"البراعم الحمراء"يغضب الإسلاميين والعلمانيين في تركيا

  • DWWبواسطة: DWW تاريخ النشر: الخميس، 25 يناير 2024
"البراعم الحمراء"يغضب الإسلاميين والعلمانيين في تركيا

يثير مسلسل تلفزيوني حالياً نقاشات ساخنة في تركيا. مسلسل "Kizil Goncalar" أو "البراعم الحمراء" باللغة العربية، بدأ بثه منتصف ديسمبر/ كانون الأول على قناة "فوكس تي في" التركية المناهضة للحكومة. للوهلة الأولى يبدو الإسم وكأنه مسلسل تركي عادي، لكنه ليس كذلك: فهو مرآة للمجتمع ويظهر الأزمات السياسية، الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد. وعلى وجه الخصوص يوضح مدى الانقسام العميق الذي تعيشه تركيا: بين عالم ديني إسلامي متشدد وعالم غربي ليبرالي.

يحكي المسلسل قصة مريم التي تزوجت في سن 13أو 14 عاماً من نعيم الذي ينتمي إلى طائفة دينية متشددة تدعى "الفانيون" وهي طائفة من وحي الخيال و قد تمثل الصوفية هنا. يُتوقع من المنتمين لها، تقديم الولاء المطلق وهو ما يقدمه نعيم بسخاء.

بعد الزلزال المدمر في عام 2023، هنا تتخذ أحداث المسلسل منعطفاً واضحاً، حيث يدير نعيم ومريم وابنتهما زينب ظهورهما لوطنهما المدمر في جنوب شرق الأناضول وينتقلان إلى مدينة إسطنبول. يخدم نعيم في الدير، وتساعد مريم في محيطها، ولا يُسمح لابنتهما زينب سوى بالالتحاق بمدرسة القرآن، وليس مدرسة حكومية عادية. وسرعان ما ستواجه مشاكل أكبر: مجتمعهما يسعى إلى تزويج زينب من زعيم الطائفة الذي يتلقى العلاج لدى الطبيب العلماني ليفانت، الذي يتبع المثل الغربية لمؤسس الدولة أتاتورك. تم رسم هذين العالمين، اللذين لا يمكنها سوى يكونا أكثر اختلافًا، بشكل واقعي للغاية، وبالتالي يظهران انعكاساً للبلد.

بين النجاح والانتقادات الشديدة

ظلت تركيا مقسمة بشدة منذ سنوات. وفي ظل حزب العدالة والتنمية الإسلامي المحافظ، أصبحت الفجوة بين المجتمع الديني القوي والمجتمع العلماني الضعيف أكبر من أي وقت مضى. وبينما تم طرد الليبراليين من أجهزة الدولة والقضاء والجامعات، وفي بعض الحالات، من القطاع الخاص، حصلت العديد من الاتحادات والروابط والجمعيات الدينية المحافظة على المزيد من الامتيازات والدعم المالي الكبير. وقبل كل انتخابات، يثار الخوف من خسارة كل هذا إذا ما حدث تغيير في الحكومة.

يأخذ فيلم "البراعم الحمراء" الجمهور إلى الحياة الداخلية لكل من المجتمعات الأخرى. المسلسل التلفزيوني يجبر المشاهدين على أن يصبحوا أكثر وعياً بالبلد المستقطب الذي يعيشون فيه والتفكير في الصورة الفعلية لتركيا التي يريدون العيش فيها. حصدت الحلقة الثانية ما يقرب من سبعة ملايين مشاهد - وهو رقم غير مسبوق في البلد التي يبلغ عدد سكانه85 مليون نسمة.

في المقابل أثار المسلسل أيضاً موجة من الانتقادات في الأوساط العلمانية الليبرالية والدينية المحافظة. غير أن الأخيرة تظاهرت بأعلى صوت. وقاموا بتعبئة مؤيديهم بحيث تلقت السلطات المسؤولة، وفق هيئة الإشراف على وسائل الإعلام 32 ألف شكوى وسرعان ما فرضت عقوبات قاسية وصلت إلى انقطاع البث لمدة أسبوعين وغرامة قدرها نحو 275 ألف يورو ضد قناة "فوكس تي في" بتهمة انتهاك "القيم الوطنية والأخلاقية" وكذللك تشويه سمعة الأشخاص ذوي الخلفية الدينية في بعض المشاهد.

فرصة لاستعراض القوة؟

رجل الدين، إحسان إلياشيك، يرى أن العقوبات القاسية ليست مفاجئة. فقد اتبعت هيئة الإذاعة والتلفزيون التركية خط الحكومة لفترة طويلة وغالباً ما تتدخل في مثل هذه الحالات بعد شكاوي العديد من المتدينين. وقال إلياسيك إنها غالبا ما تصدر قرارات الحظر ثم تؤكدها المحكمة الإدارية لأن المحاكم تضم أيضا قضاة مقربين من الحكومة. ويعتقد رجل الدين أن مثل هذه الحالات تمثل فرصة للحكومة لإثبات قوتها وأنها لا تتسامح مع انتقاد الإسلام. ويريد حزب العدالة والتنمية الإشارة إلى أنه لا ينبغي "احتقار" المتدينين والملتحين والمحجبات في تركيا. يقول إلياسيك: "هؤلاء هم الآن في السلطة، بل إنهم السلطة نفسها، وهذه هي الرسالة".

صحافة الحكومة تحرض ضد "البراعم الحمراء"

أثارت الصحافة الموالية للحكومة استياءها من المسلسلات التي يفترض أنها معادية للإسلام. من ناحية أخرى، يعتقد العديد من المشاهدين أن "البراعم الحمراء" تظهر صورة متباينة للمحافظين الدينيين والليبراليين العلمانيين. كما تؤكد شركة الإنتاج أنها لا تنوي إطلاق أي تعميمات: "من ناحية، نريد إظهار عواقب سلوك الأشخاص الذين يسيئون استخدام قيمهم الخاصة. ومن ناحية أخرى، كيف يمكن للأشخاص الصادقين وذوي الطباع الطيبة إيجاد لغة مشتركة على الرغم من الاختلافات"، وفق الشركة.

وتقول عائشة كافدار، خبيرة الأنثروبولوجيا الثقافية التي تدرس حياة الأوساط الإسلامية منذ سنوات: "إن هذا يزعج الإخوان المسلمين أيضاً". ولأن السيناريو لا يدين مثل هذه الأوساط في جميع المجالات، بل يشير إلى الخير والشر فيهم، فإنهم يشعرون بالإهانة. هناك خير، ولكن بعض الناس يختارون الشر بحرية. وتابعت كافدار: "هذا يزعج هذه الأوساط".

وجاءت أعلى الاحتجاجات من طائفة إسماعيل آغا الموالية للحكومة، والتي غالباً ما تصدرت عناوين الأخبار السلبية في السنوات الأخيرة - وكان آخرها بسبب زواج فتاة تبلغ من العمر ست سنوات من زعيم ديني من طائفتها. وأثارت القضية غضباً واسعاً على مستوى البلاد. وتوصي طائفة إسماعيل آغا منذ سنوات بانتخاب، رجب طيب أردوغان، رئيساً للبلاد.

ووفق دراسات، فإن ما بين أربعة إلى ستة في المائة من السكان الأتراك لديهم ارتباط بمثل هذه التنظيمات والجماعات الإسلامية. "لكن تأثيرهم أكبر بكثير مما يوحي به عدد أعضائهم"، كما تؤكد خبيرة الأنثروبولوجيا الثقافية كافدار. ويرجع هذا إلى أنهم منظمون تنظيماً جيداً ويحافظون على علاقات وثيقة وعملية مع البيروقراطية والسياسة ـ وقد فعلوا ذلك لأكثر من مائتي عام.

وبحسب كافدار، فإن منظمات أخوية مثل نقشبيندي، التي تنتمي إليها جماعة إسماعيل آغا، تتولى مهام مهمة في جهاز الدولة منذ أوائل القرن التاسع عشر. وللتعاون أيضًا تقليد طويل في السياسة والبيروقراطية لأن البعض في الدولة يعتقدون أن مثل هذه المجموعات يمكن أن تكون "مفيدة". وتوضح الخبيرة أن هذه المجموعات لم تستمد قوتها من المواطنين، بل من علاقاتها داخل الدولة. وتضيف: "لقد رأينا مرة أخرى في الماضي القريب مدى الضرر الذي يمكن أن تلحقه مثل هذه الظروف بالبلاد". وتشير بذلك إلى محاولة الانقلاب عام 2016، والتي ارتكزت على الصراع على السلطة بين حزب العدالة والتنمية الحاكم وحركة الداعية الإسلامي غولن المقيم في الولايات المتحدة.

أعدته للعربية: إيمان ملوك

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة