أموال طائلة.. هل تصبح تركيا مثل السعودية في عالم كرة القدم؟

المبالغ الهائلة التي تدفعها أندية كرة القدم التركية الكبرى في سوق الانتقالات تجعل البعض يُقارنها بسوق الانتقالات في السعودية. لكن ماذا وراء هذا الإنفاق الضخم؟ وما الفارق بين أندية تركيا والأندية السعودية؟

  • تاريخ النشر: منذ 5 أيام زمن القراءة: 6 دقائق قراءة
أموال طائلة.. هل تصبح تركيا مثل السعودية في عالم كرة القدم؟

بعد أن كان يُنظر إليه سابقًا على أنه مكانٌ مثاليٌّ لانتقال النجوم المسنين في نهاية مسيرتهم الكروية، يبرز الدوري التركي الممتاز "السوبر ليغ" كلاعبٍ جادٍّ في سوق الانتقالات، حتى أنه يُنافس السعودية، تلك القوةً الماليةً الكرويةً الضخمة في السنوات الأخيرة.

تقدم أندية إسطنبول الثلاثة الكبرى - غلطة سراي، فنربخشة، وبشكتاش – مبالغ تُتيح لها استقطاب نجومٍ عالميين مثل فيكتور أوسيمين، وليروي ساني، وجون دوران.

غلطة سراي، بطل الدوري التركي، الذي كان لديه أوسيمين على سبيل الإعارة الموسم الماضي، وافق الآن على دفع 75 مليون يورو (87 مليون دولار) لنابولي مقابل انتقال المهاجم النيجيري بشكل دائم للفريق.

وهذه ليست فقط أغلى صفقة في تاريخ كرة القدم التركية، ولكنها أيضًا ثالث أغلى صفقة في نافذة الانتقالات الحالية على مستوى العالم. سيدفع غلطة سراي لأوسيمين راتبًا سنويًا صافيًا قدره 21 مليون يورو، بينما سيكسب ليروي ساني الدولي الألماني، الذي تم التعاقد معه مؤخرًا من بايرن ميونيخ، 12 مليون يورو سنويًا.

يقال إن مهاجم فنربخشة الجديد، جون دوران، المعار من نادي النصر السعودي، سيتقاضى قرابة 20 مليون يورو سنويًا. ويُقال إن زميله السابق أندرسون تاليسكا، الذي انضم إلى فنربخشة قادمًا من النصر في يناير، يتقاضى 15 مليون يورو سنويًا.

لكن أندية غلطة سراي وفنربخشة وبشكتاش تُنفق ببذخ على صفقات قياسية رغم ديونها المرتفعة ووجودها في بلد يعاني اقتصاديًا. ويُعتقد أن إجمالي ديون الثلاثي ومعهم طرابزون سبور - الذي يُعتبر رابع أكبر نادٍ في تركيا- تتجاوز مليار يورو، حيث أن إيراداتهم لم تعد تغطي نفقاتهم منذ مدة طويلة.

أموال طائلة.. هل تصبح تركيا مثل السعودية في عالم كرة القدم؟

سياسة الإلهاء: "الخبز والسيرك"

يعتقد البعض أن الحكومة تدعم ضمنيًا زيادة الإنفاق، حيث أن التعاقدات رفيعة المستوى في هذا البلد المهووس بكرة القدم تصرف الأنظار عن مشاكل مثل ارتفاع التضخم والبطالة.

وقال الكاتب الرياضي أونور أوزغن لـ DW: "يمكن تفسير غض الطرف عن ضجة الانتقالات على أنها جزء من محاولة لتشتيت انتباه الجماهير خلال أزمة اقتصادية، وتهدئة الغضب العام، والسيطرة على الأندية وجماهيرها".

وأضاف أوزغن، الذي يكتب في صحيفة بيرغون، إحدى الصحف المعارضة القليلة المتبقية في تركيا: "نعيش في ظل نسخة محلية من سياسة الخبز والسيرك".

ويذكر أن "الخبز والسيرك" أو باللاتينية "panem et circenses"، هو مصطلح يعود لعصر الرومان، عندما كان الحكام يوفرون الطعام والترفيه لعامة الشعب حتى لا يهتموا بالشأن العام.

وأوزغن ليس هو الوحيد في هذا التقييم للوضع في الكرة التركية. فخبير اقتصاد كرة القدم، توغرول أكسار، قال هو أيضا لـ DW: "كرة القدم تهيمن على أجندة المجتمعات الفقيرة".

وأوضح مؤسس موقع Futbolekonomi.com، الموقع الإلكتروني الوحيد في تركيا المخصص لتغطية أخبار كرة القدم التجارية: "الأشخاص الذين لا يستطيعون حتى شراء لقمة العيش يتابعون أخبار الانتقالات طوال اليوم".

ونتيجة لذلك، يركز معظم المشجعين على التعاقدات الكبيرة، وليس على العبء المالي المرتبط بها. وقال محمد، وهو أحد مشجعي فريق غلطة سراي، لـ DW: "هناك منافسة شرسة بيننا وبين غريمنا اللدود فنربخشة في الدوري التركي. يجب أن نحافظ على تفوقنا مهما كلف الأمر - بل نحتاج إلى توسيع الفارق". وأضاف: "التعاقدات الكبيرة تمنحنا أيضًا أفضلية نفسية على منافسينا".

يدعم أكثر من 90 بالمئة من مشجعي كرة القدم الأتراك أحد الأندية الثلاثة الكبرى، مما يمنحها نفوذًا سياسيًا هائلًا. وتمثل قواعدها الجماهيرية الواسعة "بنكًا انتخابيًا" قويًا غالبًا ما تسعى الحكومات إلى كسبه، بما في ذلك حزب العدالة والتنمية الحاكم بزعامة الرئيس رجب طيب أردوغان.

أموال طائلة.. هل تصبح تركيا مثل السعودية في عالم كرة القدم؟

في السنوات الأخيرة، تلقت الأندية الثلاثة دعمًا حكوميًا كبيرًا في جهودها لزيادة إيراداتها. وبدعم من مجلس أسواق رأس المال التركي - التابع لوزارة الخزانة والمالية - أصدرت هذه الأندية مرارًا وتكرارًا أسهمًا جديدة لجمع رأس المال من المستثمرين. وفي غضون ذلك، أُعيدت هيكلة ديونها من خلال اتفاقيات قروض مع البنوك الحكومية.

وقال أحمد طاليمجيلر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة باكيركاي في إزمير، لـ DW: "لطالما ارتبطت الأندية الكبرى في تركيا بعلاقات وثيقة مع الدولة". وأضاف: "نظرًا لإلغاء أو إعفائها من ديونها بشكل دوري، فإنها تواصل إبرام صفقات باهظة الثمن دون تردد".

صرف المشجعين عن المشاركة في الاحتجاجات ضد الحكومة

في عام 2022، أصدرت الحكومة قانونًا قالت إنه يهدف إلى منع الاقتراض المتهور من قبل الأندية. وينص هذا القانون على عقوبات صارمة، بما في ذلك بنود تسمح بعقوبات سجن للمسؤولين، الذين يدفعون أنديتهم إلى الديون. ومع ذلك، فإن القانون، الذي يسمح للأندية باقتراض ما يصل إلى 10بالمئة فقط من إجمالي إيراداتها للعام السابق، لم يُطبّق قط. ويعتقد كثيرون أن الحزب الحاكم يستخدم هذا القانون كعصا ضد أندية كرة القدم ومجموعات المشجعين للسيطرة عليها.

في الماضي، كانت مجموعات المشجعين تنزل إلى الشوارع بشكل متكرر خلال الاحتجاجات ضد حكومة أردوغان، وخاصة مظاهرات غيزي بارك عام 2013. وحتى وقت قريب، كانت الملاعب من بين الأماكن القليلة، التي يمكن للجماهير فيها التعبير عن معارضتهم علانية. مع ذلك، لم تُسمع أي هتافات معارضة في الملاعب منذ اعتقال أكرم إمام أوغلو، المرشح الرئاسي لحزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي، في مارس/آذار. كما غابت مجموعات المشجعين بشكل ملحوظ عن احتجاجات الشوارع المستمرة التي أشعلها اعتقال إمام أوغلو.

ووفقًا للنائب مصطفى أديغوزيل، عضو البرلمان عن حزب الشعب الجمهوري، فإن هذا ليس صدفة. وصرح لـ DW أن حزب العدالة والتنمية الحاكم يبدو أنه أبرم صفقة مع الأندية الثلاثة الكبرى، حيث وافقوا على إبقاء روابط مشجعيهم منضبطة مقابل غض الحكومة الطرف عن الإنفاق على اللاعبين.

وقال أديغوزيل لـ DW: "الحكومة، التي تستخدم تدقيق حسابات الأندية كآلية للمكافأة والعقاب، تُكلف إدارات الأندية فعليًا بمهمة التحكم في المدرجات".

ووفقًا لأوزغين، فإن "العصا" الحكومية لا تُبقي إدارات الأندية منضبطة فحسب، بل تدفع المشجعين أيضًا إلى الرقابة الذاتية. وأشار إلى نظام التذاكر الإلكتروني الإلزامي "باسوليغ" وكاميرات الملاعب تُستخدم كأدوات لخلق "مدرجات خالية من السياسة".

أموال طائلة.. هل تصبح تركيا مثل السعودية في عالم كرة القدم؟

يعتقد الخبير الاقتصادي أكسار أنه في حال تطبيق القانون، سيواجه العديد من مسؤولي الأندية إجراءات قانونية، لكن الاقتراض المفرط مسموح به عمدًا. وقال: "تُغرق الأندية الكبرى في الديون لضمان امتثالها للحكومة".

ولم تُجب وزارة الرياضة التركية بعد على استفسار من DW حول كيفية تمكن الأندية من مواصلة الاقتراض رغم القانون الذي يهدف إلى الحد من هذه الممارسة.

هل يمكن أن يستمر هذا الإنفاق الضخم؟

يرى أوزغن أن الأندية الثلاثة الكبرى تسعى جاهدةً لتحقيق حلمها بأن تصبح "السعودية الأوروبية"، لكنه يُحاجج بأن هذا ببساطة غير قابل للاستمرار على المدى الطويل. وقال: "لا توجد عائدات نفطية، فقط ديون وفواتير رواتب متضخمة. الفجوة بين الدخل والإنفاق هائلة". وأضاف: "إيرادات البث تتقلص فعليًا، ودخل أيام المباريات والترويج محدود. تنفق الأندية بالدولار أو اليورو، لكنها تكسب بالليرة التركية، وتخسر مكانتها مع كل فترة انتقالات".

كما يُشير إلى فرق رئيسي بين السعودية والثلاثة الكبار بتركيا، وقال: "تتبع السعودية استراتيجية تمولها الدولة. أما الأندية التركية، فلديها علاقات وثيقة بالسلطة السياسية، لكنها لا تملك الموارد المالية نفسها".

نقله للعربية: صلاح شرارة / تحرير: عارف جابو

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة