النقد البنَّاء وتأثيره في بيئة العمل

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الإثنين، 30 أغسطس 2021
النقد البنَّاء وتأثيره في بيئة العمل

لا يمكن أن تدور عجلة العمل أو عجلة الحياة دون أن يتعرض الشخص للانتقاد أو يضطر إلى انتقاد الأشخاص المحيطين به، حيث أنَّ دائرة النقد جزء لا يتجزأ من كل عمل أو علاقة، فالكاتب يعرض إنتاجه أمام النقاد ليعرف أين أخطأ وأين أصاب، والمدير يقوم بتوجيه ملاحظاته إلى الموظفين والعاملين تحت إشرافه، لكن كيف يمكن أن يكون الانتقاد مفيداً وخارجاً عن دائرة التجريح؟!

هل يتفق معنى النقد في اللغة مع المعنى الاصطلاحي؟!

النقد في اللغة العربية هو تمييز الجيد من الرديء، حيث يذكر أبو بكرٍ الرازي في معجم مختار الصحاح أن انتقاد الدراهم هو أخذها وتمييز المزيف منها، وإذا قيل ناقَدهُ أي ناقشه في الأمر، أما في الإنجليزية سنجد أن كلمة (Criticism) تشير إلى معنى أكثر معاصرة يتفق مع المفهوم السائد للنقد والانتقاد في عصرنا هذا، حيث يشير معجم كامبريدج إلى أن النقد هو الإشارة إلى الأشياء السيئة في الأشخاص أو الأفكار.

كما يورد المعجم مجموعة من سياقات استخدام الكلمة أغلبها تشير إلى مواطن السوء في موضوع النقد، أما النقد من حيث هو مصطلح يفيد تحليل موضوع النقد وتفسيره بفرز صفاته الإيجابية والسلبية عن بعضها، وتقديم تقييم موضوعي له، وهذا ما نجده في النقد الأدبي أو الفني مثلاً.

النقد البناء: التوازن في النقد يساعد على تفادي المشكلات

دون أن نخوض في دوامات المصطلحات المستهلكة والجمل العاطفية التي تشيد بالنقد البناء، يمكننا أن نقول وباختصار شديد أنَّ النقد البنَّاء هو النقد المتوازن، حيث يتم تحديد إذا كان النقد بناءً أم لا تبعاً لرغبة المنتقد في المساعدة أولاً، ولمدى قدرته وخبرته في المجال الذي ينتقد فيه ثانياً، إضافة إلى ذكر ما هو جيد وما هو سيء بحيادية دون تبخيس الجيد أو تفخيمه، ودون التقليل من أثر الرديء أو المبالغة في وصفه وتجريمه.

تخيل أنَّك تعمل مديراً تنفيذياً في شركة لتنقية المياه، وطلبت منك الشركة تقييم عروض استخدام مركبات لنقل البضائع من مكان التصنيع إلى مستودعات التوزيع، عندها ستجلس في مكتبك حتى ساعة متأخرة من الليل تحلل كلَّ عرضٍ على حدة وتقوم بتقييم الخدمات التي تقدمها شركة ما مقارنة بخدمات شركة أخرى، ثم تقوم بتقييم السعر مقارنة بالخدمات والجودة والسمعة، بعد هذه المعركة الطويلة سترفع تقريراً تفصيلياً إلى مجلس الإدارة لتخبرهم بالشركات الأفضل، هذه العملية هي عملية نقد بناء! فقد قمت فعلياً بفرز الصفات الجيدة والسيئة بموضوع تمتلك الخبرة اللازمة فيه، كما أنَّك تتحمل مسؤولية ما تقوله، من جهة ثانية ربما ستدفع لك إحدى الشركات مبالغ إضافية لتحصل على أسباب استثنائها من الجدول الذي قمت بإعداده.

بكلماتٍ أبسط؛ عوامل النقد البناء هي الموضوعية في المقارنة بين الجيد والسيء في الموضوع نفسه، إضافة إلى امتلاك الخبرة اللازمة لاكتشاف نقاط القوة والضعف، كما أنَّ الهدف من النقد يجب أن يكون إيجابياً، أي أن المنتقد لا بد أن يقصد تحسين السلبيات أو تجنبها على حساب تطوير الإيجابيات والاستفادة منها.

النقد الهدام: على الضفة المقابلة هناك من ينتقد لأجل الانتقاد

إذا عدنا للمثال السابق بخصوص تقييم العروض، تخيل معي أنَّ إحدى الشركات مملوكة لشخص تعرفه ولا تحبه! فقمت بإغفال عرضه وتشويه صورته لتحرمه من هذه الفرصة... هنا أنت قمت بخطأين كبيرين؛ الأول هو تزوير الحقائق والثاني هو التصرف وفق الأهواء الشخصية، وهذا هو النقد السلبي أو الهدَّام، لنقلب الصورة ونعتبر أن صديقك كان أحد المتقدمين بالعروض، فقمت أنتَ بتجميل عرضه وإخفاء السلبيات عن الشركة ليتم اختياره، ستكون فعلياً قد وقعت في نفس الأخطاء.

إذاً... النقد الهدَّام أو النقد السلبي يقوم على تقديم معلومات مغلوطة أو منقوصة بهدف تشويه الصورة أو تحسينها، كما يعتبر النقد بهدف الإحباط أو إلحاق الضرر نقداً سلبياً، كذلك ينظر إلى النقد بلا معرفة أو علم بموضوع النقد باعتباره نقداً هدّاماً وهنا يجب أن نتوقف للحظة.

الكلمات الإيجابية لا تجعل من النقد بنَّاءً!

قد تغيب هذه النقطة عن بال الكثيرين، حيث يعتبر أغلب الناس أنَّ النقد الهدَّام هو تفنيد الصفات السلبية أو الانتقاد بطريقة جارحة وفجَّة، بينما تكفي الكلمات الإيجابية والمديح لتجعل من النقد بنَّاءً! لكن للأسف هذا اعتقاد خاطئ ومنقوص في مكان ما، فاختيار الكلمات الإيجابية والموافقة على كل الأقوال والأفعال دون دراية -أو رغبة بالتملق- لا يمكن اعتبارها نقداً بنَّاءً بل على العكس، فإذا طلب منك صديقك رأيك في قصيدة كتبها، وقلت له أنَّها رائعة وبديعة في حين أنَّها لم تكن كذلك؛ فأنت تؤذيه وتغذي لديه ملكة الغرور التي قد تمنعه من التعلم والتطور، الأصح أن تخبره بموضوعية وبحدود خبرتك عن مواطن الضعف ومواقع القوة في النص الذي كتبه، لذلك لا بد من الانتباه أن النقد السلبي من وجوهه النقد الذي يتبع أسلوب المجاملة والكلام الناعم.

كيف يمكن أن ننتقد الآخرين دون أن نجرحهم؟!

لنتفق قبل كل شيء على أولوية الهدف من النقد، فلا بد أن يكون هدفنا من النقد هو مساعدة الآخرين على تجاوز هفواتهم أو تحسين أدائهم في العمل، وربما تجنيبهم بعض الملاحظات السلبية التي قد تواجههم من المستويات الإدارية الأعلى، كما يجب أن نبتعد تماماً عن الانتقادات الشخصية التي تتعلق بالمظهر أو الشكل أو التفضيلات الشخصية، فانتقاد نوعية الأطعمة المفضلة لزميلك عندما تقول له (أنت لا تملك ذوقاً جيداً) لا يمكن أن يعتبر نقداً إيجابياً، تعالوا لنتعرف معاً على بعض النصائح والمقترحات لتقديم النقد الإيجابي للآخرين سواء في العمل أم في الحياة اليومية.

نصائح ومقترحات لتوجيه الانتقاد الإيجابي

  • تأكد أنَّك على دراية كافية في موضوع النقد قبل أن تبدأ بالحديث، وإذا كنت تجهل بعض الأمور قل أنَّك لست متأكداً منها.
  • حاول أن تبدأ بما هو جيد دائماً، وأن تنتهي باقتراحات ستجعله أفضل، بحيث تكون الأشياء السلبية في المنتصف بين بداية سعيدة ونهاية مثيرة للحماسة.
  • راقب ردَّة فعل الطرف الآخر، فإذا شعرت أنَّه انزعج حاول تخفيف حدَّة كلماتك وطريقة طرحك للموضوع.
  • إن لم يكن الموضوع يتطلب وجود أشخاص آخرين كما في الاجتماعات حاول أن توجه انتقادك للشخص بشكل شبه سري، المقصود بشبه سري أن تكونا على انفراد لكن دون أن تشعره بالسرية.
  • ليكن انتقادك متعلقاً بمواضيع محددة، فلا تربط بين موضوع الانتقاد وأخطاء سابقة أو غير متعلقة فيه؛ لأن ذلك سيشعر الطرف الآخر بالعدوانية وسيجعله يتخذ موقفاً دفاعياً وغير متفاعلٍ مع النقد.
  • يجب أن نبتعد عن المواضيع العقيمة عندما نوجه الانتقاد للآخرين، أي لا يمكن أن ننتقد ما لا يمكن إلَّا أن يكون بشكله الموجود أمامنا، كما يجب أن نتجنب الانتقاد بغير هدف.
  • حافظوا على أعصابكم أثناء طرح الملاحظات لأن الانفعال يؤدي إلى تشويش الرسالة التي تحاولون إيصالها، كما سينحرف بكم بعيداً عن الهدف من الانتقاد البنَّاء.
  • النقد هو حق لكلِّ من يمتلك الخبرة الكافية والدراية في موضوع النقد، لكن في نفس الوقت استخدام الكلمات السلبية والجارحة يعتبر تعسفاً باستعمال الحق.

كيفية تقبل النقد من الآخرين

يجب دائماً أن نفصل بين مشاعرنا الشخصية وبين الانتقادات التي نتلقاها من الآخرين في العمل أو في حياتنا اليومية، كما يجب أن نتمتع بالقدرة على نقد الذات وعدم الانسياق وراء الغرور واعتبار كل ما نقوم به مثالياً، نحن لن نقدم هنا طريقة سحريةً تجعل من زملاء العمل أو الأصدقاء أشخاص لطفاء وودودين! بل سنقدم بعض الاقتراحات التي تساعدنا على الاستفادة من النقد سواء كان بناءً (وما أحلاه) أو كان هدَّاماً.

  • قبل كل شيء يجب أن نكبح ردَّة الفعل السريعة، ونأخذ وقتنا في تحليل النقد والملاحظات قبل أن نجيب بشكل انفعالي، حاولوا أن تقولوا ما يدور في رأسكم في سركم أولاً قبل أن تبوحوا به مباشرةً.
  • الخطوة الثانية، هي نقاش النقاط موضوع النقد إن كان ذلك ممكناً، لكن ليس نقاشاً دفاعياً بل نقاشاً موضوعياً بحيث نصل إلى نقطة مشتركة مع المنتقد.
  • أظهروا سعادتكم بالملاحظات الإيجابية ولا تظهروا استياءكم من الملاحظات السلبية، ذلك سيساعدكم على الحماسة دائماً، كما سيجعل الآخرين مستعدين لتقديم النصائح القيمة بشكل دائم.
  • إذا كان الانتقاد خالياً من الجانب الإيجابي أو محاولة للإحباط إياكم أن تظهروا أثر ذلك عليكم، لأن هذا سيجعلكم عرضة لاستغلال هذه النقطة من الأشخاص السلبيين، لنقل أنَّكم تضعون فلتراً للكلمات عند أذنكم لا يسمح بمرور الكلمات الجارحة وينتقي ما هو مفيد (ما هو مفيد وليس ما يعجبنا) إنَّه أمر صعب لكنه مهم للغاية.
  • حاولوا أن تعيدوا التفكير بالنقاط التي تم طرحها بعد مضي الوقت، وفكروا بصدق إن كنتم أخطأتم حقاً أم لا.
  • الطريقة المثالية للتعامل مع الأشخاص السلبيين هي المبالغة بالإيجابية من قبلكم.

ختاماً... ليس المنتقد فقط هو المسؤول عن تحويل النقد إلى فائدة، بل الذي يتلقى الانتقاد يلعب دوراً كبيراً في تحويل الملاحظات إلى نقد بنَّاء، وذلك من خلال التخلي عن الغرور والعدائية والتفكير بهدوء بالملاحظات ليستفيد منها بالشكل الأمثل، وذلك سيعود على العمل كله بالفائدة أيضاً.

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة