هنري كيسنجر.. الثعلب العجوز

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الخميس، 19 أغسطس 2021
هنري كيسنجر.. الثعلب العجوز

ريتشارد نيكسون، جيرالد فورد... رحل هؤلاء، لكن مستشارهم الثعلب مازال يستقرئ المستقبل، ويتنبأ بتحولات النظام الدولي، أستاذ السياسة الدولية هنري كيسنجر، الذي عايش الحرب العالمية، عاش التجربة الاستخباراتية، ولم يقف عند تعقب الغوستابو إباّن تقدم الحلفاء عام 1944، وإنما تعقب كل الأزمات الدولية، ورسم ملامح السياسة الخارجية الأمريكية في القرن المنصرم.

كيسنجر الثعلب العجوز الذي لم تعرف أفكاره ورؤياه هرماً كما سحنته، بلغ الثلاثة والتسعين عاماً وما زال يقرأ النظام الدولي وتحركات لاعبيه من منظورٍ واقعي، فكيف كانت تجارب الثعلب قبل أن يخوض في غمار السياسة؟

 

كيسنجر الطفل الخجول

ولد هنري ألفيرد كيسنجر (Henry Alfred Kissinger) في عام 1923في مدينة فورت (Fürth) بمقاطعة بافاريا في ألمانيا. والده لويس كيسنجر (Louis Kissinger) (1887_1982) كان مدرساً، أما والدته فهي بولا شتيرن (Paula Stern) (1901_ 1998) كانت ربة منزلٍ. كان هنري طفلاً خجولاً متردداً في كلامه وتعامله مع الآخرين، كما كانت لعبة كرة القدم الأحب إليه، في فترة شبابه لعب كجناح مع نادي فورث، الذي كان من أفضل الأندية الألمانية في ذلك الوقت.

هاجر هنري مع عائلته إلى لندن عام 1938 هرباً من الاضطهاد النازي الذي وقع على عائلته، ثم انتقلوا إلى نيويورك وبعدها ذهب هنري إلى واشنطن ليكمل دراسته الثانوية في قسم هايتس في منهاتن العليا، حيث عاش هناك كجزءٍ من مجتمع اليهود المهاجرين، ثم أكمل دراسته في معهد جورج واشنطن وكان في نفس الفترة يعمل في مصنع لفراشي الحلاقة، وبعد أن أنهى دراسته الثانوية انتقل ليدرس المحاسبة في نيويورك، وفي عام 1943 أوقف دراسته، ليلتحق بصفوف الجيش الأمريكي.

 

تعقب الغوستابو ونفذ عملياتٍ استخباراتية

بدأ هنري كيسينجر يتلقى تدريباته العسكرية الأساسية في 19حزيران/ يونيو عام 1943، في معسكر كروفت في سبارتنبرغ بولاية ساوث كارولينا، وفي نفس العام حصل على الجنسية الأمريكية، وأرسله الجيش لدراسة الهندسة في كلية لافاييت (Lafayette) في ولاية بنسلفانيا، بعدها أوكلت إلى كيسنجر مهمة قيادة الفرقة 84 للمشاة، وفي عام 1944 تطوع للقيام بمهام استخباراتية خطرة خلال معركة الثغرة (بدأت عام 1944، وهي هجوم نفذته القوات الألمانية للالتفاف على قوات الحلفاء، وأطلق عليه عدة أسماء، كمعركة الأردين، وعملية مراقبة الراين.

استمرت هذه المعركة حتى عام 1945). أثناء تقدم القوات الأمريكية في ألمانيا أصبح كيسنجر مسؤولاً عن إدارة مدينة كريفلد الألمانية، ثم أسس فيها إدارةً مدنيةً، كما تسلم قيادة سلاح الاستخبارات المضادة، ووصل إلى رتبة رقيب، وتولى قيادة فرقةٍ استخباراتية، لتعقب ضباط الغستابو (Gestapo) (الغستابو أجهزة أمن ألمانية سرية كانت مسؤولة عن عمليات الاغتيال في فترة الحكم النازي)، وحصل كيسنجر على نجمةٍ برونزية، لما قدمه من جهود خلال عملياته الاستخباراتية.

في عام 1946 تم تكليفه للتدريس في مدرسة القيادة الأوروبية للمخابرات في معسكر الملك، استمر في الخدمة بهذا الدور على أنه موظف مدني بعد انفصاله عن الجيش.

 

كيسينجر ثعلب السياسة الأمريكية الخارجية

بعد انفصال هنري عن الجيش الأمريكي بدأ بدراسة العلوم السياسية في جامعة هارفارد، وتخرج بدرجة شرف عام 1950، وحتى عام 1954 تمكن من الحصول على درجتي الماجستير والدكتوراه، حيث كانت أطروحة الدكتوراه بعنوان "السلام والشرعية والتوازن". بقي في جامعة هارفارد كعضو من أعضاء هيئة التدريس، وأصبح مستشاراً لتنسيق العمليات في مجلس الأمن الوطني عام 1955..

وبعد ذلك بعام أصدر كتابه "الأسلحة النووية والسياسة الخارجية"، وفي عام 1958 شارك في تأسيس مركز الشؤون الدولية، كما أصبح مدير برنامج هارفارد لدراسات الدفاع، وكان في نفس الفترة مديراً لندوة هارفارد الدولية، أما خارج الأوساط الأكاديمية فقد شغل هنري منصب مستشار للعديد من الجهات الحكومية ومراكز الفكر والرأي مثل مركز بحوث العمليات والحد من التسّلح، ووكالة نزع السلاح، ووزارة الخارجية الأمريكية.

أصبح كيسينجر مستشاراً للأمن القومي ووزيراً للخارجية في فترة رئاسة ريتشارد نيكسون (Richard Nixon) الذي حكم منذ عام 1969 إلى عام 1974، استمر كذلك في فترة رئاسة جيرالد فورد (Gerald Ford)، وكان لكيسنجر دوراً كبيراً في السياسة الخارجية الأمريكية، حيث أرسى أسس سياسة الانفراج (سياسة تقوم على تخفيف حدة التوتر بين السوفييت والأمريكان) بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، أدت هذه السياسة فعلاً إلى تخفيف حدة التوتر بين الطرفين، كما لعب هنري دوراً أساسياً في المحادثات التي جرت مع رئيس الوزراء الصيني تشو إن لي (Zhou Enla)، من ثم حدوث التقارب السياسي بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية الصين الشعبية.

 

جوزيف هيلر" كيسينجر رجلٌ بغيض"

لم تكن النظرة إلى هنري كيسنجر تحمل ذات الطابع؛ بأنه حاول أن يصنع السلام وأن يجنب العالم الكثير من الدماء، فالكاتب الروائي والمسرحي جوزيف هيلر (كاتب أمريكي عمره يقارب عمر كيسنجر)، يصف هنري بالرجل البغيض، لأنه "يجلب الحروب بكل سرور ودون اكتراث"، كما يرى هيلر بأن هنري كان "يطيح بحقوق الإنسان لأجل أهداف الحرب الباردة، وكان له دورٌ كبير في قصف الهند الصينية، إضافة إلى دوره فيما فعلته إندونيسيا من اعتداء على تيمور الشرقية (دولة تقع في جنوب شرق أسيا)، ومن ثم فيما قامت به الولايات المتحدة الأمريكية في بنغلادش وذهب ضحاياه آلاف القتلى، بالإضافة إلى دوره في الإبادة الجماعية للخمير الحمر (الحزب الحاكم في كمبوديا، وهو حلف مؤلف من مجموعة أحلاف شيوعية)، كذلك بإسقاط الرئيس الماركسي سيلفادور الليندي في تشيلي عام 1973".

 

كيسنجر وسياسة الفتنمة" لا معنى للانتصار في الفيتنام"

اشتعلت حرب فيتنام أو كما يطلق عليها اسم حرب الهند الصينية عام 1955، التي كان طرفاها شمال فيتنام ومجموعة من الحلفاء على رأسهم الاتحاد السوفيتي، وجنوب فيتنام وكانت الولايات المتحدة من حلفائه، لم تتدخل الولايات المتحدة بشكل مباشر في الحرب إلا في عام 1965، وأُرسل كيسنجر حينها إلى فيتنام، حيث قال بعد مراقبة الوضع فيها:

"لا معنى للانتصارات العسكرية في فيتنام".

وبعد فوز ريتشارد نيكسون في الانتخابات عام 1968، عُقد الأمل عليه بأنه سيحقق السلام في فيتنام. اتبع نيكسون سياسة "الفتنمة" التي قامت على سحب القوات الأمريكية من جنوب فيتنام بشكل تدريجي، وفسح المجال للجيش الفيتنامي الجنوبي بتوسيع القتال أمام الجيش الفيتنامي الشمالي (الجيش الشعبي لفيتنام).

كما لعب كيسنجر دوراً محورياً في قصف الولايات المتحدة لكمبوديا، لتعطيل وحدات الجيش الشعبي الفيتنامي، ومنع وصول الإمدادات إلى الثوار الجنوبين المعارضين لحكومة سياغون والمدعومين من فيتنام الشمالي، لكن سياسة نيكسون وكسينجر لم تغير الواقع القتالي على الأرض أو تدفع بتحسن الأمور لصالح الولايات المتحدة الأمريكية، حيث زاد القصف الأمريكي للشمال من شراسة الجيش الشعبي الفيتنامي؛ الذي تمكن من التغلغل والوصول إلى الجنوب.

في عام 1972 بدأ كيسنجر _كان مستشاراً للأمن القومي_ بالمفاوضات السرية مع ممثل فيتنام الشمالي "دوك تو"، في نفس الفترة أمر نيكسون بقصف هانوي (عاصمة فيتنام الشمالي)، للضغط على الفيتناميين والحصول على مكاسب في أرض المعركة، بيد أن ذلك أدى إلى تأزم الوضع، وإلى المزيد من الخسائر في الجيش الأمريكي، إلى أن انتهت المفاوضات عام 1973 بانسحاب جميع الجنود الأمريكيين من فيتنام.

 

اتهم باغتيال سيلفادور الليندي

فاز المرشح الاشتراكي سيلفادور الليندي (Salvador Allende) بالانتخابات الرئاسية التشيلية عام 1970، ما أثار مخاوف الولايات المتحدة الامريكية آنذاك، بسبب سياسته الاشتراكية والمؤيدة للأنظمة الاشتراكية في العالم، و منها النظام الكوبي، فحث كيسنجر إدارة الرئيس ريتشارد نيكسون ووكالة الاستخبارات الأمريكية (سي آي إي) لتشجيع الانقلاب العسكري في تشيلي على الرئيس المنتخب، بيد أن الانقلاب لم ينجح، فاستمرت العلاقات بين تشيلي والولايات المتحدة الأمريكية بصورة باردة أثناء حكم الليندي.

وبدأت أمريكا تخلق الذرائع لتعاقب الليندي، وفي أعقاب تأميم الحكومة التشيلية لمناجم النحاس التي كانت تستثمرها الشركات الأمريكية، ازداد استياء الولايات المتحدة الأمريكية، ففرضت عقوبات اقتصادية على تشيلي، ومولت المخابرات المركزية الأمريكية الحملات الدعائية المناهضة للحكومة التشيلية، مستخدمة الدعاية السوداء (التي تقوم على تشويه صورة الآخر لتحقيق مصالح معينة).

وفي عام 1973، دعمت الولايات المتحدة الأمريكية الانقلاب العسكري ضد سيلفادور الليندي، الذي قاده غيستو بونشيه وقتل فيه سيلفادور الليندي، وبينت وثيقة نشرتها السي آي إي عام 2000 بعنوان "أنشطة وكالة الاستخبارات الأمريكية في تشيلي"، بينت من خلالها دعمها للمجلس العسكري الذي قاد الانقلاب في تشيلي عام 1973، واغتيل خلاله الليندي كجزء من عملية كوندور (Condor) (وهو برنامج سري للقمع السياسي والاغتيال، تقوم به الحكومات اليمينية للمخروط الجنوبي في أمريكيا اللاتينية ضد الاشتراكيين)، وظهر تورط هنري كيسنجر في عمليات الكوندور آنذاك وبشكل كبير بعد اغتيال سيلفادور الليندي.

 

كيسنجر ورقة رابحة استخدمها دونالد ترامب

إن لشخصية هنري كيسنجر تأثيراً كبيراً في أوساط المجتمع الأمريكي، فهو الذي ساهم في وضع أسس السياسة الخارجية الأمريكية في سبعينيات القرن الماضي، كما لعب دوراً في تخفيض حدة التوتر بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية إبان الحرب الباردة، كما كان لشخصيته الدبلوماسية دوراً في تحقيق طموحات الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، أثناء جولاته المكوكية، أيضاً في سبعينيات القرن الماضي؛ ما جعل لمستشار الأمن القومي الأسبق_ هنري كيسنجر_ احتراماً كبيراً في المجتمع الأمريكي.

وهو ما ساعد دونالد ترامب على استخدام هنري ورقةً رابحة في حملته الانتخابية أمام منافسيه، فكثيراً ما كان يؤكد أن هناك علاقة قوية تجمع بينه وبين هنري كيسنجر، وقال ترامب بعد إحدى لقاءاته مع الثعلب: "لديَّ احترامٌ هائل للدكتور هنري كيسنجر، وأقدر تقاسمه الأفكار معي". وذلك على الرغم من الانتقاد الذي وجهه هنري كيسنجر لقرار دونالد ترامب؛ المتمثل بطرد المسلمين من الولايات المتحدة الأمريكية.

 

الجوائز التي حصل عليها كيسنجر

حصل هنري كيسنجر على العديد من الجوائز خلال عمله السياسي، أهمها:

  • جائزة نوبل للسلام عام 1973، للمساعي التي قدمها لوقف الحرب في فيتنام.
  • تلقى وسام الحرية الرئاسي (وهي جائزة أسس لمنحها الرئيس الأمريكي جون كينيدي) من قبل الرئيس الأمريكي جيرالد فورد عام 1977.
  • فاز في عام 1980 بجائزة الكتاب الوطني عن الجزء الأول من مذكراته.
  • تلقى جائزة سيلفانوس ثاير (Sylvanus Thayer) (جنرال أمريكي قدم العديد من الخدمات والإنجازات التي تخدم الأكاديمية، فصيغت الجائزة باسمه تكريماً له) للأكاديمية العسكرية الأمريكية عام2000.
  • أصبح عضو شرف في اللجنة الأولمبية الدولية عام 2002.
  • حصل على جائزة روزفلت ثيدور (Theodore Roosevelt) للتجربة الأمريكية من نادي الاتحاد جامعة نيويورك عام 2009.
 

أهم الكتب التي ألفها كيسنجر

ألف كيسنجر خلال عمله ومسيرته السياسية العديد من الكتب، أهمها:

  1. كتاب العالم المستعاد، مترنيخ، كاسلر ومشاكل السلام (A World Restored: Metternich, Castlereagh and the Problems of Peace)، عام 1957.
  2. الأسلحة النووية والسياسة الخارجية (Nuclear Weapons and Foreign Policy)، عام 1957.
  3. ضرورة الاختيار، آفاق السياسة الأمريكية الخارجية (The Necessity for Choice: Prospects of American Foreign Policy)، عام 1961.
  4. السياسة الخارجية الأمريكية (American Foreign Policy)، عام 1969.
  5. الدبلوماسية (Diplomacy)، عام 1994.
  6. هل أمريكا بحاجة إلى سياسة خارجية (Does America Need a Foreign Policy?) عام 2001.
  7. فيتنام تاريخ شخصي من تورط أمريكا فيه، وتخليص من حرب فيتنام (Vietnam: A Personal History of America"s Involvement in and Extrication from the Vietnam War)، 2002.
  8. الأزمات (Crisis) عام 2003.
  9. النظام العالمي (World Order)، عام 2014.

بالإضافة إلى المذكرات التي كتبها هنري وهي:

  • سنوات في البيت الأبيض (The White House Years)، عام 1979.
  • سنوات من الاضطرابات (Years of Upheaval)، عام 1982.
  • سنوات من التجديد (Years of Renewal)، عام 1999.
 

كيسينجر يعيد ترتيب رؤياه في كتاب النظام العالمي

يعيد كيسنجر ترتيب رؤياه لواقع الدول والنظام الدولي في كتاب النظام العالمي الجديد، وهو ما كان قد طرحه في العديد من كتاباته، وتجلت من خلال خوضه في التجربة السياسية، يتكلم هنري عن الدول في النظام الدولي كالتالي:

  • الشرق الأوسط: يلعب الجهاديون الإسلاميون دوراً كبيراً في تمزيق المجتمعات والدول الشرق أوسطية، بحثاً عن رؤى ثورةٍ عالميةٍ قائمة على رؤية أصولية لدينهم، كما أن مؤسسات تلك الدول تنهار بفعل ضربات هؤلاء الجهاديين.

  • آسيا: هي الأنجح في تبني مفاهيم الدولة السيدة، لكنها تنتظم بحشدٍ من المنافسات بين الدول.
  • الولايات المتحدة الأمريكية: متأرجحة بين الدفاع عن النظام الوستفالي (نسبةً إلى معاهدة وستفاليا التي عقدت عام 1648، وتمخض عنها الدولة الأمة وعدم التدخل بشؤون الدول) وشجب مقدمتيه المتمثلتين بتوازن القوى وعدم التدخل بشؤون الدول الأخرى، وبكليهما أحياناً.
  • أوروبا: النظام فيها قائم على التعددية.

كيسنجر "الموازنة بين المشروعية والقوة استثنائية التعقيد"

يشير هنري كيسنجر في كتابه النظام العالمي إلى أن الموازنة بين المشروعية والقوة مسألة تزداد تعقيداً، كلما كانت المساحة التي تنطبق عليها الجغرافية أضيق والقناعات الثقافية التي بداخلها أكثر، بيد أن الحاجة في العالم الحديث تتطلب نظاماً عالمياً يغطي كوكب الأرض، وهو حشدٌ من الكيانات التي لا علاقة لبعضها ببعض عبر التاريخ أو القيم، ويتحدث عن زيارته للصين عام 1971، بهدف التواصل بعد عقدين من العداء، حيث كانت الصين بنظر الوفد الأمريكي أرض ألغاز، إلا أن رئيس الوزراء الصيني جو أن لاي قال: "سيجدها الأمريكيون غير ملغزة وثمة تسع مئة مليون من الصينين يجدونها طبيعيةً تماماً".

وفي زماننا لابد من البحث عن نظام عالمي، وهذا يستدعي إيراد جملة من التصورات للمجتمعات التي كانت وقائعها انطوائية إلى حد كبير، واللغز الذي يتعين التغلب عليه هو لغز تتقاسمه سائر الشعوب، لغز كيفية إذابة جملة من التجارب التاريخية والقيم المتباينة في بوتقة نظامٍ مشترك.

هنري كيسنجر أو الثعلب كما أطلق عليه، لعب دوراً محورياً في السياسة الخارجية الأمريكية، فكان له تأثيراً كبيراً على العديد من القرارات الكبرى التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية، كالحرب الفيتنامية، والانقلاب العسكري على الرئيس التشيلي سيلفادور الليندي، وما زال حتى الآن يلعب دوراً كبيراً في السياسة الدولية، عاكساً رؤيته الواقعية للعلاقة القائمة بين الدول.