ما هو التضخم وكيف يؤثر عليكم؟

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الأحد، 25 يوليو 2021
ما هو التضخم وكيف يؤثر عليكم؟

يعرف التضخم ضمن علم الاقتصاد بأنه "زيادة مستمرة في مستويات الأسعار العامة للبضائع والخدمات في اقتصاد ما عبر مدة من الزمن". وبطبيعة الحال فارتفاع مستويات أسعار البضائع والخدمات يعني بالضرورة انخفاض القيمة الشرائية للعملة حيث تشتري وحدة العملة بضائع أو خدمات أقل فأقل مع مرور الزمن بسبب ارتفاع مستويات الأسعار أو ما يعرف بالتضخم.

ويتم قياس معدل التضخم عن طريق قياس التغير النسبي في مؤشر الأسعار العامة، بحيث أن ارتفاع الأسعار يعد تضخماً وانخفاض مؤشر الأسعار العامة يعد تقلصاً، ويتم اختساب متوسطات الأسعار من خلال القيام ببناء سلة من السلع التي تعبر عن التوزيع النسبي لمصروفات المجتمع، بحيث تحتوي هذه السلة على مجموعة من السلع المتنوعة الموزونة وفقا لمسح يحدد أهمية كل سلعة في حياة أفراد المجتمع.

وللتوضيح، فقد قامت الإدارة المركزية للإحصاء في دولة الكويت بتحديد سلة من السلع ليتم استخدامها وفقا لطريقة الأرقام القياسية لأسعار المستهلك في حساب مستويات التضخم الشهرية والسنوية في الكويت، حيث كانت مجموعات السلع تنقسم إلى أبواب رئيسية لكل منها وزن محدد، ولمزيد من التوضيح نعرض لكم هذه المجموعات:

أقسام الإنفاق الرئيسية المستخدمة في حساب الأرقام القياسية لأسعار المستهلك في الكويت

مجموعة السلع الوزن الترجيحي (من الف نقطة)
الأغذية والمشروبات 184.33
السجائر والتبغ 2.74
الكساء وملبوسات القدم 92.85
خدمات المسكن 288.55
المفروشات المنزلية ومعدات الصيانة 112.69
الصحة 15.75
النقل 79
الاتصالات 39.89
الخدمات الترفيهية والثقافية 42.68
التعليم 30.2
المطاعم والفنادق 33.09
سلع وخدمات أخرى متنوعة 78.23

كما تشاهدون في الجدول في الأعلى، لقد تم إعطاء الانفاق حصة نسبية بلغت 18.4% تقريبا من مجمل انفاق الكويتيون، أي بمعنى أن الفرد الكويتي ينفق 18.4% من مجمل انفاقه على الأغذية في المتوسط، ثم يتم تقسيم هذه المجموعات إلى مجموعات فرعية أو سلع نهائية أخرى بوزن إجمالي 1000 نقطة، بحيث يتم مراقبة أسعار هذه السلع النهائية، وحساب تأثير كل منها في مستوى الأسعار الإجمالي وفقا للوزن الذي تحمله، ومن ثم يتم مراقبة التغير في هذه الأسعار لحساب معدل التغير العام في الأسعار والمعروف بالتضخم.

 

تاريخ التضخم

على الرغم من أن مصطلح التضخم جديد نسبياً فالتضخم موجود بأشكال متعددة منذ بدأ الحضارة والتعامل التجاري واختراع العملة كوسيط تجاري. فازدياد كمية المال الموجودة في التداول بسرعة أكبر من سرعة النمو الاقتصادي ظهرت في الحضارات القديمة في عهد العملات الذهبية والفضية، حيث كانت الحكومات تستعيد العملات المسبوكة وتصهرها لتخلطها مع الرصاص أو النحاس أو غيرها وتعيد سباكتها بحيث تنتج كمية أكبر من العملة بنفس كمية الذهب وبالتالي تنخفض القيمة الفعلية للقطعة النقدية. هذا يؤدي إلى الحاجة لصرف كمية أكبر من العملة للحصول على نفس المقدار من الخدمات أو البضائع.

من أحداث التضخم الشهيرة تاريخياً

أولاً: التضخم في الصين

ما حدث في امبراطورية الصين القديمة، حيث تم اختراع الأوراق النقدية في عهد أسرة "سونج" ولاحقاً في عهد أسرة "يوان" تورطت الدولة في العديد من الحروب التي اضطرت لتمويلها بعملتها مما أدى إلى إضعاف الاحتياطي الموجود لديها، هنا قامت الحكومة بطبع المزيد والمزيد من الأوراق النقدية لتعويض خسائر تمويل الحرب؛ هذا التصرف أدى إلى ازدياد كبير في كمية الأوراق النقدية الخاضعة للتداول، بالتالي فقدانها لقيمتها وحدوث حالة تضخم كبير جداً. مما أدى لاحقاً إلى رفض أسرة "مينج" التعامل بالعملة الورقية والعودة للقطع النقدية النحاسية.

ثانياً: التضخم في أوروبا

مرت أوروبا بحالة تضخم مستمر أدت إلى تضاعف الأسعار 6 مرات خلال 150 سنة (بداية من النصف الثاني من القرن الخامس عشر وصولاً للقرن السابع عشر)، يعود السبب في ذلك (وفق دراسة قامت بمقارنة الأسعار على مدى تلك الحقبة بتقارير كميات الذهب والفضة المجلوبة من العالم الجديد) إلى اكتشاف الأمريكيتين وعودة السفن الأوروبية محملة بغنائم المعارك ضد السكان الأصليين خصوصاً ممالك الأنكا والمايا والأزتك، وعلى الرغم من أن العملة حينها كانت تعتمد الذهب كمصدر أساسي لها وهو ما كان من المفترض له تثبيت قيمتها، إلا أن تدفق المزيد من الذهب يعني زيادة العرض مع ثبات الطلب مما يخفض قيمته وبالتالي يخفض قيمة العملة القائمة عليه أيضاً.

ثالثاً: التضخم في تركيا

فمن الأمثلة المهمة في العصر الحديث هو حالة تركيا في تسعينيات القرن الماضي حيث أدت السياسات الاقتصادية السيئة وعدم التخطيط إلى تضرر الاقتصاد التركي بشكل كبير وتضخمت العملة بحيث أصبح سعر فنجان من القهوة مثلاً عدة ملايين ليرة تركية، توقف هذا الأمر مع نهوض الاقتصاد مجدداً بداية من عام 2004 وحذف ستة أصفار من العملة عام 2006.

 

أسباب التضخم

وصولاً للقرن التاسع عشر قسم خبراء الاقتصاد أسباب تغير أسعار المواد والتضخم إلى ثلاثة فئات أساسية:

  • تغير قيمة السلعة أو تكاليف إنتاجها ونقلها: حيث أن العديد من السلع تكون مرتفعة السعر بشكل مستقل عن العرض والطلب وذلك نتيجة التكاليف الكبيرة لاستخراجها أو تصنيعها، كما أن التقدم العلمي يساهم بشكل كبير في تغيير السلع، فمعدن الألمنيوم كان يعتبر من المعادن النفيسة الغالية الثمن في بدايات اكتشافه نظراً للصعوبة البالغة للحصول عليه وعملية استخراجه المعقدة (علماً أنه أكثر المعادن انتشاراً في القشرة الأرضية حيث يشكل 27% منها) لكن ذلك تغير مع اكتشاف طرق جديدة لاستخراجه وفصله عن الشوائب.
  • تغير قيمة المرجعية المالية: حيث أن انخفاض قيمة المعادن النفيسة سيخفض قيمة العملة القائمة علبها، وبشكل مشابه فالعملات التي تستند على عملات أخرى كمرجعية تتأثر بانخفاض تلك العملات أيضاً، وانخفاض قيمة العملة يعني بالضرورة ارتفاع الأسعار والتضخم.
  • إغراق السوق بالأوراق النقدية: أي زيادة عدد الأوراق النقدية المتداولة في الأسواق بشكل لا يتناسب مع القيمة المرجعية لها مما يقلل قيمتها ويرفع الأسعار.

في العصر الحديث ظهرت العديد من المدارس الاقتصادية الجديدة التي عزت التضخم لأسباب متعددة كالضرائب والصرف الحكومي (الأموال التي تنفقها الحكومات على الوزارات والمؤسسات الخاصة بها وعلى مشاريع البنى التحتية والمشاريع غير الربحية كالخدمات المجانية للمواطنين) وطبيعة حركة رؤوس الأموال ومستوى المعيشة الوسطي ومعدلات البطالة، لكن المشترك الأساسي بين النظريات المختلفة هو الاتفاق على أن التضخم بمعدلات طبيعية (حوالي 2% سنوياً) يعتبر شيئاً طبيعياً وإلى حد بعيد ضرورة للنمو الاقتصادي، إذ يزيد حركة رأس المال والحركة التجارية وبالتالي الاقتصاد ككل.

 

إيجابيات وسلبيات التضخم

عادة ما يصور التضخم بكونه شيئاً سيئاً للغاية بنظر العامة - وهذا صحيح غالباً وبالأخص عند معدلات التضخم الكبيرة- لكن التضخم -بقيم منخفضة ثابتة- له جانب إيجابي يتمثل في:

  • تخفيف حدة الركود الاقتصادي عند حدوثه، حيث تكون سوق العمل متكيفة على التغيير بشكل أكبر يسمح لها بتخطي الكساد بأضرار أقل وبشكل فعال أكثر.
  • التضخم بحدوده الدنيا يسهم في زيادة حركة الأموال الساكنة وتنشيط الاستثمار والتجارة (على عكس التأثير السلبي للمعدلات المرتفعة للتضخم).

الجانب السلبي الأساسي للتضخم ينعكس على الأفراد والبنوك بشكل عام، فمعدلات التضخم:

  • تفقد المال قيمته بمرور الزمن مما يضر بمدخرات التقاعد بشكل عام ويقلل التعامل مع البنوك.
  • ارتفاع التضخم يؤدي بالناس إلى شراء ممتلكات عينية والتمسك بها وعدم بيعها للحفاظ على قيمة رأس مالهم الأصلي مما يعرقل التجارة والاستثمار بشكل كبير ويتسبب بالكساد الاقتصادي.
 

آليات التحكم بالتضخم

نظراً للأخطار الكبيرة الكامنة في معدلات التضخم المرتفعة فمن الضروري للدول والمصارف المركزية أن تتحكم به لتجنب الآثار التي قد تنتج عن تدهوره، فيما يلي أهم السياسات المستخدمة أو التي تم استخدامها سابقاً لهذه الغاية:

  • سياسة المراقبة: وتتبعها الحكومات والمصارف المركزية بحيث تقوم بإصدار العملة بشكل يتناسب مع النمو الاقتصادي ويتم تعديل الكمية الصادرة أو إيقاف صدورها تبعاً للتغير الحاصل للاقتصاد ووفقاً للحاجة لذلك.
  • أسعار الصرف الثابتة: هذا الأمر ينجح عن طريق تثبيت سعر العملة بربط سعرها بعملة أجنبية أو سلة من العملات الأجنبية ذات التضخم المنخفض جداً مما يثبت سعر العملة المحلية ويسهم في التحكم بالتضخم بشكل كبير.
  • المرجعية الذهبية: أي الاعتماد على الذهب كمرجعية للعملة بحيث يثبت سعرها تبعاً للذهب. تم استخدام هذه الطريقة في الكثير من الحالات وأثبتت عدم فاعليتها بشكل كبير خصوصاً في الولايات المتحدة التي خسرت أكثر من نصف احتياطي الذهب الخاص بها في القرن العشرين نتيجة محاولتها تثبيت سعر الدولار.
  • التحكم بالأسعار والأجور: هذه السياسة منتشرة في البلدان ذات الحكومات اليسارية حيث معظم قوى الإنتاج مملوكة للدولة وبالتالي بالإمكان التحكم بها بسهولة، تجري محاولات لتنفيذها بشكل جزئي في الدول الأوروبية ولاقت بعض النجاح في الدول الإسكندنافية.
  • تحفيز النمو الاقتصادي: حيث يشكل النمو الاقتصادي أهم وسائل التصدي للتضخم فمع وجود نمو مناسب فلن يؤثر ازدياد كمية العملة المتداولة على قيمتها بل ستحتفظ بقيمتها نظراً لنمو الاقتصاد.

في النهاية.... فهم التضخم أمر مهم للجميع في يومنا هذا فالمعرفة الجيدة به تساعد في اتخاذ القرارات المالية الهامة وفقاً للوضع الاقتصادي المحلي بالإضافة إلى أهمية أخذه بعين الاعتبار عند التخطيط للمستقبل.