بين الحرب والسلام البارد: كيف تغيّرت السياسة العربية

التحولات السياسية في العالم العربي بعد أزمات العقد الأخير: من الحرب إلى السلام البارد

  • u88uiubronzeبواسطة: u88uiu تاريخ النشر: منذ 9 ساعات زمن القراءة: 3 دقائق قراءة
بين الحرب والسلام البارد: كيف تغيّرت السياسة العربية

بين الحرب والسلام البارد: كيف تغيّرت السياسة العربية بعد أزمات العقد الأخير؟

شهد العالم العربي خلال العقد الأخير سلسلة من الأزمات العميقة، من الحروب الأهلية إلى التغيرات السياسية المفاجئة، ومن التحولات الاقتصادية إلى إعادة رسم التحالفات الإقليمية. ومع كل أزمة كانت تظهر ملامح جديدة للسياسة العربية، مختلفة في شكلها ومضمونها عن تلك التي عرفناها في العقود السابقة.
لم يعد المشهد العربي كما كان، فبدل الحروب المشتعلة على الأرض، بدأنا نعيش ما يمكن تسميته بـ”السلام البارد”؛ هدوءٌ في السطح، وتنافسٌ حاد في العمق.

من زمن الشعارات إلى زمن المصالح

كانت السياسة العربية لعقود طويلة محكومة بالشعارات الكبرى: الوحدة، التحرير، والمقاومة. لكن الأزمات التي عصفت بالمنطقة منذ عام 2011 كشفت أن الشعارات وحدها لا تكفي. تحولت اللغة السياسية من المثالية إلى الواقعية، ومن الخطاب الجماهيري إلى الحسابات الدقيقة للمصالح الوطنية.

فقد أدركت الدول أن البقاء لا يتطلب فقط القوة العسكرية أو الشعبية، بل الذكاء السياسي في إدارة الأزمات وتوازن العلاقات مع القوى الكبرى والإقليمية.

ومع ذلك، لم تختفِ القيم والمبادئ من المشهد؛ بل أعيد تفسيرها بلغةٍ أكثر عملية. فالحديث عن الأمن والاستقرار لم يعد مجرد شعار، بل أصبح شرطًا للتنمية والبقاء وسط عالمٍ مضطرب.

الإعلام كمرآة للتحول

خلال هذا التحول الكبير، لعب الإعلام العربي دورًا مهمًا في نقل الصورة وتحليل الأحداث ومواكبة التغيرات.

لم يعد الإعلام مجرد ناقل للخبر، بل أصبح جزءًا من صناعة الوعي العام، وفضاءً للنقاش حول الخيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ومع تطور أدوات الاتصال ووسائل التواصل الاجتماعي، تغيّر دور المواطن أيضًا؛ أصبح شريكًا في الحوار العام، وصاحب رأيٍ وصوتٍ يمكن أن يُسمع.

وهذا التفاعل بين الإعلام والمجتمع والسياسة ساهم في تعزيز الشفافية، وفتح آفاقًا جديدة للنقاش حول قضايا كانت تُعتبر من قبل مغلقة أو حساسة.

تحولات في موازين القوى

أفرزت أزمات العقد الأخير واقعًا عربيًا جديدًا، تتعدد فيه مراكز القرار الإقليمي.

فلم تعد القوة مركزة في عاصمة واحدة، بل توزعت بين عواصم عدة، كل منها يسعى لتأمين مكانه في خريطة النفوذ الجديدة.

التحالفات أصبحت أكثر مرونة، والمواقف السياسية أكثر قابلية للتبدل، بما يتماشى مع تغير المصالح الإقليمية والدولية.

وباتت الدول العربية تتعامل مع ملفاتها الأمنية والاقتصادية بعقلانية أكبر، تدرك أن العزلة لم تعد خيارًا، وأن التعاون الإقليمي أصبح ضرورة لا ترفًا.

السلام البارد.. واقع أم مرحلة مؤقتة؟

مصطلح “السلام البارد” يصف تلك الحالة التي تتوقف فيها الحروب المباشرة، لكن التوتر يظل قائمًا.

في المنطقة العربية، يتجسد هذا السلام في العلاقات التي تبدو مستقرة ظاهريًا، لكنها محكومة بحسابات دقيقة ومخاوف متبادلة.

ومع ذلك، فإن هذا السلام، رغم برودته، يمنح الدول فرصة لالتقاط الأنفاس، ولإعادة ترتيب أولوياتها الداخلية، بعيدًا عن استنزاف الصراعات.

إنه سلام يحتاج إلى شجاعة سياسية، لا تقل عن شجاعة الحرب نفسها، لأنه يختبر قدرة الأنظمة على التفاهم والتوازن أكثر مما يختبر قوتها العسكرية.

نحو سياسة أكثر نضجًا

العقد الأخير، رغم قسوته، جعل السياسة العربية أكثر نضجًا وواقعية.

بدأت كثير من الحكومات والمجتمعات تفكر بمفهوم “الربح المشترك”، لا “الانتصار الكامل”، وظهر جيل جديد من السياسيين والمحللين والإعلاميين يتحدثون بلغةٍ أقرب إلى لغة المصالح المتبادلة والتنمية المستدامة.

وربما كان هذا هو التحول الأهم: أن تتعلم المنطقة أن السياسة ليست صراعًا دائمًا، بل إدارة حكيمة للاختلاف.

في النهاية، يمكن القول إن العالم العربي يعيش اليوم مرحلة انتقالية دقيقة بين ماضٍ مليء بالاضطرابات ومستقبلٍ يبحث عن استقرارٍ متوازن. قد يكون السلام باردًا، لكنّه يفتح الباب لحوارٍ أعمق، ولإعادة بناء الثقة بين الدول والشعوب. فبعد عقدٍ من الأزمات، يبدو أن السياسة العربية بدأت تتعلّم درسها الأهم: أن التغيير لا يولد من الانفجار، بل من الوعي، ومن إرادة الشعوب في أن تصنع مستقبلها بيدها، لا بيد الآخرين.

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة
  • المحتوى الذي تستمتع به هنا يمثل رأي المساهم وليس بالضرورة رأي الناشر. يحتفظ الناشر بالحق في عدم نشر المحتوى.

    u88uiu bronze

    الكاتب u88uiu

    باحث ومؤلف سوري حاصل على ماجستير في إدارة الأعمال، إلى جانب دبلوم في الفكر السياسي ودبلوم في إدارة الأعمال أعمل على تطوير الأفكار والمشاريع في مجالات متعددة، مثل الذكاء الاصطناعي، التقنيات الصناعية، الأمن الذكي، وتنمية المجتمعات. كما أعمل على تطوير منصات التواصل الاجتماعي والأنظمة الذكية لتحقيق تنمية شاملة ومستدامة .من مؤلفاتي: كتاب إشراقات الفكر،  كتاب 50 قانونًا في إدارة الأعمال

    image UGC

    هل لديكم شغف للكتابة وتريدون نشر محتواكم على منصة نشر معروفة؟ اضغطوا هنا وسجلوا الآن !

    انضموا إلينا مجاناً!