الشعراء الصعاليك، شعرهم بين التمرّد و القيم النّبيلة

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الثلاثاء، 14 يونيو 2022

حمل الشعراء الصعاليك روح التمرُّد ليس فقط على أقوامهم وإنما على القوالب التقليدية أيضاً، التي بنيت عليها القصيدة العربية لدى شعراء البادية الأوائل.

ففي شعر الصعاليك لا يلاحظ القارئ وقفةً على الأطلال ولا حنيناً إلى ديار المحبوبة، إنما يقرأ نبرة التمرد على الواقع الاجتماعي والاقتصادي، لدى أولئك الصعاليك.

كما يقرأ افتخاراً بالقيم النبيلة وتبريراتٍ لتصعلكهم، فربما كانت الثلة الأكبر من أولئك الصعاليك لا تنأى أن تكون لصوصاً وقطاع طرق، بيد أن الحديث عن أميرهم عروة بن الورد سيكون مختلفاً.

إذ أنه كان أنبل الصعاليك وأكثرهم إيثاراً وجوداً، فلم يُغِر إلا لإطعام الفقراء والضعفاء، فإذا كان روبن هود الذي يسرق الأغنياء ليطعم الفقراء محض أسطورة في الفلكلور الإنكليزي.

فإن عروة بن الورد حقيقةٌ عاشت في البادية العربية، وأكدها علماء اللغة ونقادها.

 

الصعاليك فقراءٌ حملوا بداخلهم روح التمرُّد

تشير لفظة الصعلوك في اللغة العربية إلى الإنسان الفقير الذي لا يملك شيئاً، وفي معجم لسان العرب الصعلوك هو الفقير الذي لا مال له، وتصعلك الرجل أي افتقر، وفي هذا المعنى يقول الشاعر حاتم الطائي:

عنينا زماناً بالتّصعلك والغنى ... فكلَّاً سقاناه بكأسيهما الدّهرُ

فما زادنا بغيةً على ذي قرابةٍ ... غنانا ولا أزْرَى بأحسابنا الفَقْرُ

والتصعلك هنا الفقر، لكن لفظة الصعاليك أخذت معانٍ أوسع من دلالاتها اللغوية عندما ظهرت تلك الفئة من الناس في العصر الجاهلي، والتي تمتهن الغزو والسلب من أغنياء القوم والقوافل التجارية.

بغية تقديم ما يحصلون عليه من أموال وأرزاق إلى الفقراء والمحتاجين من أقاربهم و قومهم، وتلك الفئة من الناس ما ميزها عن فقراء القوم أنها رفضت أن تعيش عالةً وعبئاً على غيرها كما فعل الآخرون.

وكشاهد على ذلك ما قاله الشاعر بكر بن نطاح (أحد شعراء الصعاليك)، واصفاً أن السيف هو الوسيلة في حالة وقوعه في العوز، وليس التسول والتماس الحاجة عند الآخرين، فقال:

ومنْ يفتَقِرْ منّا يعشْ بحسَامهِ ... ومن يفتقرْ من سائر النّاسِ يسألِ

كما أن هؤلاء الصعاليك حملوا في داخلهم روح التمرّد على أقوامهم، والذين في الأغلب كانوا يعاملونهم بازدراء، وظهر هذا التمرد بالأغراض التي طرحوها في قصائدهم.

إذ ابتعدوا عن الأغراض التقليدية بصورتها العامة لدى شعراء البادية الأوائل (سنتحدث عن ذلك لاحقاً)، لكن الصعلكة بمفهومها الأعم هي ظاهرة اجتماعية بدأت في العصر الجاهلي ودفع إليها عدة أسباب.

كالتفاوت بين الفقراء والأغنياء، وطبيعة الحياة والأرض فالقحط والجدب وطبيعة حياة البدو كانت تفرض عليهم الغزو لكسب الأرزاق والعيش.

كما أن عدم وجود دولة جامعة لها أسسها ومرجعيّتها الموحدة جعل الناس تحيا بتلك الطريقة، من هنا كان من بين أولئك الناس شعراء وصفوا حياتهم كصعاليك، وتفاخروا بقيمهم وفعالهم.

 

خرج الصعاليك عن القوالب التقليدية بقصائدهم

لم يلتزم الشعراء الصعاليك البناء التقل��دي للقصيدة في العصر الجاهلي، وهو القالب الذي كان موحداً في كل القصائد الجاهلية، لدى الشعراء الأوائل، كامرئ القيس، طرفة بن العبد، زهير بن أبي سلمى، الحارث بن حلزة...الخ.

وهو القالب الذي تبدأ فيه القصيدة بوقفةٍ على الأطلال تمتلئ بالحنين لديار المحبوبة وأثرها، ثم وصف الراحلة من ناقة أو حصان، ووصف الطبيعة الصحراوية.

ومن ثم طرق الموضوع الرئيسي الذي قال الشاعر قصيدته لأجلها، فيفتخر أو يمدح أو يصف وقائع معركةٍ خاضها..الخ.

بيد أن الشعراء الصعاليك خرجوا عن المألوف، إذ لم تحتوي قصائدهم على مقدمات طلليَّة، ولا وصفاً لمعركة وراحلة أو صحراء، وإنما كانت معظم قصائد الصعاليك تمتلئ بوصف قيمهم الأخلاقية.

والأسباب التي جعلتهم يسلكون مسلكهم في الغزو والنهب، من أجل إطعام الفقراء في معظمهم أو لمآرب شخصية، واتسمت قصائدهم بإطلاق العنان لخيالهم، بالإضافة إلى إبراز حكمتهم في أبياتهم الشعرية.

كما أنّهم أقلّوا من الشعر الغزلي بحكم حياتهم القائمة على عدم الاستقرار.

وسنتحدث تالياً عن أشهر الصعاليك في العصر الجاهلي والأموي والعباسي، وهي الفترات التي شهدت ظهور ونضوج ظاهرة التصعلك.

 

صعاليك العصر الجاهلي

هو عروة بن ورد بن زيد بن عبدلله بن ناشب، يعد من أجود الصعاليك وأنبلهم شيماً، إذ كان لا يغزو لمآرب شخصية بل كان يغزو ليطعم الضعفاء والفقراء من قومه.

وأطلق على عروة بن ورد عدة ألقاب، فهو عروة الصعاليك، لأنه كان يجمع الصعاليك ويرعاهم ويقوم بأمرهم ويساعدهم إذا فشلت غزواتهم.

كما أطلق عليه لقب الفارس الصعلوك، لأنه كان من فرسان الجاهلية الأشداء، بالإضافة إلى أنه نحى منحى الصعاليك من غزوٍ وإغارة.

1- عروة بن ورد يرفض الصعاليك الأذلاء

كان عروة بن ورد لما له من نفسٍ أبية و عزيزة، يرفض التماس الحاجة والتذلل في ذلك، وهو حال كثير من الصعاليك الذين كانوا يعيشون على ما يتبقى من موائد الأغنياء.

وإنما الصعلوك الحق والمفضّل لدى عروة هو الصعلوك الخيّر والنبيل والفارس الذي يهابه أعداؤه، وفي ذلك يقول في قصيدة أقلي عليّ اللوم يا ابنة منذرٍ:

لحى الله صعلوكا إذا جن ليله ... مضى في المشاش آلفا كل مجزر

يعد الغنى من دهره كل ليلة ... أصاب قراها من صديق ميسر

قليل التماس المال إلا لنفسه ... إذا هو أضحى كالعريش المجور

حام عشاء ثم يصبح قاعداً ... يحث الحصى عن جنبه المتعفر

 ولله صعلوك صفيحة وجهه ... كضوء شهاب القابس المتنور

 مطلاً على أعدائه يزجرونه ... بساحتهم زجر المنيح المشهر

إن يعدوا لا يأمنون اقترابه ... تشوف أهل الغائب المتنظر

فذلك إن يلق المنية يلقها ... حميدًاً وإن يستغن يوما فأجدر

وعروة بن الورد لا يخاف الموت، وهو يغامر بروحه علّه يكسب ما يصبو إليه من رزق، حتى يحفظ كرامة وعزة غيره (زوجته وقومه)، ويبعدهم عن الحاجة والذل، فيقول:

 ذريني ونفسي أم حسان إنني ... بها قبل أن لا أملك البيع مشتري

أحاديث تبقى والفتى غير خالد ... إذا هو أمسى هامة تحت صبر

 تجاوب أحجار الكناس وتشتكي ... إلى كل معروف تراه ومنكر

 ذريني أطوف في البلاد لعلني ... أخليك أو أغنيك عن سوء محضر

فإن فاز سهم للمنية لم أكن ... جزوعاً وهل عن ذاك من متأخر

 وإن فاز سهمي كفكم عن مقاعد ... لكم خلف أدبار البيوت ومنظر

ملامح النبل في شعر عروة بن الورد

كان عروة كما ذكرنا شاعراً جواداً، كريم الخلق ونبيلاً، فهو يؤْثر غيره على نفسه ويموت لأجل غيره، كما أنه يرفض أن يرى جاره يذوق الضيم، وهو غضيض الطرف، لا يسترق نظراً إلى جاراته، وفي ذلك يقول:

فما أتْركُ الإخوان ما عشتُ للردى ... كما أنه لا يتركُ الماءَ شاربُه

ولا يستضامُ الدهر  جاري ولا أرى ... كمنْ باتَ تسْري للصديق عقاربُه

وإن جارتي ألوتْ رياحٌ ببيتها ... تغافلتُ حتّى يسْتُرُ البيتُ جانبَه

2- التأبط شراً.. أنيس الوحوش

هو ثابت بن سفيان بن عدي بن كعب، والتأبط شراً لقبٌ اختلف حول إطلاقه عليه علماء اللغة، لكن أشهر القصص حول ذلك، هو أنه لما حمل سيفه وخرج مسرعاً سأل الناس أمه إلى أين ذهب فقالت:

" تأبط شراً وخرج"، وصار ذلك لقبه بين العرب، وكان ملازماً للشنفرى وعدّاءً مثله، يغير وينهب ويسلب، ويصف التأبط شراً مذهبه في التصعلك والحياة.

والقائم على ملاقاة الفرسان الأشداء وهزمهم ليحمي قومه، كما أنه ليس جشعاً ولا نَهِماً في تناول الطعام، ثم يصف شدة تآلفه مع البادية، حتى أنه أصبح رفيقاً للوحوش التي اعتاد على وجودها، فلا هو يخافها ولا هي تَحذره، فقال:

قَليلُ غِرارِ النَومِ أَكبَرُ هَمِّهِ ... دَمُ الثَأرِ أَو يَلقى كَمِيّاً مُقَنَّعا

يُماصِعُهُ كُلٌّ يُشَجِّعُ قَومُهُ ... وَما ضَربُهُ هامَ العِدى لِيُشَجَّعا

قَليلِ اِدِّخارِ الزادِ إِلّا تَعِلَّةً ... وَقَد نَشَزَ الشُر سوفُ وَاِلتَصَقَ المِعا

يَبيتُ بِمَغنى الوَحشِ حَتّى أَلِفنَهُ ... وَيُصبِحُ لا يَحمي لَها الدَهرَ مَرتَعا

عَلى غِرَّةٍ أَو جَهلَةٍ مِن مُكانِسٍ ... أَطالَ نِزالَ المَوتِ حَتّى تَسَعسَعا

3- الشنفرى الشاعر الصعلوك والعدّاء

يوجد اختلاف حول تسمية الشنفرى باسمه، فهناك من قال أن الشنفرى اسمه، لكن الاتفاق الأكبر كان حول أن الشنفرى لقبٌ له، واسمه الحقيقي ثابت بن أواس بن الحجر بن الهنء بن الأزد.

وإنما لُقِّب بالشنفرى لعظم وغلظ شفتاه، وكان الشنفرى من أعدى عدّائي العرب وأسرعهم في الجري، حتى أصبح يضرب به المثل ويقال: "أعدى من الشنفرى".

أسره بني سلامان صغيراً، واستعبدوه عندهم، ولما كبر أدرك حقيقة أصله وأنه من حجر وتوعد أن يقتل منهم الكثيرين، وهو ما فعله وشكل مع صعاليك آخرين كالتأبط شراً والسليك بن سلكة مجموعة كانت تغزو وتنهب وتسلب.

حتى كانت نهايته على يد بني سلامان.

لامية الشنفرى من أبلغ الشعر العربي

كانت قصيدة اللامية للشنفرى من أشهر قصائده، ومن أعين الشعر العربي، حتى أن الخليفة عمر بن الخطاب كان يوصي الناس بأن يعلموها لأولادهم.

لما فيها من بلاغة وقوة سبك، ولأنها تنضح بالقيم النبيلة، وفيها يصف تمرده على قومه، وأنه أصبح يفضل معاشرة وحوش البادية على أن يعاشرهم، ثم يصف عزة نفسه وشجاعته وترفعه عن الجشع ونبله، فيقول:

أقيموا بني أمي، صدورَ مَطِيكم ... فإني، إلى قومٍ سِواكم لأميلُ!

فقد حمت الحاجاتُ، والليلُ مقمرٌ ... وشُدت، لِطياتٍ، مطايا وأرحُلُ؛

وفي الأرض مَنْأيً للكريم عن الأذى ... وفيها، لمن خاف القِلى، مُتعزَّلُ

لَعَمْرُكَ ما بالأرض ضيقٌ على أمرئٍ ... سَرَى راغباً أو راهباً، وهو يعقلُ

ولي، دونكم، أهلونَ: سِيْدٌ عَمَلَّسٌ ... وأرقطُ زُهلول وَعَرفاءُ جيألُ

وكلٌّ أبيٌّ، باسلٌ... غير أنني ... إذا عرضت أولى الطرائدِ أبسلُ

وإن مدتْ الأيدي إلى الزاد لم أكن ... بأعجلهم، إذ أجْشَعُ القومِ أعجل

وما ذاك إلا بَسْطـَةٌ عن تفضلٍ ... عَلَيهِم وكان الأفضلَ المتفضِّلُ

 

صعاليك العصر الأموي

1- الشاعر الصعلوك مالك بن ريب

هو مالك بن ريب التميمي من مازن تميم، عاش في الأيام الأولى للدولة الأموية، اشتهر بشجاعته التي سخرها في قطع الطرق ونهب القوافل، وبقي كذلك إلا أن علم به سعيد بن عثمان بن عفان.

فغير  طريقة حياته القائمة على السلب، فأقنعه بأن يستبدل ذلك بالجهاد في سبيل الله، فأخذه معه إذ كان متوجهاً إلى خرسان لإخماد فتنة هناك.

وهم في طريق عودتهم، لدغته أفعى، فأحس بدنو أجله، فقال مرثيته التي أصبحت من أشهر مرثيات العرب وأطلق عيلها اسم بكائية ابن مالك.

وفيها يحن إلى البادية التي يطمئن قلبه بذكرها، كما يصف كيف اهتدى وترك السلب والنهب، وأصبح يحارب تحت راية ابن عفان.

ثم يبلغ به شعوره بوحدته وحزنه أنه لم يجد من يبكي عليه سوى حسامه، وفرسه التي باتت وحيدة بموت فارسها، وفيها يقول:

ألا ليتَ شِعري هل أبيتنَّ ليلةً ... بوادي الغضَى أُزجي الِقلاصَ النواجيا

فَليتَ الغضى لم يقطع الركبُ عرْضَه ... وليت الغضى ماشى الرِّكاب لياليا

ألم ترَني بِعتُ الضلالةَ بالهدى ... وأصبحتُ في جيش ابن عفّانَ غازيا

وأصبحتُ في أرض الأعاديَّ بعد ما ... أرانيَ عن أرض الآعاديّ قاصِيا

تذكّرتُ مَنْ يبكي عليَّ فلم أجدْ ... سوى السيف والرمح الرُّدينيِّ باكيا

وأشقرَ محبوكًا يجرُّ عِنانه ... إلى الماء لم يترك له الموتُ ساقيا

2- أبو النشناش صعلوكٌ من لصوص العرب

عاش أبو النشناش في العصر الأموي في فترة حكم مروان بن الحكم، وكان لصّاً من لصوص العرب يهاجم القوافل التجارية التي كانت تمر بين الحجاز والشام.

أبو النشناش يقنع بأن الموت مدركه

عندما كان أبو النشناش في إحدى غزواته على قافلة من قوافل الملك مروان بن الحكم، تمكن عامل الملك من القبض عليه وتكبيله، ثم ما لبث أن تمكن أبو النشناش من الهرب.

ولجأ عند رجلٍ من بني لهب، وأدرك عندها أن الموت يأتي الفتى في أي لحظة ومهما كان حاله فإنه ذائقٌ الموت، فقال قصيدته التي يصف بها حياته وفعاله في البادية عارضاً سمات حياة صعلوكٍ مثله.

وأخيراً يحتكم لأمر الموت ويرى أنه مدركه لا محالة، فقال:

وسائلة أينَ الرحيلُ وسائِلٍ ... ومِنْ يسألُ الصُعْلُوكَ أينَ مَذاهِبُهْ

وداويَّةٍ يَهماءَ يُخشَى بهَا الرَدَى ... سَرَتْ بأبي النَشْناشِ فِيها ركائِبُهْ

ليُدركَ ثأراً أو ليُدركَ مغنماً ... جزيلاً وهذَا الدهرُ جَمَّ عجائِبُهْ

فمُتْ مُعدِماً أو عشْ كريماً فإنَّني ... أرى الموتَ لا ينجُو من الموتِ هاربُهْ

 

أشهر صعاليك العصر العباسي

بكر بن النطاح الصعلوك المتكسّب في العصر العباسي

هو بكر بن نطاح يكنى بأبي وائل، من عجل من بني سعد، كان من الصعاليك اللصوص الذين يقطعون طريق القوافل، كي يكسبوا الغنائم والأرزاق.

وكان شاعراً وفارساً في عربه، وبذلك يصف نفسه في قصائده، لكن أبو دلف العجلي (قائد عسكري في زمني الرشيد والمأمون)؛ كان لا يرى فيه غير الكلام دون الفعال.

وأبو دلف نفسه الذي كان يمدحه أبو بكر بن نطاح متكسباً، وهذا كان مأخذاً عليه، لأنه يقول شعراً عن العزة والشجاعة، وهو كان شاعراً وصعلوكاً متكسباً، وعاش في آخر حياته على العطايا التي منحه إياها أبو دلف.

 الرقة في غزل أبي النطاح

كان أبو النطاح شاعراً متكسباً كما ذكرنا، وكان يصف في قصائده فعاله وشجاعته، فقلَّ شعر الغزل لديه، كغيره من الصعاليك.

ومن أعين شعره الغزلي قصيدته التي يصف هواه فيها بالبلاء، فالحب أضناه، وخدعه ما قاله الناس عن حلاوته، فأمسى لا يشابهه في بلوته إلا النبي أيوب، فيقول:

هَل يُبتَلى أَحَدٌ بِمِثلِ بَلِيَّتي ... أَم لَيسَ لي في العالَمينَ ضَريبُ      

فَأَجَبتُها يا أُختُ لَم يَلقَ الَّذي ... لاقَيتُ إِلّا المُبتَلى أَيّوبُ                 

قَد كُنتُ أَسمَعُ بِالهَوى فَأَظُنُّهُ ... شَيئاً يَلَذُّ لِأَهلِهِ وَيَطيبُ               

حَتّى اِبتُليتُ بِحُلوِهِ وَبِمُرِّهِ ... فَالحُلوُ مِنهُ لِلقُلوبِ مُذيبُ

وَالمُرُّ يَعجَزُ مَنطِقي عَن وَصفِهِ ... لِلمُرِّ وَصفٌ يا عَنانُ عَجيبُ    

كُلُّ الوُجوهِ تَشابَهَت وَبَهَرتِها ... حُسناً فَوَجهُكِ في الوُجوهِ غَريبُ                     

وَالشَمسُ يَغرُبُ في الحِجابِ ضِياؤُها ... عَنّا وَيُشرِقُ وَجهُكِ المَحجوبُ                       

أخيراً... كان للشعراء الصعاليك مذهبهم في الحياة القائم على الإغارة والسلب من الأغنياء، إما لتحقيق غاياتٍ شخصية والانتقام لما تعرّضوا له من ظلم اجتماعي حال الشنفرى وصحبه.

وإما لغايات نبيلة تتمثل بمساعدة الفقراء حال عروة بن الورد، وعلى اختلاف الغايات كان لشعرهم طابعه المختلف عن شعر البادية بصورة عامة، فشكلوا جانباً أدبياً جديداً لا يمكن إنكاره والتقليل من أهميته في الأدب العربي.

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة