ألمانيا... داء البيروقراطية حاجز بوجه العمالة من أفريقيا

  • DWWbronzeبواسطة: DWW تاريخ النشر: منذ 13 ساعة
ألمانيا... داء البيروقراطية حاجز بوجه العمالة من أفريقيا

إتقان اللغة الألمانية وحده ليس كافياً للحصول على تأشيرة للدراسة أو العمل لدخول البلاد، فالقدوم إلى ألمانيا عملية يصفها كثيرون بأنها معقدة وتتطلب وقتاً طويلة، من ضمنهم غريس أوتشينغ (اسم مستعار) من كينيا والبالغة من العمر 26 عاماً. بدأت الشابة بإجراءات السفر إلى ألمانيا للدراسة قبل أكثر من عام، وكانت تتحدث اللغة الألمانية بالفعل، ومع ذلك لم يسهّل هذا من إجراءات السفر، وواجهت غريس أوتشينغ صعوبات في التغلب على البيروقراطية الألمانية.

وبالرغم من حصولها على منحة دراسية لدراسة العلاقات الدولية، ووعد بوظيفة طلابية، واستكمال ملفها، استغرق الأمر شهرين لتحصل على تأشيرة.

سيناريو مشابه حصل مع صديقتها التي ضاعت فرصتها للالتحاق ببرنامج تبادل طلابي بسبب البيروقراطية وتعقيدات الحصول على تأشيرة الدخول.

ليست إجراءات التأشيرة وحدها ما يجعل الأمر مرهقاً بحسب غريس أوتشينغ، وإنما ترى أن التواصل مع السفارة بحدّ ذاته أمر صعب. تقول الشابة الكينية لـ DW: "عندما تتصل بالسفارة الألمانية، لا تتلقى رداً، وعندما ترسل بريداً إلكترونياً، لا يتم الرد عليك. تشعر بأنك على أعصابك دائماً لأنك لا تعرف أبداً ما إذا كانت الإجابة ستكون نعم أم لا".

حاجة ألمانيا للعمالة الماهرة

وفق دراسة أجرتها مؤسسة برتلسمان الألمانية لعام 2024 وتقديرات معهد أبحاث سوق العمل والمهن (IAB) تحتاج ألمانيا سنوياً بين 288 ألف و 400 ألف عامل أجنبي مؤهل.

ومن دون هذه العمالة سينخفض عدد العاملين في ألمانيا بشكل كبير بحلول عام 2040، الأمر الذي سيكون له آثار سلبية على الاقتصاد الألماني من حث قدرته على النمو والتنافسية، خصوصاً في ظل وجود عدد هائل من الوظائف الشاغرة في مختلف القطاعات والتي تقدّر بحسب وكالة التوظيف الاتحادية في نيسان/أبريل 2025 بحوالي 646 ألف وظيفة في مجالات تكنولوجيا المعلومات، الصحة، الهندسة، والتعليم.

الروتين والبيروقراطية

تريد ألمانيا بالفعل استقطاب العمالة الماهرة من الخارج، وفي إطار ذلك استحدثت منذ حزيران/يونيو 2024 ما يسمى بـ "بطاقة الفرصة"، وهي تأشيرة للعمالة المؤهلة من خارج الاتحاد الأوروبي، تتيح لهم القدوم إلى ألمانيا للبحث عن عمل. يستفيد من "بطاقة الفرصة" الحاصل على تدريب مهني لمدة عامين على الأقل أو شهادة جامعية، بالإضافة إلى معرفة بسيطة بالألمانية أو الإنكليزية. وتُؤخذ عوامل أخرى بعين الاعتبار مثل الخبرة المهنية والعمر ووجود أقارب أو معارف في ألمانيا.

ويمكن لمَن تتوفر بهم الشروط تقديم طلباتهم على موقع أنشأته وزارة الخارجية لتسهيل وتسريع الحصول على التأشيرات من 167 مكتباً في الخارج.

ولزيادة الفرص أبرمت ألمانيا في أيلول/سبتمبر 2024 اتفاقية هجرة مع كينيا، تهدف إلى تسهيل استقدام العمالة المؤهلة، خاصة في مجالي الرعاية الصحية والضيافة، وتعتبر كينيا الدولة الأفريقية الوحيدة التي وقعت معها ألمانيا مثل هذه الاتفاقية، ومع ذلك، لم يدخل ألمانيا سوى حوالي 90 ممرضاً وعامل رعاية صحية من هذا البلد الأفريقي خلال الربع الثالث من عام 2024.

فالقيود البيروقراطية والمتطلبات الصارمة ما زالت تعيق الحصول على تأشيرات حتى بالنسبة للأشخاص المؤهلين. تقول خدي كامارا من الجمعية الإفريقية للاقتصاد الألماني لـ DW: "بطاقة الفرص ليست فرصة فعلية للجميع. يجب أولًا تحقيق الشروط المطلوبة. وهذه الشروط ليست بالضرورة ما تعتبره الشركات مهماً، بل ما تحدده الحكومة كمقياس". وتضيف أن الصعوبات تبدأ مع الوثائق المطلوبة: "السلطات الألمانية تطلب أحياناً الشهادات الأصلية، وهو ما لا يكون ممكناً دائماً. ثم على المتقدمين إثبات قدرتهم على إعالة أنفسهم. حتى إذا كانت الشركات تغطي التكاليف، فهذا لا يكون كافياً أحياناً."

رفض نسبة كبيرة من طلبات التأشيرة من أفريقيا

في جواب على طلب إحاطة من النائبة البرلمانية كلارا بونغر من حزب اليسار في نيسان/أبريل 2025 بخصوص إصدار التأشيرات عام 2024، أفاد البرلمان أن "نسب الرفض في دول أفريقيا جنوب الصحراء عالية جداً".

ووفق تحليل بيانات أجرتهDW تم من خلاله تقييم قرارات التأشيرات في عام 2024 استناداً إلى بيانات من الممثليات الألمانية في الخارج، تبيّن أن ألمانيا قد أصدرت 50,815 تأشيرة لمواطنين من أفريقيا، 40 بالمئة منها لغرض العمل.

ولكن لا توجد أرقام رسمية حديثة من وزارة الخارجية حول عدد تأشيرات العمل التي رُفضت للنساء الأفريقيات. وبهذا الصدد ذكر حزب اليسار في استفساره أن "الحكومة الألمانية رفضت مراراً وتكراراً الكشف عن نسب الرفض، أو صنفت الأجوبة على أنها سرية، بحجة أن نشر هذه الأرقام قد يؤثر على العلاقات مع الدول المعنية."

هل يمكن أن ألمانيا تصبح "وطناً" للمهاجرين؟

حتى بعد الوصول والتغلب على الإجراءات الطويلة والمعقدة للوصول إلى ألمانيا تواجه المهاجرين مصاعب أخرى، إذ أفاد مهاجرون آخرون بوجود صعوبات أخرى تواجه الأجانب في ألمانيا بعد الوصول إليها، من أبرزها صعوبة الاندماج، وكثرة المراجعات الضرورية للمؤسسات الرسمية، وصعوبة اللغة، وأزمة السكن.

تقول خدي كامارا من الجمعية الأفريقية للاقتصاد الألماني: "المناخ السياسي في ألمانيا عامل مهم، ليس فقط من حيث استعداد الحكومة لإجراء تغييرات، بل هل يمكن لألمانيا أصلاً أن تكون وطناً لأشخاص من كينيا، وغانا، وسيراليون، أو جنوب أفريقيا؟ علينا التحدث عن مشكلة العنصرية، على الحكومة أن توضح بأنها ترحب بهؤلاء الناس."

وترى أنه لا بدّ من إزالة الحواجز اللغوية، ففي دول أخرى لا يُطلب تحقيق مستوى اللغة الذي يُطلب تحقيقه في ألمانيا، ما يجعلها جذابة أكثر، ومع ذلك يؤكد مهاجرون من ضمنهم غريس أوتشينغ (اسم مستعار) أن اللغة الألمانية ضرورية للعيش والاندماج في ألمانيا.

ولإيجاد حلول عملية تعتقد خدي كامارا أنه على الشركات الألمانية في الدول الأفريقية تحسين تدريب موظفيها المحليين حتى يصلوا إلى مستوى مناسب للعمل والعيش في ألمانيا، بالإضافة إلى ضرورة تذليل العقبات البيروقراطية أمام الشركات الألمانية.

أعدته للعربية: ميراي الجراح

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة