التداول في النيكل: تفاصيل فضيحة المليار دولار التي صدمت سنغافورة

  • تاريخ النشر: الأحد، 13 فبراير 2022 آخر تحديث: الإثنين، 14 فبراير 2022
التداول في النيكل: تفاصيل فضيحة المليار دولار التي صدمت سنغافورة

بعد فترة بسيطة من وصول فيروس كورونا المستجد إلى سنغافورة، انتشر خبراً بين أوساط الأثرياء أن هناك مستثمراً جديداً يقدم أرباحاً سنوية مدهشة لأي شخص يستثمر معه تصل إلى 15%، وذلك عن طريق التداول في النيكل.

فضيحة التداول في النيكل التي هزت سنغافورة وبلغت قيمتها مليار دولار

ومع انتشار هذا الخبر، بدأ الكثيرون في منح أموالهم إلى ذلك المستثمر، وهو محاسب سابق يبلغ من العمر 34 عاماً، ويدعى نغ يو زهي. وسرعان مع استطاعت مجموعة إنفي، التي يديرها ذلك المستثمر الشاب، في جمع ما يقرب من 1.5 مليار دولار سنغافوري (حوالي 1.1 مليار دولار أمريكي)، من مئات العملاء.

وكانت البداية رائعة لهؤلاء العملاء، حيث كان كل شيء يحيط بنغ يو هي يوحي بالثقة، فكان يمنحهم مكاسب ربع سنوية ثابتة، فيما كان المستثمر الشاب نفسه يعيش حياة مترفة، فيملك قصراً فارهاً، وأسطولاً من السيارات الفاخرة. ولكن بعد فترة من الزمن، تغير كل ذلك تماماً.

حيث قامت شرطة سنغافورة في شهر فبراير 2021 بالقبض على نغ يو زهي، واتهمته بإجراء أكبر عملية احتيال في البلاد. ووفقاً للتحقيقات التي أجريت لفحص ملفاته، فقد اتضح أن التجارة التي كان يزعم قيامه بها، لا وجود لها على الإطلاق، وأنه كان متورطاً في عملية احتيال متقنة.

وقال المحققون إن نغ يو زهي قام بتحويل 475 مليون دولار سنغافوري من أموال المستثمرين إلى نفسه، واستخدمها للاستمتاع بأسلوب حياة مترفة، ليتم توجيه 75 تهمة مختلفة إليه، مع مواصلة إجراء التحقيقات معه.

ووفقاً للتحقيقات، فقد كان من بين عملائه، بعض من أبرز الشخصيات في سنغافورة، مثل: كبار المحامين، مسؤولون تنفيذيون سابقون في بنوك، رجال أعمال، وغيرهم. وأشارت التحقيقات إلى أن نغ يو زهي أجرى أكثر من ألف 1000 تحويل من أموال المستثمرين في مجموعة إنفي، إلى حسابات مصرفية مختلفة يرجح أنه يمتلكها، كما قام باختلاس مئات الملايين من الدولارات قبل أن يتم إيقافه.

من هو نغ يو زهي الذي خدع الأثرياء في سنغافورة؟

وذكرت تقارير اقتصادية إن نغ يو زهي درس المحاسبة في إحدى الجامعات العامة في سنغافوة، وعمل بعدها في شركة التدقيق المحاسبي الشهيرة KPMG LLP، وكان أحد عملائه المهمين فيها هي شركة BHP Group، التي تعتبر من أكبر شركات التعدين في العالم.

ومن هنا ظهر شغف نغ يو زهي بأعمال التعدين، وأسواقها الضخمة والسائلة، وتقلبها على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، فبدأ المحاسب الشاب في تغيير مسار حياته المهنية، ليقوم بالتداول في سلع، قبل أن يترك عمله في شركة KPMG LLP في عام 2015، من أجل تحويل اهتمامه بالتداول في المعادن إلى مهنة بدوام كامل.

وقام المستثمر الشاب بتأسيس شركة Envy Group في عام 2015، وقرر التركيز على النيكل، وكان ذلك أمراً يبدو غريباً بالنسبة لشركة ناشئة في بداياتها، خاصة أن سوق النيكل كان يسيطر عليه عدد محدود من المشغلين المرتبطين سوياً بعلاقات تجارية، فبدا الأمر أشبه بمغامرة غير محسوبة للمنافسة في سوق شرس بشركة تبدأ من الصفر.

ولكن نغ يو زهي رأى أن النيكل مقوم بأقل من قيمته الحقيقية، خاصة مع فشل الأسواق في تسعير فائدته المتزايدة. ونجح المستثمر الشاب في خطواته الأولى، خاصة مع اتجاه أسعار النيكل إلى الارتفاع، وتوسعت قائمة عملائه بشكل مطرد، وذلك بعد أن حصل من دعم ومساعدة فيرونيكا شيم، وهي مدير ثروات ناجحة، والتي أعجبها ما يفعله، لدرجة أنها قررت أن تستثمر معه بنفسها، وعرضت عليه أن تتعامل شركته إنفي مع عملائها الأغنياء.

سرعان ما جذب نغ يو زهي أنظار الكثير من الأغنياء في سنغافورة، حيث كان يدير أعماله من مكتب مجهز بشكل فاخر، كما كان يحب مقابلة عملائه، واصطحابهم إلى مطاعم سوشي راقية، إضافة إلى امتلاكه أسطول سيارات فارهة، وهي كلها مظاهر جعلته محل ثقة.

ولم تكن حياة نغ يو زهي المنزلية أقل فخامة، حيث استأجر مع زوجته كوكو كاي، قصراً فاخراً في أحد أرقى أحياء سنغافورة، وكانت حياتهما مرفهة للغاية، لدرجة أنه في إحدى المرات، جاء إلى منزلهما فريق من مندوبي المبيعات في ماركة المجوهرات الإيطالية الشهيرة بولغري، لعرض مجموعة منتقاة من القطع الجديدة،التي تم نقلها خصيصاً لهما، فاشترت منها زوجته 4 قطع.

وعلى الرغم من أن المستثمر السنغافوري لم يكن بالكثير من التسويق لأعماله، إلا أن أخبار العائدات الضخمة التي كان يقدمها لعملائه كانت تنتشر في كل أنحاء البلاد، خاصة بين طبقات الأثرياء ومشاهير المجتمع، وهو ما شجع الكثير منهم للاستثمار في شركة إنفي، ليمنح العديد منهم ملايين الدولارات السنغافورية إلى نغ يو زهي من أجل التداول في النيكل.

ومع أن سلطة النقد في سنغافورة، وهي الجهة الرئيسية لمراقبة السوق في البلاد، قامت في مارس 2020 بوضع شركة إنفي في قائمة تنبيه للمستثمرين، وهي قائمة تحدد الشركات التي قد يُنظر إليها بشكل خاطئ على أنها مرخصة أو خاضعة للتنظيم من قبل سلطة النقد، وبالتالي يعتبرها الكثيرون أكثر أماناً. ولكن هذا القرار لم يمنع المستثمرين من وضع المزيد من أموالهم في الشركة، ومنح المزيد من الثقة في صاحبها، والذي جمع أكثر من 1.5 مليار سنغافوري بحلول أوائل عام 2021.

القبض على نغ يو زهي والكشف عن مفاجآت في تداولات النيكل

وفي 16 فبراير 2021، وصل فريق من الضباط من إدارة الشؤون التجارية- وحدة مكافحة الاحتيال في قوة شرطة سنغافورة، إلى قصر نغ يو زهي، ليتم اصطحابه إلى مركز الشرطة من أجل التحقيق معه.

وخلال التحقيقات، اتضح أن المستثمر السنغافوري كان على رادار المحققين لعدة أشهر، حيث تلقت سلطة النقد معلومات عن عمليات إنفي منذ منتصف عام 2020. وقد تم احتجاز نغ يو زهي لأكثر من يومين، ثم تم الإفراج عنه، وعندما خرج، أخبر موظفيه وعملاءه أن ما حدث كان نتيجة لسوء الفهم، وقد صدقه الكثيرون بالفعل.

ولكن في 22 مارس من نفس العام، قدم المدعون أول تهم جنائية ضد نغ يو زهي، متهمين إياه بتحويل 300 مليون دولار سنغافوري من أموال المستثمرين إلى حساباته الخاصة. ومع تواصل التحقيقات، اتضح أن شركة إنفي لم تقم في الأصل بالتداول في النيكل كما كانت تزعم سابقاً، أما فيما يتعلق بالأرباح التي اعتقد المستثمرون أنها كانوا يتلقونها، فهي في الحقيقة مأخوذة من ودائع العملاء الجدد.

كما كشفت شركة Poseidon Nickel Ltd، وهي شركة التعدين الأسترالية التي أوهم نغ يو زهي المستثمرون أنه ليست لها أي علاقة عمل مع شركة إنفي، ولم تدخل في أي صفقة معها. وكشفت التحقيقات أيضاً أنه تم نقل أموال المستثمرين على دفعات من 200 ألف دولار سنغافوري إلى حسابات مختلفة، على الأرجح أن نغ يو زهي يسيطر عليها. ومع تعمق المحققين في البحث، وجدوا أن كل شيء يتعلق بصفقات النيكل قد تم تزويره.

محاكمة نغ يو زهي المنتظرة وتأثير ما فعله على سنغافورة

وحالياً، ينتظر المستثمر السنغافوري الشهير محاكمته في ظروف أصعب بكثير مما كانت عليه وقت اعتقاله أول مرة، والتي خرج وقتها بكفالة بلغت 4 ملايين دولار سنغافوري، وهي واحدة من أكبر الكفالات في تاريخ سنغافورة.

وأشارت التقارير إلى أن نغ يو زهي يواجه خياراً صعباً، فإذا اختار الطعن في التهم الموجهة إليه، فيمكنه أن يظل حراً لسنوات، ولكنه لن يكون قادراً على مغادرة سنغافورة، حيث ستكون القضية لا زالت متداولة عبر المحاكم. أما إذا اعترف بأنه مذنب، فسيتلقى على الأرجح حكماً بالسجن لفترة طويلة، ولكنه سيكون أقصر من عقوبة السجن لمدة 20 عاماً كحد أقصى، وهو الحكم الذي قد يواجهه إذا أدين في المحاكمة.

ويقول بعض المستثمرين إنهم لا يتوقعون استرداد الجزء الأكبر مما فقدوه في استثمارات شركة إنفي، كما ينطبق الأمر نفسه على الدعوى المرفوعة ضد نغ يو زهي من قبل مدققي الحسابات في مجموعة KPMG، والذين يطالبون بتعويضات تزيد عن 500 مليون دولار سنغافوري.

وأضافت التقارير أنه مهما كانت التكلفة المالية النهائية، فإن فضيحة إنفي ستدفع لبذل المزيد من الجهود لمنع الاحتيال في سنغافورة، التي تسعى لأن تصبح مركزاً عالمياً أكثر أهمية.

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة