حين يكون الموسيقيون مهددين بالتعذيب والنفي!

  • DWWbronzeبواسطة: DWW تاريخ النشر: الثلاثاء، 01 أكتوبر 2019
حين يكون الموسيقيون مهددين بالتعذيب والنفي!

عايش الفنان رامي عصام أحداث التاسع من مارس 2011 منذ وقت طويل، ولكنها لازالت مطبوعة في ذاكرته. ويعود بذاكرته إلى يوم اعتقاله من ضباط مصريين، والضرب الذي تعرض له بالعصي الخشبية والمعدنية، والأحذية العسكرية التي دفعت جسده العاري، وداست على رأسه، وكذلك الصعقات الكهربائية.

يناديه السجان ومعذبه باسمه "رامي"، مما يؤكد على أنهم يعرفون هويته حق المعرفة. رامي هو صاحب أغنية "ارحل"، والتي أصبحت النشيد الوطني للمتظاهرين في ساحة التحرير خلال الثورة المصرية ضد الرئيس المخلوع حسني مبارك.

التعذيب الذي واجهه كان الانتقام الأكثر عنفاً الذي عاشه رامي عصام، الذي يقيم في منفاه بالسويد منذ عام 2014، بسبب موسيقاه. رامي آثر الكلام على الالتزام بالصمت، إذ قام بإصدار أغنيته "بلحه"، في العام 2018، خلال الحملة الانتخابية المصرية.

وتستخدم كلمة "بلحه" حين تصف شخصا ما بشكل سيء، ويشار لها عادة في أوساط المتظاهرين للرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي. وتنتقد الأغنية أداء الحكومة المصرية المثير للجدل في السنوات الأربع السابقة، كما ذكر لنا عصام.

كما اعتقلت الحكومة المصرية الشاعر جلال البحيري بعد إصدار الفيديو، وكذلك المخرج شادي هباش ومدير عصام السابق لقضايا السوشال ميديا مصطفى جمال، على الرغم من أن هباش وجمال لم يشاركا في انتاج الأغنية. ومازال ثلاثتهم في السجون المصرية بتهمة ممارسة الإرهاب.

تألم عصام لاعتقال زملائه أكثر من تعرضه للتعذيب ويقول: "الحكومة تعذب آخرين لأجل أمر قمت به أنا".

وقد أطلق عصام حملة "قضية بلحه" من أجل لفت الانتباه العالمي لما يسميه "بالاعتقال المتعسف"، وسوف يركز على المعاناة التي يتعرض لها زملاؤه خلال جلسة تتحدث عن حرية التعبير في مؤتمر الموسيقى العالمية في باريس.

الانتهاكات من نيجيريا حتى إسبانيا

وقال رئيس مجلس الموسيقى الأوروبية إيان سميث لـ DW أن الحق في حرية التعبير يتعرض دوماً للهجوم عالمياً. باعتباره أحد أهم أول خمسة حقوق للموسيقيين، ومؤكداً أنه سيتم التركيز عليه هذا العام في فعاليات مجلس الموسيقى العالمية. إذ أن القيود المفروضة على الموسيقى ارتفعت خلال السنوات العشر الماضية.

ففي العام 2019 نشر بيت الحرية تقريراً يشير إلى تراجع حرية التعبير بشكل عام منذ 2012، في حين سجلت مؤسسة فريميوز 270 قضية قمع ضد الموسيقيين في العام 2018، بارتفاع قدر بـ 68 حالة عن السنة السابقة. "لطالما عكست حرية التعبير التطور الديموقراطي، فكلما توجه الحكم إلى الاتجاه الشعبوي فإن التقييدات على حرية التعبير ترتفع"، كما أشارت لنا الأمين العام المشاركة لمجلس الموسيقى العالمي سيمون دوت.

الانتهاكات تحدث بمختلف أشكالها حول العالم، إذ أنه في العام 2018، قامت الحكومة النيجيرية بمنع الأغنية الدارجة "هذه نيجيريا" لنجم الراب فالز بتهمة استخدام المصطلحات المبتذلة، فيما خالفت الإذاعات التي قامت ببثها. بينما حظرت قيرغيزستان خدمات موقع ساوند كلاود باعتباره "موقعاً متطرفاً"، في حين ألغت روسيا الحفلة الموسيقية لفرقة IC3PEAK، بعد الكليب الخاص بهم "لا للموت بعد الآن"، والذي ظهرت في بعض مشاهده معالم سياسية معروفة.

أوروبا ليست غريبة أيضاً عن هذه الانتهاكات، إذ قامت إسبانيا باعتقال 14 موسيقياً في العام 2018 بتهمة "تمجيد الإرهاب" أو بإهانة الرموز الوطنية، فيما أشارت مؤسسة فريميوز لقرار مهرجان رويترينالي الألماني بإلغاء دعوة فرقة "الآباء الصغار" لدعمهم حركة مقاطعة إسرائيل BDS المثيرة للجدل.

يتخذ الحد من حرية التعبير الموسيقية العديد من المستويات، فكما تذكر المسؤولتان في مجلس الموسيقى العالمي روث جاكوبي وزميلتها سيمون دوت: "لا يتعلق الأمر بأني لا أستطيع أداء أغنيتي أو أن أتمتع بحرية الحركة، بل أيضاً الحرمان حتى من فرصة تقديم الأداء".

من تحت الأرض في إيران إلى المسرح في اسكوتلندا

واجهت الإيرانية "فرزانه ضامن" هذا القمع في بلدها أيضاً، حيث يفرض النظام الإسلامي الإيراني قيودا شديدة على النساء ومنعهن من إقامة حفلات موسيقة علنية. لذلك أمضت فرزانه أغلب وقتها خلال السنوات العشر الصارمة، بإنتاج أغانٍ من غرفتها في طهران، وتسجيلها في استوديوهات خاصة، ونشرها عبر الشبكة العنكبوتية من خلال منصات إلكترونية مثل راديو جافان الأمريكية.

وبينما كانت تتلقى عروضاً لتقديم أغانيها في حفلات خاصة أمام جمهور مختلط، فقد آثرت رفض هذه الفرص. وتضيف: "لم أكن أشعر بالراحة، كنت أشعر كما لو أن أمراً سيئا قد يحصل، حتى في الحفلات الموسيقية التي حصل فيها الموسيقيون على تصريح".

ستقدم فرزانه أيضاً كلمة خلال جلسة حرية التعبير في مجلس الموسيقى العالمية في باريس، قادمة من غلاسكو في اسكوتلندا، حيث كانت تعيش هناك بداية كفنانة منذ العام 2017، وكلاجئة لاحقاً. وجاء قرارها بتقديم اللجوء بعد نشرها ألبومها الأول عام 2018، منتقدة التمييز الذي تتعرض له نساء الشرق الأوسط.

وحين حاولت فرزانه نشر الألبوم عبر راديو جافان، رفض المسؤولون عن ء الموقع معللين ذلك بأن الأغاني "سياسية أكثر من اللازم"، وأن هناك موسيقيين في إيران تم اعتقالهم لذلك. فرزانه قالت رردا على ذلك: "لقد كان هذا يوماً حزيناً بالنسبة لي، إذ وعيت على أن الحكومة تسيطر على الإعلام حتى خارج حدود إيران".

ومع أنه تم نشر ألبومها في إيران تحت أنف الرقابة، إلا أن شعوراً بالمخاطرة كان موجوداً، والذي جاء بالتزامن مع قمع الحكومة للمتظاهرين في الجمهورية، والقيود المفروضة على الموسيقيين في إيران، مما دفع زمن لتقديم طلب لجوء.

القليل من الأمل، ولكن تستمر الموسيقى

لا تظن فرزانه بأن وضع الموسيقيين في إيران سيتحسن، "طالما بقي النظام الحاكم الإسلامي الحالي هناك، فإن أمل التغيير معدوم". وفي حين تأمل بالعودة إلى وطنها الأم من أجل التواصل مع محبي الموسيقى الإيرانيين، فإنها تعبر عن الإلهام الذي حصلت عليه من حرية الموسيقى في اسكوتلندا. "هنا أنا فنانة، تقدم عروضاً موسيقية، وهذا أمر جيد!"، وتضيف بضحكة خفيفة: "بكل صراحة".

في المقابل لا يستطيع رامي عصام العودة إلى مصر، إذ تم توجيه اتهامات له في قضية "بلحه"، مؤكداً على أن الحكومة المصرية تستخدم هذه الحجة من أجل إخافة موسيقيين آخرين، ولكنه سيستمر مع زميله المعتقل جلال في إنتاج الموسيقى، وسيقومون قريباً بنشر أغنية عن الحركة الديموقراطية السودانية، في ذات الوقت يقوم عصام حالياً بإنتاج أغنية جلال التي تتحدث عن أحوال الاعتقال "قميص الترتان".

لا يؤمن عصام بوجود حرية تعبير حقيقية في مصر، ولكن للفن أن يتحايل على القمع كما يذكر، "ربما يتغير الشكل، ولكن الرسالة والجوهر سيبقيان كما هما، والشعب ذكي بما في الكفاية لفهم الرسالة ما بين الأسطر وخلف الكلمات".

كريستينا بوراك/ مرام سالم

للاستماع لموسيقى عصام وزمن، ولموسيقيين آخرين يتعرضون للقمع، بإمكانكم زيارة قائمة الأغاني "هذه حرية التعبير" في سبوتفاي DW.

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة