جهاز كشف الكذب والطرق التقليدية لكشف الكذب

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الثلاثاء، 17 أغسطس 2021
جهاز كشف الكذب والطرق التقليدية لكشف الكذب

يعتبر الكذب جزءاً من النمو الطبيعي في شخصية الأطفال، حيث أنَّ الكذبة الأولى التي يقوم بها الطفل تعني أنَّه اكتشف عالم لا يعرفه أحد غيره، باستطاعته أن يتحدث عنه ما يشاء دون أن يعرف أحد إن كانت هذه الأحاديث صحيحة أم لا، وهو أمرٌ مختلف تماماً عن أحلام اليقظة والتخيل، لكنَّ القدرة على الكذب التي يكتشفها الطفل تتحول فيما بعد إلى رغبة بالكذب، فيصبح الكذب أسلوباً للتهرب من العقاب أو للحصول على الثواب، ومع مرور السنين يزداد تعقيد دور الكذب في حياتنا حتَّى نتمنى أن نمتلك جهازاً لكشف الكذب في منزلنا، فما هو هذا الجهاز وكيف يعمل لكشف الكاذبين؟

 

الطرق التقليدية المتبعة لكشف الكذب

الكذب سلوكٌ مستقر عند الإنسان لم يعرف استثناءات في حضارات أو فئات معينة، فالكلُّ يكذب وإن اختلف حجم الكذبة وتأثيرها وهدفها لكنَّها تبقى كذبة في النهاية، والمقصود بالكذب هو تزوير أو كتمان الحقيقة، أو اختلاق أمور ليست موجودة سواء أكان هذا السلوك هادفاً أم لم يكن.

ولأن الإنسان هو الكاذب الكبير في المخلوقات فقد تمكن العقل البشري من تطوير عدَّة طرق لاكتشاف الشخص الكاذب، حيث بدأت هذه الطرق باستخدام التحليل المنطقي ومراقبة سلوك الكاذب وانتهت بنا إلى اختراع آلة خاصة لكشف الكذب، والأصل في تطوير الطرق التقليدية أو الآلة هو الشكُّ في التزام الإنسان بقول الحقيقة بدوافع أخلاقية، هذا الشكُّ الذي يجعلنا دائماً نتتبع الأمور حتى نتأكد من صحتها، ولا بد من الإشارة إلى أنَّ تطور أساليب اكتشاف الكذب يعني بالضرورة تطور أساليب الكذب!.

 

في حياتك اليومية تطبق طريقة ابن خلدون في تعقب الحقيقة

ودعوناه منهج ابن خلدون لأنَّ الطريقة التي يتبعها الإنسان في كشف الكذب في حياته اليومية هي نفس الطريقة التي أشار إليها ابن خلدون في مقدمته لتقييم مصداقية الأخبار التاريخية، والتي تعتمد على تقييم الخبر من حيث إمكانية وقوعه في الزمان والمكان المذكورين وضمن البيئة المذكورة.

إضافة إلى إجراء مقاطعة بين الخبر من مصادر متعددة والبحث عمَّا يؤيده وما يدحضه، ربما يكون الأمر معقداً فيما يتعلق بتقييم الخبر التاريخي، لكنه بسيطٌ جداً في الحياة اليومية وجميعنا نقوم به دون أن ندري.

مثلاً؛ عندما تسألك زوجتك أين كنت وتقول لها كنت عند صديقي، ستقوم ببساطة بالاتصال بزوجة صديقك وتقول لها بمنتهى البراءة: "أعتقد أن زوجي نسي مفاتيحه عندكم اليوم"، ستجيبها زوجة صديقك أنَّك لم تكن عندهم أصلاً! عندها ستجد نفسك في مشكلة كبيرة.

ولنفترض أن زوجة صديقك قررت أن تتستر عليك عندما شعرت بهدف الاتصال، فهل تتوقع أن زوجتك ستتوقف عند هذا الحد! ستحاول بشتى الوسائل البحث عن الحقيقة من خلال السؤال والربط بين المعلومات والكلمات.

وإن عجزت عن الوصول إلى النتيجة التي تريدها ستنتظر مرور بضعة أيام ثم ستسألك "منذ متى لم تذهب إلى زيارة صديقك؟" وغالباً ستقع أنت في الفخ، أما إذا باءت كل هذه المحاولات بالفشل فستقوم بتعليق القضية لعل الأيام تكشف لها المزيد، هل كنت تتوقع أن الزوجة تستخدم منهج ابن خلدون في تحقيق الخبر؟! هذا ما يحصل فعلاً.

 

كشف الكذب عن طريق لغة الجسد

أخذت لغة الجسد مؤخراً حقّها من البحث والتحقيق، حتَّى أن أجهزة المخابرات المتقدمة حول العالم تستخدمها كوسيلة فعالة في مراقبة المتهم ومعرفة صدقه من كذبه، وهناك العديد من الإشارات التي تفضح الكاذب أبرزها حكُّ الأنف وازدياد اختلاج العينين (رفة العين) كذلك تغير اتجاه النظر ومحاولة العبث بأي شيء كسلسلة المفاتيح أو القلم....إلخ.

وقد تطورت أساليب استخدام الفراسة ولغة الجسد مع تطور التكنولوجيا، حيث أن الباحثين يقومون اليوم بالحصول على خطاب مصورٍ لأحد الرؤساء ثم يقومون بتبطيء الصورة لالتقاط التعابير التي تبدو على وجهه في كل جزءٍ من الثانية وتحليلها ليكتشفوا أنَّه كاذب.

 

ابتكار آلة كشف الكذب منذ نهايات القرن التاسع عشر

اقتنع الباحثون في نهاية القرن التاسع عشر بوجود تغيرات فيزيولوجية تطرأ على العلامات الحيوية لجسد الإنسان عندما يمارس الكذب والخداع، كما بدأت محاولات قياس هذه التغيرات تقنياً لمعرفة المخادع من الصادق.

وكانت البداية مع الإيطالي أنجيلو موسو (Angelo Mosso) عام 1878 عندما حاول رصد التغيرات التي تطرأ على ضغط الدم والتنفس وضربات القلب أثناء تعرض الإنسان لمشاعر معينة مثل الخوف، وكانت آلة موسو تسمى (Plethysmograph).

ثم قام الطبيب النفسي الإيطالي سيزار لومبروزو (Cesar Lombroso) بتطوير آلة لقياس الاستجابات التي تبدو على العلامات الحيوية للجسم أثناء استجواب المتهمين من قبل الشرطة حيث ابتكر آلة عرفت باسم (Hydrosphygmograph) وكان ذلك عام 1895.

في العقد الثاني من القرن العشرين توصل عالم النفس الإيطالي فيتوريو بينوسي (Vittorio Benussi) إلى طريقة لمقارنة مخططات التنفس بين الحالة الطبيعية وبين حالة الكذب، واستخدم في ذلك آلة لقياس التنفس سميت (Pneumograph)، وبعد عام واحد من ذلك تمكن ويليام مارستون (Dr. William Marston) عام 1915 من ابتكار شكل مبكر من جهاز كشف الكذب عن طريق قياس ضغط الدم.

 

تطوير آلة كشف الكذب

بعد مخاضٍ طويل وتعديلات كثيرة توصل الطبيب النفسي الكندي جون لارسون (John A. Larson) إلى ما يمكن تسميته جهاز كشف الكذب الحديث (Polygraph)، حيث كان لارسون يعمل مع شرطة ولاية كاليفورنيا عام 1921 عندما قدم لهم جهازاً يستطيع قياس العلامات الحيوية التي تتبدل عند الكذب في وقت واحد وتفريغ المعلومات على الورق بالتخطيط.

كما كان ليونارد كلير (Leonarde Keeler) من الأشخاص الذين عملوا مع لارسون باستخدام الجهاز، لكن كلير استطاع تطوير الجهاز من خلال تبسيطه أولاً ثم أضاف إليه المقياس الأخير وهو قياس الشحنات الكهربائية (Galvanometer) التي يصدرها الجسد، حيث تمكن كلير من قياسها عن طريق الجلد عام 1938، فكان الجهاز من حيث آلية العمل قد ولد إلى صورته النهائية على يد لارسون وكلير.

تطوير جهاز كشف الكذب

إذاً توصل الباحثون قبل منتصف القرن الماضي إلى الشكل النهائي لجهاز كشف الكذب الذي يقيس أربعة تغيرات تطرأ على جسم الإنسان أثناء الكذب، وهي:

  • ضربات القلب.
  • ضغط الدم.
  • التنفس.
  • الشحنات الكهربائية عن طريق الجلد.

وميزة الجهاز أنَّه يقيس هذه المعطيات في وقت واحد ويعطي مخططاً تفصيلياً لها، لكن الجهاز كان يحتاج إلى بعض التطوير ليس من الناحية التقنية بل من ناحية استخدامه، حيث بدأ الباحثون بإعداد مجموعة من الأسئلة التي من شأنها أن تهيء الخاضع للاختبار أن يفصح عن خداعه من خلال المؤشرات الأربعة.

كما بدأت الأبحاث الرامية إلى حوسبة جهاز كشف الكذب في الثمانينات لنحصل على جهاز إلكتروني يعمل بنفس الطريقة لكنه يحلل البيانات عن طريق الخوارزميات حاسوبياً وكان ذلك عام 1993، كما يعتقد أن جهاز كشف الكذب ما زال يتمتع بقدرة كبيرة على اكتشاف الكاذبين على الرغم من الانتقادات الكثيرة الموجهة إليه، فهو ما زال مستخدماً فعلياً في أهم أجهزة المخابرات حول العالم.

لكن ذلك لم يجعل من الطريقة التقليدية تفقد رونقها، ولا بد من الإشارة إلى أن أغلب المحاكم حول العالم لا تعتبر نتائج اختبار كشف الكذب أمراً ذا أهمية قضائية حيث يعتبر استخدامه أكثر رواجاً في البيئات غير القضائية إمَّا في التحقيقات الأمنية التي لا تفضي إلى المحكمة أصلاً، أو في حالات التحقيقات الجنائية ويكون القصد من الاختبار الحصول على حقائق قد تقود لأدلة عينية في القضية تصلح لتكون حججاً قانونية.

 

طرح برنامج لحظة الحقيقة The Moment of Truth

على الرغم من الجدل الكبير حول دقة الجهاز ومدى قدرته على الفصل بين التغيرات الناتجة عن القلق الطبيعي والقلق بسبب الكذب، لكن شركات الإنتاج التلفزيوني وجدت لنفسها مصدر رزقٍ مهم من خلال استخدام هذا الجهاز في واحد من البرامج الأغرب في تاريخ التلفزيون، والتي تعتمد بشكل مباشر على اجتذاب الجمهور لتعرض عليهم أشخاصاً في مواقف محرجةٍ جداً، ولا نعتقد أنَّ هناك ما هو محرجٌ أكثر من الحقيقة!.

عام 2008 قدمت قناة فوكس الأمريكية برنامج لحظة الحقيقة (The Moment of Truth) الذي يعتمد على طرح مجموعة كبيرة من الأسئلة المغلقة على المتسابق (جوابها نعم أو لا)، حيث يكون المتسابق موضوعاً على جهاز كشف الكذب لتقييم صحة الإجابة قبل التصوير.

كما يقوم معدو البرنامج باختيار بعض الأسئلة التي تتدرج من حيث مدى جرأتها ودرجة الإحراج التي تسببها، ليحصل المتسابق الصادق بعد اجتيازه السؤال الأخير على جائزة الحقيقة نصف مليون دولار أمريكي.

 

النسخة العربية من برنامج لحظة الحقيقة

عام 2011 قدمت شبكة MBC النسخة العربية من البرنامج بعد أن عرضت النسخة الأمريكية المترجمة، حيث أوكلت التقديم للممثل السوري عبَّاس النوري، واتبع البرنامج العربي نفس الطريقة تقريباً مع استثناء الأسئلة الجنسية المباشرة التي كانت تشكل العمود الفقري للبرنامج الأمريكي، حيث يمرُّ المتسابق بست مراحل يحق له الانسحاب قبل دخول مرحلة جديدة، لكنه إن كذب في سؤال واحد سيعود إلى البيت خالي الوفاض.

كما أن المتسابق يصطحب معه من يشاء من عائلته أو أصدقائه ويكون أمامهم زر يتم الضغط عليه عندما يتعرض المتسابق لسؤال محرج جداً، عندها يتم استبدال السؤال لمرَّة واحدة فقط، وغالباً ما يكون السؤال البديل أكثر إحراجاً.

عموماً تسير وتيرة الصعوبة تصاعدياً حيث أنَّ المرحلة النهائية التي تجعل المتسابق يحصل على جائزة نصف مليون ريال سعودي تتكون من سؤال واحد فقط لكنَّه غالباً سيؤدي إلى تدمير حياة المتسابق إن قال الحقيقة.

مراحل برنامج لحظة الحقيقة

هي نفس المراحل ونفس الأرقام في النسختين العربية والأمريكية، لكن في الأمريكية نصف مليون دولار أمريكي، وفي العربية نصف مليون ريال سعودي بعد اجتياز المراحل التالية:

  • المرحلة الأولى/ ستة أسئلة/ 10 آلاف ريال سعودي.
  • المرحلة الثانية/ خمسة أسئلة/ 25 ألف ريال سعودي.
  • المرحلة الثالثة/أربعة أسئلة/ 100 ألف ريال سعودي.
  • المرحلة الرابعة/ثلاثة أسئلة/ 200 ألف ريال سعودي.
  • المرحلة الخامسة/سؤالان فقط/ 350 ألف ريال سعودي.
  • المرحلة السادسة والأخيرة/سؤال واحد وأخير/ 500 ألف ريال سعودي.

ختاماً... قدم جهاز كشف الكذب خدمات كبيرة للعاملين في التحقيقات المخابراتية والجنائية، لكن للأسف لم يتمكن أي من المشاركين العرب من الوصول إلى السؤال الأخير والحصول على الجائزة الكبرى، ونعتقد أنَّ أغلب المشاركين في النسختين العربية والأمريكية خسروا الكثير من أصدقائهم وأحبائهم نتيجة إجاباتهم الصادقة أو التي اتضح أنَّها كاذبة، فالرابح يبقى وحيداً كما يقول باولو كويللو.

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة