منظمة عصبة الأمم

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الخميس، 30 يونيو 2022

كان للآثار الكارثية للحرب العالمية الأولى، وما سببته من ضحايا وخسائر اقتصادية وعسكرية دوراً في إنشاء عصبة الأمم، التي هدفت لمنع الحروب، وتعزيز التعاون بين الدول في المجال الاقتصادي.

ولكنها لم تستطيع تحقيق كل هذه الأهداف مما أدى لاندلاع الحرب العالمية الثانية في الأول من شهر أيلول/سبتمبر عام 1939.

 

أسباب تأسيس عصبة الأمم

تسببت الحرب العالمية الأولى التي انتهت في الحادي عشر من شهر تشرين الثاني/نوفمبر عام 1918 بخسائر كبيرة بشرية ومادية، ما أدى لازدياد المشاعر المعادية للحرب لدى الشعوب.

فتداعت الدول المنتصرة في هذه الحرب لتحديد أسبابها بغية منع تكرارها، ونتيجة النقاشات تبين أن هناك مجموعة عوامل تقف وراء الحرب هي:

سباقات التسلح والتحالفات والقوة العسكرية والدبلوماسية السرية، والحرية للدول ذات السيادة على الدخول في حرب لمصلحتها الخاصة.

فكان أحد أساليب معالجة هذه العوامل، إنشاء منظمة دولية ترمي إلى منع حدوث حرب في المستقبل من خلال نزع السلاح والدبلوماسية المفتوحة، والتعاون الدولي.

وفرض قيود على حق الدول في شن الحروب، إضافةً لفرض عقوبات على الدول التي تخالف القانون.

جهد أمريكي بريطاني أنتج عصبة الأمم

تعود فكرة إنشاء عصبة الأمم كمنظمة دولية إلى اقتراحات ثلاث دول هي الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وهي الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى:

  • الولايات المتحدة الأمريكية: من خلال مبادئ الرئيس ودرو ويلسون (Woodrow Wilson) الأربعة عشر التي أقرت في الثامن من شهر كانون الثاني/يناير عام 1918.

حيث تضمن البند الأخير منها دعوة لإنشاء منظمة دولية، وهذه المبادئ هي:

  1. تقوم العلاقات الدولية على مواثيق سلام عامة، وتكون المعاهدات الدولية علنية وغير سرية.
  2. تأمين حرية الملاحة في البحار خارج المياه الإقليمية في السلم والحرب، إلا إذا ما نص الاتفاق الدولي على غير ذلك.
  3. إلغاء الحواجز الاقتصادية، والتأكيد على المساواة بين الدول المتعاونة في المحافظة على السلام.
  4. تخفيض التسلح إلى الحد الذي يكفل الأمن الداخلي، أي أن يكون التسلح كافياً للدفاع عن الدولة في حال تعرضت للعدوان.
  5. وضع إدارة عادلة للمستعمرات تنفذ ما يحقق مصالح سكانها.
  6. الجلاء عن الأراضي الروسية كلها والتعاون مع أي حكومة روسية يختارها الشعب.
  7. الجلاء عن أراضي بلجيكا وتعميرها.
  8. الجلاء عن فرنسا وإعادة الألزاس واللورين إليها والتي خسرتهما بعد هزيمتها أمام ألمانيا في حرب عام 1870 وتعمير ما خرب منها بسبب الحرب.
  9. إعادة النظر في حدود إيطاليا بحيث تضم جميع من يحمل الجنسية الإيطالي.
  10. منح القوميات الخاضعة للإمبراطورية النمساوية حق تقرير مصيرها.
  11. الجلاء عن صربيا ورومانيا والجبل الأسود، وإعطاء صربيا منفذا إلى البحر وإقامة علاقات جديدة بين دول البلقان كافة مبنية على أسس قومية وتاريخية، وضمان حريتها السياسية والاقتصادية.
  12. ضمان سيادة الأجزاء التركية وإعطاء الشعوب الأخرى غير التركية التي تخضع لها حق تقرير المصير، وحرية المرور في المضائق لجميع السفن بضمان دولي.
  13. إنشاء الدولة البولندية بحيث تضم الأراضي التي يقطنها البولنديون، وإعطائها منفذا إلى البحر، وضمان استقلالها السياسي والاقتصادي دولياً.
  14. إنشاء اتحاد عام للأمم لمنح ضمانات متبادلة من الاستقلال السياسي والسلامة الإقليمية للدول الكبيرة والصغيرة على حد سواء.
  • بريطانيا: حيث شكل وزير خارجيتها اللورد بلفور لجنة فيلمور؛ نسبة لرئيسها القاضي والتر فيلمور (Walter Fillmore) وضمت اللجنة كل من المحاميين:

إير كرو (Air Crew) وويليام تيريل (William Taylor) وسيسيل هيرست (Cecil Hurst) في شهر شباط/فبراير عام 1918، إذ تم تشكيلها لدراسة جدوى إنشاء مثل هذه المؤسسة العالمية وتقديم التوصيات المناسبة.

حيث أوصت هذه اللجنة بتشكيل (مؤتمر الدول المتحالفة) لتحكيم النزاعات وفرض عقوبات على الدول المخالفة، وقد أدرجت مقترحات اللجنة في عهد عصبة الأمم فيما بعد.

  • فرنسا: قدمت الحكومة في أوائل شهر يونيو عام 1918، مشروع حول المنظمة الدولية، يقوم على إنشاء (المجلس الدولي) الذي يتألف من ممثلين عن الدول الأعضاء.

تاريخ تأسيس عصبة الأمم

تأسست عصبة الأمم باعتبارها منظمة حكومية دولية في الخامس والعشرين من شهر كانون الثاني/يناير عام 1919، كجزء من معاهدة فيرساي التي أنهت الحرب العالمية الأولى.

ووقع ميثاقها الذي أطلق عليه اسم (عهد عصبة الأمم) في الثامن والعشرين من شهر حزيران /يونيو عام 1919.

حيث وقعت على هذا العهد أربعة وأربعون دولة، ودخلت حيز التنفيذ عند عقدت اجتماعها الأول في الخامس عشر من شهر تشرين الثاني/نوفمبر عام 1920.

واعتمدت ثلاث لغات للتخاطب داخل العصبة هي الفرنسية والإنكليزية والإسبانية، وجاء اسمها من اسم اللجنة التي شكلها بلفور والتي حملت اسم لجنة عصبة الأمم إضافةً لاسم لجنة فيلمور.

الأجهزة الرئيسية في عصبة الأمم

تتكون عصبة الأمم من الأجهزة التالية:

1. الأمانة العامة لعصبة الأمم

يقع مقرها في مقر عصبة الأمم في جنيف - سويسرا، وتتألف من خبراء دوليين من مختلف المجالات وتعمل تحت إشراف الأمين العام للعصبة، وتقسم الأمانة العامة إلى مجموعة من الفروع لمختلف الاختصاصات وهي:

السياسية، والمالية والاقتصادية، والهجرة، وشؤون الأقليات، والولايات، وشؤون نزع السلاح، والصحة، والشؤون الاجتماعية (كتجارة المخدرات أو الإتجار بالنساء والأطفال)، وشؤون التعاون الثقافي، والشؤون القانونية.

وحفظ المعلومات. ولكل قسم مسؤوليته الكاملة عن جميع الأعمال المكتبية الرسمية المتعلقة في اختصاصه، وقد وثقت وحفظت جميع الاجتماعات والمؤتمرات التي عقدت في هذا الصدد في مقر المنظمة في جنيف.

تقع على عاتق موظفي الأمانة العامة مهمة إعداد جدول أعمال مجلس العصبة وجمعيتها العامة، ونشر تقارير الاجتماعات وغيرها من القضايا الروتينية، وتولّى منصب الأمين العام لعصبة الأمم ثلاثة أشخاص هم على التوالي:

  1. السياسي والدبلوماسي وعضو الوفد البريطاني المفاوض إلى مؤتمر السلام في باريس جيمس إريك دروموند (James Eric Drummond)، بين عامي 1920- 1933.
  2. الدبلوماسي الفرنسي جوزيف أفينول (Joseph Final)، بين عامي 1933-1940.
  3. الدبلوماسي الايرلندي شون ليستر (Sean Lester)، بين عامي 1940- 1945.

2. الجمعية العامة لعصبة الأمم

تتألف الجمعية العامة لعصبة الأمم من ممثلي جميع الدول الأعضاء في العصبة، وكان يسمح أن يكون لكل دولة ثلاثة ممثلين وصوت واحد. اجتمعت الجمعية العامة للعصبة للمرة الأولى في جنيف عام 1920.

وبعد ذلك انعقدت دورياً في شهر أيلول/سبتمبر من كل عام، ومن حق الجمعية عقد دورات استثنائية عند الحاجة بناءً على طلب أحد الأعضاء، شرط موافقة أغلبية الأعضاء على الدعوة لعقد الدورة الاستثنائية.

وقعت على عاتق الجمعية العامة مهمة قبول الأعضاء الجدد، وانتخاب الأعضاء غير الدائمين في مجلس العصبة، إضافةً إلى انتخاب مجلس قضاة المحكمة، وتنظيم ميزانية العصبة وإقرارها.

3. مجلس عصبة الأمم

وهو الهيئة التنفيذية لعصبة الأمم، مهمته توجيه أعمال الجمعية العامة وتنفيذ قراراتها، وبدأ المجلس مع أربعة أعضاء دائمين هم بريطانيا العظمى وفرنسا وإيطاليا واليابان.

وأربعة أعضاء غير دائمين تنتخبهم الجمعية العامة لمدة ثلاثة أعوام؛ أول الأعضاء غير الدائمين كانوا بلجيكا والبرازيل واليونان وإسبانيا.

علماً أنه بحسب الميثاق فإن الولايات المتحدة الأمريكية كان من المفترض أن تكون خامس الأعضاء الدائمين.

بيد أنّ مجلس الشيوخ الأمريكي صوّت في التاسع عشر من شهر آذار/ مارس عام 1920 على قرار ضد التصديق على معاهدة فرساي، ومن ثم مُنعت مشاركة الولايات المتحدة في العصبة.

خلال فترة نشاطه، تم تغيير تركيبة المجلس عدة مرّات، في الثاني والعشرين من شهر أيلول/ سبتمبر عام 1922، رفع عدد الأعضاء غير الدائمين إلى ستة.

ثم في الثامن من شهر أيلول/سبتمبر 1926 رفع العدد مجدداً إلى تسعة، كذلك فقد أصبحت ألمانيا خامس الأعضاء الدائمين في المجلس عام 1926.

ما أدى إلى رفع عدد أعضاء المجلس إلى خمسة عشر عضواً بختام عام 1926، بعد انسحاب كل من ألمانيا في عام 1933 بعد وصول هتلر للسلطة.

واليابان من العصبة عام 1931 بعد فرض المجلس عقوبات عليها نتيجة غزوها أثيوبيا، عوّض عن انسحابهم برفع عدد المقاعد غير الدائمة من تسعة إلى أحد عشر مقعداً.

كان المجلس يعقد خمسة اجتماعات دوريّة في العام، إضافة إلى الاجتماعات الاستثنائية عند الضرورة، وقد بلغ مجموع اجتماعات المجلس العلنية بين عامي 1920 و1939، 107 جلسات.

لجان عصبة الأمم وأجهزتها الأخرى

إضافةً للأجهزة الرئيسية أنشأت أجهزة أخرى تابعة لعصبة الأمم وهذه الأجهزة هي:

1. المحكمة الدائمة للعدالة الدولية

أقر مجلس عصبة الأمم والجمعية العامة دستور المحكمة الدائمة للعدالة الدولية في عام 1919، وتم انتخاب قضاتها من قبل الهيئتين أيضاً، أما ميزانيتها فقد أقرّت من قبل الجمعية العامة.

كانت المحكمة تتألف من أحد عشر قاضيًا، وأربعة نوّاب للقضاة، ينتخبون لولاية تبلغ تسع سنوات، أما اختصاص المحكمة فهو النظر بأي نوع من النزاعات الدولية التي تشكل دول العصبة طرفاً بها وبناءً على طلبها.

كما للمحكمة تقديم رأي استشاري على أي نزاع أو مسألة تحال إليها من المجلس أو الجمعية.

2. منظمة العمل الدولية

تأسست في عام 1919، أعضاء المنظمة هم أنفسهم أعضاء عصبة الأمم، وعلى الرغم أيضاً من أن ميزانية المنظمة تقرّ من الجمعية العامة وتراقب عن طريقها.

إلا أنها بموجب قانونها الأساسي هيئة مستقلة لها إدارتها الخاصة، بما في ذلك أمانتها العامة؛ وتختلف عن عصبة الأمم بأن الدول تمثل من خلال تمثيل أرباب العمل ونقابات العمّال داخل المنظمة، وليس ممثلو الحكومات وحدهم.

وكان من أهم نجاحاتها حظر إضافة الرصاص للطلاء، واعتماد العديد من دول العالم مقترح المنظمة؛ بتحديد ساعات العمل بثماني ساعات يومياً مع منح عطلة أسبوعية.

كما أنها ألغت عمالة الأطفال وساهمت في زيادة حقوق المرأة في العمل، وإجبار أصحاب السفن على الاعتراف بمسؤوليتهم عن الحوادث التي يتعرض لها البحارة وقد واصلت المنظمة نشاطها حتى عام 1946.

حيث أصبحت جزءاً من الأمم المتحدة بعد ذلك.

3. منظمة الصحة العالمية

تشكلت المنظمة في عام 1919، وتألفت من ثلاثة أقسام:

  1. القسم الأول، يعنى بشؤون الصحة العامة، ويضم ممثلين دائمين في العصبة.
  2. القسم الثاني، المجلس العام الاستشاري، قسم التنفيذية تتألف من خبراء الطب.
  3. القسم الثالث هو لجنة الصحة، الغرض منها الإشراف على سير العمل الصحي في الجمعية، وإصدار التقارير وتقديمها إلى المجلس الاستشاري حول الأوضاع الصحية في دول المنظمة وقد تركز اهتمام المنظمة.

على مكافحة ثم التخلص من أمراض البرص والملاريا والحمى الصفراء وإطلاق حملة دولية للقضاء على البعوض المسبب للمرضين.

كذلك فقد تعاونت المنظمة مع حكومة الاتحاد السوفيتي لمنع انتشار وباء التيفوس، بما في ذلك حملة تثقيفية واسعة حول هذا المرض.

4. منظمة التعاون الفكري

أنشأتها عصبة الأمم في شهر آب/ أغسطس عام 1922، ويتضمن برنامج عمل اللجنة تقديم المساعدة للبلدان التي تعاني من ضعف في الحياة الفكرية والثقافية.

وإنشاء المنظمات واللجان الوطنية للتعاون الفكري، إضافةً لحماية حقوق الملكية الفكرية، والتعاون مع المنظمات الدولية المختلفة التي تعنى بالشؤون الثقافية.

كذلك تعزيز التعاون بين الجامعات في مختلف أنحاء العالم، وتنسيق العمل وعمليات الترجمة الدولية للمنشورات، إضافة إلى التعاون في عمليات التنقيب ومجال البحوث الأثرية.

5. المجلس المركزي الدائم للأفيون

أسسته عصبة الأمم في عام 1919 بهدف تنظيم تجارة المخدرات، والإشراف على الرقابة الإحصائية بموجب اتفاقية الأفيون الدولية الثانية.

حيث اعتبرت هذه الاتفاقية تعتبر المنظمة لعملية إنتاج وتصنيع وتجارة التجزئة للأفيون ومشتقاته؛ وقد أنشأ المجلس نظامًا خاصًا لشهادات الاستيراد والتصدير والتجارة الدولية المشروعة للمواد التي تعتبر مخدرة.

6. لجنة الرق والعبودية

أنشأتها عصبة الأمم في عام 1919، وتتركز مهامها في القضاء على الرق وتجارته في جميع أنحاء العالم، ومحاربة البغاء القسري، أبرز نجاحاتها كان الضغط على الحكومات لإنهاء قوانين الرق في البلاد التي تنتدبها.

وقد كان من شروط انضمام أثيوبيا للعصبة في عام 1926 أن تقوم بإلغاء قوانين الرق لديها ومحاربته، كذلك فعلت مع ليبيريا حيث عملت على إلغاء العبودية القسرية بين مختلف القبائل.

7. لجنة اللاجئين

تشكلت في السابع والعشرين من شهر حزيران/يونيو عام 1921، ومن مهامها، رعاية اللاجئين والمهجرين والإشراف على عودتهم إلى وطنهم، وعند الاقتضاء توطينهم في أماكن تواجدهم.

8. لجنة دراسة الوضع القانوني للمرأة

شكلتها عصبة الأمم في عام 1938، وحلّت في بداية عام 1939، وهدفت اللجنة لوضع دراسة قانونية حول أوضاع المرأة حول العالم.

وكان أعضائها من فرنسا وبلجيكا ويوغوسلافيا وبريطانيا والسويد والولايات المتحدة والمجر؛ ولم تستطع تحقيق الكثير من النجاحات لمحدودية المدة الزمنية التي عملت بها.

أعضاء عصبة الأمم

بلغ عدد أعضاء العصبة حده الأعلى عام 1932حين وصل إلى ستين دولة، وهبط إلى أربعة وأربعين دولة في عام 1939، وقد ضمت العصبة ثلاث فئات من الأعضاء:

  • الأعضاء الأصليون (أو المؤسسون): وهم ممثلو الدول الحليفة التي وقعت على معاهدة فرساي عام 1919، وعددهم 33 عضواً.
  • الأعضاء المدعوون: وهم الدول المحايدة أيام الحرب العالمية الأولى التي دعتها جماعة الدول المؤسسة للانضمام، ومنها إسبانيا وسويسرا والدول الإسكندنافية وبلجيكا وهولندا وعدد من دول أمريكا اللاتينية (13 دولة).
  • الأعضاء المنضمون (أو المنتخبون): الذين تقبلهم الجمعية العامة للعصبة بناءً على طلب يقدم لها، وتبتُّ فيه بأغلبية الثلثين، وقد انضم على هذا الأساس نحو عشرين دولة.

أما الانسحاب من العضوية فكان ممكناً شريطة إعلام مجلس العصبة بهذه الرغبة قبل سنتين من تنفيذها، وبعد إتمام العضو الراغب في الانسحاب لالتزاماته المالية تجاه المنظمة.

وقد انسحبت عشرون دولة من العصبة بين عامي 1919 و 1939، أبرزها ألمانيا لتي انسحبت في عام 1933 بعد وصول أدولف هتلر للسلطة.

واليابان انسحبت في عام 1936 بعد فرض عقوبات عليها بسبب احتلالها مقاطعة منشوكو في الصين، كما انسحبت إيطاليا في عام 1937 بسبب فرض العصبة عقوبات اقتصادية عليها بسبب احتلالها لأثيوبيا.

إضافةً للانسحاب الطوعي، هناك أيضاً الانسحاب القسري أو الفصل من العضوية؛ إذ قرر مجلس العصبة وجمعيتها العامة ذلك في حال مخالفة الدولة المعنية أحكام عهد العصبة.

وقد فصل الاتحاد السوفييتي من العصبة بتاريخ الرابع عشر من شهر كانون الأول/ديسمبر عام 1939 أثر اعتدائه على فنلندا.

نظام الانتداب وعصبة الأمم

ابتدعت عصبة الأمم نظام الانتداب من أجل حكم المناطق والمقاطعات التي كانت تابعة لدول تكتل الوسط (ألمانيا، الإمبراطورية الهنغارية النمساوية، الإمبراطورية العثمانية) التي خسرت الحرب العالمية الأولى.

وبموجب المادة الثانية والعشرين من ميثاق عصبة الأمم، قسمت مستعمرات الدول المهزومة إلى ثلاثة أقسام:

  • مستعمرات الفئة (أ)، وطبقت على أجزاء من (الإمبراطورية العثمانية القديمة)، حيث وصلت إلى مرحلة من التطور من حيث وجودها كدول مستقلة يمكن الاعتراف بها مؤقتاً، لكنها تحتاج لتقديم المشورة والمساعدة الإدارية التي ستقدمها الدولة المنتدِبة إلى أن يحين الوقت الذي تصبح فيه قادرة على تقرير مصيرها.
  • مستعمرات الفئة (ب)، وطبقت على المستعمرات الألمانية السابقة، حيث وصفت بأنها دول غير ناضجة، لذلك يجب أن تكون الدولة المنتدِبة مسؤولة عن إدارة الأراضي الواقعة مع ضمان توفير الحرية للمواطنين في ممارسة أديانهم وعاداتهم، كما تخضع هذه الشعوب بموجب الانتداب لقوانين الدولة المنتدِبة لحفظ النظام العام أو الآداب العامة، وحظر الانتهاكات مثل: تجارة الرقيق والإتجار بالأسلحة، ومنع إقامة التحصينات العسكرية والقواعد البحرية والتدريب العسكري من المواطنين لغير أغراض الشرطة والدفاع عن الأراضي، وسيضمن الانتداب تكافؤ الفرص للتجارة و التجارة من الأعضاء الآخرين في الجمعية أيضاً.
  • مستعمرات الفئة (ج)، وتضم بعض دول جنوب غرب أفريقيا وبعض جزر جنوب المحيط الهادئ، وهي دول متناثرة قليلة السكان، وبعيدة عن مراكز الحضارة، وتُحكم مباشرة من دول الانتداب باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من أراضي الدول المنتدِبة.

وقد وصل عدد الدول المنتدبِة إلى سبع دول هي: فرنسا وبريطانيا وجنوب أفريقيا وفرنسا وبلجيكا ونيوزيلندا وأستراليا واليابان.

حل النزاعات الإقليمية

ساهمت عصبة الأمم في حل العديد من الأزمات الإقليمية، منها:

1. أزمة جزر آلاند

وهي عبارة عن مجموعة 6500 جزيرة تقع في بحر البلطيق بين السويد وفنلندا، وكانت هذه الجزر تتبع للسويد، وبعد استقلال فنلندة في عام 1917 طالبت فنلندا بالجزر لتكون جزءاً من دولتها الجديدة.

وفي عام 1920 أحالت الحكومة البريطانية المشكلة لمجلس العصبة، الذي شكل لجنة محايدة في شهر حزيران/يونيو عام 1921، فأعلنت العصبة أن الجزر جزءاً من فنلندة، وكانت هذه أول أزمة تحلها عصبة الأمم.

2. أزمة سيليزيا العليا

بعد الحرب العالمية الأولى، طالبت بولندا بـ (سيليزيا العليا)، التي كانت جزءاً من بروسيا إحدى الولايات الألمانية.

وكانت معاهدة فرساي أوصت بإجراء استفتاء في هذه المنطقة لتحديد ما إذا كانت الأرض يجب أن تصبح جزءاً من ألمانيا أو بولندا، لكن ألمانيا أصرّت على استعادة هذه المنطقة.

فأجرت عصبة الأمم استفتاءً في العشرين من شهر آذار/مارس عام 191، حيث صوّت (%59.6) من السكان لصالح الانضمام إلى ألمانيا.

لكن بولندا رفضت النتيجة، ورفعت القضية إلى عصبة الأمم وفي الثاني عشر من شهر آب/أغسطس عام 1921 أنشأ مجلس العصبة لجنة تضم ممثلين عن بلجيكا، البرازيل، الصين وإسبانيا لدراسة الوضع.

وأوصت بتقسيم سيليزيا العليا بين بولندا وألمانيا وفقاً لنتائج الاستفتاء، وفي شهر تشرين الثاني/نوفمبر عام 1921، عقد مؤتمر في جنيف للتفاوض على اتفاقية بين ألمانيا وبولندا.

وتم التوصل إلى تسوية نهائية، قدمت فيها بولندا أكثر من منطقة إلى ألمانيا، ودخل الاتفاق حيز التنفيذ في شهر أيار/مايو عام 1922.

3. أزمة لواء اسكندرون

وافقت عصبة الأمم ودعمت قرار فرنسا إعطاء لواء اسكندرون لتركيا في شهر أيلول/سبتمبر عام 1938، وضمتها تركيا إليها في منتصف عام 1939.

4. أزمة الموصل

طالبت تركيا بالموصل في عام 1924، فأرسلت عصبة الأمم لجنة تحقيق إلى الموصل حيث أوصت اللجنة في عام 1925 ببقاء الموصل تحت سيادة العراق، وهو ما اعتمده مجلس العصبة حيث أبقى الموصل ضمن سيادة العراق.

5. أزمة السار

وهي مقاطعة ألمانية وضعت تحت سيطرة فرنسا بموجب اتفاقية فيرساي على أن يجري استفتاء تقرير مصير بعد خمس عشرة سنة يقرر بموجبه سكان المقاطعة إما الانضمام لألمانيا أو لفرنسا.

وعند إجراء الاستفتاء في عام 1935 صوّت 90.3% من السكان لصالح الانضمام لألمانيا.

أسباب فشل عصبة الأمم

بدأ تراجع عصبة الأمم في الثلاثينات من القرن الماضي للأسباب التالية:

  • غزو اليابان لمنشوريا في عام 1931، ونجاحها في الإفلات من العقاب، وذلك من خلال الانسحاب من عصبة الأمم، والاعتماد على الدول غير الأعضاء في العصبة لتأمين ما تحتاجه.
  • فشل مؤتمر نزع السلاح العالمي في جنيف (1932-1934) في إقناع الدول الكبرى بالتخلي عن ترساناتها من الأسلحة فشل.
  • انسحاب ألمانيا من العصبة في عام 1933 بعد وصول هتلر للسلطة، الأمر الذي جعل ألمانيا تتسلح بكل حرية وهو ما مهّد لتوسعها وبالتالي الانجرار نحو الحرب العالمية الثانية.
  • قبول الاتحاد السوفياتي (1934) لم يعوض خروج ألمانيا من العصبة.
  • فشل عصبة الأمم في منع العدوان الإيطالي على إثيوبيا بين عامي 1935- 1936، حيث كانت العقوبات التي فرضتها العصبة على إيطاليا مبرراً لانسحاب إيطاليا من العصبة والتحالف مع ألمانيا.
  • فشلها في منع الاتحاد السوفييتي من احتلال فنلندا في الثلاثين من شهر تشرين الثاني/نوفمبر عام 1939، وطرد العصبة للاتحاد السوفييتي جعله يقف على الحياد في الحرب العالمية الثانية التي بدأت باحتلال ألمانيا لبولندا في الأول من شهر أيلول/سبتمبر من نفس العام.

في الختام.. على الرغم من فشل عصبة الأمم في وضع حد للحرب، إلا أنها كانت تجربة مفيدة جعلت الدول تعطي صلاحيات كبيرة لصالح منظمة الأمم المتحدة.

الأمر الذي ساهم إلى حد ما في التقليل من الحروب، ومنع اندلاع الحرب العالمية الثالثة.

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة