تشارلز سبنسر تشابلن (تشارلي تشابلن)

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الإثنين، 29 نوفمبر 2021
تشارلز سبنسر تشابلن (تشارلي تشابلن)

لطالما اعتقد الجمهور أن الممثل الكوميدي يختبئ خلف ابتسامته, كما أن هناك صورة نمطية عن الحزن الذي يسكن داخل الكوميدي, حيث عرف التاريخ العديد من الكوميديين البائسين في حياتهم, الذين انتهى بهم المطاف إلى الاكتئاب الشديد, كما أن الانتحار كان خيار بعضهم, ربما آخرهم الكوميدي الأمريكي روبن وليمز, الذي انتحر عام 2014, لكن هناك علامة فارقة في تاريخ السينما العالمية والكوميديا, إنه تشارلي شابلن, فهل كان أيضاً حزيناً؟ هل هو مجرد مهرج؟ أم مبدع ومفكر مهم؟

الفقر والتشرد في شوراع لندن إلى أن حصل على أول عمل في المسرح

ولد تشارلز سبنسر تشابلن (Charles Spencer Chaplin) في السادس عشر من أبريل/ نيسان عام 1889, في جنوب لندن, كان أبوه وأمه يعملان معاً كمغنين في صالة موسيقية شعبية, حيث ولد تشابلن بعد أربع سنوات من زواجهما, إلا أنهما انفصلا عن بعضهما قبل أن يبلغ تشابلن سن الثالثة, حيث عاش تشابلن فترة وجيزة مع والده (Charles Chaplin Sr) وعشيقته, لكن والده توقف عن الغناء منذ انفصاله عن زوجته, كما كان سكيراً يقضي معظم وقته في الحانات, فقضى تشارلي معظم طفولته مع أمه هانا تشابلن (Hannah Chaplin), وأخيه غير الشقيق لأمه سيدني (Sydney John Hill), وهو طفل غير شرعي, ثم أنجبت هانا ابنها الثالث جورج درايدن (George Dryden), إلا أن أبوه ليو درايدن (Leo Dryden) أخذه قبل أن يبلغ شهره السادس, حيث لم يره تشابلن مرة أخرى إلا بعد ثلاثين عاماً.

جنون الأم.. تشابلن وحيداً في دار للأيتام

توفي تشابلن الأب نتيجة تليف الكبد بسبب إفراطه في شرب الكحول, عندها كان تشارلي قد بلغ الثانية عشرة من العمر, فكانت حياة مع أمه حياة فقيرة, إلا أنها ملهمة, حيث كانت هانا تشابلن تقص على أطفالها قصصاً درامية, كما علمتهم الكثير عن المسرح والموسيقا, لكن الأم كانت تعاني من مرض عقلي ناتج عن إصابتها بمرض الزهري من الدرجة الثالثة, فبدأت تظهر عليها أعراض الجنون, إذ كانت تصرخ على الناس في الشارع, كما دخلت نوبات اكتئاب شديدة, إلى أن نُقلت إلى مصح للأمراض العقلية عام 1898, فقضى تشارلي بضع شهور في دارِ للأيتام, حتى عادت والدته إلى البيت, لكن بعد أقل من أربع سنوات, عاد المرض إليها, مما اضطر تشارلي أن يأخذها بنفسه إلى المصح هذه المرة, حيث بقي تشابلن وحيداً بعد أن انضم أخوه سيدني إلى البحرية ورحل إلى جنوب أفريقيا.

عاش تشابلن شهوراً عصيبة متشرداً في شوارع لندن, وعمل بشكل متقطع في عدة أعمال, إلى أن عاد أخوه من جنوب أفريقيا, فساعده للحصول على أول عمل له في المسرح.

المتشرد السكير يخطو الخطوة الأولى إلى النجومية

كان لتشابلن ظهور عادي جداً على المسرح مع والدته في الخامسة من عمره, لاحقاً في عمر التاسعة بدأ تشابلن يجول مع فرقة (Eight Lancashire Lads, a clog-dancing act), كما حصل على دور في عرض شارلوك هولمز 1899, لكن البداية الحقيقية كانت عندما انضم إلى فرقة فريد كارنو (Fred Karno 1908), حيث ذهب مع الفرقة إلى الولايات المتحدة الأمريكية مرتين بين عامي 1910 و1912، هذه بعض المحظات من حياته:

  • عندما وصل تشابلن إلى نيويورك في الرحلة الثانية ابتكر شخصية المتشرد السكير, كما استطاع أن يقدمها بطريقة مميزة أصبحت فيما بعد منهجاً, حيث لم يكن واقفاُ على خشبة المسرح, إنما دخل من بين الجمهور يحمل بيده زجاجة الشراب, إضافة إلى حركاته المضحكة ومشيته المترنحة, كان يطلق النكات حتى يبدو أنه يحاول إفساد العرض, من هنا كانت ولادة الشخصية التي رافقت تشارلي في معظم أفلامه.
  • تلقى تشابلن أول عرض عمل له بعد فترة قصيرة, من شركة كيستون (Keystone) التي كان يديرها المنتج (Mack Sennett), فوقَّع مع الشركة عقداً بقيمة 175 دولار أمريكي شهرياً, حيث كان مبلغاً ضخماً بالنسبة لتشابلن, ثم اتجه إلى هوليود ليبدأ بالعمل.
  • الدور الأول لتشابلن كان دور صحفي في فيلم لقمة العيش (Making a Living 1914), إلا أن المنتج لم يكن راضياً عن أداء تشابلن, حيث كان يراه شاباً صغيراً, ما زال يمثل كما كان مع فرقته الجوالة المتواضعة, فأعطاه فرصة جديدة ليثبت نفسه من خلال ابتكار شخصية ملائمة لدور ثانوي, حيث لجأ تشابلن إلى شخصية السكير التي ابتكرها سابقاً, كما أضاف عليها بعض التعديلات الجوهرية, فهو ليس سكيراً, بل متشرداً, يرتدي سروالاً واسعاً ومعطفاً ضيقاً, كما يضع قبعة على رأسه, ويحمل عكازاً في يده, إضافة إلى الشارب ليبدو أكبر سناً, كما ينتعل حذاءه الكبير بالمقلوب, من هنا انطلق تشابلن ليخطف الأضواء من الممثلين الرئيسين, على الرغم من أن مروره كان ثانوياً في النص.
  • أنتجت الشركة فليماً جديداً لتشابلن في العام نفسه, سباق سيارات الأطفال في البندقية (Kid Auto Races at Venice), حيث كان التصوير ضمن سباق حقيقي للسيارات البدائية التي صنعها الأطفال, حيث لم يكتب نص لهذا العرض, إنما قام تشابلن بارتجاله كاملاً, حيث اقتحم السباق بثياب المتشرد, وبدأ بحركاته المضحكة, التي أثارت انتباه الجمهور إليه أكثر من السباق نفسه دون أن ينطق بكلمة, فكانت هذه الخطوة الأولى من سلسلة المتشرد.

تشارلي تشابلن يكتب، ينتج، يخرج، يمثل يتزوج وينفصل مرتين

كانت الشخصية التي ابتكرها تشابلن فريدة وثورية في المضمون, كما أخذت تتطور باستمرار من فيلم إلى آخر, إلى أن أصبح تشابلن نجم الشباك الأول في أمريكا, مما جعل شركة الإنتاج تطلب المزيد من التسجيلات لشخصية المتشرد المضحكة, فقام تشابلن بتصوير أكثر من ستين فيلماً قصيراً صامتاً لشخصية المتشرد سينيت, إضافة إلى عمله لاحقاً مع شركة (Essanay) وشركة (Mutual), إلى أن أصبح قادراً على أن ينتج لنفسه, كما استعان بأخيه سيدني ليدير التعاقدات.

  • عام 1918 تلقى تشابلن عرضه المحظوظ من شركة فيرست ناشيونال (First National Film Corporation), فكان العرض نصف مليون دولار أمريكي لقاء تصوير ثمانية أفلام, لكن تشابلن طلب ضعف المبلغ, حيث استمرت المفاوضات بين الشركة وبين سيدني مدير أعمال تشابلن, حتى حصل تشابلن على ما يريده, مليون دولار أمريكي, وأُنتج الفيلم الأول حياة كلب (A Dog"s Life).
  • شيَّد تشابلن استديو خاصاً به, حيث أشرف على التصميم بنفسه, ليلبي رغباته الفنية, كما بدأ يعمل على إنتاج أفلامه بنفسه بعد أن حصل على المليون دولار التي أرادها, ثم أنشأ مع فنانين آخرين (Douglas Fairbanks, Mary Pickford, and D. W. Griffith) شركة توزيع جديدة تحت اسم الفنانون المتحدون (United Artists), وعرض على شركة فيرست ناشيونال أن يدفع لهم مقابل إلغاء العقد معهم, لكنهم رفضوا ذلك, فتابع تصوير الأفلام الباقية, كانت هذه المرحلة انطلاقة جديدة وقوية لتشارلي تشابلن, فقد أراد من تأسيس الشركة أن يتحكم بنوعية الفيلم الذي يريد أن يمثله.
  • قبيل إنشاء شركته, تزوج تشابلن من الممثلة البالغة 17 سنة ميلدريد هاريس (Mildred Harris), حيث ادعت أنها حامل منه, ولتجنب الفضيحة أو المحاكمة باعتبارها قاصر, تزوجها تشابلن في سبتمبر/ أيلول 1918, تبين فيما بعد أنه وقع ضحية لخدعة مراهقة, حيث لم تكن هاريس حاملاً, فشعر تشابلن أن زواجه يقيده, كما يحد من إبداعه, لاحقاً حملت هاريس حملاً حقيقياً, فأنجبت نورمان الذي توفي بعد ثلاثة أيام من ولادته, حيث كان تشابلن حزيناً جداً على وفاة ابنه.
  • أثرت وفاة الطفل بتشارلي, فكتب فيلمه الطفل (kid), الذي بدأ تصويره عام 1921, كما قام بالبحث عن طفل صغير يشاركه التمثيل, إلى أن وجد جاكي كوجن (Jackie Coogan) البالغ من العمر أربع سنوات, حيث يتبنى الصعلوك طفلاً في هذا الفيلم, كما يُعتقد أن تشابلن أخذ أفكار الفيلم من طفولته, فقد ناقش الفقر والتشرد, كذلك ركز على انفصال الوالدين, حيث كان هذا أول فيلم روائي طويل له, وعُرض الفيلم عام 1921, كما عرض في أكثر من خمسين بلداً عام 1923.
  • قبل أن ينتهي تشابلن من فيلم الطفل, تعرض لأزمة عائلية, حيث طلبت زوجته الطلاق في المحكمة, كما طالبت بالحجز على عائداته وأعماله, ومن بينها فيلمه الذي كان ما زال قيد التنفيذ, لكن تشابلن لم يتنازل عن فيلم الطفل, فحمل البكرات في حقيبة, وبدأ يتنقل من مكان لمكان مع موظفيه ليعملوا على إنهاء الفيلم دون أن يتعرض للمصادرة, أخيراً تم الطلاق, حيث حصلت هاريس على مائتي ألف دولار إضافة إلى نصف أملاك تشابلن, لكنه استطاع إنقاذ فيلم الطفل, الذي حقق نجاحاً باهراً فيما بعد.
  • قدم تشابلن فيلمه التالي امرأة من باريس (A Woman of Paris) عام 1923, لكن الفيلم لم يلق رواجاً لأنه كان مختلفاً عن أعماله السابقة, حيث يصور علاقة رومنسية مشؤومة, إلا أن هذا الفشل الصغير لم يكن عثرة لتشابلن, حيث بدأ عام 1925 العمل على تصوير فيلمه حمى الذهب (The Gold Rush), فقد كان إنتاجا ضخماً بتكلفة أكثر من مليون دولار أمريكي, كما تم تصويره في الطبيعة, إضافة إلى الاستعانة بستمئة ممثل ثانوي, فأصبح من أكثر أفلام تشابلن شهرة ونجاحاً, من بين المشاهد الخالدة في الفيلم, مشهد المتشرد مع متسول يأكلان حذاءهما كوجبة طعام.
  • في هذه الفترة وقع تشابلن في الغرام مجدداً, ليتا غراي (Lita Grey) ممثلة مراهقة تبلغ ستة عشرة عاماً, تزوجها تشابلن بعد أن حملت منه, فأنجبت طفلها الأول تشارلز الابن عام 1925, ثم ابنها الثاني سيدني عام 1926, إلا أن زواجهما لم يدم طويلاً, حيث طلبت غراي الطلاق وحصلت على أعلى تسوية مالية في كاليفورنيا آن ذاك ستمئة ألف دولار أمريكي.

تشابلن الصامت... يتحدث والنقلة النوعية في السينما

خرج تشارلي من أزمته العائلية بصعوبة, وصور فيلم السيرك, إلا أن هذا الفيلم لم يكن ناجحاً, حتى أنه تجنب ذكره في مذكراته, حيث حاول تشابلن أن يصور الضغط الهائل الذي تعرض له في الفترة الماضية, من خلال المشي على الحبل وهو محاط بالقردة.

  • من جانب آخر كانت بداية انتشار السينما الناطقة في هوليود في ثلاثينات القرن الماضي أخطر العقبات التي عرفها تشارلي تشابلن في حياته, إلا أن تشابلن رفض أن يصور فيلماً ناطقاً, ربما كان خائفاً من أن يؤثر الصوت سلباً على شخصية المتشرد, إضافة إلى عمله في التمثيل الإيمائي لسنوات طويلة, لم يكن من السهل عليه الانتقال إلى هذه التقنية الجديدة, فقاومها, حيث أنتج فلمه التالي أضواء المدينة (City Lights), الذي يروي قصة حب صامتة بين بائعة ورد ضريرة والمتشرد, فلاقى هذا الفيلم نجاحاً كبيراً, حيث قام تشابلن بجولة على أوروبا لاحقاً للترويج لهذا الفيلم.
  • تزوج تشابلن في العام التالي من ممثلة شابة, بوليت غودارد (Paulette Goddard) فأخذ استراحة طويلة من العمل بعد زواجه, ثم عاد إلى تصوير فيلمه التالي بعنوان العصر الحديث (Modern Times) وكانت بوليت بطلته عام 1936.
  • يعتبر فيلمه العصر الحديث نقلة نوعية في فنه, وربما في السينما كلها في تلك الفترة, حيث قرر تشابلن أنه لا يريد أن يضحك الناس فحسب, بل يريد أن يناقش معهم أفكاراً أكثر عمقاً, كما يري�� أن يلامس مستقبلهم كما يراه هو, لذلك قام بكتابة فيلم العصر الحديث, الذي تناول فيه الحياة الصناعية, من خلال تجسيده لدور عامل في أحد المصانع الكبرى, فانتقد من خلال الفيلم سيطرة الآلات الميكانيكية على الحياة, إضافة إلى خطر البطالة الذي سينتج عن هذه الآلات, وكانت هذه المرة الأولى الذي يتناول فيها تشابلن الأمور السياسية بشكل مباشر, حيث صور احتجاجات الفقراء, وإضرابات العمال.
  • الفيلم التالي كان فيلم الديكتاتور العظيم (The Great Dictator), هو الفيلم الناطق الأول لتشارلي, الذي تناول الزعيم النازي أدولف هتلر (Adolf Hitler 1889-1945) بشكل مباشر, حيث استغل تشابلن نقاط الشبه التي جمعته بأدولف هتلر, فهما من مواليد نفس السنة, إضافة إلى الشبه في الملامح, أما الشارب فقد وضعه تشارلي قبل أن يصبح هتلر زعيماً, ربما كانت مصادفة, أو أن هتلر قلد تشارلي بقصة شاربه كما يرى بعض المؤرخين, حيث قام تشارلي بدراسة شخصية هتلر جيداً, من خلال مراقبة حركاته أثناء الخطابات, فبدأ تصوير فيلم الديكتاتور العظيم 1939, ثم عرضه لاحقاً عام 1940, كما كانت بطلته زوجة تشابلن بوليت, إلا أن الفيلم لم يلقى النجاح الذي أراده تشابلن, لعدة أسباب, أهمها أن الولايات المتحدة كانت لاتزال تنأى بنفسها عن الحرب العالمية فكان الفيلم يشكل إحراجاً للأمريكيين, من جانب آخر لم يستطع الجمهور تقبل آراء تشارلي السياسية ببساطة, لأنهم اعتادوا عليه صعلوكاً مضحكاً, أما هذه المرة فقد تخلى تشابلن عن الشخصية في نهاية الفيلم وألقى خطاباً مباشراً وملتزماً, عبر فيه عن معاداة النازية والفاشية, كما الوقوف في وجه الحرب, لكن على الرغم من فشل الفيلم جماهيرياً تم ترشيحه لخمسة جوائز أوسكار عن أفضل نص, أفضل إخراج, وأفضل ممثل.

مكتب التحقيقات الفيدرالي يطرد الممثل الكوميدي الأكثر شهرة في العالم

بدأت عين مكتب التحقيقات الفدرالي (FBI) تلاحق تشابلن منذ دخوله الولايات المتحدة الأمريكية, حيث كان إدغار هوفر (Edgar Hoover) ما يزال مسؤولاً عن شؤون المهاجرين, ثم أصبح رئيس المكتب لاحقاً, فلم يستطع هوفر غض النظر عن تشابلن, باعتباره مهاجراً أجنبياً, حصل على ثروة كبيرة في أمريكا, لكنه على الرغم من ذلك رفض الحصول على الجنسية الأمريكية.

  • حاول هوفر النيل من تشابلن, حيث وضع مكتب التحقيقات ملفاً ضخماً عن تشارلي, إلا أنهم لم يستطيعوا إثبات أي جرم مهما كان صغيراً, كان ذلك حتى العام 1943, حيث كان تشابلن قد انفصل عن زوجته الثالثة بولت, ثم اتخذ لنفسه عشيقة هي الممثلة جوان باري (Joan Barry), لكنهما سرعان ما انفصلا, إلا أن جوان لم تكن متزنة نفسياً, حيث لم تستطع تقبّل الهجران, فاقتحمت بيت تشابلن مرتين, حيث بلغ عنها الشرطة, أخيراً تقدمت جوان باري بدعوى قضائية لإثبات نسب ابنتها إلى تشارلي تشابلن.
  • كان ذلك عام 1943, كما كان تشابلن قد تزوج حديثاً من أونا أونيل (Oona O"Neill), فأصبحت قصة جوان باري تحتل الصفحات الأولى من الصحف الأمريكية, فيما بعد رفضت المحكمة فحص الدم الذي قدمه محامو تشابلين لينفوا عنه الاتهام, لكن ذلك كان بضغط من مكتب التحقيقات الفدرالية, إضافة إلى اتهامه بنقل امرأة عبر الحدود لأهداف جنسية, وهو ما كان محظوراً, لاحقاً تم الحكم على تشابلن بنفقة الطفلة ونسبها إليه, إضافة إلى السجن 23عاماً, لكن هيئة المحلفين في المحكمة رفضت الحكم, إضافة إلى تبرئة تشابلين من كل التهم المنسوبة إليه.
  • من جهة أخرى شنَّت الصحافة الأمريكية حملة كبيرة على تشارلي تشابلن, كانت مدعومة من مكتب التحقيقات الفيدرالي, حيث تناولت حياته الشخصية, زواجه من المراهقات من جهة, إضافة إلى قضية إثبات النسب من جهة أخرى, كما أن زوجته الأخيرة أونيل كانت في الحادي والعشرين, أما هو فقد بلغ الرابعة والخمسين من العمر, إلا أن تشابلن يقول إنها "الحب المثالي والأبدي" فكانت أونيل زوجته حتى وفاته, وله منها ثمانية أولاد.
  • كما أن الصحافة تناولت توجهات تشابلن السياسية, فاتهمته بالشيوعية بعد فيلم العصر الحديث وفيلم الديكتاتور العظيم, إلا أنه لم يكن شيوعياً قط, كما اعتبرته الصحافة الألمانية عدواً لألمانية, حيث استنكرت صوره مع العالم اليهودي ألبيرت أينشتاين, كما ظن الألمان أن تشابلن نفسه يهودي, إلا انه لم يكن كذلك.
  • الاستهداف من الصحافة الأمريكية, إضافة إلى الألمانية, كما أن العدو الأكبر كان مكتب التحقيقات الفيدرالية ورئيسه هوفر, كل ذلك جعل تشابلن يتوقف عن العمل حتى عام 1946, حيث أنتح فيلم السيد فيردوكس (Monsieur Verdoux) المستوحى من قصة السفاح الفرنسي هنري لاندرو (Henri Désiré Landru 1869-1922), الذي كان يتزوج الأرامل الثريات ويقتلهن, إلا أن تشابلن رفع مستو المواجهة هذه المرة, حيث انتقد الرأسمالية بشكل واضح ومباشر, كما اتهم العالم بالتشجيع على الحروب والقتل الجماعي, فأدت آراؤه السياسية المباشرة إلى فشل الفيلم في الولايات المتحدة الأمريكية من جهة, وازدياد حقد مكتب التحقيقات الفيدرالية من جهة أخرى.
  • فتح تشابلن جبهة مشتعلة على نفسه من خلال فيلمه السيد فيردوكس, فأصبح الإعلام يروج لكونه عدواً للرأسمالية, إضافة إلى كونه شيوعياً, له علاقات طيبة مع السوفييت ومع المثقفين الشيوعين, فتأثر الجمهور بالدعاية المضادة لتشابلن, خاصة أن الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي وأميركا قد بدأت, فنادت أصوات عدة بنفي تشابلن خارج أمريكا, كما طالبوا بحظر أعماله.
  • صوّر تشابلن فلمه الأخير في الولايات المتحدة الأمريكية بعنوان تحت الأضواء (Limelight) عام 1952, حيث تحدث من خلاله عن نجم مشهور يفقد شعبيته بين جمهوره, عندها سافر تشابلن إلى لندن ليقدم العرض الأول لفيلمه هناك, حيث لم يعد من الممكن تقديمه في أمريكا, فوجد إدغار هوفر الفرصة المناسبة لطرد تشابلن من أمريكا, فما أن وصل تشابلن إلى إنكلترا, حتى أعلنت السلطات الأمريكية إلغاء تأشيرة العودة الخاصة به, كما طلبوا إخضاعه للتحقيق بشأن آرائه السياسية في حال أراد العودة إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
  • استقبل تشابلن استقبالاً حاراً في لندن, كما أنه لم يدلِ بأية تصريحات معادية لأميركا, لأنه ترك ثروته كلها هناك, إلا أن هذا الترحيب لم يدم طويلاً, حيث بدأت المخابرات البريطانية بمراقبة تشابلن بالتعاون مع مكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكي, عندها قرر تشابلن الذهاب خارج بريطانيا, فاختار سويسرا ليقضي حياته فيها, كما عادت زوجته أونا إلى أمريكا, لتقوم بتصفية كافة أعمال زوجها هناك, ثم تنازلت عن الجنسية الأمريكية مقابل البريطانية, وعاشت مع زوجها وأطفالهم في جينيف حتى وفاته.
  • بدأ تشابلن فيلمه ملك في نيويورك (A King in New York), كان الفيلم هجوماً مباشراً على الثقافة الأمريكية, فتناول كل الظواهر الاجتماعية والسياسية التي رآها مدمرة للمجتمع, من عمليات التجميل, حتى الأنماط الموسيقية الحديثة, من جانب آخر واجه تشابلن الكثير من الصعوبات التقنية, فلم تكن ظروف التصوير في لندن مناسبة كما كانت في هوليود, في الاستديو الخاص به, أخيرا تم عرض الفيلم في باريس عام 1957, حيث تلقى موجة انتقادات واسعة, كما منع من العرض في الولايات المتحدة, حتى عام 1973.

التكريم المتأخر والموت بسلام

في عام 1962 بدأت السياسة الأمريكية تتغير اتجاه أعمال تشابلن, حيث تمت إعادة عرض العديد من أفلامه, كما أعاد النقاد الأمريكيون تناول أعماله بشكل أكثر موضوعية, إضافة إلى ذلك قدمت له جامعة أوكسفورد الدكتوراه الفخرية في الآداب, كما عمل تشابلن على فيلمه كونتيسة من هونج كونج (A Countess from Hong Kong), الذي أبصر النور في عام 1969, لكنه فشل تجارياً, كما تعرض لنقد فني لاذع, مما جعله الفيلم الأخير الذي قدمه تشابلن, من جهة أخرى قدم تشابلن مذكراته, حيث تم نشر كتابه في عام 1964, حيث ركز من خلاله على فنه ومسيرته السينمائية.

في بداية السبعينات حصل تشابلن على عدة جوائز تقديراً لفنه، حيث كان في عقده السابع، أهمها:

  • وسام الفارس من المملكة المتحدة.
  • جائزة الأوسكار التقديرية 1972, حيث كانت المرة الأولى التي يدخل فيها الولايات المتحدة منذ تركها.
  • وسام جوقة الشرف في مهرجان كان السينمائي 1971.

تعرض تشابلن في سنواته الأخيرة إلى عدة سكتات دماغية, كما عانى من مشاكل الذاكرة, إضافة إلى أنه اضطر للاستعانة بكرسي متحرك, أخيراً فارق تشارلي تشابلن الحياة عشية عيد الميلاد في الخامس والعشرين من ديسمبر/ كانون الأول عام 1977, حيث مات هو نائم.

وفي النهاية.. أثر تشارلي تشابلن بشكل مباشر على فن السينما, حيث كان من المؤسسين للكوميديا السوداء, كما أن شخصيته التي ابتكرها لا تزال ترمز إلى الكوميديا حتى يومنا هذا, كان يكتب نصوصه ويخرجها, وألّف الكثير من الموسيقى التصويرية لأفلامه, كان تشابلن في رأي الكثيرين شخصية نادرة لن تتكرر. فهو القائل "يوم بدون سخرية هو يوم ضائع".