قطاع النشر والطبع في لبنان.. حياة تتجدد رغم الأزمات والتغيرات

  • DWWbronzeبواسطة: DWW تاريخ النشر: منذ 8 ساعات
قطاع النشر والطبع في لبنان.. حياة تتجدد رغم الأزمات والتغيرات

محمود درويش، مظفر النواب، نزار قباني، معين بسيسو، محمد الجواهري، وغيرهم اتخذوا من بيروت محطة للتواصل مع قرائهم، ومساحة لنشر ما لم يستطيعوا نشره في بلادهم. كانت بيروت، ملاذاً دافئاً وحاضنةً لإبداعهم. فما موقع بلاد الأرز حاليا على خارطة الثقافة والنشر؟

هل ما زال لبنان مركزا رياديا للنشر؟ خصوصا بعد مروره بالأزمة الاقتصادية، وجائحة كورونا، وانفجار المرفأ والحرب الأخيرة وبموازاة تطور التقنية على صعيد الكتب الإلكترونية والصوتية وتأثيرها الاقتصادي عالميا على المطابع ودور النشر.

رغم الظروف: أكبر كتاب في العالم

في خطوة غير مسبوقة، يعتزم رئيس المجلس الثقافي اللبناني والاغترابي الإعلامي اللبناني فادي رياض سعد، إصدار أضخم كتاب في العالم يحمل عنوان "رواد من بلاد الأرز". يتميز هذا المشروع الفريد بأبعاد هائلة، حيث يصل ارتفاع الصفحة إلى 5.4 أمتار وعرضها إلى 4.4 أمتار، مما يمنح كل صفحة مساحة تقارب 23.75 متراً مربعاً، ليبلغ إجمالي مساحة الكتاب نحو 10,452 متراً مربعاً موزعة على 440 صفحة.

وفي حديثه مع DW عربية، أشار سعد إلى أن "الفكرة انطلقت بعد أكثر من عقدين من الجهود التوثيقية حول الانتشار اللبناني، بهدف تخليد إسهامات اللبنانيين في نشر الثقافة على النطاق العالمي، من خلال كتاب ضخم يسجل الإبداعات والمعالم التاريخية والهجرة والصحافة والمبدعين اللبنانيين". ويضيف أن التحديات التي نواجهها اليوم تمثل آمالًا لمستقبل مشرق.

يعاني قطاع الكتاب في لبنان من أزمة حادة بسبب الأزمة الاقتصادية، وجائحة كورونا، وانفجار المرفأ والحرب الأخيرة والتغيرات التقنية، وتراجعت القدرة الشرائية، وتوقفت التحويلات المصرفية، مما أدى إلى ضعف دور النشر.

كما أن عدم الاستقرار السياسي دفع العديد من الدول إلى الاستغناء عن الطباعة في لبنان، مما زاد تراجع القطاع.

أوضح مدير عام وزارة الثقافة في لبنان، الدكتور علي الصمد، في اتصال مع DW عربية، "قد زاد الوضع سوءاً بفعل تداعيات جائحة كورونا وما رافقها من أزمات اقتصادية. كما أن حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني دفعت العديد من الدول العربية إلى الاعتماد على مطابعها المحلية، والاستغناء عن الطباعة في لبنان، مما وجّه ضربة قاسية لهذا القطاع ".

وأضاف، "في السنوات الأخيرة، أغلقت بعض الدول، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، حدودها أمام المنتجات اللبنانية، مما أثّر بشدة على حركة تصدير الكتب. وتُشير الإحصاءات إلى أن حوالي 50% من الكتب اللبنانية كانت تصدّر إلى السوق السعودية، إن هذا الأمر قد أسفر عن تأثير اقتصادي عميق على مجال الطباعة والنشر".

في قلب منطقة حارة حريك، في الضاحية الجنوبية لبيروت، تتجلى تجربة مكتبة "فيلوسوفيا" كرمز للنهضة الثقافية المتجددة بعد الدمار، حيث يعبر عباس فقيه، صاحب المكتبة، عن الإصرار والتحدي بقوله: "مع اندلاع الحرب، وجدنا أنفسنا في دوامة من الأزمات الاقتصادية التي طالت جميع جوانب حياتنا، بما في ذلك صناعة النشر.

ورغم تلك التحديات، أطلقنا عملية الترميم فور توقف القتال، دون انتظار لتعويضات أو دعم. جددنا المكتبة والواجهات، وبعد ثلاثة أيام فقط عدنا إلى العمل. حتى في خضم الحرب، واصلنا تقديم خدماتنا عبر الإنترنت، لأن القراءة كانت بالنسبة للكثيرين ملاذًا نفسيًا يقيهم من صدمات الأزمات."

ورغم الظروف كلهم، تحاول دور النشر في لبنان، العودة إلى المجال بقوة، عبر المشاركة في المعارض الدولية، وهذا ما أكده ناشر دار المؤلف، ناصر عاصي في حديث مع DW عربية، "قطاع النشر اللبناني يتفاعل أكثر مع المعارض الخارجية التي عادت هذا العام بعد شهر رمضان، إذ تقام حالياً مجموعة من المعارض بالتزامن، مثل معرض المغرب، معرض أربيل، معرض مسقط، معرض أبوظبي، ومعرض الدوحة. ورغم مشاركتنا كدار المؤلف في جميع هذه المعارض، إلا أن المصاريف المرتفعة (من إيجار الأجنحة إلى كلفة السفر والشحن)، تطرح تساؤلاً جديًا حول جدوى هذه المشاركات، خاصة مع ضعف الحضور الجماهيري وتراجع القدرة الشرائية للناس، واعتماد العديد منهم على الكتب الإلكترونية والمواقع الرقمية للحصول على المواد القرائية".

عندما نتحدث عن المعارض العربية، يجب أن نذكر معرض بيروت العربي والدولي للكتاب، الذي يعد من أوائل المعارض التي بدأت. أُسِّس في 23 أبريل عام 1956، وكان أول معرض عربي للكتاب في الشرق الأوسط حيث التقى الجمهور في الجامعة الأمريكية في بيروت. يُعرف باسم "عميد المعارض العربية"، مما يبرز دور لبنان في نشر الثقافة. من المهم أيضاً أن بيروت حصلت على لقب عاصمة عالمية للكتاب في عام 2009.

التحديات التقنية وتكنولجيا القطاع

يعاني قطاع الكتاب في لبنان من أزمة عالمية أثرت في الإنتاج والنشر. يُعزى هذا التراجع إلى تأثير التقنية الحديثة، من الحواسيب والهواتف المحمولة وصولاً إلى الذكاء الاصطناعي، مما أدى إلى تراجع الإقبال على الكتاب الورقي. وسجل عباس فقيه، موقفاً سلبياً من التحول الرقمي، رغبة منه في حماية صناعة النشر والثقافة المكتوبة، وقال، "بصراحة، أرفض التحول الكامل إلى الرقمي. لا أؤمن بأن النشر الرقمي يمكن أن يكون بديلاً حقيقيًا للكتاب الورقي.

اعتبر أن التخلي عن الكتاب الورقي يعني إطلاق رصاصة الرحمة على صناعة النشر والثقافة المكتوبة. لذلك، سنبقى متمسكين بالكتاب الورقي، ونعمل جاهدين على تشجيع القراء على التمسك به، باعتباره ركيزة أساسية للحفاظ على هويتنا الثقافية والمعرفية."

ويؤكد ناصر عاصي، "رغم تحديات العصر الرقمي، ما زال الكتاب الورقي يحتفظ برونقه الخاص، تمامًا كما لا يمكن الاستغناء عن رغيف الخبز. ويفخر الناشر اللبناني بحمل رسالة وطنية راسخة، مستندة إلى تاريخ طويل وعريق في صناعة الطباعة والنشر الذي يمتد لأكثر من 300 عام."

وأشار الدكتور علي الصمد، "يشكل الذكاء الاصطناعي تحديًا عالميًا للقطاعات جميعهن، بما فيها صناعة الكتاب.

ورغم المخاوف، إلا أن لبنان، بفضل انتشار أبنائه في الجامعات والمؤسسات التقنية العالمية، مرشح ليكون رائدًا في هذا المجال. كما أن هناك موجة عالمية بدأت بالعودة إلى تقدير الكتاب الورقي، خاصة بعد جائحة كورونا، مما يعزز من احتمالية استعادة الكتاب مكانته في الحياة الثقافية والاجتماعية."

رغم كل مغريات التكنولوجيا وتسهيلاتها في تلخيص محتوى الكتب عبر تطبيقات إلكترونية، إلا أنه يبقى للكتاب جمهور، مغرم بورقه على مختلف أنواعه، ويبقى الكتاب رفيق دربهم في منزلهم، في عطلتهم، في سفرهم وفي كل لحظة انعزال وراحة عن ضجيج الواقع.

مبادرات وخطط لدعم القطاع

خلال الحرب، لجأت العديد من دور النشر اللبنانية إلى فتح فروع لها في الخارج لضمان استمرار نشاطها، خصوصًا في دول الخليج و مصر. هذا التوسع ساعد جزئيًا في الحفاظ على حضور لبنان الثقافي إقليميًا رغم الصعوبات.

أوضح الدكتور علي الصمد، "في عام 2017، أطلقت وزارة الثقافة خطة خمسية للنهوض بالقطاع الثقافي، خُصص جزء كبير منها لدعم النشر والطباعة. كما خصص مؤتمر "سيدر" لاحقًا ميزانية للقطاع الثقافي بلغت حوالي مئتين وثمانين مليون دولار.غير أن هذه الخطط لم تنفذ عمليًا بسبب الأزمات السياسية والمالية التي عصفت بالبلاد".

وأشار الإعلامي سعد، "نعتقد أن هذا الكتاب سيكون له دور محوري في التأثير في النشر ليس في لبنان وحسب، بل في الدول العربية أيضا، وذلك بسبب فكرة الكتاب بحد ذاتها، إذ إن فضول الشخص سوف يدفعه لزيارة هذا المعلم؛ ومن ثم سيهتم باقتناء نسخة منه؛ ومن ثم قد تكون خطوة لأي شخص للعودة إلى الورق وريحه الحبر ومتعة المطالعة ".

ووجه ناصر عاصي، رسالة قال فيها، "، نأمل مع التغييرات السياسية الحالية في لبنان أن يشهد هذا القطاع نهضة جديدة، خاصة أن قطاع الطباعة يُعتبر صناعة ثقافية أساسية يجب دعمها وإنقاذها".

تعود مقولة "مصر تؤلف، لبنان يطبع والعراق يقرأ" للأذهان، إلا أن التطور الثقافي، ساهم في جعل الجميع يقرأ ويطبع ويؤلف، لكن يبقى لبنان وجهة الناشرين، بسبب حرية الرأي، وجودة الطبع، وتبقى بيروت حاضنة وعاشقة للشعر والأدب.

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة