ضحايا تجارب فرنسا النووية يعانون حتى اليوم... من ينصفهم؟

  • DWWbronzeبواسطة: DWW تاريخ النشر: السبت، 27 سبتمبر 2025 زمن القراءة: 6 دقائق قراءة
ضحايا تجارب فرنسا النووية يعانون حتى اليوم... من ينصفهم؟

"كنا طيلة 30 عاماً بمثابة فئران تجارب لفرنسا"، تقول هينامويورا مورغانت-كروس. تنحدر البرلمانية الشابة من بولينيزيا الفرنسية، وهي مجموعة جزر تقع في جنوب المحيط الهادئ وتضم تاهيتي. شواطئ بيضاء وأشجار نخيل ومياه فيروزية اللون، منطقة توصف بأنَّها "جنة"، ولكنها تحمل إرثاً ثقيلاً: حيث اختبر الجيش الفرنسي على مدى ثلاثة عقود أسلحة نووية في جزيرتي موروروا وفانغاتاوفا المرجانيتين. وفجّر الفرنسيون ما مجموعه 193 قنبلة في هذا الإقليم الفرنسي الواقع وراء البحار ويطلق عليه سكانه اسم "ماوهي نوي". وأول تجربة هناك جرت في 2 تموز/يوليو 1966 تحت الاسم الرمزي "الدبران".

"لقد تم تسميمنا"

والآن تشارك هينامويورا مورغانت-كروس على بعد أكثر من 15 ألف كيلومتر من وطنها في ندوة حوارية في برلين. وتروي بشكل مؤثر في فعالية نظمتها "رابطة الأطباء الدوليين لمنع الحرب النووية" (IPPNW) غير الحكومية العواقب الخطيرة لتجارب الأسلحة النووية الفرنسية حتى يومنا هذا: معدل إصابة مرتفع بمرض السرطان ، وأطفال يولدون بعيوب وتشوهات خلقية، فضلاً عن تلوث المياه والتربة. وتضيف "بتجاربهم النووية سمموا المحيط، الذي يأتي منه كل غذائنا". كما تشكو السياسية والناشطة، التي تحدثت أيضاً في الأمم المتحدة بنيويورك: "لقد تم تسميمنا من أجل مساعي فرنسا لتصبح قوة عظمى نووية".

خرافة "القنبلة النظيفة"

وتضيف هينامويورا مورغانت-كروس أنَّ الحكومة الفرنسية تعمَّدت في ذلك الوقت خداع سكان الجزر حول مخاطر تلك التجارب. وزعم الرئيس شارل ديغول أنَّ القنبلة الذرية الفرنسية "خضراء ونظيفة جدًا"، وأنَّ هذا يميّزها عن القنبلة النووية في هيروشيما. وبالتالي فإنَّ التجارب لن تتسبب في حدوث أية أضرار. ولكن هذه "دعاية فرنسية"، تعلق هينامويورا مورغانت-كروس.

وفي الواقع لقد انتشرت السحب المُشعّة عبر أجزاء واسعة من جنوب المحيط الهادئ ووصل بعضها إلى جزيرة تاهيتي الرئيسية، التي تبعد أكثر من 1000 كيلومتر عن موقع التجربة. وفي كثير من التجارب لم يتم إبلاغ سكان الجزر المجاورة، ناهيك عن إجلائهم.

لا اعتذار من فرنسا

واستمرت التجارب حتى عام 1996، حتى أوقفتها الحكومة في باريس بعد احتجاجات كبيرة في الداخل والخارج. وفرنسا لم تعتذر رسمياً قط عن الأضرار التي أحدثتها في إقليمها الواقع وراء البحار. ولكن الرئيس إيمانويل ماكرون اعترف بالذنب خلال زيارته لبولينيزيا الفرنسية في عام 2021 قائلًا: "الذنب يكمن في حقيقة أنَّنا أجرينا هذه التجارب". اعترف مضيفاً: "نحن لم نكن سنجري هذه التجارب في منطقة كروز أو بريتاني" [داخل فرنسا].

لذلك تذكّر الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية في 26 أيلول/سبتمبر، اليوم الدولي للإزالة الكاملة للأسلحة النووية، بمسؤولية الدول النووية.

وعلى الرغم من ذلك يبدو أنَّ معاناة ضحايا تجارب الأسلحة النووية أصبحت شبه منسية اليوم. ويقاوم ذلك عدد متزايد من شباب مناطق التجارب السابقة، ويرفضون عدم استجابة المسؤولين. ويؤسسون مبادرات ويتواصلون فينا بينهم لتنسيق تحركاتهم.

ومن بينهم الشابة هينامويورا مورغانت-كروس، وهي نائبة برلمانية في بابيتي، عاصمة تاهيتي. وخلال زيارتها لبرلين تحدثت حول مصير عائلتها: جدتها كانت في الثلاثين من عمرها عند بدء التجارب وهي مصابة بسرطان الغدة الدرقية، وكذلك حال عمتها ووالدتها. وهي نفسها، المولودة في عام 1988، وشقيقتها تعانيان من مرض السرطان.

السرطان يمكن أن يظهر بعد أجيال

وبحسب الخبراء يعتبر تزايد ظهور حالات مرض السرطان في العائلات بهذا الشكل نتيجة لتجارب الأسلحة النووية. ويمكن للإشعاع النووي أن يسبب عيوباً وراثية يمكن أن تُورَّث للأجيال اللاحقة.

وحول ذلك تقول خبيرة الأسلحة النووية يانا بالدايس من "شبكة القيادة الأوروبية" (ELN): "الشيء الخبيث في الإشعاعات النووية هو أنَّ تأثيرها يمتد عبر الأجيال. وهذا يشمل زيادة كبيرة في خطر الإصابة بأنواع مختلفة من مرض السرطان، وخاصة سرطان الغدد الليمفاوية وسرطان الدم".

ومن الآثار الأخرى اضطرابات في الإنجاب. وحول ذلك قالت يانا بالدايس في حوار مع DW: "أدى الإشعاع النووي خاصة لدى النساء اللواتي تعرضن له أثناء تجارب الأسلحة النووية إلى تشوهات خلقية لدى المواليد وحالات إجهاض. ولكن هذا يمكن أن ينتقل بالوراثة عبر الأجيال، ويمكن أن يؤدي لدى النساء إلى اضطرابات من بينها العقم".

وبالنسبة لهينامويورا مورغانت-كروس فقد دفعها ارتفاع عدد حالات الإصابة بالسرطان في عائلتها إلى دخولها عالم السياسة. وهي تطالب بمزيد من الدعم لمواطنيها من الدولة المسببة، فرنسا، وتقول: "لا توجد لدينا الرعاية الطبية التي نستحقها. وبالنسبة للأدوية نحن متأخرون 30 عاماً. ومثلًا لا نملك أجهزة تصوير بالموجات فوق الصوتية. نحن نستحق مستشفيات أفضل وعلاجاً أفضل". وتضيف أنَّ عدداً قليلاً من المتضررين فقط يحصلون على فرصة السفر إلى باريس لتلقي العلاج هناك".

صعوبة الحصول على تعويض

وفي عام 2010، أقرت الحكومة الفرنسية قانوناً يعد بتقديم تعويضات لضحايا تجارب الأسلحة النووية. ومن أجل ذلك يتم فحص كل حالة على حدة وبدقة. ويجب على المتضررين إثبات أنَّ مرضهم سببه هذه التجارب.

وفي أغلب الحالات ما يكون هذا صعباً في الممارسة العملية، كما تنتقد خبير الأسلحة النووية يانا بالدايس: "يجب على المتضررين أن يثبتوا تواجدهم بالضبط في مواقع التجارب وقت إجرائها، وهذا بالطبع أمر من الصعب إثباته بعد عشرات السنين". كما أنَّ قائمة الأمراض التي يمكن قبولها كسبب للتعويض محدودة نسبياً. وبحسب منظمة "الحملة الدولية لإزالة الأسلحة النووية" ICAN غير الحكومية فقد حصل بين عام 2010 وتموز/يوليو 2024 على تعويضات من فرنسا 417 شخصاً فقط من سكان بولينيزيا الفرنسية.

ولكن هينامورا مورغانت-كروس لا تهتم فقط بالمساعدة العملية، بل تركز كذلك على التوعية. وتقول في وطنها ما يزال الاعتقاد سائداً بأنَّ التجارب كانت شيئاً جيداً و"نظيفاً" جلب للسكان بعض الازدهار والرخاء: "لعقود من الزمن كانت صور سحب الانفجارات النووية الفطرية معلقة في غرف معيشتنا لأنَّنا كنا فخورين باختيار الفرنسيين لنا". وتضيف أنَّها جعلت من مهمتها مواجهة "طريقة التفكير الاستعمارية" هذه والتوعية بما هي العواقب التي خلفتها التجارب في الواقع.

هل ستُجرى تجارب أسلحة نووية في المستقبل؟

وإلى جانب فرنسا أجرت دول أخرى سلسلة واسعة من تجارب الأسلحة النووية، مثل الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والصين. وبلغ مجموع تجارب الأسلحة النووية أكثر من ألفي انفجار نووي. وغبارها النووي المشع لم يتساقط على مواقع التجارب وحدها، بل أدى أيضًا إلى ارتفاع ملحوظ في مستوى التعرض للإشعاع في جميع أنحاء العالم.

ولم تنتهِ التجارب النووية إلا بعد وقفها بشكل مؤقت والمفاوضات حول معاهدة لحظر التجارب النووية. وباستثناء كوريا الشمالية لم تقم أية دولة أخرى في السنين الأخيرة بتفجير أسلحة نووية لأغراض التجارب. ولكن اليوم يعتقد الخبراء وبالنظر للتوتر في العالم أنَّ استئناف مثل هذه التجارب ممكن.

أعده للعربية: رائد الباش

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة