آينشتاين والنسبية العامة

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الإثنين، 06 سبتمبر 2021
آينشتاين والنسبية العامة

لطالما أثارت الجاذبية فضول العلماء والمفكرين عبر الزمن، فحاولوا وضع فرضيات وتفسيرات لما يراقبونه من تصرفات تقوم بها الطبيعة، ولعل أبرز التفسيرات التي توضّح عمل الجاذبية هي ما جاء به "إسحاق نيوتن".

اسحق نيوتن فسر آلية عمل الجاذبية ولم يستطع إيجاد السبب الحقيقي

قام السير إسحاق نيوتن عام 1687 بنشر ورقته البحثية التي يفسر فيها آلية عمل الجاذبية، ورقة نيوتن بخصوص الجاذبية تعد الأولى التي تقدم تفسيراً علمياً منطقياً مدعماً بالقوانين الرياضية اللازمة، كما أن توصيف نيوتن للجاذبية تعلق فقط بكتلة الأجسام المتجاذبة، والمسافة التي تفصل بينها، حيث أن قوة الجاذبية تزداد مع ازدياد الكتلة، وتنقص مع ازدياد المسافة الفاصلة بين الأجسام المتجاذبة.

الفكرة الواجب ذكرها هنا هي أن انتقال قوى الجاذبية بين الكتل المتجاذبة -كمثال الأرض والشمس- لحظية، أي أنها لا تستغرق وقت، ففي حال اختفاء الشمس مثلاً لسبب ما، فإن تأثير الجذب الذي تتبادله مع الأرض سيختفي مباشرةً.

رغم أن السير إسحاق نيوتن استطاع تفسير عمل الجاذبية والقوانين التي وضعها أعطت نتائجاً باهرة، إلا أنه لم يستطع إيجاد السبب الحقيقي وراء هذه التأثيرات، ولربما يعود ذلك للخطأ الذي وقع فيه نيوتن. فكما ذكرنا تأثير الجاذبية كما وصفه نيوتن لحظي، وهو يخالف ما تم اكتشافه لاحقاً في النسبية الخاصة.

أينشتاين: الجاذبية هي انحناء في نسيج الزمكان

بعد اكتشاف قوانين النسبية الخاصة، ووضع حدّ كوني لأكبر سرعة يمكن الوصول إليها وهي سرعة الضوء (300 ألف كيلومتر في الثانية)، بدت قوانين الجاذبية التي أقرها نيوتن ناقصة وتحتاج لتعديل، فالضوء (السرعة الأكبر في الكون) يستغرق حوالي ثماني دقائق للوصول من الشمس إلى الكرة الأرضية، فكيف يمكن أن ينتقل تأثير الجاذبية أسرع من الضوء؟!

وهنا جاء اقتراح ألبرت آينشتاين لحل هذه المعضلة، فقال أن الجاذبية ما هي إلا انحناء في نسيج الزمكان (المكان بأبعاده الثلاثة والزمن)؛ ولتبسيط هذه الصورة تخيل وجود ترامبولين (قطعة مطاط مدورة تستخدم للقفز عليها للأعلى) موضوع في منتصفه كرة ثقيلة، فستسبب انحناءً فيه، هذا الانحناء يمثل مجال الجاذبية للكتلة، فكلما اقتربنا من المركز، ازدادت القوة -بشكل مطابق لما قاله نيوتن- وبطبيعة الحال يزداد هذا المجال بازدياد الكتلة.

وفي المثال الذي ذكرناه سابقاً حول اختفاء الشمس، سيسبب ذلك صدور موجة من مركز الشمس بشكل كروي في كافة الاتجاهات، ونحن هنا على الأرض لن نشعر باختفاء الشمس وجاذبيتها إلا بعد مرور ثمان دقائق على الاختفاء. ولتسهيل الصورة، تخيل سقوط حجر في بركة ماء راكدة، فسيولد على الأقل موجة واحدة تنتشر في كافة الاتجاهات، وبالطبع ستستغرق وقتاً للوصول إلى نقطة بعيدة نوعاً ما عنها.

الزمكان (نسيج المكان والزمان)

نعيش في عالم من ثلاثة أبعاد وهي الطول، العرض والارتفاع، بالطبع بعد النسبية الخاصة تم إدخال الزمن كبعد رابع؛ ولتمثيل هذه الأبعاد بشكل أسهل، سنقوم باختصار الأبعاد المكانية الثلاثة ببعد واحد، والبعد الآخر هو الزمن، بالتالي يتشكل لدينا مستوى من بعدين؛ فيمكن تعيين إحداثيات مكان و زمان وجود الكتلة من خلال هذين البعدين.

الثقوب الدودية

الثقوب الدودية هي أنفاق في نسيج الزمكان تصل بين منطقتين مختلفتين من هذا النسيج. لتمثيل هذه الثقوب بشكل بسيط، يكفي تخيل ورقة ما، يتم طيها ليتلامس من الورقة نقطتين؛ نقطة التلامس هذه هي الثقب الدودي، حيث تدخل من جهة، وتخرج من الجهة الأخرى مختصراً بذلك قطع مسافة كبيرة خلال زمن صغير للغاية.

الثقوب الدودية قد تكون قادرة على نقلك عبر الزمكان والمكان معاً، لتحط في أبعاد أخرى، أو لربما تنتقل عبرها لزمان آخر في المكان ذاته، أو العكس؛ تنتقل لمكان آخر في الزمن نفسه، بالطبع هذه الأفكار لا تزال نظرية فحسب، فلم يستطع العلماء حتى هذه اللحظة التأكد من وجودها في الواقع.

الثقوب السوداء

هي مناطق في الفضاء (الزمكان) ذات انخفاض شديد للغاية، بالتالي تمتلك جاذبية هائلة، فحتى الضوء بسرعته الكبيرة لا يمكنه الهروب منها. تنتج الثقوب السوداء بعد موت نجم ذي كتلة كبيرة، فينهار على نفسه، لتنحصر كتلته الكبيرة في حجم فائق الصغر قد لا يتجاوز رأس دبوس. تدعى هذه الكتلة ذات الكثافة الفائقة "تفرّدية".

عند بداية الانحدار الذي يشكله الثقب الأسود، يوجد ما يسمى "أفق الحدث" وهو الحد الذي بعد تجاوزه لا يمكن الهروب من الجاذبية، فالوقوع في الثقب يصبح أمراً محتّماً، وبعد تجاوز أفق الحدث يصبح من شبه المستحيل استرجاع أية معلومة، فهي ستكون مشوّهة.

تم التأكد من وجود الثقوب السوداء، والتحقق من صحة فرضيات النسبية العامة عام 2015، وذلك عن طريق أحد المراصد التي استطاعت الكشف عن وجود اهتزاز بسيط في نسيج الزمكان وصل إلينا نتيجة اندماج ثقبين أسودين في الفضاء.

ختاماً.. لابد من إعطاء الفضل الكبير لألبرت آينشتاين لأفكاره الثورية التي غيّر بها نظرتنا للكون من حولنا، قد لا تكون هذه الأفكار مؤثرة في حياتنا بصورة مباشرة، إلا أنها بكل تأكيد قد غيرت مجرى التاريخ البشري التي ستظهر جليّةً في المستقبل.

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة