نهضة اليابان بعد الحرب العالمية

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الأحد، 26 يونيو 2022

حين نجعل العقل قوة بناءة... تحصل المعجزات، بعد مؤتمر بوت سدام في 17 يوليو/تموز عام 1945 ، الذي عقدته كل من بريطانيا والاتحاد السوفيتي و الولايات المتحدة.

او نص على استسلام اليابان دون شروط و إلا سيتم تدميرها، ظن العالم أن قبول إمبراطور اليابان هيروهيتو قرارات المؤتمر رضوخاً واستسلاماً وقبولاً للموت و العار لدولة اليابان.

لكن الواقع كان عكس ذلك.. فقد أثبتت اليابان بجدارة ولادتها الجديدة بوصولها إلى حد المعجزة العلمية و الحضارية، رغم ما تعرضت له في آخر سنوات الحرب العالمية الثانية إلى أكبر كارثة نووية عام 1945.

عندما ألقت أميركا قنبلة ذريّة على هيروشيما أكبر مدن التجارة اليابانية حيث دمرت 90% من المدينة.

وتلتها بإلقاء القنبلة الثانية بعد ثلاثة أيام على ناغازاكي (أكبر الموانئ البحرية وأكثرها نشاطاً صناعياً وإنتاجاً للذخائر والسفن والمعدات العسكرية والمواد الحربية).

لكن اليابان بإرادة وتصميم شعبها وتحت إشراف المعماري الشهير (تانغي كنزو) تمكنت من إعادة بناء مدينة هيروشيما ونشاطها التجاري المتميز.

نهضت دولة اليابان بشكلٍ فاق التوقع، لتجعل العالم مذهولاً بحجم التطور الذي وصلت له، فخلال واحد وسبعين عاماً أصبحت رائدة العصر الحديث.

وبامتلاكها عقولاّ ناضجة وفكراً متقدماً حوّلت كارثتها المدمرة إلى أعظم إنجازات البشرية؛ مثبتةً أن العقل البشري أقوى من أيّ عملٍ تخريبي.. ما يجعلنا ندرك صحة قول ابن سينا"

"العقل البشري قوة من قوى النفس لا يستهان بها".

الاقتصاد المعاصر (اليابان في الوقت الحالي)

المعجزة اليابانية (The Japan Miracle)...  أصبح المسمى الرائج بعد الحرب العالمية لما بنته اليابان خلال فترة قياسية، تُعتبر اليابان من أكثر الدول تقدماً في وقتنا الحالي.

حيث اكتسبت شركاتها شهرة واسعة مثل (باناسونيك، تويوتا، سوني، فوجي فيلم وغيرها)، كما عمل اليابان على استيراد المواد الخام و تحويلها إلى عدة منتجات يتم تسويقها محلياً وخارجياً.

حيث زادت نسب تصديره بشكل لافت، وهناك بعض النقاط المتعلقة باقتصاده الحالي لابد من الإضاءة عليها:

التطور الصناعي في اليابان

قامت نهضة اليابان الاقتصادية على دعم البحوث العلمية، التي أحدثت ثورة فكرية طويلة الأمد في مجال العلوم ودمجها بالتكنولوجيا الحديثة، من خلال دمج التعليم بالتكنولوجيا وفتح مجال التعليم أمام جميع الفئات الاجتماعية.

وتم بناء المدارس و الجامعات في شتى أنحاء البلاد، وتأهيل المعلمين و إعطاء المنح الدراسية للطلاب لزيادة الانخراط بالعالم الخارجي والاستفادة منه.

بفضل هذه الخطوات الكبيرة لم يعد العلم حكرا على أبناء العائلات الثرية، بل أصبح لكل فرد الفرصة لأن يكون متميزاً بحسب تحصيله العلمي وليس بحسب مكانة عائلته الاجتماعية.

بذلك انتقل المجتمع الياباني من الطبقية الاجتماعية القائمة على الوراثة إلى الفرز الطبقي حسب التحصيل العلمي.

تركيز اليابان على التعليم

إذ وصلت نسبة الأطفال الذين يحظون بالتعليم إلى ما يزيد عن 90%، وهذا أدى إلى الاعتماد على اختيار الكفاءات والخبرات القادرة على الإبداع والابتكار، والتي لا يمكن للمقاولات الصناعية أن تطور إنتاجها وتحسن من منتوجاتها دونها.

اخترع اليابانيون العديد من أبرز اختراعات العصر الحديث

قام اليابانيون بتطوير الاختراعات لتسهيل حياة البشر، فاخترعوا الإنسان الآلي (الروبوت)، الذي قامت شركة هوندا بتسميته أسيمو ASIMO Advanced Step In Innovative Mobility.

الذي يعني "خطوة في النقل الإبداعي" وإدماجه في مختلف نواحي الحياة. يعتبر أسيمو من أهم المجالات التي تَعد بنمو اقتصادي كبير مستقبلاً لليابان.

وقامت شركة هوندا بتطويره ليصبح شبيهاً بالبشر بحيث ينطق لغتهم ويسير مثلهم على قدمين إلكترونيتين، كما أحدث اليابانيون تقنياتٍ لرصد العواصف قبل حدوثها و الحد من آثار الكوارث الطبيعية مثل الزلازل التي يتعرضون لها باستمرا.

وصمموا تقنيات للسيطرة على الفيضانات وتكنولوجيا لتنقية المياه الصناعية.

اليابان تشتهر بصناعاتها الثقيلة

اشتهرت اليابان بصناعاته الثقيلة كالحديد بأشكاله و أحجامه، و المستخدم في بناء البيوت كالصلب والفولاذ والصناعات الاستخراجية (كاستخراج النفط من باطن الأرض و تحويلها إلى بنزين وسولار وغيرها).

في السياق ذاته يحتل اليابان المرتبة الثالثة على المستوى العالمي في تكرير البترول، ويساهم بحوالي 40% من الإنتاج العالمي لصناعة السفن.

اليابان من منتجي السيارات الرئيسيين

تعد اليابان من أوائل المنتجين للسيارات ذات الماركات العالمية، حيث تغلّب على الصناعة الأمريكية بحجم إنتاج بلغ 13 مليون سيارة سنوياً، وصُنفت من أفضل السيارات في العالم.

من أشهر الشركات اليابانية المصنّعة للسيارات: تويوتا، هوندا، نيسان، دايهاتسو، ميتسوبيشي، كاوازاكي، مازدا.

طوّر اليابانيون صناعاتهم في مجالات أخرى كالصناعات التقليدية، التي ساهمت بدخول اليابان في صناعة الملابس والأدوية والدراجات والصناعات الرقمية والإلكترونية المتنوعة.

كصناعة الأجهزة الذكية واللوحية والأجهزة الكهربائية و التطوير الدائم للإنسان الآلي.

استطاعت اليابان من خلال صادراتها الضخمة زيادة الدخل الإنتاجي، من خلال إنماء السوق الداخلية المكونة من مستهلكين و مستثمرين، فقد فتح المجال للشركات الخاصة بالتعاقد مع الشركات الحكومية و العالمية.

وذلك لرفع المستوى الاقتصادي، وما لعب دوراً مهماً حيازة اليابان أعلى احتياطي للعملات الصعبة في العالم في استدامة النمو و التطور فيه.

السياحة والمجتمع الياباني

على المستوى الاجتماعي، عملت الدولة اليابانية على إعطاء المرأة حقوقها في التعليم و التصويت و اختيارها لمكان العمل.

لكن المشكلة أنها لا تتلقى أجراً متساوياً مع الرجال، بسبب اضطرار الأمهات لرعاية أطفالهن و تدبير أمور منازلهن وإنجاز مسؤولياتهن وعدم قدرتهن على تكريس وقت طويل للعمل.

وقد قال بعض الاقتصاديين أن ازدياد عدد النساء العاملات سيزيد من حجم القوة العاملة ويساهم في النمو الاقتصادي.

كما تعد السياحة من أهم مرتكزات الاقتصاد الياباني، فهو  من أكثر الدول استقطاباً للسياح في شرق آسيا، في العام 2008 زار اليابان حوالي 8.3 مليون سائح (وهو العدد الأكبر في تاريخ اليابان).

من أشهر المدن السياحية: كيوتو، اوجي، يوجي، اوتسو.

وعملت اليابان على تحسين مجال السياحة، فقامت ببناء طوكيو ديزني لاند (Tokyo Disney land)، وبرج طوكيو الذي يشبه برج ايفل في باريس، وقلعة هيميجي التي تعتبر أحد الكنوز الوطنية اليابانية.

وهو مَعلم يعتبر من أقدم الشواهد على أبنية العصور الوسطى في اليابان، قامت المنظمة العالمية للثقافة والعلوم يونسكو (Unesco) بإدراجه في قائمة التراث الثقافي العالمي.

وجبل فوجي أعلى قمة في اليابان قرب العاصمة طوكيو، وقد أدرج جزء منه على قائمة التراث العالمي، ويشمل قمة الجبل وسبعة معابد موزعة على سفوحه، وفنادق صغيرة تستضيف الزوار.

ومجموعة من الظواهر الطبيعية التي هي موضع إجلال كشلال مياه وغابة من الصنوبر وأشجار جمدتها الحمم البركانية.

أما بحيرة تويا فهي جزء من شيكوتسو-تويا تتميز بينابيعها الساخنة وبراكينها النشطة كجبل يسو الذي ثار آخر مرة عام 2000، ما أدى لتفوق اليابان على العديد من الدول من حيث عدد السيّاح.

مثل كوريا الجنوبية التي زارها 2.7 مليون سائح أيّ حوالي 27% من عدد سياح اليابان.

لكن السياحة كغيرها من القطاعات في اليابان، تعرضت لنكسة بسبب كارثة المفاعل النووي فوكوشيما؛ الذي تضرر نتيجة التسونامي الذي تعرضت له اليابان في 11/3/2011.

ما أدى إلى تناقص عدد السيّاح بشكل كبير مقارنة بالسنين السابقة، بعد زوال الخطر عاد معدل السيّاح إلى الارتفاع حيث وصل إلى 10 آلاف سائح أجنبي.

وما زال اليابان في وقتنا هذا يستقطب العدد الأكبر من السيّاح بفضل طبيعته الأخاذة، ومحاولاته لتخفيض تكاليف السياحة فيه، وتقديم مختلف أنواع الرفاهية والمتعة لزواره.

اليابان قوة اقتصادية منافسة.. ولكن؟

على الرغم من كون اليابان قوة اقتصادية كبرى، إلا أنه  يعاني من مشاكل خطيرة خصوصاً في ظل المنافسة مع الصين وكوريا الجنوبية.

فمنذ بداية التسعينات بعد حرب الخليج الثانية (الغزو العراقي على الكويت) حتى اليوم لم يحقق اليابان أي نمو اقتصادي يُذكر بينما واصلت الصين و كوريا النمو، ذلك نتيجة عدة أمور:

  • يواجه اليابان مشكلة التضخم وغلاء المعيشة والعقار، بالرغم من ارتفاع معدل دخل الفرد إلى (36 ألف دولار أمريكي) سنوياً، هذه المشكلة تهدد سوق العمل الياباني في ظل إصرار الحكومة منع العمالة الوافدة إلا في بعض التخصصات.
  • تَوجه بعض الشركات مثل توشيبا وسوني و غيرها للاستثمار خارج اليابان في الأسواق المجاورة مثل الصين، بسبب انخفاض أجرة العامل الصيني التي لا تتعدى 200 دولار شهرياً مقارنة بالياباني الذي قد يصل ل 3000 دولار أمريكي أو أكثر.
  • شيخوخة الشعب، و التي ينتج عنها عواقب اقتصادية مرتفعة؛ كاحتساب معاشات المتقاعدين و النفقات الصحية و البنية التحتية اللازمة للمتقاعدين، إضافة إلى انخفاض عدد الولادات الشديد.

بالتالي سينخفض عدد الشباب العاطلين عن العمل؛ مما سيؤدي إلى ندرة اليد العاملة الشابة،  التي بدورها ستطرح مشاكل إنتاجية في العمل.

ما دفع اليابان للإشادة بدمج المسنين في المجتمع، ووضع تدابير لتشجيع الحياة العاملة للمسنين، و رفع سن التقاعد من 60 إلى 65 سنة.

يواجه اليابان حالياً مشكلاتٍ اقتصادية متعددة، فهو يعتمد بشكل كبير على التجارة الخارجية و استيراد موارد الطاقة، التي يتأثر إنتاجها وتصديرها بأزمات الخارج خاصة الولايات المتحدة.

كما حدث بالأزمة المالية العالمية عام 2007-2008؛ فقد تراجع الاقتصاد الياباني بشكل كبير، كما أن اعتماده الكبير على التجارة الخارجية يؤثر على اقتصاده بشكل مباشر.

فهو يُصدر العديد من المنتجات للعالم أي يعتمد على الأسواق الخارجية لتصريف منتجاته، لكن هذه المنتجات تتأثر بالحروب والصراعات الخارجية ما ينعكس على الاقتصاد الياباني سلباً.

ركائز النظام الاقتصادي.. علام استند تأسيس الاقتصاد الياباني

كانت دولة اليابان ذات اقتصاد مغلق، معتمدة على الإنتاج المحلي فقط، إبان الحرب العالمية الثانية كان لابد من إيجاد سوق عمل قادر على المنافسة، فقد خرج هذا البلد من الحرب منهكاً على جميع الأصعدة.

وكان نحو ربع ثروته القومية قد دُمر، ورغم الخسائر البشرية الفادحة بقي اليابان مكتظاً بالسكان؛ ما أدى لمعاناتهم من سوء التغذية وندرة المواد الأولية وارتفاع الأسعار بشكل كبير.

خطة دودج للنهوض بالاقتصاد الياباني

فما كان لليابان إلا الاستعانة بالمصرفي الأمريكي "جوزيف دودج" الذي اشتهر بالقضاء على التضخم في ألمانيا ما بعد الحرب، وقد جاء إلى اليابان بمهمة رسمية و وضع خطة لمكافحة التضخم طُبقت خلال عام 1949.

تضمنت الخطة البنود التالية:

  1. إعادة التوازن إلى الميزانية العامة للإدارة المركزية، بهدف إيقاف نفقات الحسابات الخاصة الموجهة للصادرات والنقل والصناعات الخاصة.
  2. إلغاء كل أوجه الدعم على مختلف المعونات العامة الممنوحة، والتي كانت الدولة تقدمها على بعض السلع والمواد التموينية وما شابه، حيث كانت تتسبب بخسائر في خزينة الدولة، وزيادة الرسوم المحصلة على المرافق، أي رفع رسوم الموارد الحكومية لدعم خزينة الدولة بكل وسيلة ممكنة، مثلاً رفع رسوم الإعلانات على الطرقات العامة، إشغال الأرصفة، وما شابه ذلك.
  3. لم يعد مصرف اليابان الوطني لتمويل مشاريع إعادة الإعمار يتمتع بحق إصدار الأسهم، وذلك لعدم خصخصة المصرف حتى تنحصر أرباح المصرف بالكامل للدولة، ومنح القروض الجديدة، بذلك لن تلجأ الدولة إلى السندات التجارية التي اعتمدت عليها بعض المصارف لإعادة تمويل نفسها بهدف تمويل نفقاتها.

بفضل اتباع اليابان خطة "دودج" الاقتصادية تم تنمية اقتصاد السوق على أسس سليمة، مجهزاً بعدة تدابير ضد السوق السوداء، كما تم تحديد قيمة ثابتة للين/ الدولار (360 ين مقابل دولار).

ما ساهم باستقرار نمو التجارة، كما بقيت هذه القيمة ثابتة خلال عشرين سنة، لكن بدءاً من 15 آب/أغسطس عام 1971 عُلقت قابلية تغطية الدولار بالذهب، و أصبح الين عائماً.

كانت عملية التعويم عبارة عن آلية اقتصادية تعتمد على دفع سعر صرف العملة للدولة اليابانية أمام عملات دول أخرى، وجعله عائماً بين تقلبات العرض والطلب على الين في السوق النقدية.

وهذا لا يعني إفلاساً للدولة أو لمنظومتها الاقتصادية إنما هو إجراء روتيني تلجأ إليها السياسات الاقتصادية في ظل الإجراءات التي تخضع لها الحركة الاقتصادية.

ويؤدي التعويم إما لرفع قيمة النقد المحلي أو خفضه، و بضغط من الولايات المتحدة أعيد تقويمه برفع قيمته بنحو 17% من العام نفسه.

حيث تخلت الولايات المتحدة عن نظام ربط الدولار الأمريكي بالذهب مما سمح بالتحرك الحر للعملات أمام الدولار الأمريكي.

الأيدي العاملة الرخيصة الثمن دعمت الاقتصاد

استند اقتصاد اليابان على توافر الأيدي العاملة الزهيدة، التي بقيت دون عمل أو مأوى غير قادرة على تأمين أولويات الحياة، فبدأت الحكومة بدعم المشاريع الكبيرة ذات رأس المال المحدود والتمويل الذاتي.

بسبب انخفاض الإمكانيات المالية آنذاك، وعدم وجود منافذ تسويقية منتظمة محلية أو خارجية، إضافة إلى عدم اتباع أساليب الإدارة الحديثة في الإنتاج.

إذاً لعبت المشاريع الحكومية دوراً مهماً في خلق الفرص للحد من الفقر و البطالة، حيث اعتمدت على العمالة المكثفة ومبدأ عدالة توزيع الدخل، الذي نجحت فيه مقارنة بالمؤسسات الخاصة الكبرى.

الاقتراض من البنك الدولي لتمويل مشاريع البنى التحتية

كما قامت اليابان باستغلال المواد الأولية المتاحة محلياً؛ لإنتاج سلع تامة الصنع تساهم في تلبية احتياجات المستهلكين، ولا يحتاج العاملين لأي تدريب نظراً لبساطة التكنولوجيا المستخدمة في هذه المشاريع.

وقد انضمت اليابان إلى البنك الدولي عام 1952، وبدأت بالاقتراض منه اعتباراً من العام التالي، وأصبحت ثاني أكبر مقترض من البنك الدولي واستمرت حتى عام 1969.

وقد استخدمت جميع القروض في إقامة البنية الصناعية الأساسية، فعلى الرغم من قلة المصادر المالية إلا أن البلاد انطلقت آنذاك بمرحلة إعادة إعمار  في كافة المجالات.

اليابان والتوجه نحو الصناعات الثقيلة

في عام 1954 تطور النظام الاقتصادي لوزارة الصناعة والتجارة الدولية، فقد اتبع رئيس الوزراء آنذاك هاياتو ايكيدا سياسة الصناعات الثقيلة، التي أدت إلى نشأة الاقتراض الزائد.

حيث قام بنك اليابان بإصدار قروض للبنوك المحلية التي تصدر بدورها القروض إلى تكتل الشركات، فكانت البنوك المحلية تقترض بما يفوق قدرتها على الدفع مما منح بنك اليابان الوطني سلطة قوية على البنوك المحلية المستقلة.

أدى نظام الاقتراض الزائد إلى مكافحة الاحتكار وعودة نشأة تكتلات الشركات المسماة "كيرستو"، والتي عملت بكفاءة على توزيع الموارد وأصبحت منافسة على المستوى العالمي.

كان ايكيدا يخطط لتحرير التجارة بنسبة 80% في غضون ثلاثة أعوام، لكن واجهت خططه معارضة شديدة من كلا القطاعين الذين كانا يدعمان الاقراض الزائد والجمهور القومي.

الذي كان يخشى عمليات الاستحواذ من قبل الشركات الأجنبية، كما قام ايكيدا بإنشاء عدد من وكالات التوزيع الموالية لسياسته بمساعدة أجنبية بهدف إبداء استعداد اليابان للمشاركة في النظام الدولي و دعم الصادرات.

كما دعم التكامل الاقتصادي العالمي لليابان من خلال الانضمام إلى اتفاقية الجات عام 1963:

(هي تعبير اقتصادي يشير إلى تبادل السلع والخدمات بين الدول دون الخضوع للقيود الحكومية أو الضرائب، وهي سياسة حماية الصناعات المحلية من المنافسة الخارجية عن طريق فرض تعرفة جمركية أو ضرائب على السلع الأجنبية).

وصندوق النقد الدولي، و منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عام 1964، عندما ترك ايكيدا منصبه كان إجمالي الناتج المحلي يرتفع بنسبة تبلغ 13.9%.

كما أن النظام الاقتصادي ارتكز على تدريب الرجال و إعادة تأهيلهم، عن طريق نشر التعليم وإعطائه الأولوية لضمان وصوله لكافة اليابانيين.

وإحداث صناعات متطورة تؤمن فرص عمل أكبر، كما عملت الدولة اليابانية على تأمين الموارد المالية الضرورية لإنشاء البنى التحتية لتأسيس امبراطورية لا تهزم.

كما تم العمل على إنشاء قطاعات مشتركة بين رجال الأعمال والحكومة لتقديم المساعدات في تمويل المشاريع وإعادة بناء الاقتصاد، بفضل هذا التعاون استعاد اليابان نشاطه تدريجياً.

وبعد تخطيه الأزمة ساهمت الحكومة بدفع النمو الاقتصادي في القطاع الخاص من خلال سن القوانين وتشريعات الحماية.

التي أدارت الأزمات الاقتصادية إدارة فعالة، فقامت الدولة بتخفيض الرسوم الجمركية والضرائب المالية على الشركات الخاصة، وتقديم التسهيلات في التسويق والمعاملات التجارية.  

إعادة توزيع الملكية

اعتمدت استراتيجية النظام الاقتصادي الجديد على نقل السلطة من أيدي الإقطاعيين -التي لم تسمح للفلاحين بامتلاك الأراضي الزراعية أو الانتفاع بها- إلى يد الإصلاحيين.

وإعادة توزيع الثروات وصعود طبقة متوسطة من الفلاحين، ما أدى إلى زيادة سريعة في الإنتاج الزراعي سمحت بخفض التبعية الغذائية والقدرة على دفع الضرائب.

و من ناحية التكنولوجيا قامت الحكومة بدعم الصناعات الصغيرة كصناعة الموبايلات والإلكترونيات وغيرها، مما ساهم في تطور اليابان لتصبح المالك الأكبر للإنتاج الإلكتروني الحديث.

محققاً نجاحاً كبيراً في تطوير الهندسيات والصناعات الكيماوية أيضاً.

وتم استثمار النمو الاقتصادي في تعاملات البلاد الدولية الخارجية، ولإحداث تغييرات جذرية في شتى المجالات كان لابد من وسيلة لانتشال اليابان من بؤرة الكساد و الخسارة الفادحة التي تعرض لها خلال الحرب العالمية.

وذلك من خلال تقديم التسهيلات للمصدرين والمستوردين.

مزايا النموذج الاقتصادي الياباني

اتجه المجهود الحكومي الياباني بعد الحرب ليصب في المصلحة العامة بعيداً عن الفساد و المصالح الشخصية، فقد كان الهم الأكبر تطوير البلاد و العمل على تقدمها.

وذلك بعد تحكم الولايات المتحدة بالتجارة الخارجية لليابان في بداية السبعينيات بما يقرب من ثلث الصادرات والواردات، أُعيد توجيه هذه التجارة إلى آسيا، حيث بدأ اليابان بتعزيز علاقاته مع الصين.

وبدءاً من عام 2002 أصبحت الصين موردة اليابان الأولى، فتستورد منه المنتجات الوسيطة ومواد التجهيز وبعد التصنيع تذهب منتجاتها جاهزة للأسواق الأمريكية واليابانية.

وارداتها الأساسية تتمثل بالمواد الغذائية (خاصة لحم البقر)، المواد الكيميائية والأقمشة والمواد الخام.

عملت الحكومة اليابانية كذلك على دعم الاستثمار الإنتاجي في القطاعات الاستراتيجية كالزراعة وتطوير المعدات الزراعية والاهتمام بالثروة السمكية وتطويرها.

وضمان عرض مالي مستقر لمجمل الاقتصاد عن طريق القطاع المصرفي الذي حدد نسب الحسم على القروض الصناعية، ونظّم نسبة الفوائد (نسب ثابتة) على الودائع المصرفية.

ساعدها على ذلك توفر اليد العاملة زهيدة الأجر آنذاك ما ساهم بقدرتها على إطلاق آلية إنتاجية معتمدة على رأس مال بسيط.

وما ساعد على التطور السريع ممارسة مصرف اليابان رقابة حقيقية على تطور الكتلة المالية، والتحكم بأحجام القروض التي تمنحها المصارف، والرقابة على الأسعار.

وإصدار قوانين صارمة للرقابة المالية، ارتكزت على التحكم بمستوى عجز ميزان المدفوعات، و طبق اليابان سياساته النقدية بنجاح مما طور الجهاز الصناعي.

نموذج أسواق العمل الياباني

اعتمدت أولويات إعادة تنظيم الصناعة اليابانية، الحرص على تشغيل العاطلين عن العمل، فلجأت الحكومة إلى استخدام نظام العمل مدى الحياة.

ومن خلاله ضمنت التزام العمال لشركاتهم حتى سن التقاعد، صاحب هذا النظام عوامل محفزة للعمال منها:

  1. ربط منظور التقدم النظامي في الرواتب و الحياة المهنية بالقدم.
  2. الامتيازات الاجتماعية كالتعويض السكني، مكافآت نهاية الخدمة، نظام مكافآت للأعمال الشاقة والجدارة في العمل والساعات الإضافية.
  3. تثبيت اليد العاملة، بإدخال نمط الإدارة الذي لا يقوم فقط على الرقابة التسلسلية و العمل باستخدام قوانين صارمة، والتي اعتمدت على المنهج التيلوري الذي وضعه المهندس الميكانيكي الأمريكي فريدريك تيلور (1856-1915)، والذي سعى لتحسين الكفاءة الصناعية من خلال تنظيم العمل الصناعي تنظيماً علمياً، باستخدام الحد الأقصى من الأجهزة والتخصص الدقيق وإلغاء الحركات الناقلة للعمال.

و هكذا وضعت الأسس الثلاثة لنظام الاستخدام الياباني التقليدي في المنشآت الصناعية، وهي:

  1. العمل مدى الحياة.
  2. راتب حسب الأقدمية.
  3. إنشاء نقابات للمنشآت.

وقد حققت العملة اليابانية في الاحتياطات الرسمية بالعملات العالمية تقدماً من 7.3% حتى 7.8% بين عامي 1985-1994.

والواقع أنه في منتصف التسعينيات كانت حصة العملة اليابانية في المبادلات الخارجية لا تزال بسيطة مقارنة مع البلدان الصناعية الكبرى، بسبب أهمية السوق الأمريكية بالنسبة للصادرات، وحصة المواد الأولية.

لاحقاً أحرزت الفوترة (Billing) بالين تقدماً سريعاً بالنسبة للصادرات ما بين 1988-1993، و ما بين 1986-1995 للواردات بفضل المبادلات التجارية بين الشركات العالمية والشركات اليابانية.

بفضل الشركات التجارية الكبيرة (شوشا) التي قامت بمنح الأموال والتزويد بالمعلومات حول التقنيات والأسواق، كذلك بفضل سهولة حصولها على القروض.

جعلت العديد من المنشآت الصغيرة والمتوسطة -العاجزة عن تمويل نفسها أو الاقتراض من المصارف بسبب مخاطر القروض الجارية- تستفيد من قروضها، مما ساهم في اتساع المنشآت الصغيرة والمتوسطة خلال فترة إعادة الإعمار.

وحفزت هذه الشركات على ضرورة التأقلم السريع مع التقنيات الحديثة، هذه العلاقة المثمرة أثرت إيجاباً على تنظيم الصناعة الحالية لليابان.

كما أحدثت السلطة موازنات في السياسات المالية وأنشأت تدريجياً تعاونيات زراعية و نقابات عمالية، كما منحت المساواة في فرص التعليم بين الرجل والمرأة وفئات المجتمع.

وعملت على الدمج الاجتماعي الذي أوصل 80% من العائلات إلى الطبقة المتوسطة ما أدى إلى رفع المستوى الاقتصادي للبلاد.

أخيراً.. يجب إدراك أن الإرادة و التصميم شكلا الأمل و الانتصار لدى الشعب الياباني، فعندما نؤمن بغد أفضل نحقق المستحيل، فكان إيمان اليابانيين بالعلم و التعلم أساساً لبناء تلك الحضارة و الازدهار الاقتصادي.

فحين سئل رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي (2006-2007) عن سر التطور التكنولوجي في اليابان أجاب:

"أعطينا المعلم راتب وزير.. وحصانة دبلوماسي .. وإجلال امبراطور".

أخيراً.. في وقتنا الحالي أصبح اليابان رائد العصر الحديث في التكنولوجيا العالمية، وصناعة السيارات الاقتصادية، والتقدم العلمي الملحوظ، لم يستسلم للهلاك و الدمار بل واجه مشاكله.

وأوجد حلولاً للعثرات التي اعترضت طريقه، ليصبح نموذجاً يُحتذى به، و تفوّق الشعب الياباني على شعوب العالم محولاً الألم إلى أمل.

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة