هل الجدران بين الإسرائيليين والفلسطينيين أبدية؟

  • DWWbronzeبواسطة: DWW تاريخ النشر: منذ 5 أيام زمن القراءة: 7 دقائق قراءة
هل الجدران بين الإسرائيليين والفلسطينيين أبدية؟

يظهر الاستطلاع تلو الآخر صورة أوضح باستمرار: معظم الإسرائيليين والفلسطينيين فقدوا الثقة ببعضهم البعض، وفقدوا كذلك الأمل في إمكانية حل النزاع بشكل سلمي يوماً ما.

واتضح هذا التباعد بشكل خاص في استطلاع نشرته في آب/أغسطس 2025 الجامعة العبرية في القدس: 62 بالمائة من الإسرائيليين المستطلعة آراؤهم وافقوا على مقولة "لا يوجد أبرياء في غزة". وبلغت النسبة بين الإسرائيليين اليهود 76 بالمائة.

"غياب التعاطف"

وفي حوار مع DW قال كوري جيل-شوستر، وهو مدير برنامج الماجستير لحل النزاعات والوساطة في جامعة تل أبيب: "أكثر ما يقلقني فيما يخص إسرائيل هو غياب التعاطف: لا تعاطف حتى مع الأطفال أو المسنين أو المرضى، مثل مرضى السرطان".

ويتناول كوري جيل-شوستر بانتظام مواضيع مثيرة للجدل في سلسلة فيديوهاته على الإنترنت "مشروع السؤال" "The Ask Project": حيث يطلب من مشاهديه أسئلة ويوجهها بشكل مباشر إلى كلا الشعبين من خلال استطلاعات رأي في الشوارع. وهكذا سأل في مقطع فيديو فلسطينيين إن كانوا يؤيدون عمليات أخرى مثل الهجوم الإرهابي على إسرائيل في 7 تشرين أول/أكتوبر 2023. وفي مقطع آخر سأل إسرائيليين إن كانوا سعداء بمعاناة الناس في غزة.

وفي أحد الفيديوهات وإجابة عن السؤال حول التعاطف مع المسنين والمرضى والأطفال، ردت امرأة من شمال إسرائيل بهز كتفيها كتعبير عن اللامبالاة. ويعلق بحزن: "أنا مصدوم من مدى قلة الإنسانية".

"تجرد شبه تام من الإنسانية" منذ 7 تشرين أول/أكتوبر 2023

انحدرت العلاقات بين الطرفين إلى أدنى مستوى على الإطلاق، كما يلاحط أستاذ العلوم السياسة خليل الشقاقي، مدير المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية (PCPSR) في رام الله. ويقول: "وصل الأمر في السنتين الماضيتين إلى تجرد شبه تام من الإنسانية؛ لقد وصل المجتمعان إلى نقطة أصبحا فيها لا يريدان الاعتراف بإنسانية الطرف الآخر". وهذا التطور له تأثيرات واضة على التنازلات التي يكون الناس على استعداد لتقديمها من أجل حل سلمي، كما قال الشقاقي في حوار مع DW.

ويقوم الأستاذ خليل الشقاقي بإجراء استطلاعات رأي بشكل منتظم في الأراضي الفلسطينية، ويشارك في مسوحات واستطلاعات مشتركة مع إسرائيليين. وأحدث استطلاع أجراه في أيار/مايو 2025، كشف عن وجود شكوك كبيرة بين الفلسطينيين: فقد ذكر في قطاع غزة 69 بالمائة وفي الضفة الغربية حتى 88 بالمائة من الأشخاص المستطلعة آراؤهم أنَّهم لا يعتقدون أنَّ إسرائيل ستنسحب من قطاع غزة في حال تسليم حماس أسلحتها.

ومع ذلك يشير الشقاقي إلى أنَّ الثقة المتبادلة يجب ألا تكون شرطاً مسبقاً للتقارب، بل يمكن أن تنمو وتزدهر خلال عملية السلام: "إذا بقينا فقط ننتظر أن يثق الفلسطينيون والإسرائيليون ببعضهم، فإنَّ هذا لن يحدث أبداً".

خطوات أولى على طريق طويل نحو إعادة التقارب؟

ولكن كيف يمكن عودة التقارب بعد عقود طويلة من الصراع؟. يهتم بهذا الموضوع غاري ماسون، وهو إيرلندي شمالي، ينقل من خلال منظمته "إعادة التفكير في الصراع" Rethinking Conflict تجاربه في الصراع في أيرلندا الشمالية إلى الشرق الأوسط. وفي الحالتين توجد نزاعات حول الأرض والهوية والدين، كما قال ماسون في حوار مع DW.

وبغض النظر عن المتطرفين فقد عبر إسرائيليون وفلسطينيون عن رغبتهم في التوصل إلى حل للصراع. وحول ذلك يقول غاري ماسون: "إذا تم وقف إطلاق النار في الشرق الأوسط خلال الأربعة إلى الستة أشهر القادمة، فقد يستغرق الأمر بحسب تقديري خمس أو عشر سنين حتى التوصل إلى اتفاق السلام. وفي أيرلندا الشمالية، وبعد 27 عاماً من اتفاق الجمعة العظيمة، لدينا الكثير لفعله لتحقيق السلام".

وبحسب باحث النزاعات كوري جيل-شوستر فإنَّ الكثير من الناس قد تعايشوا مع النزاع ونظموا حياتهم مع هذا الوضع. ولكن ربما يمكن للتواصل السياسي الصحيح أن يغيّر هذا الوضع. ويقول: "الخطوة الأولى هي حملة تسويقية: لقد سئمنا كلنا ولا نريد الاستمرار على هذا الوضع. ومن هنا يأتي تحركنا". ويضيف: "يحب علينا أن نقدم للناس رؤية لما يمكن أن يعنيه ذلك. وثم يجب علينا مواصلة الحديث حوله، وتسويقه، كأنَّ إسرائيل وفلسطين منتج وعلينا مهمة ترويجه".

هل يمكن لخطة ترامب تحقيق السلام؟

قدّم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أجل ذلك اقتراحًا جديدًا في نهاية أيلول/سبتمبر: حيث عرض بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خطة مكونة من 20 نقطة، تحدد كإجراءات فورية أمور منها وقف الأعمال الأعمال القتالية وإطلاق سراح جميع الرهائن. وستتولى بحسب الخطة لجنة دولية بقيادة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير مراقبة خطوات أخرى.

وأظهرت الاستطلاعات والمسوحات في إسرائيل والأراضي الفلسطينية أنَّ ثقة الناس منخفضة في القيادتين السياسيتين: ففي إسرائيل لم تعد توجد سوى أقلية فقط راضية عن حكومة نتنياهو. ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، محمود عباس، لم يعد يحظى تقريباً بشرعية تذكر، وذلك بسبب عدم إجراء أي انتخابات منذ عام 2006. وفي أحدث استطلاع أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية (PCPSR)، طالبه بالاستقالة 81 بالمائة من الأشخاص المستطلعة آراؤهم.

ولكن في الوضع الحالي تعتبر القيادة القوية هي السبيل الوحيد الممكن للخروج من نزاعات تبدو غير قابلة للحل، كما يعتقد كوري جيل-شوستر: "يحتاج الوضع الراهن لشخصية قيادية قوية يمكنها أن تدافع على الأقل من جانبها عن التفكير بطريقة مختلفة - وربما حتى من الجانب المقابل. ولكنني لا أرى أي شخصية قادرة على ذلك".

حل الدولتين في استطلاعات للرأي

ومن أجل بدء عملية سلام جديرة بالثقة، يجب بالتالي أن تدعمها جهات خارجية فاعلة جديرة بالثقة، كما يقول أستاذ العلوم السياسية خليل الشقاقي - أي الولايات المتحدة الأمريكية بصفتها الحليف الأقرب لإسرائيل، والدول العربية باعتبارها محامي دفاع عن الفلسطينيين.

يقول خليل الشقاقي: "بناءً على الاستطلاعات الإسرائيلية الفلسطينية المشتركة، يمكننا أن نستنتج بكل وضوح أنَّ الإسرائيليين سيكونون في هذه الحالة على استعداد لتغيير آرائهم ودعم حل الدولتين". ويضيف أنَّ حل الدولتين يكتسب زخماً جديداً بين الفلسطينيين، ولكن وفي نفس الوقت يشكك ثلثا الأشخاص المستطلعة آراؤهم في إمكانية تنفيذه.

وفي أيلول/سبتمبر اتخذت فرنسا وبريطانيا وأستراليا ودول أخرى خطوة رمزية إلى حد كبير باعترافها بفلسطين. وخطة ترامب تحدد بعد إصلاحات في الإدارة الفلسطينية على الأقل "مساراً معقولاً نحو تقرير مصير الفلسطينيين وإقامة دولتهم".

وفي المقابل ترفض الحكومة الإسرائيلية بشدة قيام دولة فلسطينية تتمتع بحقوق كاملة، وقامت مؤخراً بزيادة وتيرة بناء المستوطنات أكثر في الضفة الغربية المحتلة. وكذلك يوثّق مؤشر السلام الذي أعدته جامعة تل أبيب ويعتمد على استطلاعات ومسوحات وجود تراجع على الجانب الإسرائيلي في دعم حل الدولتين: ففي نيسان/أبريل وأيار/مايو 2025 لم يؤيد سوى 21 بالمائة من اليهود الإسرائيليين حل الدولتين.

إعادة التقارب رغم الانفصال المكاني؟

وعلى أي حال فإنَّ الضفة الغربية المحتلة أصبحت الآن مجزأة بسبب المستوطنات الإسرائيلية إلى درجة أنَّ البعض يعتبر أن قيام دولة فلسطينية أضحى أمراً غير واقعي بسبب عدم وجود أراضي دولة متصلة ببعضها.

ولكن مثال أيرلندا الشمالية يظهر أنَّ التجاور المضطرب يجب ألا يكون معياراً لاستبعاد التقارب. ففي العاصمة بلفاست لا تزال بعض المناطق الاتحادية وكذلك الجمهورية مفصولة عن بعضها مثل ذي قبل بجدران تغلق أبوابها في كل مساء.

وغاري ماسون يعمل في مجال النزاعات منذ مطلع تسعينيات القرن العشرين. وفي ذلك الوقت كان الإسرائيليون والفلسطينيون يتفاوضون ضمن إطار عملية أوسلو للسلام - "وأيرلندا الشمالية كانت تعتبر بمثابة النزاع الأكبر الذي لا يمكن حله"، كما يقول ماسون.

ويبقى السؤال: هل يمكن أن يتصالح الإسرائيليون والفلسطينيون في المستقبل القريب.

أعده للعربية: رائد الباش

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة