هل فكرت يوماً كيف تم اختراع القداحة (الولاعة)؟

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الثلاثاء، 28 يونيو 2022

شكَّل اكتشاف النار، نقطة تحول رئيسية في حياة الإنسان القديم، ثم تطور طموح الإنسان لتطويعها، مع تطور وعيه، وتشعب استخدامات النار، لنجد أنفسنا اليوم أمام القداحة، والكبريت، والبوتاجاز، والشموع...إلخ، قادرين على استخدام النار بسهولة بالغة، دون أن نفكر بمسيرة هذه الاختراعات الطويلة.

عندما وضع الإنسان النار في جيبه!.

لا يمكن تحديد تاريخ دقيق لمحاولة الإنسان ابتكار مصادر دائمة للهب، لكن الكيميائي الألماني جوهان دوبرينير (Johann Wolfgang Döbereiner)، كان أول من وضع نموذجاً لمصدر لهب قابل للحمل، وآمن نسبياً، من خلال استخدام إسفنجة البلاتينوم (Platinum Sponge) كمحفز على الاشتعال، نتيجة تفاعل بين الزنك (Zinc)، وحمض الكبريتيك (Sulfuric acid) والهيدروجين (Hydrogen gas)، ضمن حجرة مولدة للنار، عُرفت باسمه عام1824، مصباح دوبرينير (Döbereiner"s lamp)، كما اقتصر استخدامها على الأثرياء فقط، بسبب الكلفة العالية لإنتاجها، وبقيت تصنع وتباع حتى نهايات القرن التاسع عشر الميلادي.

بدأت المحاولات الحثيثة لتطوير شكل مصباح دوبرينير، حيث كان يتميز بتكلفة عالية، وأمانٍ منخفض، فكانت أولى هذه المحاولات مطلع القرن العشرين، باستبدال البلاتينيوم، بحجر الصوان، الذي يولد الشرارة من الاحتكاك، ثم بدأت عملية تقليص حجم القداحة، كما أصبحت هذه التجارب ملحَّةً أكثر، مع انتشار ظاهرة تدخين التبغ، خاصة مع اندلاع الحرب العالمية الأولى عام1914، وما أن انتهت الحرب عام1918، حتى كانت الولاعة قريبة جداً من الوصول إلى شكلها النهائي، بعد استبدال أغلب موادها، وتقليص حجمها، إلى حد خرافي آن ذاك.

انتشرت منتجات شركة Zippo بسرعة كبيرة وأشكال متعددة

كان التطور الأبرز في رحلة أداة توليد اللهب، مع الأمريكي جورج جرانت بلايسديل (George Grant Blaisdell)، حيث قام بتطوير القداحة زيبو (Zippo)، بعد استبدال الهدروجين وتفاعلاته، بالوقود السائل النفتا (Naphtha) أحد مشتقات النفط الخفيفة، أو الكيروسين (Kerosene)، كما صمم جسماً معدنياً صغيراً، في داخله إسفنجة متشربة بالوقود، يلتف حولها الفتيل، ليخرج منها، عبر حجرة الاحتراق المثقبة، حيث يتم إحداث الشرارة نتيجة احتكاك الأسطوانة الخشنة، مع الحجر.

كما كان التصميم يسمح باشتعال النار في ظروف جوية سيئة، كالرياح، والبرد، ويتم إطفاء الشعلة، بمنع الأوكسجين (O2)، بواسطة الغطاء، علماً أنه تم تسجيل براءة الاختراع عام1936، لتنتشر القداحة الجديدة، بسرعة كبيرة، خاصة بين الجنود الأمريكيين، الذين حفروا أسماءهم على قداحاتهم، لتتحول من مجرد أداة مميزة لإشعال السجائر، إلى إحدى المقتنيات الشخصية الثمينة، كما استخدمت الشركة إعلانات ترويجية ذكية، أبرزها صورة لسيدة جميلة، تشعل سيجارتها بالقداحة الجديدة.

تعتبر القداحة (Zippo) النموذج المثالي للقداحة المحمولة، آمنة الاستخدام، وتتميز بإعادة تعبئتها، كما أنها أُنتجت بأشكال ورسومات جميلة، ونقوش بديعة، إضافة لاستخدام معادن مختلفة في صناعتها، مثل النحاس، والحديد، والفولاذ، ما جعل أسعارها معقولة، تناسباً مع أسعار القداحات البدائية، كما ظهرت شركات أخرى، قدمت نماذج مختلفة من القداحات، بعد استبدال الوقود، بالغاز المضغوط بوتان (Butane)، وكان الهدف من ذلك، التخلص من رائحة وقود (النفتا) النفاذة، والحصول على نار أكثر انتظاماً.

كما ساهم البوتان بالتقليل من سرعة اهتلاك الفتيل، قبل التخلي عنه تماماً، بابتكار صمام الغاز، الذي يمنع تدفق البوتان خارج الحافظة، بمجرد رفع اليد عن زر الغاز، أول هذه الشركات، وأشهرها شركة بيك (Bic) مؤسسها (Marcel Bich)، التي تعتبر رائدة في هذا المجال، حيث قدمت قداحة محمولة رخيصة الثمن عام1972، تكفي لثلاثة آلاف شعلة، ويعتبر هذا النمط، هو النمط النهائي للقداحات التي تعمل بالشرارة، والاشتعال الناتج عن الاحتكاك، كما عُرفت الشركة نفسها، بصناعات أخرى، أبرزها الأقلام الجافة، وشفرات الحلاقة، علماً أن صناعة القداحات، شهدت تطوراً ما زال مستمراً، عن طريق التعديلات المتعلقة بشكل اللهب، ومصدر الشرارة، خاصة بعد ابتكار القداحة التي تعمل على الشرارة الكهربائية، وقداحات الوشيعة، التي تصدر ناراً ملونة.

أغلى الولاعات في العالم

الآن؛ تعتبر القداحة أمراً عادياً، فهي أداة ذات استخدام واسع، في كل منزل، يتعامل معها المدخنون ببساطة، بغض النظر عن مخترعها، وأهم شركاتها، خاصة أن ثمنها بالنسبة لأغلبنا يبدأ بعشرة سنتات أمريكية، وقد ينتهي بخمسمائة دولار أمريكي كحد أقصى، لكن هناك قداحات تباع بأسعار أعلى مما نظن بكثير!، كما أن هناك من الأثرياء من لديهم هوس بشراء القداحات المميزة، والثمينة، التي تستمد سعرها المرتفع، إما من كونها قطعة أثرية نادرة، وإما نتيجة استخدام معادن ثمينة في صناعتها، مثل الذهب والألماس، أو الفضة، نذكر منها:

ولاعة Dunhill Gold Apex

شركة دنهل من كبرى الشركات العالمية، معروفة بعدة منتجات، أبرزها السجائر، والأقلام، إضافة إلى العطور، أما قداحة دنهل الذهبية (Dunhill Gold Apex)، فقد أنتجت الشركة خمسين قطعة منها فقط، مستوحاة من المغني العالمي إلفيس بريسلي (Elvis Presley)، تميزت بغطاء من الذهب 18قيراط، وبيعت بـ13,000 دولار أمريكي، للقطعة الواحدة، علماً أنها تعمل على البوتان (الغاز المنزلي)، وتستخدم تقنية حجب الغاز عن الشعلة لإطفاء اللهب.

ولاعة Zippo تصميم 1933

هذه القداحة، خالية تماماً من المعادن الثمينة، جسمها من النحاس الأصفر، أو الفولاذ المقاوم للصدأ (Stainless Steel) لكنها تستمد قيمتها، كونها من أولى النماذج التي أنتجتها شركة Zippo عام1933، ويعتبر تصميمها رائجاً حتى يومنا هذا، لكن القطع الحديثة التي تحمل نفس التصميم، تباع بسعر يتراوح بين 20-30$، إلا أن ثمن القطعة الأصلية، يبلغ 18,000 دولار أمريكي، علماً أنها تعمل على الوقود السائل، من النفتا، أو الكيروسين، وتستخدم تقنية حجب الأوكسجين، لإطفاء اللهب.

ولاعة S.T. Dupont Ligne 2 Lighter 1001 Nights

تعتبر شركة (S.T. Dupont Ligne)، من الشركات الرائدة في صناعة القداحات، ومن بين منتجاتها، إنتاج محدودة لقداحتين، حملتها اسم ألف ليلة وليلة، بتصميم مستوحى من كتاب ألف ليلى وليلة الشهير، ومن الثقافة الهندية والفارسية، كما يحتوي جسم القداحتين على 137 قطعة ألماس أبيض، عيار1,841، تباع القداحتين معاً بمبلغ وصل إلى 30,000 دولار أمريكي.

ولاعة Cartier black enamel lighter

ولاعة كارتييه، بتصميم بسيط، وجميل، تحتوي على ألماس عيار 2,75قيراط، عند كبسة الاشتعال، وهي قطعة فريدة، ونادرة، بيعت عام2013 بمبلغ 34,375 دولار أمريكي.

ولاعة Faberge yellow enamel

ولاعة من صناعة عام 1900

يعود تاريخ صناعتها للعام1900، وتعتبر قطعة فنية، وأثرية نادرة، على الرغم من عدم استخدام معادن ثمينة في صناعتها، إلا أن سعرها وصل إلى 65,650 دولار أمريكي عام2011.

الولاعة الأغلى في العالم Silver and Jadeite Ashtray and Lighter

صورة لأغلى ولاعة في العالم

يعود تاريخ صناعة هذه القطعة، إلى وقت مجهول من عشرينيات القرن الماضي، حيث تتضمن منفضة سجائر، وقداحة صغير، يمكن فصلهما عن بعضهما، كما أن جسمها مصنوع من الفضة، ومرصع بحجار (اليشم) الخضراء الثمينة، وعُرضت هذه القداحة في عدة مزادات حول العالم، لتباع أخيراً عام2011، بمبلغ 254,500 دولار أمريكي، حيث تعتبر أغلى ولاعة في العالم بجدارة.

أخيراً... لا يد أنك ستتذكر هذه المعلومات جيداً، في كل مرة تستخدم فيها القداحة، حيث تحول هذا المنتج، من مجرد أداء لإحداث النار، واستخدامها بشكل آمن، إلى إحدى أهم الصناعات التجارية في العالم، قد تشتري القطعة منها بعشرة سنتات أمريكية، كما أنك قد تشتريها بأكثر من مائتي ألف دولار أمريكي.

استطاع الإنسان القديم اكتشاف استخدامات النار بالتجربة

هناك جدل تاريخي واسع حول تاريخ اكتشاف النار، وحول الطريقة التي اكتشفت من خلالها، لكن الثابت أن اكتشاف النار يعود إلى أكثر من مليون سنة مضت، كما امتد هذا الجدل، إلى بداية تطويع الإنسان القديم للنار، في الاستخدامات اليومية، حيث يعتقد أن القارة الأفريقية كانت السبّاقة للتعامل مع النار، استناداً لاكتشاف آثار استخدامها، ومواقدها، في مغارة (Wonderwerk) قبل أكثر من سبعمائة ألف سنة، في جنوب أفريقيا، كما كان المصريون القدماء قد استخدموا النار في شواء الخزف مثلاً.

ربما يكون الإنسان قد اكتشاف النار عن طريق البراكين، أو الصواعق، أو ربما عن طريق حرائق نتجت عن حرارة الشمس، كما أنه استخدم طرق بدائية لإنتاج النار، تمثلت بشكل أساسي، بتوليد اللهب عن طريق الاحتكاك، إما بين حجري الصوان، وإما بين قطعتين من الخشب، عن طريق تدوير عصى خشبية، في مركز قطعة خشبية أخرى، علماً أن هذا الجدل لم يحسم، ولا تكاد الأبحاث تثبت حقيقة ما، حتى تنفيها أبحاث أخرى.

من جهة ثانية؛ فإن تجربة النار، أرشدت الإنسان إلى استخدامات عديدة، تمثلت أولاً بالإضاءة، والتدفئة، إضافة إلى الحماية من المفترسات، والحشرات، ثم الطهي، وصناعة الفخار، والخزف...إلخ، لكن هذه الاستخدامات بالغة الأهمية، إضافة إلى طبيعة النار الغامضة، هي التي تبدو كأنها ولدتْ من العدم، هذه العوامل، جعلت الإنسان ينظر إلى النار من عين التقديس، فقد دخلت في كثير من العبادات القديمة، بصفتها الإلهية، أو وسيطة للإله، يبقى سؤالنا هنا، كيف وضع الإنسان النار في جيبه؟.

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة