زيادة عدد المرضى .. مستشفى واحد للصحة النفسية لا يكفي سكان قطاع غزة

  • DWWبواسطة: DWW تاريخ النشر: الجمعة، 29 أكتوبر 2021
زيادة عدد المرضى .. مستشفى واحد للصحة النفسية لا يكفي سكان قطاع غزة

يعاني محمد حيدر من اضطرابات نفسية وتشنجات عصبية في أوقات المساء. وزار الرجل، صاحب الأربعين عاما، مستشفى غزة للصحة النفسية، في حي النصر وسط مدينة غزة، لأول مرة قبل شهرين، وشعر بالخوف حينها، فقد لاحظ اختلاط المصابين بالأمراض النفسية مع بعضهم البعض خلال تلقيهم العلاج، ووجد أن المستشفى الوحيد في قطاع غزة ليس مناسبا لاستقبال المرضى.

احتاج محمد حيدر التنقل من بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة إلى وسط مدينة غزة؛ حتى يقوم الطبيب المختص بتشخيص حالته نظرًا لمروره بالحالة المرضية خلال شهرين بعد الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على غزة في مايو/ أيار هذا العام. لكن تلك الرحلة اعتبرها حيدر تجربة صعبة وسببت له تخوفات كبيرة من العلاج النفسي، حتى أن زوجته التي كانت ترافقه فضلت عدم توجهه مرة أخرى للمستشفى.

يقول حيدر: "انظر لغالبية مجتمع قطاع غزة لا يتشجعون للعلاج النفسي، عندما يتحدث أحد عن المرض النفسي نتخيل في أفكارنا أنه صفة تمييز ومخجل، وأنه مرض لا يمكن العلاج منه، وعن تجربتي لم أجد العلاج النفسي أمرا جيدا في قطاع غزة وشعرت بالإحباط أكثر، حتى أنني تأثرت خلال تناول العقاقير على مدار شهر ولا ألتزم بالعلاج في الوقت الحالي".

لم يشعر حيدر بتحسن بعد مضيّ شهرين على العلاج، إذ يحصل على الأدوية من مستوصف حكومي قريب في بلدة بيت حانون مرتين في الشهر، لكنه يحتاج كل فترة لمراجعة الطبيب في مستشفى غزة للصحة النفسية، لكنه لم يتشجع للذهاب مرة أخرى كما ينوه، ويشعر بتخوف إن استمرت حالته النفسية على ما هي عليه.

مستشفى وحيد

في قطاع غزة يوجد مستشفى واحد للصحة النفسية والعصبية وهو حكومي، ولا يكفي لاستيعاب الأمراض النفسية والعصبية. ورغم تدخلات مؤسسات المجتمع المدني وبرنامج غزة للصحة النفسية، إلا أنها تعتبر من أكثر المناطق التي بحاجة للتوسعة والتجديد في ظل الحروب المتفاقمة ومسببات الأزمات النفسية الأعلى في العالم، كما يرى مختصون نفسيون واجتماعيون.

يخدم المستشفى كافة محافظات قطاع غزة، وتم تشييده عام 1980 على مساحة 6000 متر مربع في حي النصر وسط مدينة غزة، لكن كما تشير معلومات المستشفى فإن أقصى قدرة استيعابية له هي 50 سريرًا فقط، موزعة بين أقسام الرجال والنساء والأطفال، إلى جانب مصحة مخصصة للمدمنين، وهي أيضا الوحيدة في قطاع غزة.

يعمل بالمستشفى 39 كادرًا طبيًا، منهم 16 طبيبًا، و26 من الأخصائيين النفسيين. ونشرت وزارة الصحة في غزة تقارير إحصائية لأهم إنجازات وزارة الصحة عام 2020، تشير فيها إلى أن الإصابة بالأمراض النفسية ارتفعت عام 2020، بنسبة 62% مقارنة بالعام الذي سبقه، حيث كان للاكتئاب النصيب الأكبر من الانتشار، تلته الاضطرابات النفسية، ثم مرض الفصام العقلي.

ويقول تقرير لوزارة الصحة الفلسطينية بغزة "إن أكثر من 90 ألف زيارة ومراجعة لمستشفى الطب النفسي والعيادات النفسية سُجلت خلال العام المنصرم على مستوى محافظات قطاع غزة، واعتبرت أن الفئة العمرية من "30 - 39" عامًا هم الأكثر عرضة للاضطرابات النفسية بنسبة 35%، تلتها الفئة العربية "20 - 29" عامًا.

بيئة غزة من الأعلى من حيث الاكتئاب

أخصائي الأمراض النفسية والعصبية بهاء عيسى ينوه إلى أن بيئة قطاع غزة من الأعلى في العالم ارتفاعًا في الإصابة بحالات الاكتئاب خلال العام الأخير، ويعتقد أن جميع سكان غزة ظهرت عليهم أعراض مرضية نفسية خلال الهجمات الإسرائيلية الأخيرة، وكذلك نتيجة للضغوطات التي يسببها انقطاع التيار الكهربائي وسوء الخدمات العامة والظروف الاقتصادية الصعبة وعدم تغيير الواقع بعد الهجمات الإسرائيلية الأخيرة رغم الآمال التي كانت تغمرهم عقب وقف إطلاق النار في 21 مايو/ أيار هذا العام.

يشيد عيسى بدور مؤسسات المجتمع المدني في عمل مشاريع التفريغ النفسي وكذلك برنامج غزة للصحة النفسية الذي يعمل منذ ثلاثين عام لدعم الصحة النفسية، لكنها تعتبر مشاريع مساندة ولا تكفي المجتمع الذي لا يزال يعتبر الأعراض والأمراض النفسية وصمة عار ويتَهرُب من الاعتراف بأعراض نفسية، كما أنه لا توجد مسحات صحية للعلاج النفسي.

ويقول عيسى "غزة بحاجة للانفتاح على العالم الخارجي حتى يكون هناك تبادل ثقافي ثم يتحسن الجو النفسي العام، كذلك نتيجة الكثافة السكانية تزيد الضغوطات النفسية التي تزيدها الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية الصعبة، مرضى الأمراض النفسية في غزة هم أكثر عرضة لتطور الحالة النفسية الى أمراض نفسية مزمنة، وهذا حصل مع 40% من الحالات التي عالجتها لعدم وجود مستشفيات صحية بكامل مرافقها، إلى جانب عدم تحسين الظروف العامة".

مستشفى تنقصه الأساسيات

رئيس قسم تطوير خدمات الصحة النفسية هشام المدلل، ينوه إلى الكثير من المعوقات التي تقف أمامهم في تطوير المستشفى النفسي الوحيد في قطاع غزة، إذ تقوم إدارة المستشفى بعد تقييم حالة المريض بإعطائه العلاج المناسب، وحال لم يستجب وبقيّ عنيفًا يتحول إلى غرفة "العزل الانفرادي"، التي يرى المدلل أنها غير مجهزة بشكل سليم.

ويشير المدلل إلى أن القطاع الطبي في قطاع غزة يعاني في معظم أيام السنة من أزمات نقص الأدويةوالمعدات والطواقم الطبية، حتى إن المرضى واجهوا نقصا في أدويتهم التي يحصلون عليها دوريًا، وكانت هناك مطالب بإنشاء مستشفى في مدينة رفح ليلبي حاجة ربع مليون مواطن في رفح واستطاعت الحكومة في غزة توفير دعم قطري لبناء المستشفى الذي دخل حيز التنفيذ قبل شهر.

ويقول هشام المدلل "غالبية مشاريع تطوير القطاع الصحي والمراكز والمستشفيات في قطاع غزة منذ أكثر من عشر سنوات تعتمد على الدعم الدولي، لا يوجد دعم محلي في ظل الظروف الصعبة، في المرحلة القادمة نتطلع أن يكون هناك مشروع إنشاء مستشفى آخر للصحة النفسية في جنوب قطاع غزة".

يأمل جميل النجار (50 عامًا) بتحسن واقع العلاج النفسي في قطاع غزة، فهو أب لشاب يبلغ 30 عامًا يعاني من الفصام الشخصي. يحصل نجله على علاج منذ 7 سنوات، وفي بعض الأوقات ينقطع نوع أو نوعان من الأدوية عنه، لكن ساءت حالته النفسية مع مرور السنين، كما يلاحظ الأب. وتلقى الابن علاجًا داخل المستشفى لكنه لم يتحسن من حالة العنف في معظم الأوقات، بينما عادت حالته للاستقرار في منزلهم.

ويشعر النجار بالانزعاج لعدم وجود فصل في المستشفى بين مرضى الحالات النفسية المختلفة، على سبيل المثال بين مرضى تظهر عليهم سمات العنف ومرضى آخرين حالاتهم مستقرة. كذلك عند توجهه للكشف الطبي رفقة نجله، يجد الجميع ينتظرون الدخول للطبيب دون وجود أي ترتيب أو نظام في المستشفى، وهو يتمنى أن يتحسن واقع العلاج النفسي في قطاع غزة حتى يتوجه لمستشفى حاله أفضل من الحالي ويكون مهيئا بشكل سليم.

غزة - أمجد ياغي