مصر ـ جدل بشأن زواج مصابين بمتلازمة داون من أشخاص أصحاء

  • DWWbronzeبواسطة: DWW تاريخ النشر: منذ 10 ساعات
مصر ـ جدل بشأن زواج مصابين بمتلازمة داون من أشخاص أصحاء

ضجت مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام القليلة الماضية في مصر بمقاطع فيديو لشاب مصري من المصابين بمتلازمة داون خلال زفافه بفتاة طبيعية، إذ بدا من المقطع على العريس علامات الإعاقة الذهنية مع استمرار بكاء العروسة ما أثار مخاوف من أنها مجبرة عليه، وتسبب ذلك في توجيه إساءات من قبل بعض مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي لزواج مصابي متلازمة داون من أشخاص طبيعيين واتهامهم بأنهم غير مؤهلين للزواج وهي الإساءات التي قوبلت بحملات مضادة للدفاع عن حقوق مرضى المتلازمة والمطالبة بالتعامل معهم من منظور إنساني والتأكيد على أنهم جزء من المجتمع المصري ويتمتعون بكامل الحقوق والواجبات.

الزواج حق طبيعي

وحاولت المؤسسات الدينية التخفيف من وطأة هذه الواقعة، إذ أكدت دار الإفتاء على أن الزواج هو حق من حُقوقِ المعاق ذهنيًّا؛ باعتباره إنسانا طبيعيا لديه الشهوة والعاطفة، ويحتاج إلى سكن ونفقة ورعاية وعناية.

الأمر الذي أكده أيضاً إبراهيم سليم رئيس مجلس إدارة صندوق المأذونين الشرعيين في مصر في حديثه مع DW عربية قائلاً "زواج الشاب من ذوي متلازمة داون من فتاة سليمة صحيح شرعًا ما دامت الفتاة راضية". وتابع أما فيما يخص بكونه مريضاً بمتلازمة داون فأكد "أن الزواج الطبيعي نفسه قد يواجه ظروف مفاجئة مثل تعرض الزوج لابتلاء، أو في حالات أخري تظهر أمراض نفسية للزوج تؤثر سلباً على الحياة الزوجية". وتطرق إلى الإجراءات الخاصة بزواج ذوي المتلازمة قائلاً " يحتاج العريس إلى ولي قانوني له وفي الغالب يكون الوالد لعقد الزواج نيابة عنه، كما يقوم بإجراء فحوصات طبية دون الفحوصات الذهنية". وأضاف "قد يكون هناك تقييمات ذهنية في الزواج في المستقبل، وحتى إذا ثبت وجود خلل ذهني للطرف هذا لن يمنع الزواج طالما الطرف الآخر موافق عليه ويقره".

وأكدت أمل مبدى، رئيس مجلس إدارة الاتحاد المصري للإعاقات الذهنية أن قدرات أصحاب متلازمة داون تتفاوت مثل الأشخاص الطبيعيين، وهم ليسوا مجانيين، وإذا كان صاحب متلازمة داون عمره 30 عاما فتكون قدراته مثل 16 عاماً، ما يؤهله للزواج. واشترطت أن يكون هناك توافق فكري قريب بين الزوج والزوجة. وأشارت إلى أنه خلال إشرافها على تدريب أصحاب متلازمة داون على فعاليات "قادرون باختلاف" وهي مبادرة رئاسية لدعم أبطال ذوي الهمم وتقام سنوياً، تلاحظ سهولة كبيرة في التدريب والاندماج ما يعكس تميزهم. وأبدت أسفها في حوارها مع DW عربية على الهجوم الذي حدث على العريس المصاب بمتلازمة داون، مؤكدة على أحقيتهم في الزواج والإنجاب.

ولا يوجد رصد إحصائي حول الأعداد الحقيقية لمصابي متلازمة داون في مصر، إلا أن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أشار إلى أن نسبة الأشخاص من "ذوى الهمم" أو ذوى الاحتياجات الخاصة في مصر بلغ 2.61% من إجمالي عدد السكان. ومتلازمة داون حالة خلقية، وليست مرضية، تنتج عن زيادة كروموسوم (صبغي)، مسببة تأخر في تطور الطفل عقليًّا أو جسديًّا.

نماذج ناجحة لزواج متلازمة داون

ويشير الواقع إلى أن هناك حالات من أصحاب متلازمة داون متزوجون من أشخاص أصحاء وفي حالات كثيرة ينتج عن هذا الزواج أطفال أصحاء، كما أن عددا كبيرا منهم قادرون على تحمل المسؤولية كمثل باقي البشر، طبقا لاختلاف درجات ذكاء الحالات المصابة، فمنهم الأذكياء ومتوسطي الذكاء ومحدودي الذكاء.

م. ع (33 عاماً)، تزوجت بمصاب "متلازمة داون" منذ عشر سنوات ويبلغ من العمر حاليا 40 عاما وأنجبت ولدا من الأصحاء وعمره الآن 8 سنوات، وزوجها يعمل داخل متجر للإلكترونيات. وتقول لDW عربية أن زوجها ينفق على أسرتها و يتحمل مسؤولية المنزل بدعم ومساعدة من أهله، وإنه زوج كريم وطوال فترة زواجهم لم تتعرض لأي مضايقات منه واصفة زوجها بالملاك، وأنه لو عاد بها الزمن لاختارته مرة أخرى، منتقدة التعليقات السلبية التي تنتقص من حق متلازمة داون في الزواج.

الآثار النفسية والمجتمعية

تحاول الحكومة المصرية تقديم برامج لتأهيل وتدريب وتمكين أصحاب متلازمة داون من تحقيق إنجازات أكاديمية ومهنية وشخصية تتناسب مع قدراتهم وإمكاناتهم، ومع ذلك فان الحكومة تتعامل مع كل ذوي الاحتياجات الخاصة ككتلة واحدة دون تفرقة في الحقوق ونوع الإعاقة، هذا بجانب ما يتعرضون له من ضغوط مجتمعية متمثلة في العنصرية والتمييز.

اعتبرت الدكتورة هند فواد، أستاذ علم الاجتماع المساعد بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية، أن الزواج من حالات داون من الأفراد الطبيعيين يعد تحديا اجتماعيا معقداً يتطلب نقاشات وحوارات مكثفة مبنية على احترام حقوق الإنسان. وتطرقت في حوارها مع DW عربية إلى أبرز الآثار الاجتماعية والنفسية لهذا الزواج أهمها؛ النظرة المجتمعية التي ترفض هذا الزواج لسوء التقدير عن قدراتهم على الانجاب وتحمل المسئولية مما قد يؤدي الى نبذ اجتماعي للطرفين. وأردفت "كما ان الطرف المصاب يصعب عليه القيام بدوره التربوي تجاه الأبناء مما يلقى العبء الأكبر على الطرف الآخر وقد يثير ذلك قلقا اجتماعيا بشأن مصلحة الأبناء، وأحيانا يكون للاستغلال من قبل الطرف الآخر".

أما عن دور الحكومة في دمجهم، فترى أن الحكومة تضع استراتيجيات حقوقية للتعامل معهم دون تفعيلها على أرض الواقع، كما أن المجلس القومي لحقوق الإنسان المنوط به احترام حقوقهم لا يقوم بأي جهد توعوي بقضاياهم وتهيئة المجتمع لتقبلهم ودمجهم، على حسب تعبيرها.

تمييز بين أصحاب متلازمة داون

ورغم أن الجدل الجاري قد ارتبط بالمصابين من متلازمة داون من الرجال، إلا أنه تغافل حق الفتيات من أصحاب المتلازمة من الزواج في ظل مجتمع ذكوري قد يعطي للرجل حق الاختيار في الزواج سواء من المصابات بداون أو لا. وفسًرت انتصار السعيد رئيسة مجلس أمناء مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون ل DW بأن كثير من الأهالي يوافقوا على الزواج من أصحاب المتلازمة لأن العريس ميسور ماليا وتتحول الفتاة لوسيلة لتأمين وضع اقتصادي مأزوم، على النقيض من الفتيات المصابة بالمتلازمة إذ يصبح زواجهن أمراً شاقاً، حسب السعيد.

وترى السعيد أن هناك مجموعة من الإجراءات التي يجب تبنيها لدعم أصاحب المتلازمة وهي تنظيم برامج تأهيل شاملة لتدريبهم على مهارات الحياة اليومية ومهارات العلاقات الاجتماعية والتعامل مع المشاعر واتخاذ القرارات وتوعية الأسر بدورهم في دعم أولادهم، وعدم فرض الوصاية الكاملة عليهم وتثقيف مجتمعي لكسر الصور النمطية عن ذوي متلازمة داون وتدخل طبي ونفسي لمتابعة الجوانب الصحية والنفسية المرتبطة بالعلاقات والزواج والإنجاب.

تحرير: عبده جميل المخلافي

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة