ابن حزم الأندلسي.. عالم الأندلس الكبير وحجة الإسلام

  • تاريخ النشر: الأربعاء، 16 مارس 2022
ابن حزم الأندلسي.. عالم الأندلس الكبير وحجة الإسلام

هو أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف بن معدان بن سفيان بن يزيد الأندلسي، الشهير بـ ابن حزم الأندلسي أحد أكبر علماء الإسلام علي مدار التاريخ ومن الأئمة المجددين وله مؤلفات ما زالت تعتبر حتى الآن حجج في الفقه والشريعة الإسلامية.

 ورغم نشأته في عائلة ثرية إلا أنه اختار طريق العلم رغم ما به من مشقة ليصبح عالما في الفقه والحديث وعلم الكلام والفلسفة والتاريخ كما كانت له مساهمات في الأدب والشعر.

حياة ابن حزم ونشأته

ولد ابن حزم الأندلسي يوم 7 نوفمبر من عام 994 في قرطبة وكان والده أحد وزراء المنصور بن عامر وابنه المظفر، وحظي بمكانة كبيرة لدى حكام الأندلس، وكانت عائلته من أكبر العائلات في الأندلس حتى أنها امتلكت قرية بأكملها.

 وكان والده من مؤيدي بني أمية وله مجلس يحضره العلماء والشعراء، ما أثر علي "بن حزم" في تعلم اللغة والشعر، كما شارك الوالد في حركة الإفتاء في الأندلس، ولكن مع تغير الخلفاء اصطدم ببلاط الحكم حتى بلغ التنكيل به إلى سجنه ومصادرة أمواله حتى توفي في عام 1012.

المصادر التاريخية لا تتحدث باستفاضة عن حياة فقيهنا الأولي كما لم يتحدث هو عنها في أي من كتبه أو رسائله، ولكنه كتب عن أسرته مصنفا باسم "تواريخ أعمامه وأبيه وأخواته وبنيه وبناته مواليدهم وتاريخ من مات منهم في حياته" ومنه يتضح أن أبناءه كانوا جمعا من البنين والبنات.

بدايته مع المناصب

في الأندلس تولي ابن حزم وزارة للمرتضى في بلنسية، وعند هزيمته وقع في الأسر، وبعد إطلاق سراحه عاد إلى قرطبة، وتولي الوزارة مجددا لمدة شهر ونصف وبعد مقتل الخليفة تركها ثم عاد إلى الوزارة في عهد هشام المعتد بين عامي 418 و422 هجرية.

أقوال العلماء فيه

علي مدار التاريخ الإسلامي كان هناك أئمة بارزون يجمعون علوم اللغة والفقه وكان ابن حزم من أشهرهم فقد قيل عنه أنه مجتهد مطلق وإمام حافظ وتميز بردوده علي الشيعة واليهود والنصارى والصوفية والخوارج.

 أما مذهبه هو المذهب الظاهري الذي يرفض القياس الفقهي الذي يعتمده الفقه الإسلامي التقليدي ويعتمد علي وجود دليل شرعي واضح من القرآن أو من السنة، كما قيل عنه أنه كان يمتلك مشروعاً لإعادة تأسيس الفكر الإسلامي، حيث نادي بالتمسك بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة.

ساعدته نشأته في أسرة ميسورة الحال في طلب العلم علي يد كبار مشايخ عصره، ونال إشادة عدد كبير من العلماء فقال عنه "الحميدي": ابن حزم الأندلسي كان حافظا عالما بعلوم الحديث وفقهه مستنبطا للأحكام من الكتاب والسنة، وقال عنه ابن العماد الحنبلي: كان إليه المنتهى في الذكاء وحدة الذهن وسعة العلم بالكتاب والسنة والمذاهب والملل والنحل والعربية والآداب والمنطق والشعر".

كما قال أبو حامد الغزالي: "وجدت في أسماء الله الحسنى كتابا لابن حزم يدل علي عظم حفظه وسيلان ذهنه"، وقال ابن خلكان: كان حافظا عالما بعلوم الحديث مستنبطا للأحكام من الكتاب والسنة بعد أن كان شافعي المذهب فانتقل إلى مذهب أهل الظاهر وكان متفننا في علوم جمة.

كما قال العز بن عبد السلام: ما رأيت في كتب الإسلام في العلم مثل المحلى لابن حزم والمغني لابن قدامة.

وقال عنه جلال الدين السيوطي: "كان صاحب فنون وورع وزهد وإليه المنتهى في الذكاء والحفظ وسعة الدائرة في العلوم أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام"، كما قال عنه الإمام الذهبي: الإمام الأوحد، البحر، ذو الفنون والمعارف.

أما الإمام ابن تيمية، فقد قال عنه: "وإن كان أبو محمد بن حزم في مسائل الإيمان والقدر أقوم من غيره وأعلم بالحديث وأكثر تعظيماً له ولأهله من غيره، لكن قد خالط من أقوال الفلاسفة والمعتزلة في مسائل الصفات ما صرفه عن موافقة أهل الحديث في معاني مذهبهم في ذلك، فوافق هؤلاء في اللفظ وهؤلاء في المعنى".

أهم مؤلفات ابن حزم الأندلسي

يصنف الإمام ابن حزم ضمن أكثر علماء الإسلام إنتاجا للمؤلفات علي مدار حياته ويأتي في ذلك بعد الإمام الطبري، حيث ألف ابن حزم في الأدب كتاب طوق الحمامة، كما ألف في الفقه وفي أصوله، وشرح منطق أرسطو وأعاد صياغة الكثير من المفاهيم الفلسفية.

ومن أهم كتبه: الأخلاق والسير في مداواة النفوس، والإحكام في أصول الأحكام، والإعراب عن الحيرة والالتباس الموجودين في مذاهب أهل الرأي والقياس، والتقريب لحد المنطق والمدخل إليه بالألفاظ العامية والأمثلة الفقهية، والفصل في الملل والأهواء والنحل، والمحلي بالآثار، والناسخ والمنسوخ.

 والنبذة الكافية في أحكام أصول الدين، وجمهرة أنساب العرب، وجوامع السيرة النبوية، وحجة الوداع، ورسائل ابن حزم، وطوق الحمامة، ومراتب الإجماع في العبادات والمعاملات والاعتقادات.

كما يوجد له مؤلفات أخري في الأدب والشعر والطب والفلسفة والتاريخ ويقول المؤرخون أن عدداً كبيراً من هذه الكتب تصلنا بسب إحراقها.

صراعه مع خصومه

في ذلك العهد كان الإمام ابن القيم متتبعا لكتب ابن حزم، وكان يصفه بمنجنيق العرب، وقيل عن لسانه "سيف الحجاج ولسان ابن حزم شقيقان"، حيث عرف عنه شدته في المناظرات مع أصحاب الفكر المالكي في الأندلس.

 مما جعل كثير من العلماء يعارضونه، وبسبب اجتماعهم عليه استطاعوا أن يثيروا غضب المعتضد بن عباد أمير إشبيلية ضده فقرر هدم منزله ومصادرة أمواله وحرق كتبه وتم فرض الإقامة الجبرية عليه في بلدة "لبلة" حتى توفي عام 1064.

أشهر أقوال ابن حزم الأندلسي

قال المؤرخون إن "الإمام" تأثر كثيرا بحادثة حرق كتبه ما دفعه لنظم أبيات من الشعر تعليقا علي حرق الكتب قال:

إن تحرقوا القرطاس لا تحرقوا الذي تضمنه القرطاس بل هو في صدري

يقيم معي حيث استقلت ركائبي وينزل إن أنزل ويدفن في قبري

دعوني من إحراق رق وكاغد وقولوا بعلم كي يرى الناس من يدري

وإلاّ فعدوا بالكتاتيب بدءه فكم دون ما تبغون لله من ستر

كذاك النصارى يحرقون إذا علت أكفهم القرآن في مدن الثغر

وفاة ابن حزم

انتشر في الأندلس ظاهرة عقاب العلماء والمؤلفين بإحراق كتبهم عند الاختلاف معهم وخاصة إذا وصل الخلاف إلى أهل الحكم وهو ما تعرض له الإمام ابن حزم، وبقي في منزله حتى وفاته، وقد قيل إنه رثى نفسه قبل الموت حيث قال:

كأنك بالزوار لي قد تبادرون وقيل لهم أودي علي بن أحمد

فيا رب محزون هناك وضاحك وكم أدمع تزري وخد محدد

عفا الله عني يوم أرحل ظاعنا عن الأهل محمولا إلى ضيق ملحد

وأترك ما قد كنت مغتبطا به وألقي الذي آنست منه بمرصد

فوا راحتي إن كان زادي مقدما ويانصبي إن كنت لم أتزود.

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة