أبو العتاهية الشاعر الزاهد

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الثلاثاء، 28 يونيو 2022

عاش أبو العتاهية المراحل الأولى من شبابه لاهياً ماجناً، ثم انتقل من الكوفة إلى بغداد، وعندما اشتد عود قصيدته، لمع اسمه في بغداد، وكان ذلك طريقاً أوصل أبا العتاهية إلى حياة القصور، إذ قضى معظم حياته في بلاط الخلفاء العباسيين، مادحاً خصالهم، منتظراً عطاياهم، لكن بعدما خاب مسعاه الدنيوي بسبب السجن وعدم الفوز بمن يحب، لجأ إلى الزهد والتصوف، ليسقط عن نفسه كل الأوزار وكل أعباء الدنيا.

نشأة أبي العتاهية واسمه الحقيقي

لقب بأبي العتاهية، واسمه الحقيقي هو إسماعيل بن القاسم بن سيويد بن الكيسان، وكنيته أبو إسحاق، تعود أصوله إلى قبيلة عنزة، وهناك اختلاف حول تلقيبه بأبي العتاهية، إذ تشير معظم المراجع ومنها ديوانه أن هذا اللقب أطلقه عليه الخليفة العباسي المهدي (وهو من الخلفاء الذين اتصل بهم أبو العتاهية ومدحهم)، إذ كان يقول له: "أنت شخصٌ متحذلقٌ ومُعتَّه"، والمعته هو الذي فيه ميل للجنون. لكن المقصود هنا هو ميله إلى المجون واللهو، ويقول محمد بن يحيى الذهلي (إمام وراوي للحديث من رواة وأئمة العصر العباسي): "لقب بأبي العتاهية لأنه كان يحب الشرب والمجون والتعته".

ولد أبو العتاهية عام 748 ميلادي في عين التمر الواقعة قرب الأنبار في الصحراء العراقية، وعمل في أول حياته ببيع الجرار، إلا أن أبا العتاهية آثر قول الشعر على مهنة بيع الجرار فتركها، وأنكرها إذ كان يقول: "أنا كنت جرّار قوافي وأخي زيد جرّار تجارة". قضى أبو العتاهية شبابه في الكوفة، وانتقل بعدها إلى بغداد ليكمل حياته هناك، وفي بغداد بزغ نجم أبي العتاهية الشعري.

امتدح المهدي ونادم هارون الرشيد وسجن مرتين

قدم أبو العتاهية من الكوفة إلى بغداد بصحبة ابراهيم الموصلي (من أشهر المغنيين في العصر العباسي وكان من أصلٍ فارسي)، وبعدما اشتهر شعر أبي العتاهية، ولمع اسمه في بغداد استدعاه الخليفة العباسي أبو عبدلله المهدي، فامتدحه أبو العتاهية وحصل منه على العطايا.

لكن عندما أحب أبو العتاهية إحدى جاريات المهدي وهي عتبة جارية رِبطة ابنة أبي العباس السفاح (أحد الخلفاء العباسيين)، وكانت وقتها على اسم المهدي، بلغ المهدي كثرة وصف أبي العتاهية لعتبة وتغزله بها؛ فأمر بسجنه، وتوسط له يزيد بن منصور الحميري خال المهدي، فأخرجه من السجن، ومن الأبيات التي وصف فيها عتبة قوله:

عتْبُ ما للخيال... خبريني ومالي

لا أراه أتاني زائراً... مذْ ليالي

لو رآني صديقي... رقَّ لي ورثى لي

ولو رآني عدوي.... لان من سوء حالي

وبعد انتهاء خلافة المهدي اتصل بالخليفة موسى الهادي، ومن بعده أقام علاقاتٍ وطيدة مع هارون الرشيد وأصبح له نديماً، وسجنه الرشيد أيضاً عندما ترك منادمته واتجه لقول شعرٍ عن أهوال الموت، ثم ما لبث أن أطلق سراحه، بعدما ناشده بأبياتِ شعرٍ استعطفه فيها، إذ قال:

تفديكَ نفسي من كل ما كرهت..... نفسك إن كنتُ مذنباً فاغفرْ

يا ليت قلبي مصورٌ لك ما.... لتستيقنَ الذي أضمرْ

وبعد إطلاق سراحه، عاد إلى الشعر لكنه ترك الهجاء والغزل حتى وفاته.

يا نفسي أنت شحيحة والشح من ضعف اليقين

اشتهر أبو العتاهية بشحّه في قومه، حيث كان بخيلاً على نفسه وقومه كما وصفه من عاصره، ومنهم ثمامة بن الأشرس (من أدباء ومنظري العصر العباسي) الذي يقول عنه: "على الرغم من امتلاك أبي العتاهية للمال في بيته، إلا أنه لم يكن يزكي، وكان شحيحاً على نفسه"، ويصف أبو العتاهية بخله قائلاً:

وإلى متى أنا ممسكٌ بخلاً.... بما ملكت يميني

يا نفسي أنت شحيحةً.... والشح من ضعف اليقين

إلا أن أبا العتاهية كان يرفض البخل لدى الآخرين ويذمه، حيث يقول في ذلك:

لم يضرْ بخلُ بخيلٍ غيره.... فهو المغبون لو كان فطنُ

أبو العتاهية أشعر الجن والإنس

عُرف عن أبي العتاهية شاعريته، إذ كان يقول الشعر في كل حالاته وكلامه رقيقٌ حلو الإنشاد، وكان يخاطب جميع الناس بالشعر، ويقول أبو العتاهية عن نفسه: "لو شئتُ أن أجعلَ كل كلامي شعراً لفعلت"، ويصفه الأصفهاني في كتاب الأغاني قائلاً: "كان أبو العتاهية غزير البحر، لطيف المعاني، سهل الألفاظ، كثير الافتتان قليل التكلف.

إلا أنه مع ذلك كثير الساقط المرذول"، كما تحدث الأصمعي عن شعر أبي العتاهية قائلاً: "شعر أبي العتاهية كساحة الملوك يقع فيها الذهب والجوهر والتراب والخزف والنوى"، بينما قال فيه سلم الخاسر (أحد شعراء العصر العباسي): "أبو العتاهية أشعر الجن والأنس".

أبو العتاهية: "أنا أكبر من العروض"

جنح أبو العتاهية إلى التجديد في الشعر من حيث الألفاظ والأوزان والعروض، حيث لم يلتزم في الكثير من قصائده بموسيقى الشعر العربي، ويعتبر أبو العتاهية، أول من تمرد على قواعد الخليل بن أحمد الفراهيدي في علم العروض والقافية، وإن لم يكن قد أسس بشكلٍ فعلي للقصائد المتحررة من الأوزان العروضية.

إلا أن مقولته تشهد على تمرده، فعندما كان يُسأل عن معرفته بالعروض كان يجيب: "أنا أكبر من العروض"، لكن ذلك لم يصدق على جميع قصائده، إذ أن أكثر قصائده تتميز بالإيقاع السليم عروضياً، كما يظهر استخدامه لمعظم بحور الخليل الشعرية، لكن تأثره بأوزان الشعر الفارسي، جعله يبتعد عن الأوزان العربية معظم الأحيان.

أثار أبو العتاهية الجدل عندما قطع حبال الأمل بالحياة

كان تحول أبي العتاهية من حياة المجون واللهو، والانغماس بملذات الدنيا، إلى حياة الزهد والتصوف أمراً مثيراً للجدل، فكيف لشاعرٍ مثل أبي العتاهية كان يمدح الخلفاء من أجل العطايا، كما كان يُقدم المال على كل شيء بأن ينفض كل حبال الدنيا من يده دفعةً واحدة.

بعد أن خرج أبو العتاهية من السجن في عهد هارون الرشيد، حاول الزواج من عتبة الجارية التي أحبها في عهد الخليفة المهدي وسُجن لأجلها إلا أنها رفضت الزواج به، فكان ذلك بداية مرحلة جديدة في حياة أبي العتاهية إذ امتنع على إثر ذلك عن قول شعر الغزل، واختار درب الزهد والتصوف في الدنيا وترك متاعها، وقال قصيدته (قطعتُ منك حبائل الآمال)، وفيها يظهر تخليه عن كل ما تمسك به في أول حياته، فقال:

قطّعْتُ مِنْكِ حبَائِلَ الآمالِ...... وحططتُ عن ظهرِ المطيِّ رحالِي

وَيَئِسْتُ أنْ أبقَى لشيءٍ نِلتُ ممّا........ فيكِ يا دنيا وإن يبقَى لِي

فَوَجَدْتُ بَرْدَ اليَأسِ بَينَ جَوانحي........ وأرحْتُ من حَلِّي ومن ترحالِي

ولئنْ يئستُ لرُبَّ برقة خُلَّبٍ........ بَرَقَتْ لذي طَمَعٍ، وَبَرْقة آلِ

فالآنَ، يا دُنْيا، عَرَفْتُكِ فاذهَبي...... يا دارَ كُلّ تَشَتّتٍ وَزَوَالِ

والآنَ صارَ ليَ الزمانُ مؤدَّباً............. فَغَدَا عَليّ وَرَاحَ بالأمْثَالِ

والآن أبصرتُ السبيلَ إلى الهدَى........ وَتَفَرّغَتْ هِمَمي عَنِ الأشْغالِ

شعر الغزل لدى أبو العتاهية

كتب أبو العتاهية شعر الغزل في بداية شبابه، ومن أشهر قصائده "الهوى جمرُ الغضا"، وفيها يشكو أمره لمحبوبته، لكن على الرغم من أن الحب أضناه إلا أنه يرى فيه المعنى الحقيقي لسعادته، فقال:

خِلّايَ بي شَجوٌ وَلَيسَ بِكُم شَجوُ ...... وَكُلُّ امرِئٍ عَن شَجوِ صاحِبِهِ خِلو

وَما مِن مُحِبٍّ نالَ مِمَّن يُحِبُّهُ.......... هَوى صادِقاً إِلّا سَيَدخُلُهُ زَهوُ

بُليتُ وَكانَ المَزحُ بَدءَ بَلِيَّتي............ فَأَحبَبتُ حَقّاً وَالبَلاءُ لَهُ بَدوُ

وَعُلِّقتُ مَن يَزهو عَلَيَّ تَجَبُّراً....... وَإِنِّيَ في كُلِّ الخِصالِ لَهُ كُفوُ

رَأَيتُ الهَوى جَمرَ الغَضا غَيرَ أَنَّهُ..... عَلى كُلِّ حالٍ عِندَ صاحِبِهِ حُلوُ

أذابَ الهَوى جِسمي وَلَحمي وَقُوَّتي.... فَلَم يَبقَ إِلّا الروحُ وَالجَسَدُ النَضوُ

شعر أبي العتاهية في مدح هارون الرشيد

مدح أبو العتاهية الخليفة العباسي هارون الرشيد، فوصفه بالقائد الذي يجمع بين خصال الشجاعة والصلابة وخصال العطاء والنبل، وهو الرجل الذي تعقد عليه الآمال، ويخشاه كل من يخاصمه، فقال:

وهارُونُ ماءُ المُزْنِ يَشفي من الصّدى... إذا ما الصّدي بالرّيقِ غَصّتْ حَناجرُهْ

وزَحْفٌ لـهُ تَحكي البُروقَ سُيوفُهُ... وتَحكي الرّعودَ القاصِفاتِ حَوَافِرُهْ

إذا حَمِيتْ شمسُ النّهارِ تَضاحكَت... إلى الشّمسِ فيه بِيضُه وَمَغافِرُهْ

إذا نُكِبَ الإسْلامُ يوْماً بنَكْبَةٍ..... فَهارونَ مِنْ بَيْنِ البَريّةِ ثائِرُهْ

ومَن ذا يَفوتُ الموْتُ والموْتَ مُدرِكٌ.... كَذا لم يَفُتْ هارونَ ضِدٌّ يُنافِرُهْ

ومن مدحه لهارون الرشيد قوله:

إمام الهدى أصبحت بالدين معنيّا....... وأصبحت تسقي كل مستمطرٍ ريّا

لك اسمان شُقَّا من رشادٍ ومن هدى.... فأنت الذي تُدعي رّشيداً، ومهديا

إذا ما سخطت الشيءَ كان مُسخطاً.... وإن ترضَ شيئاً كان في الناس مرضيّا

بسطتَ لنا شرقاً وغرباً، يدُ العلى.... فأوسعتَ شرقيّاً وأوسعتَ غربياً

شعر الحكمة لدى أبي العتاهية

كان للحياة التي عاشها أبو العتاهية دوراً كبيراً في حكمته وفهمه الصحيح للحياة وعلاقات الناس، فعاش في طفولته فقيراً، وكان ماجناً في فترة شبابه، بالإضافة إلى حياته في قصور الخلفاء العباسيين، وذلك جعل منه ليس شاعراً فقط وإنما متصوفاً أيضاً، ومن أشهر قصائد حكمته "من سالم الناس سلم"، وفيها يبين طبيعة حياة الناس القائمة على حصول كل امرئٍ على ثمرة أعماله، فكل إنسان يحصد نتائج ما يفعل مع غيره من الناس، فقال:

منْ سالَمَ الناسَ سلِمْ.... مَنْ شاتَمَ الناسَ شُتمْ

مَنْ ظَلَمَ النَّاسَ أسَا.... من رحمَ الناسَ رُحمْ

من طلبَ الفضلَ إلى.... غَيرِ ذَوي الفَضْلِ حُرِمْ

مَنْ حَفِظَ العَهدَ وَفَى.... من أحسنَ السمعَ فهِمْ

مَنْ صدقَ اللهَ علاَ.... من طلبَ العلمَ علمْ

منْ خالفَ الرُّشدَ... غوَى من تبعَ الغَيَّ ندمْ

مَنْ لَزِمَ الصَّمْتَ نَجا... من قالَ بالخيرِ غنمْ

مَنْ عَفَّ وَاكْتَفَّ زَكا... مَنْ جَحَدَ الحَقَّ أثِمْ

من مَسَّهُ الضُّرُّ شَكَا... مَنْ عَضَّهُ الدَّهْرُ ألِـمْ

لـمْ يعدُ حيًّا رزقُهُ.... رزقُ امرئٍ حيثُ قُسِمْ

ومن قوله في الحكمة:

إنّ السّلامَة أنْ نَرْضَى بمَا قُضِيَا..... لَيَسْلَمَنّ، بإذْنِ الله، مَن رَضِيَا

المَرْءُ يأمُلُ، وَالآمالُ كاذِبَة..... والمرءُ تصحبُهُ الآمالُ ما بَقيَا

يا رُبَّ باكٍ علَى ميتٍ وباكية..... لمْ يلبَثَا بعدَ ذاكَ الميتِ أنْ بُكِيَا

ورُبَّ ناعٍ نَعَى حيناً أحبَّتهُ..... ما زالَ ينعى إلى أن قيلَ قد نُعيَا

عكم منْ أخٍ تَغتَذي دودُ التّرابِ بِهِ...... وَكانَ صَبّاً بحُلوِ العَيشِ، مُغتَذِيَا

يَبلَى مَعَ المَيتِ ذِكْرُ الذّاكرينَ لَهُ...... من غابَ غيبة مَنْ لا يُرتجى نُسيَا

منْ ماتَ ماتَ رجاءُ الناسِ منهُ فوَ....... لّوْهُ الجَفَاءَ، وَمَن لا يُرْتجى جُفيَا

أبو العتاهية يكتفي بالقليل من متاع الدنيا

اكتفى أبو العتاهية من متاع الدنيا بأقلها، وأغناه عن ذلك حبه لله، وإدراكه سرعة انقضاء الحياة وزوالها، فقال:

حَسبُكَ مِمّا تَبتَغيهِ القوتُ.... ما أَكثَرَ القوت لِمَن يَموتُ

إِن كانَ لا يُغنيكَ ما يَكفيكا..... فَكُلُّ ما في الأَرضِ لا يُغنيكا

الفَقرُ فيما جاوَزَ الكَفافا........ مَن عَرَفَ اللَهَ رَجا وَخافا

إِنَّ القَليلِ بِالقَليــلِ يَكثُر........ إِنَّ الصَفـاءَ بِالقَذى لَيَكدُر

اللَهُ حَسبي في جَميعِ أَمــري.......... بِهِ غَنائي وَإِلَيهِ فَقــري

لا تتَركُ لِلدُنيا النَجاةُ مِنهــا....... لَم تَرَ أَنهى لَكَ مِنها عَنهـــا

لِكُلِّ ما يُؤذي وَإِن قَلَّ أَلَم..... ما أَطوَلَ الليـلَ عَلى مَن لَم يَنَم

الرجاء يكون لله وحده

جرد أبو العتاهية قلبه من حب أهل الأرض، وملأ فؤاده بحب الله، إذ كان على يقين بأن الرجاء لا يكون لعباد الله وإنما لله وحده، وكون الحياة الدنيا لا تورث إلا الضغينة والعداء، فإن الإيمان هو خير ما يغتني به المرء، فقال:

ركنَّا إلى الدنيَا الدنيئة ضلَّة..... وكَشفتِ الأطماعُ منَّا المساوِيَا

وَإنّا لَنُرْمَى كُلَّ يَوْمٍ بعِبْرَة....... نَراها، فَما تَزْدادُ إلاّ تَمادِيَا

نُسَرّ بدارٍ أوْرَثَتْنَا تَضاغُناً...... عَلَيْها، وَدارٍ أوْرَثَتْنَا تَعادِيَا

إذَا المرءُ لمْ يلبسْ ثياباً من التُّقَى...... تقلَّبَ عُرياناً وإنْ كانَ كاسِيَا

أخي كنْ على يأسٍ من النّاسِ كلّهمْ........ جميعاً وكُنْ ما عشتَ للهِ راجيَا

ألمْ ترَ أنَّ اللهَ يكفي عبادَهُ............. فحسبُ عبادِ اللهِ باللهِ كافِيَا

ومن قوله في الزهد أيضاً:

سَكَنٌ يَبقى لَهُ سَكَنٌ...... ما لِهَذا يُؤذِنُ الزَمَنُ

نَحنُ في دارٍ يُخَبِّرُنا......... بِبَلاها ناطِقٌ لَحِنُ

دارُ سوءٍ لَم يَدُم فَرَحٌ........ لِاِمرِئٍ فيها وَلا حَزَنُ

كُلُّ حَيٍّ عِندَ ميتَتِهِ...... حَظُّهُ مِن مالِهِ الكَفَنُ

مات أبو العتاهية في زمن المأمون

توفي الشاعر أبو العتاهية عام 828 ميلادي وذلك في فترة حكم الخليفة المأمون ابن هارون الرشيد، ودفن جثمانه بالقرب من قنطرة الزياتين في الجانب الغربي من بغداد.

أخيراً... عاش أبو العتاهية حياة الشعراء والماجنين، كما عاش حياة المتصوفين والمتعبدين، وانعكس ذلك في شعره رقةً وحكمةً، وعلى الرغم من ثورته على العروض، إلا أنه كتب أعين شعره على بحور الخليل، ولم يصل أبو العتاهية فقط إلى بلاط الخلفاء كما كان يحلم في بداية حياته، وإنما وصل إلى قلوب الزُّهاد والمتصوفين أيضاً، واستمر بطريقه ليصل إلى كتب نقاد هذا العصر وأدباءه، ليقفوا متحسسين عمرهم وحياتهم، كلما قرأوا قوله:

تعّلقتُ بآمالٍ........... طوالٍ أي آمال

وأقبلت على الدنيا..... ملحّاً أيُّ إقبال

فيا هذا تجهّز... لفراقِ الأهل والمال

فلا بدَّ من الموتِ.... على حالٍ من الحالِ

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة