منظمة إنقاذية ألمانية: أولويات الإنقاذ ضرورة والاختيار صعب

  • DWWبواسطة: DWW تاريخ النشر: الخميس، 04 مايو 2017
منظمة إنقاذية ألمانية: أولويات الإنقاذ ضرورة والاختيار صعب

اكتظت سفينة إيوفينتا الإنقاذية التابعة لمنظمة المجتمع المدني الألمانية “يوغِند رِتِت” بلاجئين مذعورين من الغرق في البحر المتوسط. وحول هذا الحادث وعن أسلوب عمل سفينة الإنقاذ، حاورت دويتشه فيليه

المتحدثة باسم المنظمة التي انطلقت مبادرتها من برلين وتضم في صفوفها منقذين متطوعين من جميع أنحاء أوروبا

كيف حال أعضاء طاقم سفينة الإنفاذ إيوفينتا بعد مهمتهم السابقة؟

بولين شميت: لقد انتهينا من هذه المهمة قبل يومين وطاقمنا موجود منذ يوم أمس على جزيرة مالطا. هم بخير ولكنهم يحتاجون إلى مساندة نفسية عاجلة، ويتعاون معنا في هذا الشأن الاتحاد الألماني لمعالجة التوتر النفسي، بعد تلك الأحداث المجهدة. إن هؤلاء الخبراء النفسانيين ينتظرون طاقمنا بعد كل مهمة إنقاذ، ويعملون على تهدئتهم ومعالجة آثار ما عايشه طاقم الإنقاذ، لكن يجب معرفة أن أفراد طاقمنا متمرسون ومدربون نفسياً على مواجهة مثل هذه الأحداث، وهم على وعي تام بالحالات التي سيذهبون إليها.

لماذا تم تحميل الكثير جداً من اللاجئين على متن سفينة الإنقاذ في عرض البحر؟

بولين شميت: لم نقم بتحميل الكثير جداً من اللاجئين على متن السفينة بل تم اكتساح السفينة من قِبَل لاجئين كانوا مذعورين ومصابين بموجة خوف من الغرق في البحر، والذي حدث هو أن منظومة الإنقاذ -وهي جُزر صناعية صغيرة تابعة للسفينة- كانت لعدة ساعات في انتظار استقرار العديد من قوارب اللاجئين المطاطية الموجودة بالقرب منها في البحر. كانت هذه القوارب المطاطية ممتلئة عن آخرها بالناس وفي انتظار المساعدة. وأثناء تلك الحالة تقدم فجأةً قارب خشبي فيه حوالي 800 شخص، وهؤلاء الناس قفزوا مذعورين وخائفين من الغرق إلى مياه البحر، وتسلق كثير منهم سفينتنا “إيوفينتا” التي امتلأت عن آخرها، وكل هذا حدث في ظل أحوال جوية سيئة.

كيف يتم اتخاذ قرار إنقاذ الأشخاص من حيث الأولويات؟ هل تكون الأولوية لإنقاذ المرضى والحوامل وأمثالهم؟

بولين شميت: أولويات الإنقاذ في البحر تتعلق دائماً بالضرورة الطبية وبالحالة التي يعيشها الأشخاص المطلوب إنقاذهم. فالناس الذين يكونون في مياه البحر والأشخاص الذين لا يكونون مُرتَدِين سُتَر الإنقاذ تكون لهم أولوية الإنقاذ، وكذلك الأطفال يتم أخذهم دائماً مع آبائهم وأمهاتهم، لأنه لا يمكن تصور فصل بعضهم عن بعض في مثل هذه الحالات.

ماذا يحدث بعد ذلك للأشخاص الذين يتم إنقاذهم؟

بولين شميت: سفينة “إيوفينتا” لا تُحضِر الناس إلى اليابسة. لكننا نعمل سويا مع مركز إدارة إنقاذ الحالات الطارئة في البحار “إم آر سي سي”، ومقره في روما، وذلك لإيجاد حلول ملائمة أثناء عمليات الإنقاذ. كلٌّ منا يرسل إلى الآخر سفناً للمساعدة. على سبيل المثال مؤخراً في عطلة نهاية الأسبوع أثناء عيد الفصح (2017) قام هذا المركز بإرسال سفينة ناقلة ضخمة عملاقة قامت (من خلال حجمها الضخم) بتأمين مناطق خالية من التيارات الهوائية القوية، وبذلك أصبح اللاجئون في قواربهم وعلى متن سفينة إيوفينتا في وضع أكثر آمانا.

حين نقوم بتسليم هؤلاء الناس إلى المنظمات الإغاثية غير الحكومية، تقوم هذه المنظمات بإحضارهم إلى اليابسة. وما بعد ذلك يكون عبارة عن خطوات حقوقية وقضائية، بحسب اتفاقية قوانين البحار التابعة للأمم المتحدة. وهذه الاتفاقية تنص على وجود ميناء آمن، يُستَخدَم كنقطة تحكم عند حدوث حالات طوارئ في البحار. من البديهي ألاّ تكون نقطة التحكم هذه هي ليبيا، البلد الذي انطلق منه اللاجئون إلى البحر في رحلة فرارهم في البحر وهم خائفون من الموت. وعند وصول اللاجئين إلى اليابسة يتم تسجيل أسمائهم وهوياتهم هناك، ونستمر في العناية بهم.

هل تزداد أعداد اللاجئين في الأشهر الحارة؟

بولين شميت: تعتمد حركة اللاجئين -في المسار المركزي للبحر الأبيض المتوسط- بالتأكيد على حالة الطقس، فحين تكون الأحوال الجوية هادئة وخاصة في فصل الصيف تزداد أعداد اللاجئين الذين يركبون البحر إلى أوروبا.

ماذا يحدث عند وجود عدة حالات طارئة متزامنة تتطلب عمليات إنقاذ في الوقت نفسه في البحر؟ لمن تكون أولوية الإنقاذ، وكيف يتم اتخاذ القرار في هذه الحالة؟

بولين شميت: بشكل عام تبحر سفينتنا بغض النظر عن عدد حالات الطوارئ المتزامنة في البحر، التي يجب علينا أن نعتني بها في الوقت نفسه. تكون الأولوية دائماً للقوارب المطاطية. تقوم سفينتنا بتفحص حالة هذه القوارب، ويوزع الزملاء ملابس الطوارئ وسُتَر الإنقاذ على الناس الذين في القوارب، ويتفحصون خلال ذلك حالة الضرورة الملحة لكل قارب، ثم يتم فرز كل حالة من هذه الحالات وتصنيفها على حدة، وينظرون ما هي القوارب المطاطية التي يتسرب منها الهواء، وفي هذه الحالة من البديهي الاعتناء أولاً بالناس الذين في القوارب التي يخرج منها الهواء.

توجد حالات نقوم فيها بإيقاف مجموعات من الناس ونتركهم ينتظرون لوقت طويل في قواربهم المطاطية، وذلك لأن استيعابية سفينتنا لا تكون كافية، وفي مثل هذه الحالات يبحر طاقمنا بشكل منتظم ذهابا وإيابا إلى هذه القوارب المطاطية، ويتحقق من حالتها الطارئة، ويزود الناس الموجودين على متنها بمياه الشرب وببعض المواد الغذائية، وقد يأخذ الطاقم معه على متن السفينة الأشخاص المحتاجين إلى مساعدة طبية عاجلة. فلسفينة الإنقاذ قدرة استيعابية معينة وليس بوسع قبطان السفينة في عين المكان إلا أن يأخذ عدداً محدوداً من الناس على متنها.

بهذا النظام -إضافةً إلى استخدامنا لمنظومة الجُزُر الصناعية الصغيرة المجاورة لسفينة الإنقاذ والمرتبطة بها من يمينها ويسارها- نستطيع أن نعتني بعدة مئات من الناس، إلى أن تأتي سفينة أكبر حجما من أجل نقلهم، وذلك بالتنسيق مع مركز إدارة إنقاذ طوارئ البحار “إم آر سي سي” في روما.

ماذا يحدث لنفسية المنقذين حين يكونون في مهمة يرون فيها الناس على وشك الغرق أو قيد الغرق في البحر؟

بولين شميت: خلال مهماتنا الإنقاذية يحدث مرارا وتكرارا أن نجد أيضا بشراً قد غرقوا بالفعل. وكذلك نجد كثيرا حالات وفاة فعلية على متن القوارب المطاطية. حالات الوفاة على متن القوارب المطاطية تحدث كثيراً لأن الناس يكون مضغوطين لساعات طويلة في مكان ضيق يضغط فيه الناس بعضهم على بعض، أو أنهم يدخلون في حالة ذعر ويسقطون في البحر. حين نكون في عين المكان قد يحدث أن نجد أناساً قد اضطروا لمعايشة ذلك كله، إلى درجة أن حتى أطباءنا يكونون عاجزين عن مساعدتهم.

لكننا لحسن الحظ من النادر جداً أن وجدنا إلى الآن الحالة القصوى التي نرى فيها أناساً أثناء غرقهم، وذلك لأننا تدربنا مسبقاً على تفادي حدوث ذلك، لكن قد يحدث هذا عند دخول الناس في حالات من الذعر والخوف. في هذه الحالة تصبح طواقمنا في حالة صعبة لأن كل نفس بشرية في غاية الأهمية. توجد لحظات يكون من الواضح فيها أننا لن نستطيع الوصول خلالها إلى القوارب للإنقاذ في الوقت المناسب، وهي لحظات صعبة علينا للغاية.

كيف نشأت فكرة سفينة الإنقاذ؟ ومن هم العاملون لديكم؟

بولين شميت: تم تأسيس منظمتنا عام 2015 كرد فعل مباشر على حادثة غرق إحدى السفن أمام جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، وهي الحادثة التي لقي فيها 800 شخص مصرعهم. لقد دفعنا حجم هذا العدد ممن لقوا مصرعهم غرقا -وكذلك الافتقار إلى مساعدة الاتحاد الأوروبي في هذا الشأن- إلى أن نمسك بزمام المبادرة بأنفسنا. وقد بدأنا بثمانية طلاب جامعيين متطوعين من برلين، غير أن أعضاء طاقمنا هم من كل أنحاء أوروبا.

الفكرة من وراء مبادرتنا هي أننا نريد أن نُظِهر أن المجتمع المدني يرى في العمل الإغاثي الإنساني أهمية قصوى، وفي الوقت نفسه افترضنا أن الاتحاد الأوروبي سيستكمل عملنا هذا وسيتابعه حين يرى حتى أننا بإمكانياتنا المحدودة قد بدأنا في ذلك، لكن للأسف لم يتم تحقيق هذا الأمل حتى الآن.

كيف أصبح مدى تقبل الشعب الألماني للاجئين؟ في بداية أزمة اللاجئين كان الكثير من الألمان مستعدون للمساعدة، لكن الآن توجد آراء مناوئة أيضاً. ما هي وجهة نظر منظمتكم بهذا خصوص؟

بولين شميت: بالتأكيد نحن نكافح نظريات المؤامرة السخيفة الصادرة عن اليمين المتطرف في ألمانيا. يوجد من يدعي كذباً بأنه يتم تمويلنا سِريّاً من قِبَل الولايات المتحدة الأمريكية وبأننا نربح كثيراً من أزمة اللاجئين. منظمتنا هي جمعية عامة غير ربحية ويتم محاسبتها على كل يورو تقوم بصرفها. التبرعات تأتي بشكل كامل من أفراد على حسابهم الخاص، ونحن نجمع هذه التبرعات عبر موقع إلكتروني عنوانه betterplace.org على الإنترنت. ورغم ذلك يبدو للأسف أن هذا الحد الأقصى من الشفافية الذي نتحلى به لا يكفي الكثيرين.

هل يوجد لديكم موظفون ثابتون ومتفرغون للعمل الإنقاذي؟

بولين شميت: الفريق الموجود في برلين وفي مالطا يعمل عدة ساعات في اليوم الواحد ولكننا لا نخصص لأنفسنا أموالاً أو رواتب. ومن أجل تمويل عمل السفينة، نحن مضطرون لأن نشتغل في أعمال أخرى من أجل تسديد تكاليف حياتنا المعيشية. 40 ألف يورو هو المبلغ المطلوب لتغطية تكاليف سفينة الإنقاذ في الشهر الواحد، وضميرنا لا يسمح لنا بأن نأخذ من هذا المبلغ رواتب لنا، إذا كان هذا سيعرِّض عمل سفينة الإنقاذ للخطر. إننا نحتاج كل أموال التبرعات كاملةً من أجل سفينة الإنقاذ.

حاورها: كارستن غرون

ترجمة: علي المخلافي

المصدر: مهاجر نيوز

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة