاجرنا إلى الغازية كانت المدرسة الأميركية البروتستنت في صيدا، وكان من أصعب الصعوبات الوصول إليها لا لكي أسجل فيها، ولكن أن أصلها لأن المسافة كبيرة حوالي ساعتين سيراً على الأقدام بين صيدا والغازية، إنما أريد أن أتعلم، وهذه ميزة تؤكد عظمة الشعب الفلسطيني لأعلى نسبة في القراءة والكتابة على مستوى العالم، وقررت أن أتعلم، كيف أصلها، وكيف أسجل فيها، كيف أذهب وأعود كل يوم لمدة أربع ساعات سيراً، وهنا رب العزة أعطاني أجرين أن أذهب وأرجع، وهذه وهبتني نعمة الصحة أن تجبر للسير كل يوم 4 ساعات يتخللها نوبات من التفكير مع نفسك وأن تسير والشجر من حواليك، مساحة للتفكير لا حدود لها. وكنت اسأل نفسي ماذا أعمل، ربما يصعب التصديق أن ما رسمته لحياتي من خطة كانت خلال هذه المسيرات من الغازية إلى صيدا وبالعكس كان السؤال والتفكير دائماً ماذا أريد أن أعمل ؟!

الدكتور طلال أبو غزالة: كنت أسير ساعتين تحت المطر للوصول إلى المدرسة


على مستوى دراستك الجامعية بالجامعة الأمريكية ببيروت، ماذا تمثل لك تلك المرحلة؟
الدراسة في الجامعة الأميريكية ببيروت والتي انتهت بإمتياز ومرتبة الشرف، لقد جاءت هذه المرحلة مكملة لما رسمته لنفسي وأنا أسير بين صيدا والغازية في عمر الثانية والثالثة عشرة، رسمت هدفاً واضحاً، أنني إذا تعلمت يجب أن أكمل تعليمي الجامعي وبعدها أعمل وأنجح في عملي. دخلت الجامعة الأمريكية خريجاً من مدرسة المقاصد وأعفيت من دراسة اللغة الأنجليزية والعربية في الجامعة لأن قدراتي ومستواي كانا أعلى من مستوى الصف الذي يجب أن أدخله «مدون على الشهادة نجح بالإعفاء»، وأعفيت من اللغة العربية بسبب إتقاني في المقاصد تلاوة وحفظ القرآن الكريم، والإنجليزية بسبب عملي في الترجمة وفي كل ماله علاقة باللغة الإنجليزية، وهذا شكل مصدر إعتزاز لي، وكان أمامي تحدٍ وهو الدراسة ويجب أن أتفوق لأن المنحة كانت تشترط التفوق، وأستطعت بفضل الله وبنعمة المعاناة من التخرج بتفوق من الجامعة الأمريكية.

الدكتور طلال أبو غزالة: كنت أسير ساعتين تحت المطر للوصول إلى المدرسة


حدثنا عن شعورك حينما عملت في أول وظيفة؟
بعد أن أنهيت دراستي الجامعية.. بدأت مرحلة التأسيس للعمل، وفي البداية تقدمت بطلبات بعد التخرج إلى مئات الشركات والهيئات ولازلت أحتفظ بحقيبة ملابس مليئة برسائل الرفض، وكلها تقول ليس لدينا وظيفة مناسبة لك، ونعتذر لعدم وجود شواغر وبدلاً من الإحباط تعزز لدي شعور بأن هذا الرفض مقبول لعدم الخبرة والقدرة المهنية. فعزمت أن أبدأ بأي شكل من الأشكال في مجال يوصلني إلى ما أريد الوصول إليه، ومن هنا عملت في أول وظيفة في مؤسسة مهنية لخدمة تدقيق الحسابات والإستشارات.

الدكتور طلال أبو غزالة: كنت أسير ساعتين تحت المطر للوصول إلى المدرسة


ما العوامل التي دفعت بك للإهتمام والعمل في مجال حقوق «الملكية الفكرية» والمحاسبة، فهل ثمة عوامل فكرية في شخصيتك ساهمت في ذلك؟
نعم وعبر مرحلة طويلة بدأت عام 1972 حيث كانت الخطوة الأولى الأصعب والتي تلاها مشوار الألف ميل، بدأ المشوار بمكتب لتدقيق الحسابات بإسم شركة طلال أبو غزاله وشركاه الدولية «تاجي» وسرعان ما تحول إلى صرح متعدد الأذرع والإتجاهات. وقد واكبت «تاجي» شروق شمس الإستقلال لعدد من دول الخليج العربي وكانت المنطقة تجتاز مرحلة تحول إقتصادي، وشهدت الكثير من نهضة عمرانية، صناعية، خدمية، ومن هنا برز دور «تاجي» ودور شركة طلال أبو غزاله للإستشارات في الإسهام بالدراسات الإقتصادية وتقديم الإستشارات وأسهمت في هذه النهضة، وفي مسيرة التنمية الإقتصادية والإجتماعية. ولم يمضِ وقت كثير على هذه الإنجازات حتى سارعت إلى قرع جرس الإنذار وإطلاق صيحات التحذير منادياً بأهمية وضرورة إلتزام الحكومات والمؤسسات والشركات والصناعات والأفراد بحقوق الملكية الفكرية، وجرى تأسيس شركة أبو غزاله للملكية الفكرية «أجيب» وأخذت على عاتقها تقديم خدمات الملكية الفكرية بكل أشكالها. وتصدرت «أجيب» قائمة تصنيفات الملكية الفكرية عالمياً، وقد تم إختياري عام 2007 كأول خبير من خارج الدول الثماني للإنضمام إلى قائمة أكثر الشخصيات شهرة في العالم في مجال الملكية الفكرية، وحرصت بعد ذلك على تعزيز الوعي بمفاهيم الملكية الفكرية فبادرت الى تأسيس وإطلاق وكالة أنباء متخصصة في الملكية الفكرية وهي الأولى من نوعها وخدماتها في الوطن العربي والعالم، كما جرى تأسيس شركة بإسم أبو غزاله لتجديدات الملكية الفكرية وهي كذلك الاولى من نوعها.

الدكتور طلال أبو غزالة: كنت أسير ساعتين تحت المطر للوصول إلى المدرسة


صِفْ لنا مشاعرك حينما تلقيت خبر اختيارك من قبل الأمين العام للأمم المتحدة «بان كي مون» نائباً لرئيس الاتفاق العالمي في العام 2007، ورئيساً للائتلاف العالمي لتقنية المعلومات والاتصالات والتنمية التابع للأمم المتحدة في العام 2009؟
هي مشاعر أداء واجب إذ أتيحت لي الفرصة كأول عربي، ليس فقط لأنني أصبحت نائباً لرئيس الميثاق العالمي، ورئيساً للإئتلاف العالمي لتقنية المعلومات والإتصالات والتنمية التابع للأمم المتحدة فحسب، بل سبق ذلك انتخابي على أهم مجالس المهنة بالعالم كالإتحاد الدولي للمحاسبين القانونيين والإتحاد الدولي لمبادئ المحاسبة التي تضع مبادئ ومعايير المحاسبة لكل العالم، وكذلك ساهمت وكنت على رأس صياغة معايير التدقيق للجنة الدولية للخبراء بالأمم المتحدة أي لجنة التأهيل المهني الدولي لوضع نظام للشهادات المهنية على مستوى العالم، هناك العديد من المناصب التي لم تكن متاحة لأي عربي أو أي شخصية من العالم الثالث، وكنت أشعر دائماً بأنه لابد من الوصول إلى هذه المناصب، ذلك أن الإنسان العربي قادر والأمثلة كثيرة.إن إيماني بوجود عربي على قمة هذه المؤسسات يدحض الإدعاء الإسرائيلي الذي يحاول بإستمرار التشكيك بقدراتنا كعرب وفلسطينيين، وأنا أؤمن أيضاً بأن الإنسان العربي يجب أن يكون فخوراً بعروبته وتاريخه ومجده، كونه هو أساس الحضارات وهو أساس العلوم البشرية كلها، ومنطقتنا هي مهبط الأديان والحضارات.

الدكتور طلال أبو غزالة: كنت أسير ساعتين تحت المطر للوصول إلى المدرسة


هل وجدت في مملكة البحرين أرضية خصبة للاستثمار وتحقيق النجاحات؟ وكيف وجدت أهلها طيلة سنوات إقامتك؟
نعم كنت شديد الحرص ومنذ مطلع السبعينات على دخول السوق البحرينية لكي أستفيد من الأجواء الرحبة في عالم الأعمال وتقديم الخدمات المهنية لكافة القطاعات ابتداءً من مراجعة وتدقيق الحسابات إلى الإستشارات الإقتصادية، وتأسيس الشركات وتسجيل العلامات التجارية والإستشارات القانونية وخدمات الترجمة وبناء القدرات الإدارية والعلمية، وتطوير الكفاءات المهنية وصولاً إلى دعم الخطط والبرامج التنموية والبرامج الإستراتيجية المتعلقة بتقنية المعلومات، الحكومة الإلكترونية، التجارة الإلكترونية وما يمكن تقديم لخدمة المؤسسات والقطاعات الإقتصادية والتنموية. ونظراً إلى أهمية موقع مملكة البحرين في منطقة الخليج العربي كمركز للمال والأعمال فقد بادرت إلى تأسيس كلية طلال أبو غزاله الجامعية في المنامة كجامعة أعمال عالمية تحت مظلة المجموعة، ولتكون مركزاً للتفوق وتخريج طلبة قادة من أبناء البحرين ودول الخليج العربي قادرون على استشراف وصنع المستقبل. ونحن نؤمن أن من واجبنا ومسؤوليتنا المهنية التقيد وإحترام المبادئ المهنية الأخلاقية، حيث يتم تقديم كافة خدماتنا على أساس الأمانة والإستقامة بدرجه كبيرة من الجد والإجتهاد. وهنا أسجل بكل الإعتزاز وعرفان بالجميل ما حظيت به من رعاية من قيادة المملكة على مختلف المستويات، وما قدم لنا من تسهيلات مكنتنا من تسخير كافة الخبرات لخدمة المشاريع واكتسبت المجموعة سمعة طيبة في كافة الأوساط ومن قبل المسؤولين وقادة القطاعات الإقتصادية ومجتمع الأعمال ولمست الطيبة والخلق والتعامل الإنساني والحضاري من قبل أهل البحرين.
 

الدكتور طلال أبو غزالة: كنت أسير ساعتين تحت المطر للوصول إلى المدرسة


هل ثمة هوايات معينة تمارسها أثناء فراغك؟
أتمنى لو أن لدي فراغ، وطيلة أيام الأسبوع هي للعمل والعمل فقط، أن يعمل الإنسان ويبدع ويحقق إنجازات هذه أعظم هواية، ولكن إذا أتيح لي بعض الوقت فإني أقبل على المزيد من المطالعة والقراءة وسماع الموسيقى الكلاسيكية والأوبرا.

طيلة عدد من السنوات، قمت برعاية الكثير من المهرجانات والاحتفالات الموسيقية في عدد من الدول العربية والأجنبية، ماذا تعني الموسيقى في حياتك؟
أنا أستمتع بالسماع الى الموسيقى، وخصوصاً الموسيقى الكلاسيكية والأوبرا، وقد عملت وأنا فتى في محل لبيع التجهيزات الموسيقية وكنت من خلال العمل أستمع للموسيقى، وفي نفس الوقت أكسب رزقي، وهذه بالنسبة لي نعمة أن أعمل وأستمع للموسيقى مجاناً. وأكثر ما يسعدني اليوم هو الإستماع إلى الموسيقى ، وعندما أواجه مشكلة صعبة أو معقدة أو مقلقة أضع نفسي في جو موسيقي من النوع الثري، كالإستماع الى قطعة لـ « فاجنر» مثلاً ذلك إن عظمة الموسيقى ما يفوق شدة القلق الذي قد ينتاب الإنسان، ونحن العرب نفخر في إثراء الحياة من خلال إثراء الموسيقى بالإبداعات العربية للفارابي والكندي وغيرهم ونفخر أننا من خلال الموسيقى أرسينا في القرون الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر مبادئ تفاعل الحضارات والثقافات، وأعتقد أن الحياة لا تعطي إنساناً بقدر ما يستحق أن يأخذ منها.

الدكتور طلال أبو غزالة: كنت أسير ساعتين تحت المطر للوصول إلى المدرسة


كيف أنت والمطالعة والقراءة ؟
أنا شغوف بالمطالعة وبالقراءة، وأمضي ساعات كل يوم في المطالعة لغرض الدراسة لا تقل عن ثلاث ساعات، وأجد متعة كبيرة في ذلك لتعزيز ما لدي من المعلومات وللإطلاع على كل ما يستجد من تطورات في مجال العلوم والبحوث، وما تتيحه اليوم ثورة تقنية المعلومات والإتصالات من الوصول إلى كافة أشكال المخزون المعرفي والثقافي، حيث إن المعرفة تتيح توسيع الخيارات والفرص لتقدم الإنسان.
 
ما آخر كتابة قرأته؟ وأي المجالات تحب القراءة فيها؟
أقرأ حالياً كتاباً عن التوحد المتوقع عام 2050 بين الإنسان والآلـه الذكية، وجُلّ وقتي هو للقراءة حول المدارس الذكية والجامعات الذكية والتعليم الذكي المستند إلى تقنيات المعلومات والإتصالات وذلك دعماً وتطويراً لمشروعنا الرائد «جامعة طلال أبو غزاله» الذكية.

الدكتور طلال أبو غزالة: كنت أسير ساعتين تحت المطر للوصول إلى المدرسة


لوحظ أنه في السنوات العشر الأخيرة أوليتم التعليم العالي إهتماماً خاصاً بالإضافة إلى إهتمامكم المستمر كذلك ببناء القدرات والتأهيل والتدريب المهني، ماهي الرسالة والرؤية لهذا الإهتمام؟ وكيف يترجم ذلك تأسيس وإطلاق جامعة طلال أبو غزاله؟
نحن نؤمن بأن التعليم هو المحرك الرئيسي لتطور العالم العربي، وفي المؤتمرات التي أشارك بها أو محاضراتي حول التعليم فإنني أحذر دوماً مما أطلق عليه «تسونامي التعليم» أي أننا مقبلون على تغييرات كبيرة ستحصل في هذا القطاع وضرورة وضع حلول مبتكرة للتحديات الراهنة التي يواجهها وتحقيق نقله نوعية، وتطوير دورنا لخلق مستقبل مزدهر لأبنائنا، من خلال شحذ الإمكانيات للإبتكار بما يلزم مجتمعاتنا وقد دفعني إيماني العميق بأهمية التعليم الى تأسيس وإطلاق جامعة طلال أبو غزاله لتلبية هذه الحاجة وتحقيق ديمقراطية التعليم ، وتمكين الشباب الذين حرموا من الإستفادة من ثورة تقنية المعلومات ، وبالتالي فإن مهمة الجامعة هي جعل البرامج التعليمية المعتمدة في جامعات العالم المتقدم في متناول الجميع وفي كل مكان أي أن الجامعة تمثل تحالفاً عالمياً للتعليم والشراكة مع مؤسسات التعليم في جميع أنحاء العالم، ونحن من خلال هذه الجامعة نسعى لتحقيق مستقبل التعليم الرقمي والحصول عليه من الجامعات العالمية، ونتيح التعليم العالمي خاصة لمن هم غير قادرين على الدراسة التقليدية في هذه الجامعات بسبب تكاليف السفر والإقامة والحصول على التأشيرات. وتتمثل رؤية وأهداف الجامعة في أن التعليم حق من حقوق الإنسان ولهذا فقد جاءت بمثابة ثورة وإنقلاب جذري في مفاهيم التعليم وقد خصصت مجموعة طلال أبو غزاله الموارد اللازمة لتنفيذ برامج التعليم المتقدم للجميع www.tagiuni.com

الدكتور طلال أبو غزالة: كنت أسير ساعتين تحت المطر للوصول إلى المدرسة


بحكم طبيعة عملك، لا شك أنك كثير الأسفار والترحال لمختلف البلدان، فهل تحب السفر للعمل أم للسياحة؟ وأي البلدان كانت لها ذكريات في قلبك؟
هذا صحيح, فأنا دائم الأسفار والتنقل، ولكن ليس للسياحة، وأنا مشارك نشط في جميع الهيئات والمنظمات الدولية المتخصصة كمنظمة التجارة العالمية والمنظمة العالمية للملكية الفكرية وغرفة التجارة العالمية وغيرها الكثير الكثير، كما إنني دائم التنقل لتفقد مكاتب المجموعة والبالغ عددها 83 مكتباً في البلاد العربية والعالم. أما البلدان التي لها ذكريات في قلبي فهي كل بلد حققت فيه إنجازاً على المستوى الشخصي أو المستوى العملي، ولكني أخص هنا بالذكر دولة الكويت التي انطلقت مجموعتنا منها عام 1972، وقبل ذلك لبنان الذي أحتضني وعائلتي بعد نكبة تهجيرنا القسري من بلادنا، وهو البلد الذي تعلمت فيه كل المراحل الدراسية. ولي ذكريات كثيرة أسجلها بكل الإعتزاز والإحترام لبلدي الأردن وعلى الثقة الملكية الغالية التي حظيت بها من صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم، وللمملكة العربية السعودية أسجل ببالغ التقدير والعرفان الراعي الكبير والقلب الحنون صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز حفظه الله ورعاه، وإنني مدين حقاً لمملكة البحرين العزيزة على الدفء والرعاية والإحتضان الذي أحظى به من صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ومن صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة ومن صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ومن كافة الوزراء والمسؤولين بالمملكة.

بعد مسيرتك العملية والعلمية الناجحة، ألا تفكر أن تؤلف وتكتب كتاباً يعكس تجربتك في الحياة ويُوثّقها لتستفيد منها النخب والأجيال المقبلة؟
بادرت منذ عام 1978 بتأليف أول قاموس محاسبي عربي انجليزي، جرى إصدار النسخة الثانية منه عام 2011.. كما عملت على تأليف مجموعة من المعاجم كالملكية الفكرية، والبراءات وتقنية المعلومات والإتصالات والمعجم القانوني ومعجم المتلازمات اللفظية وجميعها تفيد قطاعات الطلبة والباحثين ومؤسسات الأعمال والهيئات المهنية المتخصصة، والآن بصدد إصدار كتاب حول تحقيق الديمقراطية في التعلم من خلال الجامعة الذكية.

على مستوى الأبناء، هل تشارك أبناءك في رسم معالم مستقبلهم العملي والدراسي، أم أن ذلك متروك لكل منهم بحسب رؤاه وطموحه؟
حياتنا العائلية تقوم أصلاً على المشاركة والتفاعل والتفاهم، وكل أبنائي درسوا وتعلموا كل حسب رغبته ورؤاه وطموحه، والتركيز الآن على تعليم وتأهيل أبنائهم أي أحفادي، وأنا شديد التعلق بهم وأراقب تفاعلهم مع عالم المعلومات والمعرفة، وهو ما لم يتوفر لجيلي وبعضهم اليوم يتابع تعليمه في أرقى الجامعات العالمية.

ما النصائح التي توجهها لجيل الشباب المُتطلع لحياة مستقبلية أفضل؟
الشباب هم مصدر الإبتكار والإلهام والريادة التي تشكل المساهم الرئيسي في التغير والتحول في عالمنا، ولقد شاركت في مؤتمر القمة العربية الإقتصادية الإجتماعية التي عقدت في شرم الشيخ ووجهت نداءً للشباب، وطرحت مبادرة لعقد قمة شبابية في مقر جامعة الدول العربية الهدف منها تمكين الشباب العربي من وسائل تكنولوجيا المعلومات والإتصالات وتفعيل مشاركته في استخدامها وتوطينها وإنتاجها بما يحقق إحتياجاته وطموحه ويساهم في إنجاز مخططات التنمية المستدامة للبلاد العربية، وصدرت توصيات وقرارات ترحب بهذه المبادرة التي شملت أيضاً تخصيص جائزة معرفية للمبدعين الشباب في مجالات المعرفة التكنولوجية، وأرى إن جيل اليوم من الشباب قد تفوق بصورة رائعة عن طريق تسخير روحه المتمردة للإبداع الإيجابي، ويمكن للشباب أن يكونوا مصدراً للإبتكار الإيجابي نحو الأفضل ومن واجب الشباب أن يأخذوا زمام المبادرة دون إنتظار تمكينهم من أحد، وأدعوهم لان يحددوا قدرهم بأيديهم.

هل ثمة حكمة تؤمن بها في الحياة؟
الحكم التي أؤمن بها كثيرة وهي بمثابة دروس تعلمتها، تعلمت أنه لا يجب أن تقيس نفسك بما أنجزت حتى الآن، ولكن بما يجب أن تكون قد حققت مقارنة بقدراتك.
- تعلمت أن المرء لا ينتهي عندما يخسر إنما عندما ينسحب.
- تعلمت أن السعادة لا تتحقق في غياب المشاكل من حياتنا، ولكنها تتحقق في التغلب على هذه المشاكل.
- تعلمت أن التنافس مع الذات هو أفضل تنافس في العالم، وكلما تنافس الإنسان مع نفسه تطور، بحيث لا يكون اليوم كما كان بالأمس ولا يكون غداً كما هو اليوم.
- تعلمت أنه كلما حققت شيئاً أسعى لغيره.
- تعلمت أن عدوي يخدمني من حيث لا يدري لأنه يجعلني حريصاً على عدم الوقوع في الخطأ.

ما أكثر لحظات السعادة بالنسبة إليك؟
أكثر لحظات سعادة هي كما ذكرت الإستماع إلى الموسيقى والتواجد مع أفراد العائلة وهذا على المستوى الشخصي.. أما على مستوى العمل فإن إنجاز المشاريع والمبادرات وخاصة تلك التي تتعلق بمسؤوليتنا الإجتماعية هي أفضل لحظات الحياة. كم أنا سعيد أن مجموعتنا أنجزت وأطلقت موسوعة الكترونية باللغة العربية «تاجييديا» تضم نحو مليون محتوى عربي مدقق وصحيح، وكم أنا سعيد أن أنجزنا جهاز كمبيوتر عربي محمول إنتاج عربي بالكامل، وتوفيره للطلبة والمستخدمين بسعر التكلفة، كما يسعدني أن نعمل على بناء قدرات وتمكين الشباب وتأهيلهم في كل منطقة تتواجد بها مكاتب المجموعة. هناك لحظات أخرى من السعادة تنتابني وهي عندما أواجه مشكلة وتحتاج إلى حل.. وأرجو هنا ألا يؤخذ عني أنني أحب المشاكل، ولكني إذا فرضت المشكلة أبتسم لها وأعمل على مواجهتها بكل ثقة وأريحيه، وبفضل الله منذ بدأت العمل عام 1972 لم أخسر أي قضية.

ما أكثر ما يغضبك؟
أكثر ما يغضبني هو سوء الأمانة، لأن عملي أصلاً قائم على الامانة والإلتزام الأخلاقي، وأنا متسامح بأي شيء في العمل إذا قصّر مدير أو موظف مثلاً أو عجز عن إتمام عمل، ومن هذا القبيل أتجاوز الأمر بالتنبيه والتحذير، ولكن أن أعطى ثقتي لإنسان ويثبت أنه ليس أهلاً للثقة ويسيء، فهذا أمر لا أقبله على الإطلاق.

هل أنت راضٍ عمّا وصلت إليه من طموحات؟ وهل هناك أحلام مستقبلية لديك؟
أحمد الله تعالى على كل شيء، ولكنني دائماً أقول: أننا من موقع المسؤولية في قيادة المهنة في الوطن العربي فإنني أدرك أننا كلما حققنا إنجازاً سعينا لغيره، واليوم نعيش في عالم دائم التغير والتطور، من هنا علينا دائماً أن لا نحلم فقط بل نعمل على مواكبة التغيير في التعليم والأعمال وكافة نواحي الحياة .أما عن حلمي، فإنني أتطلع الى اليوم الذي يكون فيه جواز سفر عربي موحد لكل مواطن عربي، وأن تكون هناك دولة واحدة بجواز سفر بلا حدود ولا عقد، ولا مشاكل، وأن نبني السوق العربية الواحدة والمستقبل العربي الواحد. وليس أمامنا من مفر إلا قدرنا وهو القدر العربي الواحد.  

أعجبك المقال؟ لتصلك أخر المقابلات الحصرية لمجلة ليالينا مع كبار المشاهير، إشترك بنشرة ليالينا الإلكترونية

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة