غوتيه (Gothe) الأعظم في الفترة الرومانسية الألمانية

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الخميس، 09 ديسمبر 2021
غوتيه (Gothe) الأعظم في الفترة الرومانسية الألمانية

من المعتاد أن يقرأ المستشرقون هوية الآخر وثقافته وأفكاره من وجهة نظرهم لا من وجهة نظر الآخر أو كما هي هويته الثقافية في الحقيقة، لكن الألماني غوتيه كان مستشرقاً وشاعراً مختلفاً عن المعتاد، إذ لم يكتفِ بقراءة ثقافات المشرق إنما تأثر بها لاسيما بالدين الإسلامي، فقد أبحر في آيات القرآن الكريم ومعانيها حتى صارت جزءاً من قلمه الأدبي ومنبراً ينظر من خلاله إلى الحياة. تجلى تأثير الثقافة الشرقية والدين الإسلامي في حياة غوتيه من خلال ديوانه "الغربي الشرقي" الذي نُشر عام 1819 باللغة الألمانية، حيث تُظهر فصول الكتاب علاقة غوتيه بالإسلام والثقافة الشرقية وكيف قرأ الشرق.. فكيف قرأ غوتيه الإسلام؟ وكيف تأثر بالقرآن؟ وما هي أهم إنجازاته الأدبية؟، هذا ما سنتعرف عليه في هذا المقال.

"في الإسلام نعيش ونموت جميعاً"

تفتحت بصيرة غوتيه على التصوف الديني في مطلع العشرين من عمره؛ بعد أن التقى بسيدة تدعى "سوزان كاثرينا"، كانت عضواً في حركة الإصلاح اللوثرية، كما كانت صديقةً لوالدته. لعبت "كاثرينا" دوراً كبيراً في تغيير أفكار غوتيه، إذ تأثر بتصوفها وتدينها، ثم بدأ ينمو لديه حب الاطلاع على الثقافات الشرقية والتعرف على الدين الإسلامي وبشكلٍ خاص بعد اطلاعه على القرآن الكريم وتأثره بآياته، فما لبثت أعماله أن عكست روح الإسلام، كما ظهر تأثير الإسلام في حياة غوتيه وقناعاته إذ قال: "في الإسلام نعيش ونموت جميعاً"؛ تلخص هذه الكلمات علاقة غوتيه بالدين الإسلامي.

تحدثت الدكتورة "كاثرينا مومسين" (KATHARINA MOMMSEN) (كاتبة ألمانية) في كتابها "غوتيه والشعراء العرب" عن علاقة الشاعر الألماني غوتيه بالدين الإسلامي قائلة: "شكّل الإسلام أحد أهم الظواهر في حياة الشاعر الألماني غوتيه، فبدا ذلك جلياً في قصيدته التي مدح بها النبي محمد، إذ كان عمره 23 عاماً عندما كتب قصيدة "ترتيلة محمد" (التي سنتحدث عنها لاحقاً في هذا المقال)، كما تأثر بالثقافة واللغة العربية، وكان على درايةٍ بكتاب القرآن أكثر من أي كتاب ديني آخر".

على الرغم من تأثر غوتيه بالثقافات الشرقية الأخرى، كالفارسية والهندية قبل تأثره بالثقافة العربية والإسلامية؛ بيد أن تأثير الثقافة العربية كان الأعمق في حياته سواء على صعيد أفكاره الحياتية حيث تقمص مبادئ الإسلام ومعاني القرآن، أو على صعيد أعماله الأدبية والشعرية حيث تجلى ذلك التأثير في ديوانه الذي حمل عنوان ديوان "الغربي الشرقي"، ويضمنه مجموعة من القصائد والأعمال الأدبية، إذ يقسمه إلى عدة فصول هي: (كتاب تيمور، كتاب الحكم، كتاب الخلد، كتاب الساقي)، تستند هذه الفصول إلى معاني القرآن وأفكار الإسلام وثقافة الشرق.

دفعه القرآن الكريم لتعلم اللغة العربية وأثر بأفكاره

أحب غوتيه الدراسات الشرقية منذ شبابه، بيد أن والده أراد له دراسة القانون بدلاً منها، لكن رغبة غوتيه لم تمت، فبدأ يتطلع على القرآن الكريم، من خلال ترجماتٍ بلغاتٍ مختلفة قبل تعلمه العربية، وما لمسه في لغة القرآن الكريم من سحر؛ جعله تواقاً لتعلم العربية، حيث تعلم مع أساتذة الدراسات الشرقية دارساً اللغة العربية وقواعد النحو حتى تمكن من عمل دراساتٍ مكثفة عن القرآن الكريم، وترجمته مباشرةً من العربية إلى الألمانية، وذلك بين عامي (1770-1772).

كما ظهر تأثير القرآن الكريم جلياً في أفكار غوته، إذ قال: "يجب أن نرى الطبيعة في جميع الظواهر، كعلامات للشرائع السماوية، فتعدد الظواهر دليل على وحدانية الله"، قال أيضاً: "يجب أن ندرك عظمة الله في الأشياء الصغيرة" مشيراً في ذلك إلى الآية رقم 23 في سورة البقرة.

هل أسلم غوتيه؟

كان هذا السؤال نتيجةً حتميةً لاهتمام غوتيه الكبير بالقرآن الكريم، وتأثره بآياته، كما أنه مدح القرآن الكريم قائلاً: "سيبقى هذا الكتاب في غاية الفعالية إلى الأبد".

في سن السبعين كتب غوتيه في ملاحظاته بأنه ينوي الاحتفال احتراماً لليلة القدر؛ الليلة التي نزل فيها القرآن الكريم على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كما أبدى غوتيه إعجاباً بشخصية نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم، عبر عن ذلك بكتابته قصيدة (MahometsGesang) أو (ترتيلة محمد)، فيها يظهر اهتمامه بشخص النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ويرمز له بالتيار، قال غوته عن ذلك: "إنه استخدم هذا الرمز ليدل كيف تبدأ قوة روحية ببدايات صغيرة، ثم تتحول إلى قوة عملاقة"، وعلى الرغم من اهتمام غوته بالقرآن الكريم، وبشخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتأثره بالإسلام لكن كل ذلك لم يكن دليلاً على أنه قد اعتنق الإسلام، إنما توقف الأمر عند حالة التأثر، وإعداد دراسات عن القرآن الكريم، بالإضافة إلى ما عكسه غوته في قصائده من معانٍ مستوحاة من القرآن الكريم.

مقتطفات من قصيدة "ترتيلة محمد" (ترجمة الدكتور بهجت عباس)

بحيوية فتى يافع يثب خارج الغيمة ... وعلى صخور المرمر في الأسفل

يبتهل كرةً أخرى إلى السماء ... يلاحقُ الصوانَ الملونَ بسرعة

وبخطوة قائدٍ سابقٍ لأوانه ... يكتسح إخوته الجداول

ومن تحت في الوادي تنبت الأزهار تحت قدمه ... وتدب في المرج الحياة من نفسه

وكذا يحمل إخوته، هاتفاً بابتهاجٍ إلى قلب خالقه الذي ينتظره.

أهم النقاط في حياة غوتيه

ولد غوته في مدينة فرانكفورت عام 1749م، والده يدعى يوهان كاسبر غوته، كان مسؤولاً حكومياً، أما والدته فهي كاثرينا إليزابيث، بدأ غوته بدراسة القانون في عام 1765 بجامعة "لايبزيغ" الألمانية، في عام 1768 تعثرت صحته مما اضطره للعودة إلى مدينة فرانكفورت الألمانية دون أن يكمل دراسته في لايبزيغ، خلال فترة وجوده في المدينة تعلم غوته الفلسفة وعلم التنجيم والكيمياء، أما في عام 1770 فقد ذهب إلى جامعة "ستراسبورغ" الفرنسية، ليكمل دراسة القانون التي بدأها في "لايبزيغ"، بالإضافة إلى القانون درس غوته الموسيقى، والفن كذلك علم الكيمياء والتشريح.

غوتيه من فايمار إلى جميع أنحاء ألمانيا

كان عام 1775 مهماً لغوته ولتاريخ الأدب الألماني، إذ دعاه تشارلز أوغسطس الوريث الوحيد لدوقية (ساكس فايمار) للعمل في فايمار، التي شكلت آنذاك مركزاً أدبياً وفكرياً مهماً في ألمانيا، وشهدت السنوات العشر الأولى من علاقة غوته بالمحكمة في فايمار تطوراً فكرياً كبيراً، حيث كتب معظم قصائده البارزة أثناء إقامته في المدينة الألمانية، بما في ذلك شعره الغنائي كقصيدة (أغنية ليلية لتائه)، وأغنية (ملك الجان)، كما بدأ بتأليف أفضل أعماله في الدراما النثرية منها (إفجنتينا في فاوس) ذلك في عام 1778، و(العابر) في عام 1793، بالإضافة إلى أعماله ذات الطابع الدرامي مثل: (إغمونت) و(فاوست)، بذلك انتقل تأثير غوته ككاتب إلى جميع أنحاء ألمانيا، فيما بعد شعر بالضجر والملل من الحياة في مدينة فايمار فقرر الذهاب إلى إيطاليا.

تحولات في نهج غوتيه الأدبي "تجاوزت وجهات نظر العاصفة والاندفاع"

هذا ما قاله غوتيه بعد أن ذهب إلى إيطاليا، إذ تأثر في كتاباته الأدبية الأولى بأفكار حركة العاصفة، والاندفاع؛ وهي حركة أدبية شهدها الأدب الألماني بين عامي 1760 و1780م، كما أنها قاومت أفكار عصر التنوير ورفضت الحرب والصراع، وقامت على حرية التعبير.

عاش غوتيه في إيطاليا وتنقل بين مدنها، بالإضافة إلى دراسته للفن والعمارة اليونانية والرومانية القديمة، تأثر بالكلاسيكية، وحقق فهماً لروحها مدفوعاً بحاجته لأفكار جديدة يبني عليها كتاباته المستقبلية، لذلك كان لزيارة غوته إلى إيطاليا، وتأثره بالكلاسيكية، دوراً كبيراً بإضفاء طابع الهدوء والنبل على أعماله، الأمر الذي افتقر إليه سابقاً.. فأكمل في إيطاليا بعض أعماله التي بدأ بتأليفها في فايمار وهي: (إفجتينا في فاوس، اغمونت، فاوست)، كان لهذه الأعمال دوراً في انضباط الأدب الألماني، من حيث الشكل والأفكار بذلك بدأت الفترة الكلاسيكية في ألمانيا.

أهم مؤلفات يوهان فولفغانغ غوتيه الأدبية

تنوعت مؤلفات غوته بين الشعر والمسرح والرواية، كان أهمها تلك التي ألفها أثناء إقامته في فايمار، وأهم مؤلفاته:

  • "آلام الشاب فرتر" في عام 1774، أولى رواياته، وتأتي أهمية هذه الرواية بالنسبة لغوته، كونها جعلته يشتهر ككاتب في بداياته الأولى.
  • "إيجمونت في فاوس"، في عام 1778.
  • "فاوست"، وهي ملحمة شعرية كتبها على جزأين إذ بدأ بها بين عامي 1773 و1774،لكنها لم تنشر إلا بعد وفاته وذلك في عام 1832، كما أنها اعتبرت الأهم في الفترة الرومانسية الألمانية، كما اعتبرت من روائع الأدب العالمي أيضاً، كونها كانت تتويجاً لحياة غوته الطويلة، بالإضافة إلى أنها مجازٌ لحياة الإنسان بكل تشعباتها، وتعكس تطور فكر غوته بعد تحوله من حركة العاصفة والاندفاع إلى الكلاسيكية الهادئة والواقعية، والحياة الناضجة التي عاشها إبان ذلك، والملحمة أيضاً؛ تأكيدٌ على حق وسلطة الفرد في الاستفسار عن الشؤون البشرية والإلهية ما شكل لها سمعة عالمية كونها أول عمل أدبي كبير عن روح الفردية الحديثة.
  • سيرة حياة غوتيه؛ عبارة عن أربعة مجلدات كتبها بين عامي 1811، و1833.
  • رواية رحلات "فيلهلم مايستر"، في عام 1821.
  • مسرحية "توركيتوتاسو"، في عام 1790.
  • العابر في عام 1793، ديوان شعري.

إنجازات غوتيه العلمية

"غوتيه الفيزيائي الأول في زمانه"

لم تقتصر إنجازات غوته على الأدب، إنما أيضاً كان له العديد من الدراسات والأعمال العلمية أهمها:

  • دراسته العلمية (تحول النبات)، التي نشرها في عام 1790.
  • نظرية الألوان، يعتبرها غوته أهم أعماله العلمية، ونشرها في عام 1810.

ووصف الجيولوجي ومهندس التعدين الألماني "نوفالس" غوتيه بأنه "الفيزيائي الأول في زمانه كما أنه صنع عهداً جديداً في تاريخ الفيزياء".

وفاة غوتيه "مزيدٌ من الضوء"

كانت هذه العبارة الأخيرة التي قالها يوهان فولفغانغ غوتيه للطبيب "كارل فوغن"، وقضى بعدها إثر نوبة قلبية، عن عمر ناهز ثلاثة وثمانين عاماً ذلك في عام 1832، لتنتهي مسيرة الشاعر والمسرحي والروائي غوته.. تاركاً ورائه عشرات المؤلفات في الشعر والمسرح والرواية، بالإضافة إلى العديد من الأبحاث والدراسات العلمية.

بذلك... نكون قد وضعنا يدنا على أهم النقاط في حياة الشاعر غوتيه، الذي تأثر بالثقافات الشرقية والدين الإسلامي، كما قرأ القرآن الكريم وتأثر به وانعكس ذلك في أدبه وشعره وبشكل خاص مجموعة الأعمال التي جمعها في ديوانه "الغربي الشرقي". ترك غوتيه إرثاً أدبياً كبيراً، حيث كانت ملحمته الشعرية "فاوست" من روائع الأدب الألماني والعالمي، كما أنه عاصر أهم الحركات في الأدب الألماني، وهي العاصفة والاندفاع، من ثم تأثر بالكلاسيكية ليكون من مؤسسي الأدب الكلاسيكي الألماني، حيث اعتبر الأعظم في المرحلة الرومانسية الألمانية.

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة