لطالما عُرِفَ بالملاذ الآمن…

كيف كان الذهب حلاً للأزمات الاقتصادية طوال السنين

  • تاريخ النشر: الإثنين، 16 نوفمبر 2020
لطالما عُرِفَ بالملاذ الآمن…

لطالما عُرِفَ بالملاذ الآمن… كيف كان الذهب حلاً للأزمات الاقتصادية طوال السنين

تعرف الأصول المالية بمختلف أنواعها بكثرة التقلب والمرور بفترات الصعود والهبوط على الدوام، لكن الفرق يكمن في مدى استقرار أصل مالي عن غيره من الأصول، وما هي نسبة الخطر والتذبذب السعري الذي يمر به في معظم الأوقات.. معرفة ذلك تعتبر طريقاً أساسياً لأي مستثمر حتى يحدد اتجاهه بناءً على قدراته المالية وأهدافه التي يسعى لتحقيقها.

عندما يتجه الحديث بشكل خاصٍ عن المعدن الأصفر، سيتردد على ذهنك كثيراً عبارةٌ شائعة ألا وهي أن الذهب يعتبر الملاذ الآمن في الأزمات الاقتصادية، وذلك لأنه من المعروف أنه نادراً ما تؤثر الأحداث الاقتصادية الصغيرة أو المتوسطة على أسعار الذهب مباشر.

لماذا سمي الذهب بالملاذ الآمن؟

يدل المعنى العام لمصطلح الملاذ الآمن على امتلاك أي شكل من الممتلكات التي بامتلاكها يمكن بنسبة كبيرة أن يتحقق عنصر الأمان ضد أي مخاطر أو اضطرابات تصيب الأسواق محليًا أو عالميًا وانعكاس ذلك سلبًا على حركة الاقتصاد، وفي الغالب يكون الملاذ الآمن للمستثمرين هو البقاء على قمية الأصول الخاصة بأعمالهم وحمايتها من خلال اللجوء إلى ملاذٍ آمن يحمي الأصول ويبقيها على قيمتها في مقابل انخفاض أغلب الأصول الخاصة بالأعمال الاستثمارية المحيطة.

هنا يستخدم المستثمرون مصطلح الملاذ الآمن للتعبير على لجوئهم إليه وقت الرخاء ليكون الحامي لأصولهم وقت الأزمات ويمكن الاعتماد عليه في تخطي الأزمات الاقتصادية وغير الاقتصادية التي تسيطر على عالم الأعمال وتفقد الأصول قيمتها والتي بدورها تؤدي إلى هدم قطاع الأعمال والاستثمار حال سقطت هذه الأصول.

ملجأ المستثمرين في الأزمات الاقتصادية

حينما تتعرض الأعمال المالية أو الاستثمارية سواء بشكل فردي أو على مستوى الدول إلى مزيد من الاضطرابات وعدم الاستقرار، تصبح النظرة المستقبلية المتفحصة للوضع متجه نحو الذهب كملاذ آمن معترف به على مستوى العالم والذي يعد أهم غطاء يحمي الأصول من انخفاض قيمتها وسقوط الاقتصاد ويعد المهرب الآمن والمنجي للمستثمرين أنفسهم.

اكتسب الذهب لقب الملاذ الآمن في محيط عالم  المستثمرين كتراكم للصورة التي كونت عن الذهب منذ القدم حيث اعتبر من المعادن النفيسة التي لا تفقد قيمتها مع مرور الوقت، وكنتيجة لعدم تعرضه للمخاطر الاقتصادية وخاصة خطر فقد القيمة أو انخفاضها خلافًا لما هو معروف عن العملات بأنواها المختلفة وباقي الأصول الاستثمارية التي تنطوي على العديد من المخاطر الائتمانية، وفي إطار ذلك أطلق خبراء الاقتصاد مصطلح الملاذ الآمن على الذهب لكنهم اعتبروه الملاذ الآمن للأسهم فقط ولا ينطبق ذلك على السندات.

حدد خبراء الاقتصاد قيمة الذهب كملاذ آمن ووصفوها بالمحدودية أي أن هذا الملجأ والملاذ لايستمر طويلًا ويدوم لفترة محددة، حيث قدرت من قبل بعض الخبراء في مجال الاقتصاد بما يقارب الخمسة عشر يوم بالنسبة لأيام التداول، لذا وجهه بعضهم الاتجاه العالمي إلى ضرورة البحث عن أصول أخرى كملاذات أمنة بجانب الذهب وليس من الجيد أن يتم الاعتماد على الذهب وحده في حماية الاقتصاد.

يأتي ذلك موضحًا أسباب قيام المستثمرين بشراء الذهب خلال أيام الأزمات والعوائد السلبية ويتم بيع الذهب بعد التعافي المالي وحينما يلاحظ تسجيل نسبة استقرار تعيد الثقة إلى المستثمر مرة أخرى، ولأهمية الذهب في التعاملات الاقتصادية ودوره في حماية الأصول فقد أوضحت العديد من الدراسات الاقتصادية دخول الذهب ضمن قائمة الأصول الآمنة في أسواق الأسهم الأمريكية والأوروبية في حين لا يعتد به في أسواق أسهم اليايان وكندا وأستراليا بجانب الأسواق حديثة العهد.

التوسع في استخدام الذهب كملاذ آمن

على الرغم من زيادة الأصوات المنادية باعتبار الذهب الملاذ الآمن للأصول الاستثمارية، إلا أن العصر الحديث شهد أصواتًا مخالفة لما هو مشاع عن الذهب حيث اعتبروه ليس آمنا بالقدر الكافي وأن درجة الأمان محدودة ومحددة وخاصة مع زيادة انتشار الذهب كأصل استثماري وذادت شعبيته كحامي من انخفاض وعدم استقرار سوق الأسهم.

 بالتالي أصبح من المتاح أمام المستثمرين الاحتفاظ بكميات ضخمة من الذهب واعتبارها ملاذ آمن يمكن بيع جزء منه أو بيعه كاملًا حينما يشعر المستثمر بضغوط مالية في سوق الأسهم نتيجة لوجود قيود محجمة لعمليات الاقتراض أو وجود خلل في السيولة المتاحة في محفظة المستثمر للأوراق المالية وبالتالي لن يتمكن المستثمر من تحريك اضطراباته وتحقيق الاستقرار من خلال القروض البنكية بل من السهل أمامه اللجوء إلى كميات الذهب الاحتياطية لديه وينطبق ذلك على اقتصاد الدول بأكملها.

لماذا استحق أن يكون كذلك؟

نظرًا لاعتبار الذهب ملاذ آمن فهو بذلك دخل ضمن الأصول الاستثمارية التي تتميز بكونها ملجأ يحتضن رجال الاستثمار واستثماراتهم ويحميهم من الوقوع في براثن الأزمات الاقتصادية والاقتراب من الوقوع في حالات عدم الاستقرار المالي، وبالتالي فهدف المستثمر هو جني قليل من الأرباح نظير حماية رأس المال.

من أهم الخصائص التي تتوافر في الذهب والتي أصبحت مقومات تعد أساس لاعتبار الذهب ملاذ آمن في عالم الاستثمار:

  • السيولة:

حيث يتميز الذهب بقابليته للتحويل إلى نقد بشكل سريع وفي كل الأوقات.

  • الوظيفة:

فالذهب له أصل وظيفي والطلب عليه متاح ومضمون ليس فقط على المدى القريب وإنما على المدى الطويل أيضًا.

  • جدية الثقة:

فالذهب من المعادن والأصول التي لا تنتهي مع الوقت ولا يعفو عنها الزمن كما أنه لا يستبدل بأصل آخر.

  • الثبات:

فالذهب يظل محتفظاً بقيمته وقد تزداد تلك القيمة ولا تتدهور قيمته مع مرور الوقت.

ورغم وجود أصول أخرى من العملات النقدية حول العالم أصبحت تعد ملاذًا آمنًا للمستثمرين، إلا أن الذهب على مر الزمن يعد أفضل اختيار للحماية من أهوال الاضطرابات الاقتصادية البسيطة والعظمى والمحلية والعالمية، ومع لجوء عدد من المستثمرين إلى بعض الأصول الآمنة بجانب الذهب يبقى الذهب المرجع الدائم الذي لا يتغير أبدًا وخاصة في أوقات الأزمات الاقتصادية مما أكسب الذهب أهمية خاصة بين الأصول الآمنة الأخرى.

عيوب استخدام الذهب كملاذ آمن

رغم الاعتماد العالمي على الذهب واعتباره ملاذ آمن على مر التاريخ واستطاع انقاذ الكثير من الاستثمارات حول العالم من أخطار عدم الاستقرار الاقتصادي واستطاع تحجيم مشكلة التضخم وتحقيق استقرار نسبي بعيد المدى في الأسعار، إلا أن الاعتماد على الذهب كملاذ آمن يشوبه بعض العيوب ومنها:

  • الذهب كثروة معدنية طبيعية يوزع على الدول بشكل غير متساوٍ حيث تحظى دول بإنتاجية وفائض كبير من الذهب ودول أخرى ليس لديها إنتاج أو احتياطي منه وبالتالي يصبح هناك تميزًا للدول المحتضنة للكميات الكبيرة من الذهب على حساب الدول الأخرى.

  • أصبح الذهب معيار للنمو الاقتصادي وخاصة مع مصاحبة هذا النمو الاقتصادي نموًا في العرض النقدي.

  • القيمة الخاصة بكميات الذهب المستخرجة تعتبر أقل كثيرًا من حجم النقد المتاح حاليًا في الاقتصاد حول العالم.

  • يرتبط عرض النقد بالكميات المستخرجة من الذهب كبديل للنمو الاقتصادي.

  • الخطورة التي تنطوي عليها أزمة الانكماش مقارنة بخطورة التضخم الذي يعد الأخف تأثيرًا في الاقتصاد، حيث يسود الانكماش نتيجة لوقف عملية الشراء انتظارًا انخفاض الأسعار مستقبلًا خلافًا للتضخم الذي يحدث هجمة شرائية تخوفًا من زيادة الأسعار.

الخلاصة:

لطالما كان الذهب ملجأً آمناً في الأزمات الاقتصادية منذ آلاف السنين، وحمى كثيراً من المستثمرين من خساراتٍ بالغة، لكن ذلك لا يعني أيضاً أنه دائماً سيكون كذلك وفي كل ظرف، فلا يعرف أحد ماذا تخبئ الأيام