أجمل ما قيل من الشعر عن المساء

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الأربعاء، 20 ديسمبر 2023

ليس كل ما في المساء ظلام! فالشُّعراء يجدون في المساء أكثر مما يعرف المساء عن نفسه، ويأوي الشَّاعر إلى نفسه كلَّ مساءٍ ليبحث عن الوزن والقوافي في هدوء.

معاً سنتعرف على أجمل ما قيل عن المساء وكيف استخدم الشُّعراء رمزية المساء ليعبِّروا عن مشاعرهم المختلفة، ونمرُّ بمساءات الحب، ومساءات الحزن والنَّجوى، كما سنتعرف إلى مساءاتٍ وطنية وسياسية، ومساءات أخرى.

بين محبٍّ يصلِّي للمساء كي يبقى وبين محبٍّ يصلِّي للمساءِ كي يرحل

نجد العشَّاق من الشُّعراء قد خاطبوا المساء في قصائدهم من مواقع مختلفة، فمنهم من حرَّك المساء ذكرياته وأعاد إليه ما فات من أيام الحب ومساءاته.

ومنهم من يخشى حلول المساء لأنَّه سيكون مساءَ رحيل، كما نجد من جعل من المساء صلاةً أو سُلَّماً للغَزَل.

لنبدأ بمساء الغَزل في أبيات الشَّاعر حسين أحمد النجمي:

مساءُ الخيرِ يا قَمراً عَلى آفاقِنا يَظهرْ

مساءُ الخيرِ يا أحلَى مِن الدُّرَّاقِ والسُّكرْ

ويا أغلى مِن اليَاقوتِ والمُرجانِ والأصْفَرْ

ويا مَن فوقَ أهدابِي وبينَ جَوانِحي تَسهرْ

أنامُ السَّحرَ في عَينيكِ أمْ في هُدبِها أُبحِرْ

مساءُ الخيرِ يا زَهراً يُلوِّنُ دَربِي الأخضَرْ

مساءُ الندِّ والأطيابِ والكافورِ والعَنبرْ

مساءُ الشَّوق والأنغاِم والأشعارِ والمزهرْ

فأنتِ مِن السَّنا أبهَى وأنتِ مِن الشَّذا أعطَرْ

وأنتِ على مَرايا اللَّيلِ تِمثالٌ مِن المَرْمَرْ

يُطلُّ الكُحلُ مِن عَينيكِ يَغرقُ طَرفُكِ الأحوَرْ

مساءُ الشِّعرِ يا نَغماً عَلى قيثارَتِي يَسحَرْ

الوحدة والمساء والشَّاعر محمود درويش:

هي في المَساءِ وحيدةٌ، وأنا وَحيدٌ مِثلها

بَيني وبَين شُموعِها في المَطعمِ الشَّتويِّ

طاولتان فارغتان... لا شيءٌ يعكِّرُ صَمتَنا

هي لا تَراني إذْ أرَاهَا... حينَ تَقطفُ وردةً مِن صَدرِها

وأنا كَذلِك لا أراها إذْ تَراني... حِينَ أرشفُ مِن نَبيذِي قُبْلَةً

هي لا تُفَتِّتُ خبزها، وأنا كذلك لا أريق الماءَ فوق الشًّرْشَف الورقيّ

(لا شيءٌ يكدِّر صَفْوَنا)

هي وَحْدها، وأَنا أمامَ جَمَالها وحدي. لماذا لا تًوَحِّدُنا الهَشَاشَةُ؟

أمَّا الشَّاعر بدر شاكر السَّيَّاب فيتمنى ألَّا يأتي المساء سريعاً لأنَّه مساء الوداع:

بربِّ الهَوى يا شَمسُ لا تَتَعجلي لَعلِي أرَاها قَبلَ سَاعِ التَّرحُلِ

سَريتِ فأفُقُ الغَربِ يقلُكِ باسماً طَروباً وأفقُ الشَّرقِ بَادي التَّذلُلِ

كأنَّ السَّنَا إذ فارقَ الأرضَ واعتَلَى رُؤوسَ الرَّوابِي والنَّخيلِ المسبلِ

أحاسيسٌ أخفَاهَا الفُؤادُ وصَانَها زَمَانا ففاضَتْ مِن عيونٍ ومُقَلِ

ألا لَيتَ عُمرَ اليَوم يَزدادُ سَاعةً ليزدادَ عُمرُ الوَصلِ نَظرةَ مُعجلِ

ويثير المساء في قلب إبراهيم ناجي الذكريات فيقول:

يا غلة المُتلَهفِ الصَّادِي يا آيتي وقَصيدَتي الكُبرَى

ماذا تَركت لَديَّ مِن زَادِ إلا استعادَة هَذهِ الذِّكرَى

يا لِلمساءِ العَبقريّ ومَا أبَقى عَلى الأيَّامِ في خَلدي

شَفتاكِ شَفا لوعةٍ وظما وجمالكِ الجَّبار طَوعُ يدي

نمشي وقَدْ طَالَ الطَّريقُ بِنا ونَودُّ لو نَمشي إلى الأبدِ

ونودُ لو خَلت الحَياة لنَا كطريقنا وغَدتْ بِلا أحدِ

ولنزار قباني وقفة مع صلاة المساء؛ يقول:

قِفي كَستنائيِة الخَصلات مَعي في صَلاةِ المسَا التَّائبةْ

نَرَ اللَّيلَ يَرصفُ نَجماته عَلى كَتف القَريةِ الرَّاهِبةْ

ويَرسمُ فوقَ قَراميدها شَريطاً مِن الصُّور الخالبةْ

قِفي وانظُري ما أحَبَّ ذُرانا وأسْخى أنامِلها الواهِبةْ

مَواويلٌ تَلمسُ سَقفَ بلادي وتَرسو على الأنجمِ الغَارِبةْ

على كَرزِ الأفقِ قَامَ المَساءُ يعلِّقُ لوحاته الشَّاحِبةْ

وتشرين شَهر مَواعيدنا يلوح بالديم السَّاكِبةْ

بَيادرُ كانت مَع الصَّيف ملأى تُنادِي عَصافيرها الهاربةْ

وفضلاتُ قشٍ وعطرٌ وجيعٌ وصَوتُ سُنُونُوَّةٍ ذَاهبةْ

شُحوبٌ، شُحوبٌ عَلى مَدِّ عيني وشَمسٌ كأمنيةٍ خَائبةْ

إطارٌ حَزين أحبُّكِ فيه وفي الحَرج يستنظِرُ الحَاطِبةْ

وفي عَبَقِ الخُبز في ضَيّعتي وطفرات تنورةٍ آبيه

وفي جَرسِ الدَّيرِ يبكي... ويَبكي وفي الشُّوحِ... في نَارِهِ اللَّاهِبه

كما يمتلك نزار قباني سرَّ المساء؛ فيقول:

ما دُمتِ لي... سرُّ المساءِ مَعي

وهذِه الأقمارُ أقماري

وأنجمُ المَساءِ لي مِئزرٌ

وفوقَ جَفنِ الشَّرق مِشوارِي

أمَّا مساء غادة السَّمان فيتحول إلى مجزرةٍ إن لم تسمع صوت من تحب، حيث تقول:

وأصرخُ بملءِ صَمتي: أُحبُّكَ

وأنتَ وَحدكَ سَتسمَعُني مِن خَلفِ كلِّ تِلكَ الأسوار

أصرخُ وأناديكَ بملءِ صَمتي

فالمَساء حِينَ لا أسمع صَوتكَ... مجزرة

اللَّيلُ حينَ لا تَعلَقُ في شَبكَةِ أحلامي، شهقَةُ احتضارٍ واحدة.

المَساءُ وأنتَ بَعيدٌ هَكذا وأنا أقفُ عَلى عَتبةِ القَلق

والمَسافةُ بَيني وبَين لقائكَ جِسرٌ مِن اللَّيل

لم يَعد بوسعِي أنْ أطوي اللَّيالِي بدونكِ

لمْ يَعد بوسعِي أن أتابع تحريض الزمن البارد

لم يبقَ أمَامي إلا الزِّلزالُ... وحدهُ الزِّلزال

قدْ يمزجُ بَقايانَا ورَمادنا بعدَ أنْ حَرمتنا الحَياةُ فَرحةَ لقاءٍ لا مُتناهِ

الشَّاعر فاروق جويدة والمساء:

ويَمضِي المَساءُ عَلى جِفنِ دَربٍ تَركناهُ يَوماً لكأسَ القَدر

تُعربد فيه ليالي الصَّقيع ووحل الشِّتاء وموتُ الزَّهر

وتَمضي الحَياة عَلى وَجنتيه كحلمٍ تعثَّرَ ثُمَّ انتحرْ

وفوقَ المَقاعِدِ عَهد قديم وأصداءُ نَشوى وطيفٌ عَبَر

ويبكي الطَّريقُ عَلى الرَّاحلين عَلى مَن مَضى أو جَفا أو غَدر

ويَمضي المَساءُ عَلى جِفن دَربٍ رَعانا بدفءٍ كَشمسِ الشِّتاء

رأينا عَلى شَاطئيهِ الأمانَ وحُلماً يداعِبُنا في الخَفاءْ

وفي الدَّربِ عِشنا رَبيعَ الأماني سُكارى نُعانق فِيها السَّماءْ

شّدَونا نَشيدَ الهَوى للحيَارَى وفي الحُبِّ تَحلو لَيالِي الغِناء

رَجعنا إلى الدَّربِ بَعدَ الرَّحيلِ لنَرثي عليهِ بَقايَا لِقاء

عذاب الحب في مساءات الشَّاعر صلاح ابراهيم الحسين:

هَلْ كُلَّما حَلَّ المَساء عَليَّ أنْ أبكِي؟

وأنْ أتلمَّسَ الأوراقَ بَحثاً عَن يَديكِ كأنَّني أعمى

أضاعَ نُجومه في الدَّربِ؟

أمضِي (لا إلى جِهة) على قَلَقي

وأنا أحِبُّكِ فوقَ مَا تَتَصورين الآن

لكني فَقدتُ براعةَ الشُّعراءْ في رَسمِ العَواطِفِ

صرتُ شَفافاً كجرحِ فراشَةٍ في اللَّيل

مساءات الشَّاعر بيان الصفدي:

ذَلك المَساء...

مساءٌ بنافذةٍ مَفتوحة... بأريكةٍ طويلةْ

وقهوةٍ تَعبقُ عَلى شَفتي

مساءٌ مٍن ألَق، لأنَّكِ مُعلَّقة كَنجمَةْ

عَلى صَدرهِ وعَلى صَدري كَصليبْ

ذلكَ المساء... يعودُ إليَّ دَائماً

يَدكُ كأنَّها الآنَ تَرتَعِشُ في يَدي، اندفاقُكِ المُفاجِئ عَلى رِمالي

عُريك الَّذي سَال نَحوي، راحَ يَكسوني قِطعةً قِطعةْ

يعبث بأشلائي

ذَلك المساء.... انبعثَ في الهَواء

دُخانُ روحي

روحي الَّتي لامَستْ عَريكِ المَسلـَّط عليَّ كضوءِ منارةٍ بحريةْ

مساءٌ بعيد... بشفَتين محمومَتين

تُحيطانِ بقَلبي كَقِلادة مِن نَار

المساء يفرِّق ويجمع ويبقى سيد الوقت عند الشَّاعر عبد القادر مكاريا:

سِيدُ الوَقتِ هَذا المَساءْ الَّذي كانَ يَجمعنا

ويُفرقنا الآن!

سيَّدةُ العَقباتِ عَلى دَربِنا هذهِ المُعضلة

كانَ يمكنُ في غَيرِ هَذا الزَّمان وهَذا المَكان

أنْ نُقرِّرَ غيرَ الَّذي قرَّرتهُ لنَا هذهِ اللَّحظةُ الفاصِلة

(...)

جرَّدتنا التفاتَةُ هَذا المَساءِ مِن الوَقتِ... مِن لحظةِ البَوح

مِن حِدَّةِ اللَّوم... مِن أيِّ أمر نُعلِقُ في شَمعدانِه خَيبتَنا

وحدهُ القَلبُ يملكُ كلَّ الحَقائق

الفراق مساءً للشَّاعر ابراهيم عبد القادر المازني:

عِم مَساءً لا بَل تَمهل قَليلاً، تَعُستْ سَاعةُ الفراق الطَّحونِ

زِدتني فِتنةً ولَيسَ جَميلاً مِن هجران والهٍ مَفتونِ

حَاجة النَّفسِ كُلُّها ومِني النَّفس جَميعاً في سِحرِ هَذي الجُفونِ

أتَرَاني ألِذُّ شَيئاً إذا ما غِبتَ عن نَاظِري وقَلبي الحَزينِ

إنَّما يَحسنُ المَساءُ ويَحلو بكَ فاقعدْ أولا وهَذي يَميني

الظلام والهدوء قد يبعث الحزن في النَّفس

المساء لطالما كان وقتاً مناسباً للتفكير والتَّأمل ولا يوجد ما يبعث الكآبة في نفوس الشُّعراء مثل التَّفكير المسائي، فهي فرصة لتذكِّر الماضي عند بعضهم.

ولتأمُّلِ زوال النَّهار وإقفار المدن عند آخرين، تعالوا لنطَّلع على أجمل الأبيات التي قيلت عن المساء وهمومه وأحزانه.

يرى الشَّاعر إيليا أبو ماضي المساء جلَّاباً للكآبة لأنَّه يدعو إلى التأمل، فيقول:

هَذي الهَواجِسُ لَمْ تَكُن مَرسومةً في مُقلتيكِ

فلقد رأيتُكِ في الضُّحى ورأيتُه في وجنَتيكِ

لكنَ وجدتُك في المَساءِ وَضعتِ رأسكِ في يَديكِ

وجَلستِ في عَينيكِ ألغازٌ وفي النَّفسِ اكتئابْ

مثل اكتئابِ العاشقين؛ سَلمى بِمَاذا تُفكِّرين؟

بالأرضِ كَيفَ هَوتْ عُروشُ النُّورِ عَن هَضباتِها؟

أمْ بالمروجِ الخُضرِ سَادَ الصَّمتُ في جنباتِها؟

أمْ بالعصافِيرِ الَّتي تَعدو إلى وُكناتِها؟

أمْ بالمَسا؟ إنَّ المَسا يُخفي المَدائِنَ كالقُرى

والكُوخَ كالقَصِر المَكين والشَّوكَ مِثلَ اليَاسَمين

(...)

ماتَ النَّهارُ بن الصَّباحِ فَلا تَقولي كَيفَ مَاتْ

إنَّ التَّأمُّلَ في الحّياةِ يَزيدُ أوجاعَ الحَياةْ

فدعِي الكآبة والأسَى واسترجِعي مَرحَ الفتاةْ

قدْ كانَ وَجهُكِ في الضُّحى مِثلَ الضُّحى متهلِّلا

فيهِ البَشاشَةُ و البَهاءْ، ليكُنْ كَذلكَ في المَساءْ

ويرى محمود درويش في الليل سفَّاحاً، بل يخشى أن يفقد المساء ذاكرته فينساه، إذ يقول:

اللَّيلٌ يا أمّاه ذِئبٌ جَائعٌ سفَّاح يُطارِدُ الغَريبَ أينمَا مَضى

ماذا جَنينَا نَحنُ يا أمَّاه حتَّى نموتَ مرَّتين؟

فمرَّة نموتُ في الحَياةِ، ومرَّة نموتُ عِندَ الموت.

هلْ تَعلمينَ ما الَّذي يملأني بكاء؟

هبي مرضت ليلةً وهدَّ جسميّ الدَّاء!

هَل يذكُرُ المساءُ مُهاجِراً أتى هُنا ولم يَعد إلى الوَطن؟

هل يَذكُر المَساءُ مُهاجِراً ماتَ بلا كَفن؟

يا غَابةَ الصَّفصافِ! هَل ستذكرين

أن الَّذي رَموهُ تَحتَ ظِلِّكَ الحَزين- كأيّ شيء مَيتٍ - إنسان؟

هلْ تَذكرين أنَّني إنسان، وتحفظينَ جُثَّتي مِن سَطوةِ الغُربان؟

أغنية الشِّتاء والمساء لصلاح عبد الصبور:

يُنبئني هَذا المَساءُ أنَّني أموتُ وَحدِي

ذاتَ مساء مثلهُ, ذاتَ مساء

وأنْ أعوامِي الَّتي مَضتْ كَانتْ هَباء

وأنَّني أقيمُ في العَراء

ينبئني شِتاءُ هَذا العَام أنَّ دَاخلي مُرتجفٌ برداً

وأنَّ قَلبي ميتٌ منذُ الخَريف، قَدْ ذَوى حِينَ ذَوتْ أولُ أوراقِ الشَّجر

ثُمَّ هوى حِينَ هَوتْ أول قَطرةٍ مِن المَطر!

وفي رؤيا صلاح عبد الصبور المسائية رحلة عبر الذاكرة:

في كُلِّ مَساء، حِينَ تدقُّ السَّاعة نِصف اللَّيل، وتذوي الأصوات

أتَداخل في جِلدي، أتشرَّب أنفاسِي، وأنادِمُ ظِلي فَوقَ الحَائط

أتجوَّلُ في تَاريخي، أتنزَّهُ في تَذكاراتِي

أتحدُ بجسمي المتفتِّت في أجزاءِ اليَوم الميت

تَستيقِظُ أيَّامي المدفونةِ في جِسمي المتفتِّت

أتشابَكُ طِفلاً وصَبياً وحَكيماً مَحزوناً

يتآلَّفُ ضِحكي وبُكائي مِثل قَرارٍ وجَواب

أجدلُ حَبلاً مِن زُهوي وضَياعِي لأعلِّقَهُ في سَقفِ اللَّيلِ الأزرق

ولمساءات الوطن حصَّةٌ من قلوب الشُّعراء

لنتوقف مع بعض أجمل ما قيل عن مساءات الوطن، فبين مساء النضال ومساء الطوارئ تثب القصيدة برشاقة لتنقل لنا صوراً من مساءات مختلفة.

لنبدأ مع مساء الطوارئ للشَّاعر جابر قميحة:

عِمْ مساءً أيُّها المَحظورِ في ظلِّ الطَّوارئْ

عم مساءً... وانتبه

والتَزِم في ظلِّها المَيمونِ حَظركْ

فهْي تَحمي الشَّعبَ... والأمنَ

فحَاذِر ضدها أنْ تّتَحرَّكْ

(طَوارئنا طوارقُ كلِّ عاصٍ، تؤدِّبُ مَن بَغى حتَّى يلينا)!

في قصيدته "فتى فلسطين يتحدث" يحاكي عبد الرحمن العشماوي مساءً وطنياً نضالياً، فيقول:

مَساءُ الخَيرِ يا وَطني... أتَيتُكَ انقشُ الإصرارَ في بَوابَةِ الزَّمنِ

أتيتُكَ... هيبةُ التَّاريخِ مِن خَلفي، ونورُ الحقِّ يَطردُ مِن أمامي ظُلمةَ الفِتنِ

أتيتُكَ... أحملُ الرَّشاشَ في كَفٍ وفي أخرى حملتُ لفافَةَ الكَفنِ

مَساءُ الخَيرِ يا وَطني... لَقد سيَّرتُ في بحرِ المآسي أعظَمَ السُّفنِ

ملأتُ فؤادِي الخَاوي بنورِ اللهِ كي أحميكَ يا وَطَني

أتيتُكَ والرؤى البَيضاء تَتبعُنِي

(...)

مساء يا وطني...

مساءُ شريعةٍ سَمِحة، مَساءُ الخَيرِ والإيمانِ والفَرحةَ

مساءُ الرِّيحِ، حينَ يظلُّ يندبُ غيرنَا ريحه

مسَاءُ قوافِل الإيمانِ تفتحُ صَفحةً في دَفترِ الأمجادِ، تأتَي بَعدها صَفحةْ

محمود درويش:

مساءٌ صغيرٌ عَلى قَريةٍ مُهملةْ

وعينانِ نَائمتان

أعودُ ثلاثينَ عَاماً، وخَمسَ حُروبٍ

وأشهد أن الزمان... يخبّئُ لي سُنبلةْ

يغنِّي المُغنّي عَن النَّارِ والغُرباء

وكان المَساءُ مَساء

وكان المُغنّي يُغنّي ويستجوِبُونَه: لماذا تُغنّي؟

يردُّ عليهم : لأنِّي أغنِّي

وقدْ فتَّشوا صَدره، فلَم يَجِدوا غيرَ قَلبه

وقدْ فتَّشوا قَلبه، فلَم يَجدوا غَير شَعبه

وقدْ فتَّشوا صَوتَه، فلَم يَجدوا غيرَ حُزنِه

وقد فتَّشوا حُزنَه فلَم يَجدوا غَيرَ سجنِه

وقد فتَّشوا سِجنه، فلَم يَجدوا غَيرَ أنفسِهمْ في القُيود

وراء التِّلال... ينامُ المُغنِّي وَحيداً

وفي شَهرِ آذار تَصعدُ مِنهُ الظِّلال

مساء غزَّة في شِعر مُعين بسيسو:

حينَما أرسفُ بالأسوارِ في كُلِّ مَساءْ

ولَكَمْ مرَّ مَساءْ... مَساءْ

ويَحومُ اللَّيلُ كالطَّائرِ في مِنقارِهِ خَيطُ ضِياءْ

لنجومٍ لا أراها في السَّماءْ

يفردُ القَلبُ جَناحيهِ بَعيداً ويَطيرْ

لبساتينِكِ يا غَزَّتي الخَضراء... في لَيلِ الجَحيمْ

ولجُدرانِكِ تَغلي كالصُّدورْ... جَرحوها بالرَّصاص

والمناشير عَليها كَالقنادِيل تَقول: يا جِدارَ المُستَحيل

خافقاً في كُلِّ صَدرٍ ثَقبوهْ، وهو شبّاكي الَّذي قَدْ فَتحوهْ

لأرى شَعبِي الَّذي لَم يُخضِعوهْ، خافِقاً في شَفتي مَن عَذَّبوهْ

أحرقوهُ ليفوهْ، غيرَ أنَّ القَلب خفَّاقٌ ولكن لا يَفوهْ

خافقاً في ظِلِّكَ الشَّامِخ يا مَن طَارَدوه

إليكم مجموعة من القصائد والأبيات عن المساء وشؤونه

تفاصيل المساء عند الشَّاعر منذر أبو حتلم:

مساءُ الخيرِ سَيدَتي، هوَ مَساءٌ جَديدٌ إذن

جهَّزتُ قَهوَتي وآلةَ التَّسجيل، وذاكَ المَجنون الجَميل (تشايكوفسكي)

فتحتُ نوافِذَ رُوحي، ورشَشتُ العِطرَ الَّذي تُحبينْ

جهَّزتُ قَصائدي الحَمقاء

وأوراقي .. وفي الصَّدرِ رَفرَفَ عَصفورٌ سَجينْ !

مساءٌ شفيف للشاعرة فواغي صقر القاسمي:

مَن قالَ أنَّ المَساءَ فَوات؟!

وأنَّ اللَّيالي تُقيمُ احتفالاتِها المُزمنة على وَقعِ مَوتِ النَّهار؟!

وتُلقي عَليهِ سَلامَ الأُفول؟!

تحطِّمُ خَلفَ انسحابِ ضياهُ جِرارَ الوَداع لألَّا يعود؟!

وأنَّ المَساءات حُضن النَّزق، وكَهف يلوذُ بِه الصَّاخِبين؟!

مَسائي وديعٌ دفيءٌ حَميمْ، يُقيمُ بذَاتِي كَأسطُورةٍ مِن خَيال

وحلم يسوق إليَّ الهَوى يُقلِّمُ عَن مُقلتيَّ النّعاس

ويَعبُر صَحراءَ قَلبي ليزرعَ فيها رَوابِي القَصيدْ

ويغَمرَها مِن سَواقي الحَنينْ.

مساء مميز من مساءات الشَّاعر كريم معتوق:

لمِاذا أُحسُّ بَهذا المَساءْ، بأنَّكِ غَيرُ جَميعِ النِّساءْ

وأنَّكِ أقربُ مِنِّي إليَّ، وأقربُ مِن دِفءِ هَذا الهَواءْ

وأعرفُ بعدَكِ حَجمَ انكساري، وحَجَم احتضاري

كأنَّ الشتاءْ.... تمادى.. وألف حنينٍ تَمادى

وحزني تمادى عليه الغباءْ

صداقة المساء والشَّاعر عَبد الكريم قذيفة:

ربِّتْ عَلى كَتفِ المَساء فربَّما عَزفَ المَساء عَلى هَواكَ فأطرَبا

وهَفَا إلى شَمسِ الأصيِلِ يزفها عَبقُ اللِّقاءِ المُستَفيضِ تَطيُّبا

يتأجَّجُ القلبُ الجَريحُ وفي المَدى خَطواتُـكِ الثَملة تُغـني للصِّبا

ربِّتْ عَلى كَتفِ المَساء فربَّما صلَّى المساءُ على يَديـكَ تَقَرُّبا

أحلام المساء للشَّاعر علي محمود طه:

إذا ارتَقى البَدرُ صفحةَ النَّهرِ وضَمَّنا فيهِ زَورقٌ يَجري

ودَاعبتْ نَسمةٌ مِن العِطرِ عَلى مُحيَّاكِ خِصلةَ الشَّعرِ

حَسوتها قبلَّة مِن الجَمرِ جُنَّ جُنوني لَها ومَا أدري

أيّ مَعانِي الفُتون والسِّحرِ ثَغركُ أوحَى بِها إلى ثَغري!

حُلم مساءٍ أتاحَهُ دَهرِي غرَّدَ فِيه الحَبيسُ في صَدرِي

فنوَّلَيني فليسَ مِن العُمرِ سِوى لَيالي الغَرامِ والشِّعرِ

إنّي رأيتُ النَّذيرَ في الأثرِ تطلقُ كفَّاهُ طائرَ الفَجرِ!

فقرِّبي الكَأسَ واسكُبي خَمري!

مساء الشَّاعرة نازك الملائكة:

فيمَ أبقَى الآنَ حَيرى في مَكاني؟، آه لو أرجع, لو أنسَى شَقائي

أدفنُ الأحزانَ في صَدرِ الأغَاني وأناجِي بالأَسى صَمتَ المَساءِ

ليتَنا لا نَلتَقي, ليتَ شَقائي ظلَّ ناراً , ظلَّ شَوقاً وسهادْ

يا دمُوعي, أيُّ معنى للقاءِ إنْ ذَوىَ الحُبُّ وأبلاهُ البعاد

أيُّتها الأقدار ما تبغينَ منَّا؟ فيمَ قدْ جئتِ بِنا هَذا المكانا؟

آه لو لمْ نكُ يا أقدارُ جِئنا هَا هُنا , لو لمْ تَقُدنا قَدمَانا

والتقينا, لا فؤادٌ يتغنَّى لا ابتسام رَسمَتُه الشَّفتَان

لمْ يعد إحساسُنا شِعراً وَفنَّا ليتَنا ضِعنَا ومَاتَ الخَافقان

لم يَعد في نَفسي الوَلهى مَكان لأسى أو فرحة أو ذِكريات

أيُّ مَعنى للمُنى؟ فاتَ الأوانْ وذَوت عَينايّ تَحتَ العَبَرات

والتقينا في الدُّجى , كالغرباء تحتَ جُنحِ الصَّمتِ يَطوينا الوجوم

كلُّ شيءٍ ضَاحك تحتَ السَّماء وأنا وَحدي تذويني الهُمومْ

هَكذا يا لَيلُ صوَّرتَ شَقائي في نَشيدٍ من كآباتي وحُزني

قصَّة قد وقعتْ ذاتَ مساءِ.

ختاماً … كما رأينا؛ فمع الشِّعر ننتقل من مساءٍ حزين إلى مساءٍ فَرِحٍ، ومن مساءٍ ثائرٍ إلى مساءٍ هادئ، ولكل شاعر طريقته في استخدام رموز المساء ليعبِّر عمَّا يجول في خاطره، لا تنسوا زيارة قسم الشعر في موقع القيادي.

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة