قصة حب ولادة بنت المستكفي وابن زيدون

حب وفراق وقصائد خالدة

  • تاريخ النشر: الجمعة، 17 يوليو 2020 آخر تحديث: الإثنين، 27 يونيو 2022

تعتبر قصة ابن زيدون وولادة بنت المستكفي واحدة من أشهر قصص الحب التي خلدها الأدب العربي في العصر الأندلسي. وقد تمثلت قصتهما في الكثير من المسرحيات والكتب. ووصلت إلينا من خلال بديع أشعارهما، فكلاهما من أبدع شعراء العصر الأندلسي. فمن هما؟ وما هي حكايتهما؟

ولد أبو الوليد أحمد بن زيدون المخزومي بقرطبة سنة 394هـ/1003م. ويعد ابن زيدون واحداً من أهم شعراء الأندلس في عصره. تمتع ابن زيدون بمكانة كبيرة بفضل ما أنفق في تعليمه من عناية، وما وهبه الله من موهبة الشعر.

وقد ظهرت موهبة الشعر عند ابن زيدون وهو في سن العشرين، عندما توفي القاضي الفقيه ابن ذكوان، وألقى على قبره مرثية بليغة.

أما ولادة فهي واحدة من أشهر نساء الأندلس ، وإحدى الأميرات من بني أمية ، وهي واحدة من النساء النابغات في الشعر وفنون القول ، تبوأت مكانة عالية في مجتمعها ، وحازت صيتًا واسعًا بسبب ثقافتها ، وجمالها وفتنتها وزينتها ، تميزت الأميرة بتحررها ، فهي أول من رفعت الحجاب في الأندلس ، وكانت بعد وفاة أبيها ، تقيم ندوة في منزلها يحضرها الشعراء والأدباء ومنهم ابن زيدون ، فبادلته حبا بحب.وهي سليلة بيت ملك إذ أنها بنت الخليفة الأموي محمد بن عبيد الله بن الناصر لدين الله الملقب بالمستكفي بالله، فلما مات أبوها خرجت إلى مجامع الأدباء و العلماء.

ويذكر ابن بسام أن ولاَّدة: “كانت في نساء أهل زمنها واحدة أقرانها، حضور شاهد، وحرارة أوابد، وحسن منظر ومخبر، وحلاوة مورد ومصدر. وكان مجلسها بقرطبة لأحرار المصر، فِنَاؤُها ملعبًا لجياد النظم والنثر، يعشو أهل الأدب إلى ضوء غربتها، ويتهالك أفراد الشعراء والكتاب على حلاوة عشرتها، على سهولة حجابها، وكثرة منتابها. تخلط ذلك بعلو نصاب، وكرم أنساب، وطهارة أثواب. على أنها ـ سمح الله لها وتغمد زللها- اطّرحت التحصيل، وأوجدت إلى القول فيها السبيل، بقلة مبالاتها، ومجاهرتها بلذاتها”.

قصة الحب:

توثقت العلاقات بينها وبين ابن زيدون، فكتبت إليه ذات مرة مجيبة إياه إلى اللقاء بعد طول إلحاحه:

ترقـّب إذا جــنّ الـظـلام زيارتــي              فإنّي رأيــت الليل أكـتـم للـســرِّ

وَبي منك ما لو كانَ بالشمسِ لم تلح       وبالبدر لم يطلع وَبالنجم لم يسرِ

فراق وسجن :

هناك الكثير من الأقاويل حول أسباب فراقهما، يقول ابن بسام:إن ابن زيدون ترك غصناً مثمراً بجماله وجنح لغصن لم يثمر.في إشارة إلى تعلق ابن زيدون بجارية لولادة ـ وهو ما أغضبها عليه.  وقالت في ذلك:

لو كنت تنصف في الهوى ما بيننا     لم تهو جاريتي ولم تتخير
وتركت غصنا مثمـرا بجمـاله     وجنحت للغصن الذي لم يثمر

كما قيل أن السبب هو تعرضها للنقد الشعري منه، حيث انتقد أبيات لها فأحست بالانتقاص، وبعدها انفصلت عنه، انتصارًا لإحساسها بموهبتها الشعرية.

لم تغب المكائد السياسية عن قصة ولادة وابن زيدون، حيث أنها لعبت، بحسب بعض المؤرخين، دورا أيضا في انفصالهما، ويقال أن السبب هو أبو عامر بن عبدوس، والذي كان متيماً بها ويطمع في أن يظفر بودها، فثارت حفيظة ابن زيدون، وجعل دأبه السخر من أبي عامر بن عبدوس، وكتب إليه خطاباً على لسان ولادة يسخر فيه منه، وذاعت الرسالة في قرطبة وتناقلها الناس واعتبروها من روائع الأدب العربي، بدأها بقوله:

"أما بعد، أيها المصاب بعقله، المورّط بجهله، البين سقطه، الفاحش غلطه، العائر في ذيل اغتراره، الأعمى عن شمس نهاره، الساقط سقوط الذباب على الشراب، المتهافت تهافت الفراش في الشهاب، فإن العُجْب أكذب، ومعرفة المرء نفسه أصوب، وإنك راسلتني مستهدياً من صلتي ما صَفِرتَ منه أيدي أمثالك، متصدياً من خُلتي لما قُرعت دونه أنوف أشكالك، مرسلاً خليلك مرتادة، مستعملاً عشيقتك قوادة، كاذباً على نفسك أنك ستنزل عنها إلي، و تَخْلفُ بعدها علي”.

وهو ما جعل  ابن عبدوس يدبر له تهمة ومكيدة أدخله بها إلى السجن، لكن ابن زيدون استطاع الفرار من حبسه.

وبعد هربه قضى ابن زيدون بعد هربه فترة من الزمن شريداً في قرطبة، يتمنى أن يستطيع رؤية ولادة، ثم أرسل إليها بقصيدته الأشهر (النونية) وهي واحدة من أروع قصائد الشعر الأندلسي والشعر العربي عموما، يقول في مطلعها:

أَضْحَى التَّنَائِـي بَدِيْـلاً مِـنْ تَدانِيْنـا        وَنَا بَ عَـنْ طِيْـبِ لُقْيَانَـا تَجَافِيْنَـا
ألا وقد حانَ صُبـح البَيْـنِ صَبَّحنـا           حِيـنٌ فقـام بنـا للحِيـن ناعِيـنـا
مَـن مُبلـغ المُبْلِسينـا بانتزاحِـهـم         حُزناً مع الدهـر لا يَبلـى ويُبلينـا

لكن الولادة لم تجبه. بعد فترة استطاع أن يعود إلى قرطبة .

النصب التذكاري:

تخليداً لقصة حب الولادة وابن زيدون أقيم  نُصب تذكاري في ساحة مارتيليه في قرطبة وسمي "نُصب الحُب"، وفيه كفان كادا أن يلتقيان ويتلامسان، يحاكيان يد الشاعرة "ولادة بنت المستكفي" و يد حبيبها الشاعر "ابن زيدون".

وكتب على التمثال أبيات شعر عربية لكل من ابن زيدون وولادة، وترجمت هذه الأبيات أيضا باللغة الإسبانية.

في الأعلى نقشت أبياتالولادة:

"أغار عليك من عيني ومني.. ومنك ومن زمانك والمكانِ
ولو أني خبأتك في عيوني.. إلى يوم القيامة ما كفاني".

وتحتها كتبت أبيات ابن زيدون:

"يا من غدوت به في الناس مشتهرا.. قلبي يقاسي عليكم الهم و الفكر
ايا من إن غبت لم ألقَ إنسانًا يؤانسي.. وان حضرت فكلُّ الناس قدْ حَضَرا" .