شعر عن بنات حواء، النساء والمرأة في الشعر العربي

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: السبت، 24 يوليو 2021
شعر عن بنات حواء، النساء والمرأة في الشعر العربي

تُعتبر المرأة موضوعاً رئيسياً من موضوعات الشِّعر العربي، وإن كان القارئ قد اعتاد على المواد التي تتحدث عن المرأة من زاوية الحبِّ والغزل والوصف فسيجد في هذه المادة موضوعاً مختلفاً وإن كان للحبِّ منه نصيب.

حيث جمعنا لكم مجموعة كبيرة من الأبيات التي تتناول نظرة الشَّاعر العربي إلى المرأة في عصور مختلفة.

ولا نأتي بجديد إذا قلنا أنَّ هذه النَّظرة بالمجمل نظرة متعالية وسلبية وظالمة إلّا في النادر، فالأبيات التي بين أيدكم الآن تتناول صفات المرأة وخصالها في الحياة والحب والتربية من وجهة نظر كتَّابها.

تنويه هام:

قد لا تروق المعاني الواردة في هذه المادة أنصار الحركة النسوية من الذكور والإناث، لذلك لا بد أن نوضح أنَّ دورنا لا يتعدى جمع الأبيات المتعلقة بموضوع المادة مستعينين بالبحث في معاجم الأغراض الشعرية الموثوقة وقراءة ما أمكن من القصائد المتاحة عن الموضوع دون أن نتبنى اتجاهاً معادياً للمرأة أو نتقصَّد انتقاء أبيات معينة، فهذه الأبيات إنّما تعكس واقع التراث الشِّعري العربي في هذا المقام.

 

أول ما يطالعنا من صفات المرأة في الشعر العربي هو الغدر والكيد

سنبدأ مع مجموعة من الأبيات التي تتناول إحدى سجايا النساء الراسخة في ذهنية الشَّاعر العربي وهي الغدر، حتَّى أن البعض اعتبر الوفاء -إن وجد- إنَّما تفرضه على المرأة قيود اجتماعية وتربوية.

وهذا الغدر ليس غدر المرأة بالرجل وحسب، بل وغدر المرأة بالمرأة!.

مثلاً؛ يقول عبَّاس محمود العقاد:

وفاءُ بناتِ حَوَّاءٍ قيودُ تـصاغُ لَهُنَّ مِن طَبْعٍ وعُرفِ

فما فيهُنَّ مُخْلِصَةٌ لأخرى وما فيهُنَّ مُخْلِـصَة لإِلفِ

تُضيعُ على اضطرارٍ كُلَّ لنا ولا تصغي لعَهْدٍ أو لِحلْفِ

ويضيف العقَّاد في موضعٍ آخر:

خَلِّ المَلامَ فلَيسَ يَثْنِيها، حُبُّ الخِداعِ طبيعةٌ فيها

هو سِترُها، وطِلاءُ زينتِها ورياضةٌ للنَّفسِ تُحْييها

وسِلاحُها فيما تَكيدُ بهِ مَن يَصْطَفيها أو يُعاديها

وهو انْتِقامُ الضَّعفِ ينقذُها من طولِ ذلٍ بات يَشْقيها

أنتَ الملومُ إِذا أردْتَ لها ما لم يردُه قضاءُ باريها

خُنْها ولا تُخْلِصْ لها أبداً تخلصْ إِلى أغلى غَواليها

ولا يخرج قول عمر بن الوردي عن هذا السِّياق

إذ لا يجد المرأة أهلاً لحمل الأسرار والأمانات بل أنَّه يرى المرأة تميل إلى الشَّباب والمال في خليلها فإذا حل الكبر والفقر نقضت عهود صديق الأمس؛ يقول بن الوردي:

لا تودِع السَّرَّ النِّساءَ فمَا النِّسا أهلاً إِلى مُسْتَوْدَعِ الأسرارِ

كَيْدُ النِّساء ومَكرُهُنَّ مروعٌ لا كـان كُلُّ مكايدٍ مكَّارِ

إِن كنَّ خلاتِ الشَّبيبةِ والغِنى صِرْنَ العِدى في الشَّيْبِ والإِعسارِ

كذلك تشير الأبيات المنسوبة إلى الإمام علي بن أبي طالب إلى رأي مماثل، يقول:

دعْ ذكرهنَّ فما لهن وفاءُ ريحُ الصِّبا وعهودُهن سواءُ

يَكْسِرنَ قلبكَ ثم لا يجبرنهُ وقلوبُهن مع الوفاءِ خَلاءُ

وفي أبيات أخرى تنسب لآخر الخلفاء الراشدين علي بن أبي طالب أيضاً نجده يخشى على النِّساء من غدر الرجال بالرجال؛ فهو يرى أنَّ الرجال غير قادرين على الوفاء إلى إخوانهم ما دام الأمر متعلقاً بالنساء، فليس للنساء حصونٌ إلَّا القبور! وتنسب الأبيات أيضاً لأبي سعد السَّمعاني:

لا تأمننَّ على النِّساءِ ولو أخاً، ما في الرِّجالِ على النِّساء أمينُ

إِن الأمينَ وإِن تَعَفَّفَ جُهْدَهُ لا بُدَّ أن بنظرةٍ سيخونُ

القَبْرُ أو في من وَثِقْتَ بعَهْدِهِ ما للنِّساءِ سوى القُبورِ حُصونُ

ويقول شاعر مجهول عن وفاء النساء لأزواجهن:

لا تأمَنَنَّ أُنثى حياتِكَ واعلمَنَّ إنَّ النِّساء مالهن مَقسَمُ

اليومَ عِندكَ دَلها وحَديثها وغَداً لغيرِكَ كَفُّها والمِعصَمُ

كالبيتِ يُصبِحُ خَالياً مِن أهلِهِ ويَحلُّ بَعدكَ فيهِ مَن لا تَعلَمُ

بل أنَّ جران العود النميري يحذر حتَّى من تحكم النساء بأموال أبنائهن، ويقول ذلك عن تجربة:

ولا تأمنوا مكَرَ النِّساءِ وأمْسِكوا عُرى المالِ عَن أبنائهنَّ الأصاغرِ

فإِنَّكَ لم ينذركَ أمرٌ تخافهُ إِذا كنتَ منهُ خائفاً مثل خَابرِ

حتَّى عمر بن ربيعة رائد الشعر الإباحي يقول:

أسكينُ ما ماءُ الفراتِ وطيبُهُ مِنَّا على ظمأٍ وحُبِّ شَرابِ

بألذَّ منكِ وإِن نأيْتِ وقلَّما تَرْعى النِّساءُ أمانةَ الغُيَّابِ

كذلك يرى علي بن الجهم أن المكر صفة مخصوصة للنساء دون غيرهن، يقول:

وما المكرُ إِلا للنِّساءِ وإِنَّمـا عَدُوُّكَ مَن يُشجيكَ حتَّى تُصالِحَهْ

كما لا يرى ابن بشار في وعود النِّساء سبيل إلى الوفاء فيقول:

رأيـتُ مواعيدَ النِّساءِ كأنَّها سَرابٌ لمرتادِ المناهِلِ حَافِلُ

ومنتظرِ الموعودِ مِنهُنَّ كالَّذي يؤملَ يوماً أنْ تَلينَ الجَنادِلُ

ويقول أبو العلاء المعري في وفاء النِّساء:

ومن صِفاتِ النِّساء قِدْما أن لَسْنِ في الوُدِّ منـصفاتِ

وما يبَينُ الوفاءُ إِلَّا في زَمَـنِ الفَـقْدِ والوَفاةِ

 

ولمَّا كانت المرأة ثلثي الحبِّ فكان لها في الشِّعر أربعة أخماسه

ربما يكون باب الحبِّ الأوسع في الشِّعر، ولما كان معظم الشُّعراء من الذكور كانت المرأة تحتل المساحة الأكبر في الشِّعر غزلاً ووصفاً وشوقاً وعتباً...إلخ.

لكننا كما أشرنا في المقدمة سنتناول صورة المرأة من حيث صفاتها وشيمها في ذهنية الشَّاعر العربي، فنجد في الأبيات التالية من أصاب ومن أخطأ ونترك لكم الحكم في ذلك.

نبدأ مع الإمام محمد بن إدريس الشافعي الذي يتصدى لربط المعاناة بالنساء ويلجأ إلى ربطها بالتقرب ممن لا نحب، يُنسب للشافعي أنَّه قال:

أكثرَ النَّاسُ في النِّساءِ وقَالوا إِنَّ حُبَّ النِّساء جُهدُ البلاءِ

ليسَ حبُّ النِّساء جُهْداً؛ ولكن قُرْبُ مَن لا تُحِبُّ جُهدُ البلاءِ

في سياقٍ آخر يقول البحتري في الحبٍّ والنِّساء:

بكُلِّ سَبيلٍ للنِّسـاءِ قَتيلُ، ولَيسَ إِلى قَتْلِ النِّساء سَبـيلُ

وفي كُلِّ دارٍ للمحبينَ حاجَةٌ وما هي إِلا عَبْرَةٌ وعويلُ

وفي أبيات أبو الطيب المتنبي وإن كان يتهم النِّساء بعدم الوفاء إلَّا أنَّه يؤكد بعض الصفات النمطية التي نسمعها عن النّساء في العشق والهوى.

فهنَّ أشد صبابة في العشِّق وأشد قسوة إن حقدن وما في قلوبهن من الغلِّ شيء إذا دخل إلى قلوبهن الرضا؛ يقول أبو الطيب:

إِذا غَدَرَت حَسناءُ وَفَّت بِعَهدِها؛ فَمِـن عَهدِهـا أَن لا يَدومَ لَها عَـهدُ

وَإِن عَشِقَـت كانَت أَشَدَّ صَبـابَةً وَإِن فَرِكَت فَاِذهَب فَما فِركُها قَصدُ (الفرك: الكره)

وَإِن حَقَدَت لَم يَبقَ في قَلبِها رِضىً وَإِن رَضِـيَت لَم يَبقَ في قَـلبِهـا حِقدُ

كَذَلِكَ أَخلاقُ النِّساء وَرُبَّما يَضِلُّ بِها الهادي وَيَخفى بِها الرُشدُ

ويقول قيس بن ذريح صاحب لبنى في شيم المرأة في الحب:

تمتَّعْ بها ما ساعفتْكَ ولا تكن جَزوعاً إِذا بانَتْ فسوف تَبينُ

وإِن حلفَتْ لا ينقضُ النأيُ عَهْدَها فليس لمخضوبِ البَنانِ يَمينُ

ويقول بشار بن برد في تعامله مع النساء:

لا يمنعنَّكَ من مخدرةٍ قَوْلٌ تغلظهُ وإِن جَرَحا

عَسرُ النِّساء إِلى مياسرةٍ والصعبُ يمكنُ بعد ما جَمَحا

أمَّا علقمة الفحل فيعود بنا إلى نقطة البداية فيرى أنَّ النساء يصلن صاحب المال من الشباب ويُعرضن عن شيخ أو فقير، يقول علقمة:

فإِن تَسْألوني بالنِّساء فإِنني بَصيرٌ بأدواءِ النِّساء طَبيبُ

إِذا شابَ رأسُ المرءِ أو قلَّ مالهُ فليس له في وُدِّهِنَّ نَصيبُ

يردنَ ثراءَ المالِ حيثُ وَجَدْنَهُ وشَرْخُ الشبابِ عندَهُنَّ عَجيبُ

ويقول الفرزدق في النساء الجديرات بحبِّه:

أَحَبُّ مِنَ النِّساء وَهُنَّ شَتّى حَديثَ النَزرِ والحَدَقَ الكِلالا

مَوانِعُ لِلحَرامِ بِغَيرِ ��ُحشٍ وَتَبذُلُ ما يَكونُ لَها حَلالا

 

أبيات عن النساء والنسب والإنجاب

يمثل الإنجاب هدفاً رئيسياً من أهداف الزواج، وحيث أن المرأة هي التي تحمل الجنين نجد وجهات نظر غريبة في هذا الخصوص.

لنبدأ مع أبي العلاء المعري صاحب المقولة الشهيرة "هذا ماجَناهُ أبي عَليَّ ومَا جَنيتُ على أحد"، فالمعري من أشد معارضي الإنجاب حتَّى أنَّه ينصح بالمرأة العاقر فيقول:

خيرُ النِّساء اللَّواتي لا يَلِدْنَ لكم فإِنَ وَلَدْنَ، فخيرُ النَّسْلِ ما نَفَعنا

وأكثرُ النسلِ يشقى الوالدان به فليتَهُ كانِ عِن آبائِه دُفَعا

أضاعَ داريكَ من ديناً وآخرةِ لا الحيُّ أغنى ولا في هِالكٍ رَفَعا

وكِم سليلٍ رَجاهُ للجمالِ أبٌ فكان خِزْياً بأعلى هَضْبةٍ رَفَعا

كذلك يقول المعري في السياق نفسه:

إِذا شئتَ يوماً وُصْلةً بقرينةٍ فخيرُ نساءِ العالمين عَقيمُها

ويشير أبو شرف عماد إلى هاجس النسب إشارة قاسية إذ يقول:

دعاوي الناسِ في الدنيا فُنونٌ وعلمُ الناسِ أَكْثرُهُ ظنونُ

وكم من قائلٍ أنا من فُلانٍ وعند فُلانةَ الخَبَرُ اليقينُ

 

أبيات شعر في ذمِّ النساء

في هذه الفقرة جمعنا لكم أبيات متنوعة في ذم النساء وهجائهن لشعراء من أزمنة مختلفة، فمنهم من يرى في المرأة ضلعاً أعوجاً لا يداويه إلَّا الكسر.

ومنهم من يرى فيها شيطاناً رجيماً، كما نود لفت انتباهكم مجدداً إلى أن دورنا لم يتعدَ الجمع دون انتقاء معنى الأبيات انتقاءً ينافي الموضوعية (راجع المقدمة).

يقول الشَّاعر عندما رأى امرأة فاتنة (تنسب إلى عمر بن الخطاب، وإلى الشافعي وليست في ديوانه):

إِن النِّساء شياطينٌ خُلِقنَ لنا نَعوذُ باللهِ من شَرِّ الشَّياطينِ

فهُنَّ أَصْلُ البليّاتِ الَّتي ظَهَرتْ بينَ البريَّة في الدُّنيا وفي الدِّينِ

ويقال أن المرأة أجابته:

إنَّ النِّساءَ رَياحينٌ خُلِقنَ لَكُم وكلُّكُمْ يشتَهي شَمَّ الرَّياحينِ

ويقول بكر بن محمد المازني مترفعاً عن رأي النِّساء:

شيئانِ يعجزُ ذو الرِّياضةِ عنهُما: رأيُ النِّساءِ وإِمرةُ الصِّبيانِ

أما النِّساءُ فإِنهنَّ عواهرٌ وأخو الصِّبا يجري بكل عنانِ

وعلى الرَّغم من أبيات صفي الدين الحلي البديعة في الغزل والنسيب لكنها جميعاً على ما يبدو من باب الصنعة الشعرية، فهو القائل (وتنسب للإمام علي بن أبي طالب):

تَوَقُّوا النِّساء، فإِنَّ النِّساء نَقصنَ حُظـوظاً وعَقلاً ودينـا

فلا تُطْمِعوهنَّ يـوماً فقـد تكونُ النَّـدامةُ منه سِنينا

كما يقسو أبو علي الحسن بن زيد الرحبي على المرأة فلا يرى سبيلاً لإصلاح اعوجاجها إلّا كسرها:

هِيَ الضِّلْعُ الْعَوْجَاءُ لَيْسَتْ تُقِيمُهَا أَلا إِنَّ تَقْوِيمَ الضُّلُوعِ انْكِسَارُهَا

إِنْ يَجْمَعْنَ ضَعْفًا وَاقْتِدَارًا عَلَى الْفَتَى أَلَيْسَ عَجِيبًا ضَعْفُهَا وَاقْتِدَارُهَا .

فيما يقول بشار بن برد في وصف النساء:

إِنَّ النِّساء مُضيئاتٌ ظَواهِرُها لَكِن بَواطِنُها ظُلمٌ وَإِظلامُ

كَالدَّهرِ في صَرفِهِ سَقمٌ وَعافِيَةٌ وكَالزَمانِ لَهُ بُؤسٌ وَإِنعامُ

ويقول شاعر آخر قد اقترب أكثر من الإنصاف أنَّه جعل النِّساء أشكالاً، فيهنَّ - كما في الرجال - الطيب والخبيث، يقول:

أرى صاحبَ النِّسوانِ يحسبُ أنَّهن سَواءٌ وبَونٌ بينهن بَعيدُ

فمنهنَّ جنَّاتٌ يفئُ ظلالَها ومنهُنَّ نِيرانٌ لهنَّ وقودُ

ودرج البعض على التعامل مع أبيات المتنبي التالية من باب إنصاف النساء، ففي البيت الأول يلمح إلى تفوّق الرجال على النِّساء لأنهنَّ أقل من التي يرثيها (وهي أمُّ سيف الدولة) لكنه في البيت الثاني ينفي العيب عن التَّأنيث؛ يقول:

وَلَو كانَ النِّساء كَمَن فَقَدنا لَفُضِّلَتِ النِّساء عَلى الرِجالِ

وَما التَأنيثُ لِاِسمِ الشَمسِ عَيبٌ وَلا التَذكيرُ فَخرٌ لِلهِلالِ

لكن المتنبي ينقلب على رأيه المناصر للتأنيث في رثاء شقيقة سيف الدولة، فهي على الرَّغم من كونها أنثى لكنها خلقت كريمة فعقلها ونسبها عقل ونسب رجال، فيقول:

وَإِن تَكُن خُلِقَت أُنثى لَقَد خُلِقَت كَريمَةً، غَيرَ أُنثى العَقلِ وَالحَسَبِ

 

"إِذا لم يكن في منزلِ المرءِ حرةٌ مدبرةُ ضاعتْ مروءةُ دارهِ" علي بن أبي طالب

لا يمكن القول أن سمة الشعر العربي في عصره الحديث والمعاصر مناصرة المرأة، ربما تذكرون أبيات العقاد التي هاجم بها المرأة في بداية هذه القصيدة.

كما أنَّه لا يمكن القول أن الشعر القديم خلا من مدح النِّساء أو على الأقل الإضاءة على دورهن التربوي والاجتماعي، ومنه البيت المذكور أعلاه لعلي بن أبي طالب.

أو قول شريح القاضي الذي يقدر زوجته على الأقل إن لم يقدر النساء جميعاً:

رأيتُ رجالاً يضربونَ نساءَهم فشُلَّتْ يميني حينَ أضربُ زينبا

أأضربُها من غيرِ ذنبٍ أتتْ بهِ وما العدلُ مني ضربُ مَن لَيسَ مُـذنبا

فزينبُ شمسٌ والنِّساء كواكبٌ إذا طَلعتْ لم تُبدِ مِنهنَّ كَوكِبا

وكلُّ محبٍّ يمنحُ الودَّ إلفَهُ ويعذرُه يوماً إذا هوَ أذنَبا

لكن الشعر الحديث حاول بعضه التعامل مع المرأة بإنصاف وتقدير لدورها الاجتماعي التربوي وتأثيرها في نشأة المجتمع، وهذا التبدُّل النَّوعي في وعي الشَّاعر لم يأتِ نتيجة تبدل دور المرأة بقدر ما هو نتيجة تغير في ظروف المجتمع ككل.

حيث حتَّمت هذه التغيرات الاجتماعية الكبيرة التي شهدتها القرون الثلاثة الأخيرة من الألفية الثانية أن يعيد الرجل المثقف الشَّاعر النَّظر في تناول المرأة في شِعره.

يقول أمير الشُّعراء أحمد شوقي في دور المرأة بتنشئة الرجال أنَّ المرأة إن لم تنل تعليمها أرضعت أبناءها من جهلها:

وإِذا النِّساء نشأنَ في أميَّةٍ رضعَ الرِّجالُ جهالةً وخُمولا

كذلك في قصيدة أحمد شوقي عن خلية النحل إشارات مهمة عن المرأة وقدرتها على القيادة والعمل، فضلاً عن قصيدة أخرى لأمير الشعراء نوردها في ختام هذه المادة، أما قصيدة مملكة النحل فهي:

مَملَكةٌ مُدبَّرةْ، بامرأةٍ مُؤَمَّرةْ، تَحمِلُ في العُمّالِ والـصُّنّاعِ عِبءَ السَّيطرةْ

فَاعجَب لِعُمَّالٍ يُوَلونَ عَلَيهِم قَيصرةْ!، تحكُمهمْ راهِبَةٌ ذَكّارَة مُغبِّرَةْ

عاقِدَةٌ زُنَّارَها، عَن ساقِها مُشَمِّرَةْ، تلثَّمتْ بِالأرجُوانِ وارتَدتهُ مِئزَرَةْ

وارتَفعَت كأنَّها شَرارةٌ مُطَيَّرَةْ، ووقعتْ لَم تَختَلِجْ، كأنَّها مُسمَّرةْ

مخلوقَةٌ ضعيفَةٌ مِن خُلُقٍ مُصَوَّرةْ، يا ما أقلَّ مُلكَها، وما أجَلَّ خَطَرَه

قِف سائِلِ النَّحلَ بِهِ بِأَيِّ عَقلٍ دَبَّره، يُجِبكَ بِالأَخلاقِ وهيَ كالعُقولِ جَوهرةْ

تُغني قُوى الأَخلاقِ ما تُغني القُوى المُفَكِّرَةْ، ويَرفَعُ اللهُ بِها مَن شاءَ حَتَّى الحَشَرةْ

أَلَيسَ في مَملَكَةِ النَّحلِ لِقَومٍ تَبصِرَةْ!، مُلكٌ بَناهُ أَهلُهُ بِهِمَّةٍ ومَجدَرَةْ

وإذا أمعنَّا في ديوان الشِّعر العربي الحديث لن نجد مثل الشَّاعر العراقي معروف الرصافي تعنُّتاً في الدفاع عن المرأة في ميادين مختلفة، فهو القائل:

وما العَارُ أن تَبدو الفَتاةُ بَمسرحٍ تمثِّلُ حَالي عزَّةً وإباءْ

ولكنَّ عَاراً أنْ تزيَّا رِجالُكُم على مَسرحِ التَّمثيلِ زيَّ نِساءْ

كما أنَّ الرَّصافي يثمِّن دور المرأة الأم في التربية فيقول:

ولَم أرى للخلائقِ مِن مَحلٍّ يُهذِّبُها كحِضنِ الأمَّهاتِ

فحضْنُ الأمِّ مَدرسةٌ تَسامَتْ بتربيةِ البَنينِ أو البناتِ

وأخلاقُ الوَليدِ تُقاسُ حُسناً بأخلاق النِّساء الوَالِداتِ

وليس ربيبُ عاليةِ المزايا كمثلِ رَبيبِ سَافلةِ الصِّفاتِ

وليسَ النَبتُ يَنبتُ في جَنانٍ كمثلِ النَّبتِ ينبتُ في الفَلاةِ

فيا صَدرَ الفَتاةِ رَحُبتَ صَدراً فأنتَ مَقرُّ أسنى العَاطِفاتِ

نراكَ إذا ضَممتَ الطِّفلَ لوْحاً يفوقُ جميعَ ألواحِ الحَياةِ

اذا استند الوَليدُ عَليكَ لاحتْ تَصاويرُ الحَنانِ مصوَّراتِ

لأخلاقِ الصَّبى بكَ انعكاسٌ كما انعكس الخَيالُ عَلى المِراةِ

كذلك يخوض الرصافي في الدفاع عن النساء في الأبيات التالية:

يقولونَ: إنَّ النِّساءَ نَواقِصٌ ويدلُّونَ في مَا هُم يَقولُون بالسَّمعِ

فأنكرتُ مَا قالوهُ والعَقلُ شَاهِدي وما أنا في انكارِ ذَلكِ بالبدعِ

إذا النَّخلةُ العَيطاءُ أصبحَ طَلعُها ضَعيفاً فليسَ اللَّومُ في هَذا عَلى الطَلعِ (العيطاء: النخلة الطويلة)

ولكنَّما الجَذعُ الَّذي هو ثَابتٌ بمنبتِ سُوءٍ فالنَّقيصةُ بالجَذعِ!

ختاماً... لا ندَّعي أنَّا تمكنَّا من جمع كل ما قيل عن المرأة في الشِّعر العربي القديم والحديث فذلك يحتاج إلى مجلدات، لكننا حاولنا أن ننقل الجو العام لطريقة تعامل الشَّاعر العربي مع موضوع المرأة، ونعلم أنَّ هناك مئات الأبيات والمقاطع الشِّعرية التي تتحدث عن المرأة، نتمنى أن تشاركونا بما تحفظون منها.

ونترككم في الختام مع نص للشَّاعر أحمد شوقي عن أسطورة خلق المرأة وعلاقتها الشائكة مع الرجل:

أروي لكم خُرافةْ في غايةِ اللَّطافةْ

أتتْ من الهند لنا، وتَرجموها قَبلَنا

إلى لُغاتٍ جمَّةْ، لأنَّ فيها حِكمةْ

طوشترى معبودْ، آلَّهة الهنودْ

قالوا هو الذي برا هذا الوجود والوَرَى

ومثله فلكان فيما رأى اليونان

كلاهما حدادْ عَبَده العبادِ

فحين صَاغ العَالما كما يَصوغ الخَاتما

أنفقَ ما كان ادّخرْ ولَم يدَع ولمْ يذرْ

وكلَّ شيء بَذَلا حتَّى أتمَّ الرَّجُلا

وضاقَ بالنِّساءِ في الخَلقِ والإنشاءِ

فحارَ مَاذا يَجمعْ ومنه أنثى يَصنعْ

وبعدَ فكرٍ أعمله حتَّى بدا الصَّوابُ لهْ

كوَّنها تكوينا مختلفاً تَلوينا

من استدارةِ القَمرْ إلى لَطافَةِ الزَّهرْ

إلى تراوحِ العشبْ إلى رشاقة القضبْ

فلحظاتُ الريمْ فقلق النَّسيمْ

فبهجةُ الشُّعاع فقسوة السِّباع

فقوةُ الألماس ومالَه مِن بَاس

فزهوةُ الطَّاووس تأخذ بالنّفوس

ومِن دموع السُّحبِ إلى انكماشِ الأرنبِ

إلى التواءِ الأرقمِ فالزَّغبِ المقسَّمِ

فالحرَّ مِن وقودِ فالبردُ من جليدِ

فالشَّهدُ في المذاقِ فخفَّة الأوراقِ

إلى التفافِ النَبت زاحفه والثبت

فنغم الهديرِ فهذر العصفورِ

وكلّ هذا هيأه مكوناً مِنه امرأةْ

وبعدَ ما أتمَّها لعبدهِ قدَّمها

وقالَ خُذها يا رَجل وعَن هَواها لا تحلْ

فبعدَ أسبوعٍ مضى أتى لَه معترضا

يقولٌ: يا اللَّهُمّا خذها كفاني همَّا

لا صبرَ لي مَعها ولا أرَى فيها لي قِبَلا

تظلُّ تشكو الدَّاءَ وتخلق الشحناءَ

محتالة على الغضبْ شاكية ولا سببْ

قد ضيَّعتْ أوقاتِي وأذهَبتْ لذَّاتي

فأخذَ الإلهُ ما كان قد أعطاهُ

فلمْ يكُنْ بعضَ زَمن حتَّى تولَّاه الحَزَن

فقالَ يا ربّ ردَّها فما نعمتُ بعدَها

بانَت فلا أنساها كأنَّني أراها

ماثلةً أمامي مالئةً أيامي

لطيفة في لعبها خفيفة في وثبِها

قالَ الإله للرجل: حيَّرتَ مولاك فقُل

ماذا الَّذي تريد؛ أحفظ أم أعيد؟

فأخذ الرفيقة وقال ذي الحقيقة

لا عيش لي معها ولا بغيرها العيش حلا

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة