الرحالة العظيم ابن بطوطة

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الثلاثاء، 01 فبراير 2022
الرحالة العظيم ابن بطوطة

كان يعلم أن رحلته ستطول بعيداً عن عالمه، وكان على يقين بأن خياله سيقوده نحو أسفارٍ تطول مسافتها، لكن غاب عن ذهنه بأنه سيصبح يوماً الرحالة الأعظم في التاريخ، وضيفاً يستقبله الملوك والأمراء بصفته سائحاً كسر المعتاد بقوته، وأذهل الناس بقدرته على التنقل في عالم الخيال وتحويله إلى حقيقة.

أصول الرحالة إبن بطوطة

محمد ابن بطوطة، ولد في 25 شباط/فبراير عام 1304م وتوفي سنة 1369م، اسمه الكامل أبو عبدالله محمد بن عبدالله اللواتي الطنجي بن بطوطة، الباحث والرحالة المغربي ومن أكبر المسافرين الذين عاشوا في العصور الوسطى وأعظمهم على الإطلاق، يُعرف بأسفاره الواسعة المدونة في كتاب "تحفة النظّار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار".

غادر بلاده لأداء مناسك الحج، فاستغرقت رحلته مدة ثلاثة عقود من الزمن، وعلى مدى الثلاثين عاماً زار معظم دول العالم الإسلامي والعديد من الأراضي غير المسلمة، حيث وصل في رحلاته إلى شمال إفريقيا، غرب إفريقيا، القرن الإفريقي، الشرق الأوسط، الهند، آسيا الوسطى، جنوب شرق آسيا والصين.

عُرفت السيرة الذاتية والمعلومات عن حياته من السيرة الذاتية المدرجة في أسفاره، فتقول الوثائق أنه من أصل بربري، ولد لعائلة من الفقهاء المسلمين في طنجة بالمغرب في عهد الدولة المرينية، وأخذ نسبه من قبيلته البربرية، درس في شبابه المذهب السني المالكي في مدرسة الفقه الإسلامي، حيث كان هذا النمط من الدراسة شكلاً سائداً للتعليم في شمال إفريقيا.

مقالات ذات علاقة

بداية رحلة إبن بطوطة

في شهر حزيران/ يونيو من عام 1325 عندما بلغ ابن بطوطة إحدى وعشرين سنة انطلق من مسقط رأسه في طنجة متجهاً إلى مكة لأداء مناسك الحج، وكان من شأن هذه الرحلة أن تستغرق مدة ستة عشر شهراً، ويقول ابن بطوطة في رحلته هذه: "بدأت رحلتي وحيداً، لم يكن لدي زميل رحلة أتشارك معه الطريق، لم انضم إلى أي قافلة، فقد ذهبت منطلقاً من حكم ذاتي ورغبة داخلية طال انتظارها لزيارة هذه المقدسات، لذلك أخذت قراراً بترك بلادي مثلما تترك الطيور أعشاشها".

وصول إبن بطوطة لمصر

سافر إلى مكة المكرمة براً عابراً الساحل الإفريقي الشمالي، ماراً بسلطنات عبد ديد، حفصة، تلمسان، بجاية، تونس، حيث مكث هناك مدة شهرين، وعادةً ما كان ابن بطوطة ينضم إلى القوافل التي كان يصادفها لحماية نفسه من السرقة، وفي أوائل ربيع 1326 وبعد رحلة بلغت 35000 كم وصل مدينة الاسكندرية التي كانت في ذلك الوقت جزءاً من إمبراطورية المماليك البحرية.

ووصف مصر حينها إذ قال: "ثم وصلت إلى مدينة مصر هي أم البلاد، وقرارة فرعون ذي الأوتاد، ذات الأقاليم العريضة، والبلاد الأريضة المتناهية في كثرة العمارة، المتباهية بالحسن والنضارة، مجمع الوارد والصادر، ومحط رحل الضعيف والقادر، وبها ما شئت من عالم وجاهل وجادّ وهازل، وحليم وسفيه، ووضيع ونبيه، وشريف ومشروف، ومنكر ومعروف، تموج موج البحر بسكانها، وتكاد تضيق بهم، على سعة مكانها وإمكانها، شبابها يجدّ على طول العهد، وكوكب تعديلها لا يبرح منزل السعد، قهرت قاهرتها الأمم، وتملكت ملوكها نواصي العرب والعجم، ولها خصوصية النيل التي جل خطرها، وأغناها عن أن يستمد القطر قطرها، وأرضها مسيرة شهر لمجد السير، كريمة التربة، مؤنسة لذوي الغربة".

التقى اثنين من الأتقياء الزاهدين في الاسكندرية، الشخص الأول هو الشيخ برهان الدين الذي تنبأ بمصير ابن بطوطة كمسافر إلى العالم حيث قال: "يبدو لي أنك مولعاً بالسفر إلى الخارج، وسوف تقوم بزيارة أخي فريد الدين في الهند، ركن الدين في السند، وبرهان في الصين فابعث تحياتي لهم".

والتقى بالرجل التقي الآخر الشيخ المرشدي الذي فسر له معنى حلماً بأنه سيسافر للعالم، قضى ابن بطوطة عدة أسابيع في زيارة المنطقة ثم توجه إلى القاهرة عاصمة المملكة ليبقى فيها مدة شهر، ثم توجه عابراً إحدى الطرق إلى مكة فوصل إلى شرق وادي النيل ثم شرقاً إلى ميناء البحر الأحمر، وعند اقترابه من المدينة أجبرته إحدى جبهات التمرد المحلي على العودة للوراء.

الرحالة إبن بطوطة في مكة المكرمة

عاد ابن بطوطة إلى القاهرة ليسلك طريقاً آخراً، فقرر الذهاب من دمشق، حيث كان قد صادف في طريقه شيخاً أخبره بأنه لن يصل إلى مكة إلا من خلال سوريا، ومن رواياته في دمشق: "مررت يوماً ببعض أزقة دمشق، فرأيت بها مملوكاً صغيراً قد سقطت من يده صحفة من الفخار الصيني وهم يسمونها الصحن، فتكسرت واجتمع عليه الناس.

فقال له بعضهم اجمع شقفها واحملها معك لصاحب أوقاف الأواني، فجمعها وذهب الرجل معه إليه فأراه إياها فدفع له ما اشترى به مثل ذلك الصحن، وهذا من أحسن الأعمال؛ فإن سيد الغلام لابد له أن يضربه على كسر الصحن أو ينهره، وهو أيضاً ينكسر قلبه ويتغير لأجل ذلك، فكان هذا الوقف جيراً للقلوب جزى الله خيراً من تسامت همته في الخير إلى مثل هذا".

عبر بعدها الخليل والقدس وبيت لحم، فلم تعترض السلطات المملوكية طريق الحجاج أبداً، وبعد أن أمضى مدة شهر في دمشق؛ انضم إلى قافلة السفر المتوجهة جنوباً إلى مكة المكرمة، وبعد رحلة بلغت مسافتها 1300 كم وصل إلى المدينة المنورة، وبعد أربعة أيام ذهب إلى مكة المكرمة حيث أدى مناسك الحج.

ومن أقواله في وصف رحلته داخل مكة:

"دخلنا الحرم الشريف وانتهينا إلى المسجد الكريم فوقفنا بباب السلام مسلمين، وصلينا بالروضة الكريمة بين القبر والمنبر الكريم، واستلمنا القطعة الباقية من الجذع الذي حن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي ملصقة بعمود قائم بين القبر والمنبر عن يمين مستقبل القبلة، وأدينا حق السلام على سيد الأولين والآخرين وشفيع العصاة والمذنبين الرسول النبي الهاشمي الأبطحي محمد صلى الله عليه وسلم تسليماً وشرف وكرم.

وحق السلام على ضجيعيه وصاحبيه أبي بكر الصديق وأبي حفص عمر الفاروق رضي الله عنهما، وانصرفنا إلى رحلنا مسرورين بهذه النعمة العظمى، مستبشرين بنيل هذه المنة الكبرى حامدين الله تعالى بالبلوغ إلى معاهد رسوله الشريفة ومشاهده العظيمة المنيفة، داعين أن لا يجعل ذلك آخر عهدنا بها وأن يجعلنا ممن قبلت زيارته وكتبت في سبيل سفرته"

وبعد انتهائه؛ وبدلاً من العودة إلى دياره؛ قرر ابن بطوطة مواصلة سيره متجهاً نحو الشمال الشرقي.

رحلته إلى العراق

في 17 تشرين الثاني/نوفمبر 1326 فبعد أن قضى شهراً في مكة المكرمة وأنهى مناسك الحج؛ انضم ابن بطوطة لقافلة كبيرة من الحجاج العائدين إلى العراق عبر شبه الجزيرة العربية، حيث اتجهت هذه المجموعة شمالاً إلى مكة المكرمة ثم اتجهوا ليلاً إلى الشمال الشرقي مروراً بهضبة نجد، وبعد أسبوعين من السفر وصلوا النجف، فزار ابن بطوطة مقام الإمام علي.

إلا أن ابن بطوطة بدلاً من أن يستمر في رحلته مع القافلة المتجهة إلى بغداد، التف نحو طريق آخر مستغرقاً ستة أشهر لوصوله إلى بلاد فارس، حيث بدأ رحلته من النجف إلى واسط، ثم عبر نهر دجلة متجهاً جنوباً نحو البصرة، ومن بعدها توجه نحو مدينة أصفهان عابراً جبال زاغروس في بلاد فارس، ثم اتجه جنوباً إلى شيراز حيث الازدهار العمراني الذي أخفى الدمار الناتج عن الغزو المغولي، وبعدها اتجه نحو بغداد ليصل إليها في حزيران/يونيو عام 1327.

إبن بطوطة يؤدي مناسك الحج مرة أخرى

في تموز/يوليو غادر بغداد مجدداً وذهب شمالاً نحو نهر دجلة حيث زار الموصل وكان ضيفاً على حاكم ايلخانية، ومن ثم زار مدينة سيزر في جزيرة بن عمر وماردين في تركيا، وفي منطقة صومعة في جبل قرب سنجار التقى ابن بطوطة بصوفي كردي أعطاه بعض النقود الفضية، حينها أنهى رحلته وعاد إلى الموصل وانضم إلى إحدى القوافل المتجهة جنوباً نحو بغداد، حيث سيعبرون الصحراء العربية ليصلوا إلى مكة المكرمة لأداء مناسك الحج للمرة الثانية.

بقي في مكة ثلاث سنوات حتى عام 1330، ثم اتجه إلى ميناء جدة على سواحل البحر الأحمر وهناك التحق بقافلة من الزوارق التي كانت تسير عكس الرياح الجنوبية الشرقية، وعند وصوله لليمن زار زبيد وتعز حيث التقى هناك المجاهد نور الدين علي، ومن بعدها توجه إلى صنعاء فتعز ثم عدن.

وصول الرحالة إبن بطوطة إلى مقديشو في الصومال

من عدن استقل ابن بطوطة سفينة متجهة إلى زيلا الواقعة على سواحل الصومال فبقي فيها مدة أسبوعين، وفي وقت لاحق زار مقديشو التي كانت مدينة البرابرة، وعندما وصل إليها عام 1331 كانت مقديشو في أوج ازدهارها، حيث وصفها بأنها مدينة كبيرة جداً فيها العديد من التجار الأغنياء مشيراً إلى إنتاجهم للنسيج ذي الجودة العالية والذي يُصدر إلى بلدان أخرى بما فيها مصر.

وأضاف ابن بطوطة بأن مقديشو كانت تحت حكم أبو بكر بن عمر وهو بربري الأصل، إلا أنه كان يتحدث العربية بطلاقة مع الصوماليين وكان لديه حاشية كبيرة من الوزراء والقادة وخبراء القانون.

واصل ابن بطوطة طريقه جنوباً، فوصل إلى ساحل يسمى ساحل الزنج ثم جزيرة مومباسا، وبعد رحلة على طول الساحل وصل إلى جزيرة كيلوا (تنزانيا في الوقت الحاضر)، التي كانت مركز عبور هام لتجارة الذهب.

ووصف المدينة بأنها من أكثر المدن التي بُنيت بشكل جميل، فجميع المباني فيها مصنوعة من الخشب ومسقوفة بالقصب، في هذه الزيارة أثنى ابن بطوطة على التواضع والتدين الذي يتحلى به السلطان الحسن بن سليمان حفيد السلطان الأسطوري علي بن الحسن الشيرازي، بعد ذلك قرر ابن بطوطة العودة إلى مكة المكرمة لأداء مناسك الحج للمرة الثالثة فعاد عابراً مضيق هرمز ليصل إلى مقصده عام 1332.

الرحالة إبن بطوطة في تركيا

بعد الحج الثالث لمكة، قرر ابن بطوطة البحث عن عمل مع سلطان دلهي، فقرر الذهاب إلى الحاكم السلجوقي الذي كان يحكم الأناضول عبر الطريق البري إلى الهند، فعبر البحر الأحمر والصحراء الشرقية ليصل إلى وادي النيل ثم اتجه شمالاً إلى القاهرة، ومن هناك عبر شبه جزيرة سيناء إلى فلسطين ثم اتجه شمالاً إلى ميناء اللاذقية السوري، وبعدها توجه مع رفاق رحلته عبر سفينة إلى ألانيا في الساحل الجنوبي لتركيا.

ثم سافر غرباً على طول الساحل إلى ميناء أنطاليا، وفي إحدى البلدات هناك التقى بمجموعة شبان أعضاء جمعية دينية، حيث كان هناك سمة بارزة في مدن الأناضول بصغر عمر المناضلين والحرفيين، فكان ابن بطوطة معجب بحسن الضيافة التي لاقاها في تلك البلدة، وبعد أن مر على 25 بلدة من بلدات الأناضول نزل إلى جزيرة ايجيردير التي كانت عاصمة لإحدى السلالات الملكية، فقضى هناك شهر رمضان حتى أيار/ماي عام 1333.

سار إبن بطوطة من شبه جزيرة القرم إلى القسطنطينية

فيما بعد أخذ ابن بطوطة طريقاً بحرياً نحو شبه جزيرة القرم، ووصل إلى ميناء آزوف حيث التقى مع شخص يدعى أمير خان، ومن بعدها إلى المجر، ثم قرر السفر شمالاً إلى أراضٍ تدعى أراضي الظلام في سيبيريا حيث جميع المساحات مغطاة بالثلوج ووسيلة النقل الوحيدة فيها هي الزلاجات التي تجرها الكلاب، كان يسكن تلك المنطقة شعباً غامضاً يتردد في إظهار نفسه وعادات التجارة لديه غريبة، فكان التجار يجلبون البضائع ليلاً ويضعوها في منطقة مفتوحة على الثلج.

وفي اليوم التالي يعودون ليجدون الشعب قد أخذ البضائع ووضع بدلها الفراء والجلود التي تستخدم في صناعة المعاطف الثمينة والسترات وغيرها من الملابس الشتوية، فكانت تتم الصفقة بين الشعب والتجار دون أن يعرف أحدهما الآخر، فلم يجد ابن بطوطة مبرراً للذهاب إلى هناك فتراجع عن قراره.

فيما بعد وصل ابن بطوطة إلى استراخان، وكان الأمير اوز بيك خان يعطي الصلاحية لواحدة من زوجاته الحوامل أن تعود إلى موطنها الأصلي لتلد هناك، فكانت على وشك الولادة؛ زوجته الأميرة بايالون ابنة الإمبراطور البيزنطي أندرونيكوس الثالث بالايولوغوس فقررت العودة إلى القسطنطينية للولادة، وقرر ابن بطوطة مرافقتها.

وصل إلى القسطنطينية في أواخر 1334 والتقى الإمبراطور البيزنطي، ثم زار كنيسة آيا صوفيا وتحدث هناك مع كاهن الأرثوذكسية الشرقية حول أسفاره في مدينة القدس، وبعد مضي شهر عاد إلى استراخان، ثم واصل المضي إلى بحر قزوين وبحر آرال وصولاً إلى بخارى وسمرقند، وبعدها سافر جنوباً إلى أفغانستان وعبر الحدود إلى الهند عبر الممرات الجبلية.

وصل الرحالة ابن بطوطة في الهند وكان لجزر المالديف نصيباً من زيارته

في إحدى أسفاره توجه ابن بطوطة نحو مدينة هانسي في الهند، ووصفها بأنها من أجمل المدن، حيث شُيدت بطريقة رائعة وكانت محاطة بسور جعلها ذات تصميم جميل يعكس إبداع مصممها الملك تارا، كما ذكر ابن بطوطة عند وصوله إلى السند رؤيته لوحيد القرن على ضفاف نهر السند.

لكن عندما قرر الذهاب إلى جبال الهيمالايا؛ تعرض لعملية اعتداء من قبل مجموعة من قطاع الطرق، فتفرق مع أصدقاء الرحلة وتعرضوا للسرقة، فلجأ بطوطة إلى حاكم ولاية قريبة هناك، وخاف بعدها العودة إلى دلهي خشية أن يتعرض مرة أخرى للاعتداء، فغادر الهند متوجهاً إلى الصين، لكن قبل وصوله قرر زيارة جزر المالديف، حيث بقي هناك ستة أشهر، ثم تم تعيينه قاضياً وتزوج من العائلة الملكية، لكن مع القوانين الصارمة التي كان تحت وطأتها غادر الجزر متجهاً إلى سيريلانكا.

ابن بطوطة في الصين

عام 1345 سافر ابن بطوطة إلى جزيرة سومطرة الشمالية، حيث كانت تحت حكم مسلم تقي يُدعى سلطان المالك الزاهر جمال الدين الذي كان يؤدي واجباته الدينية بكل حماس وكان قد شن حملات كثيرة ضد الوثنيين في المنطقة، كانت الجزيرة غنية بالكافور والفلفل والقرنفل والقصدير، بقي هناك مدة أسبوعين، ثم قدم له السلطان الإمدادات وأرسله عبر سفنه للوصول إلى الصين، فوصل ابن بطوطة إلى مقاطعة فوجيان الصينية التي كانت تحت حكم المغول.

كما كان المسلمون قد أشاروا إلى هذه المقاطعة باسم زيتون، إلا أن بطوطة لم يجد أي زيتون فيها، فأشاد بالحرفيين وبصناعتهم الحرير والخزف، كذلك إنتاج الفواكه مثل الخوخ والبطيخ.

زار في المقاطعة مدينة تشيوانتشو حيث رحب به زعيم المسلمين واستقبله الناس بالأعلام والأبواق، وأشار إلى أن المسلمين هناك يعيشون في مكان منفصل من المدينة ولهم مساجدهم ومستشفياتهم وأسواقهم الخاصة، وتحدث ابن بطوطة عن المطبخ الصيني واستخدامه الحيوانات مثل الضفادع والخنازير وحتى لحم الكلاب التي تُباع في الأسواق، كما أن الدجاج هناك أكبر حجماً من الدجاج الطبيعي، بعد ذلك سافر جنوباً على طول الساحل الصيني الى قوانغتشو، حيث بقي لمدة أسبوعين مع أحد التجار الأثرياء في المدينة.

نهاية رحلة إبن بطوطة

بعد زيارته للعديد من الأماكن في الصين قرر العودة إلى المغرب، وأثناء سيره عبر مضيق هرمز إلى البصرة علم أن أبو سعيد آخر حاكم من سلالة إيلخانية قد توفي في بلاد فارس، وكان قد خسر حكمه بسبب حرب أهلية طاحنة بين الفرس والمغول، وفي عام 1348 وصل دمشق ليتوجه إلى مكة، لكنه علم بوفاة والده قبل 15 سنة، وبعد إنهائه الحج توجه إلى المغرب، ليتفاجأ عند وصوله طنجة أن والدته قد توفيت أيضاً قبل بضعة أشهر من وصوله.

قضى ابن بطوطة عدة أيام في طنجة، ثم قرر زيارة دول المسلمين بدءاً من الأندلس وصولاً إلى شبه الجزيرة الإيبيرية، وعند وصوله الأندلس كان الملك ألفونسو الحادي عشر قد قام بمهاجمة مضيق جبل طارق، فانضم إلى مجموعة من المسلمين للدفاع عن الميناء، فاستطاعوا دحره، ومن ثم قام ابن بطوطة بزيارة الأندلس ومن بعدها عاد إلى المغرب.

إلا أنه غادرها مجدداً واستكمل رحلته، فزار مراكش، القاهرة، الصحراء العربية الكبرى ماراً بالعديد من الدول الأوروبية حتى وصل في النهاية إلى النيجر، فوصلته حينها رسالة من الملك المغربي يطلب منه العودة إلى الوطن، فعاد إلى المغرب عام 1354م منهياً بذلك رحلته الطويلة.

حياة ابن بطوطة في كتاب "تحفة النظّار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار"

بعد عودته إلى المغرب؛ طلب منه الحاكم المريني أبو عنان فارس بأن يصف رحلاته للباحث محمد ابن جزي الكلبي، فكانت هذه المخطوطة مدونة ومصدر وحيد لرحلات ابن بطوطة التي يصف عجائب أسفاره، كما كانت مصدراً تاريخياً هاماً يشرح رحلاته، جاء الكتاب تحت عنوان "تحفة النظّار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار"، وهو يعد نموذجاً موحداً في الأدب العربي.

لم يستخدم ابن بطوطة أي مذكرات لتدوين رحلته، فاستعان بذاكرته في تدوين الكتاب، كما أن ابن جزي الكلبي عند وصف دمشق ومكة المكرمة والمدينة المنورة استخدم كتاب ابن جبير الأندلسي الذي وصف فيه بعض الأماكن في الشرق الأوسط قبل 150 سنة، كذلك أخذ أجزاءً من كتاب محمد العبداري في وصفه لفلسطين.

يعتقد العلماء أن ابن بطوطة لم يزر جميع الأماكن التي ذُكرت في كتابه، وهناك بعض الشك في فكرة إسلام بعض الناس في جزر المالديف عند وصوله للمنطقة، فقد عرفت الإسلام فيما بعد على يد شيخ تبريزي يدعى يوسف شمس الدين، كما أن ابن بطوطة كان يعاني خلال رحله من الصدمات الثقافية في البلاد التي تختلف عاداتها وتقاليدها عن تعاليم الإسلام، فكان يندهش من الحرية والاحترام الذي كانت المرأة التركية تحظى به، كذلك اندهش من اللباس في جزر المالديف الذي كان يكشف منطقة الخصر، وبعض العادات الغريبة في الصحراء العربية الكبرى أيضاً.

انتشر ذيع ابن بطوطة وتُرجمت رحلاته إلى لغات عدة

لم يكن ابن بطوطة معروفاً خارج العالم الإسلامي حتى بداية القرن التاسع عشر عندما قام الباحث الألماني زيستن بالحصول على مجموعة من المخطوطات من الشرق الأوسط عن ابن بطوطة، فقام بنشر مقتطفات منها عام 1818، ومن ثم قام الفرنسيون باستعراضها في مجلة للعلماء بمساعدة المستشرق سلفستر دي ساسي.

تم الحصول على ثلاث مخطوطات قام بكتابتها الرحالة السويسري يوهان بوركهارت وقدمها إلى جامعة كامبردج التي قامت بنشر أجزاء منها بعد وفاته عام 1819، وفي عام 1830 خلال فترة الاحتلال الفرنسي للجزائر كانت المكتبة الوطنية في باريس تحتوي على خمس مخطوطات عن حياة ابن بطوطة، ومن المعتقد أنها من توثيق ابن جزي الكلبي.

في عام 1929 ترجم المؤرخ والمستشرق هاملتون جيب أجزاءً من النص العربي إلى اللغة الإنجليزية، وكان عام 1922 قد تُرجم كتاب "تحفة النظّار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار" كاملاً للغة الإنكليزية، كذلك تُرجم إلى لغات أخرى مثل الألمانية والفرنسية والبرتغالية.

في النهاية.. كان ابن بطوطة من أعظم المسافرين الذي جاب مسافة 221 ألف كم سيراً على الأقدام، ركوباً على الجمال أو عبر السفن، فأيٍ كانت وسيلته في الترحال، كان من أعظم الرحالة، وكان يستحق لقب "أمير الرحّالين المسلمين" الذي أطلقته عليه جامعة كمبردج، كما كان لابن بطوطة الفضل الكبير على الجغرافيين في العالم، حيث ترك صوراً صادقة للحياة في العصر الذي عاش فيه، بعد أن قطع مسافات شاسعة باحثاً عن المعلومة الجغرافية الصحيحة.

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة