فيلم "ولد في سجن إيفين" .. تجربة شخصية لمهاجرة من أصول إيرانية

  • DWWبواسطة: DWW تاريخ النشر: الأربعاء، 22 يناير 2020
فيلم "ولد في سجن إيفين" .. تجربة شخصية لمهاجرة من أصول إيرانية

كانت ليلة عيد الميلاد في عام 1985 حين وصلت نارغيس إسكنداري البالغة من العمر 20 عاماً وقتها إلى مدينة فرانكفورت الألمانية مع طفلتها الصغيرة مريم . فقد نجحتا في الهروب من إيران، حيث كانت اسكنداري سجينةً سياسيةً في سجن ايفين الشهير، تاركتان خلفهما كسرى زاري، زوج إسكنداري بالإضافة إلى طفلها الصغير الذي كان ما يزال سجيناً في إيفين.

مريم زاري، كانت تبلغ من العمر عامين فقط حين وصلت إلى فرانكفورت، كانت لديها معرفة قليلة بأسباب مغادرتهما وأين كان والدها. أولى ذكرياتها هي نشأتها في ألمانيا وقضاء بعض الوقت مع خالتها وأبناء عمها في باريس، مع العلم أن والدها كان بعيدا، دون معرفة السبب.

عندما كانت في العاشرة من عمرها التقت أخيرا بوالدها في ألمانيا. وذلك بعد قضائه سبع سنوات في السجن، إذ تمكن من الفرار إلى أوروبا، بعد إطلاق سراحه.

في لقاء مع مهاجر نيوز قالت مريم: "أنا الآن في وطني ألمانيا، وأنا ممتنة لهذا البلد لأنه وضع قوانين لجوء ساعدتني في الوصول إلى هنا في الثمانينيات من القرن الماضي". وأكدت مريم أنها تشعر بالحرية في أداء عملها الفني وتشعر بحرية التعبير، وذلك لوجودها في ألمانيا.

وتضيف خلال مقابلة في عرض لفيلمها الأول كمخرجة في مهرجان أفلام حقوق الإنسان في برلين: "أود دائما أن أدعي أنني ألمانية، ولكن هذا هو مطلب سياسي أيضا، أريد ان الانخراط مع فكرة أن ألمانيا تبدو متنوعة، وأن الألمان غير البيض هم ألمان أيضاً، بيد أن هذا الأمر يتعارض بطريقة ما مع فكرتي عن الهوية الوطنية".

في سجن إيفين

في عام 2019، أصدرت مريم زاري فيلماً بعنوان Born in Evin (ولد في إيفين)، وهو فيلم وثائقي يتحدث عن محاولتها معرفة المزيد عن الظروف المثيرة المرافقة لميلادها. ولسنوات طويلة ظلت هذه القصة طي الكتمان، لكن خالتها في باريس أخبرتها الحقيقة بعد أن كبرت، وقالت لمريم بأنها ولدت في السجن. هذا الأمر مثل صدمة لمريم كونها تسمع هذه الحقيقة للمرة الأولى، كما أن والدتها لم تذكر لها هذا الأمر سابقا، وفضلت ترك هذا الجانب غامضا في حياتها.

التقى والدا مريم في طهران في سبعينات القرن الماضي، وتشاركا في الحلم والكفاح. وفي رؤية إيران خالية من محمد رضا بهلوي، الشاه الذي اشتهر بقمعه للشعب.

وعندما تحولت الاحتجاجات إلى ثورة في عام 1979، هرب الشاه، وتولى رجل الدين آية الله روح الله الخميني السلطة، معلناً إيران جمهورية إسلامية وفرض حكما دينيا. بدأ أيضا في اضطهاد المعارضين السياسيين واعتقالهم وقتلهم، وغالبا ما كان هؤلاء الذين ساهموا في الإطاحة بالشاه. وكان والدا زاري من بين المعتقلين.

في عام 1983 تم نقلهم إلى سجن إيفين سيئ الصيت، ومن بين المعتقلين كانت مريم، التي كانت جنينا برحم أمها.

كان لدى زاري أسئلة كثيرة حول ولادتها. كيف حدث هذا؟ هل تعرضت والدتها للتعذيب؟ هل كانت تخشى مريم أن تموت؟ متى غادرا سجن إيفين، وكيف تم ذلك؟

التصالح مع صمت الأم

في نهاية المطاف، انفصلت إسكنداري عن والد مريم، ودرست علم النفس وتزوجت ثانية، وهي الآن أخصائية نفسيه في فرانكفورت. وفي عام 2018 ، أصبحت أول إمرأة ولدت خارج ألمانيا تترشح لمنصب رئاسة البلدية، وحلت في المرتبة الثالثة.

وقالت زاري عن صمت والدتها: "لقد قمت بالتحليل النفسي وتعاملت معه على المستوى الشخصي". "أحد الأشياء التي تعلمتها هو أن جيل الأهل - أولئك الذين عانوا من الاضطهاد والظلم - لديهم كل الحق للتعامل مع تجربتهم بأي طريقة يريدون". وأضافت لقد كانت والدتي صريحة للغاية بشأن هجرتها ورحلتها الطويلة، لكنها لم تستجب لأسئلة زاري حول ظروف ولادتها. حتى عندما أظهرت لها زاري مقطعا من مشروع الفيلم الذي تعمل عليه، فضلت الوالدة الصمت وبكت في هدوء.

الوقوف ضد الفظائع

تقول مريم: "حاورت والدي لساعات طويلة، ولا يظهر كل الحوار في الفيلم، هناك شرح حول التعذيب الذي عانيا منه، "ومن ضمن الأمور التي لا نستطيع تحملها أن نعرف أن الأشخاص الذين نحبهم كان عليهم أن يمروا بتلك التجربة، بغياب العدالة". وتابعت : "أعتقد أن هذه التجارب قد تخلق نوعا من الاضطراب في الشخصية وتؤدي أيضا إلى نظرة مختلفة للعالم المحيط".

وقد يكون هذا هو الدافع لها كي تعرض هذه التجربة في فيلم وثائقي، حيث تتحدث مريم مع سجناء سياسيين في فيلمها، ممن مروا بتجربة مشابهة مثل والديها وتبحث عن أطفال آخرين ولدوا في السجن. واستطاعت مريم أن تصل إلى الكاتبة سحر دليجاني التي ولدت أيضا في سجن إيفين، وكتبت رواية بعنوان "أطفال شجره جاكوندا"، التي تبدأ بوصف ولادة في السجن، وهو ما ألهم مريم زاري في إيجاد تعابير أدبية لصياغة قصتها.

على الرغم من أن زاري هي بطلة الفيلم، وكذلك المخرج، إلا أن الفيلم لا يدخل في تفاصيل حياتها أو تفاصيل سجن والديها.

بالنسبة لزاري، كان من الضروري أن يتردد صدى سعيها الشخصي في البحث عن قصتها وقصة والديها خارج السياسة الإيرانية، في السياق السياسي الحالي. وقالت إنها أرادت أن تسلط الضوء في المقام الأول على أولئك الذين ينكرون وقوع هذه الفظائع، سواء في إيران أو ألمانيا في العهد النازي أو حتى في البحر المتوسط، حيث يغرق المهاجرون. "عندما نقول أن الناس غرقوا في البحر فإننا قد لا نسمح لأنفسنا بأن نلمس ذلك، بيد أننا نحتاج حقا إلى جعل هذا الفضاء في قلوبنا متاحا لهذه المشاعر، من أجل فهم ما يعنيه فقدان الكرامة وحقوق الإنسان فعلا"، تختم كلامها.

إغناسيو بيريارا/ ع.ج-مهاجر نيوز