أجمل قصائد الحنين للوطن وأشواق الغربة في الشّعر العربي

  • تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الإثنين، 25 ديسمبر 2023

كان الإنسان القديم بلا وطن، أنَّى ما دبت قدمه، هو وطنه، لكنه كان آن ذاك، بلا شِعرٍ أيضاً، وما أنْ عرف الإنسان الحضارة، ونشأت بعدها المدن، والدول، كما بدأت الكتابة والتدوين، حتى أصبح الوطن جزءاً لا يتجزأ من وجدان المواطن.

لكن الهجرة، والغربة، لم يخلوا منها عصر من العصور، فقد هجر الناس مساكنهم بحثاً عن الغذاء، والماء، ثم هجروها هرباً من الأمراض، والحروب.

حيث ما يزال سيل الهجرة هذا مستمراً حتى يومناً هذا، طلباً للرزق، أو طلباً للحياة الآمنة، والكريمة.

تأسست عدة روابط أدبية في المهجر على أيدي أدباء وشعراء بارزين

مع نهايات القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين، بدأت موجة هجرة كبيرة إلى الأمريكيتين، كان مصدرها الرئيس بلاد الشام، ولبنان بشكل أساسي، حيث كان من بين المهاجرين، عددٌ كبير من الشبان اللامعين في الأدب، والشعر.

عاشوا في بلاد المهجر، وكتبوا أعمالاً بلغاتٍ أجنبية، لاقت رواجاً كبيراً، كما تابعوا الكتابة باللغة العربية، ثمَّ أسس هؤلاء الأدباء عدة رابطات ثقافية، وأدبية، جمعتهم مع بعضهم البعض.

ومنهم من بقي خارج هذه التنظيمات، لكن عموماً يطلق عليهم جميعاً (أدباء المهجر)، كما يكاد أدب المهجر، يشكل مذهباً أدبياً مستقلاً، له ميزاته، وأدواته، سنستعرض في ما يلي أبرز شعراء المهجر، وأجمل نصوصهم.

ايليا أبو ماضي، شاعر المهجر الأكبر

ولد الشاعر ايليا أبو ماضي في لبنان، عام حوالي العام 1891، ثم هاجر إلى مصر في سن العاشرة، حيث عمل فيها بائع سجائر، إلى جانب دراسته، وقضى فيها قرابة ثماني سنوات، قبل أن يشدَّ الرحال إلى أمريكا.

حيث أنشأ فيها مجلة (السمير) التي نشر فيها قصائده، إلى جانب كبار أدباء المهجر، إلى أن توفي في الثالث والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر عام 1957، بعد أن كتب بعضاً من أروع قصائد الشوق، والحنين إلى الوطن.

شِعر ايليا أبو ماضي

يتميز شِعر ايليا أبو ماضي بالبساطة، والرقة، كما أنَّه لم يتلقى تثقيفاً منهجياً في حياته، بل تعلم القراءة والكتابة، إضافة إلى مبادئ اللغة الأساسية.

ليعتمد في ثقافته على مجهوده الشخصي، عن طريق المطالعة، ثُمَّ أصبحت له علاقات متينة، مع كبار كتاب، وشعراء عصره، من جهة أخرى، فإن أغلب إنتاج أبو ماضي ينبع من غربته، مذ رحل عن لبنان، وحتى وفاته.

ويبدو أنّهُ تعرض لضغوطات مجهولة بالنسبة لنا أثناء إقامته في مصر، حيث قال:

نأى عن أرضِ مِصر حَذار ضيمٍ فَفَرَّ مِن عَذابٍ إلى عَذابِ

شعر عن الوطن لإيليا: وطن النجوم أنا هنا!

وطنَ النُجومِ أنا هُنا حَدّق، أتذْكُرُ مَنْ أنا؟ ألمحتَ في المَاضِي البَعيدِ فتىً غريراً أرعَنا ؟

جذلانَ يمرحُ في حقولكَ كالنسيمِ مُدندِنا يَتسلَّقُ الأشجَارَ لا ضَجراً يُحسُّ ولا وَنى

و يَعودُ بالأغصانِ يَبرِيها سُيوفاً أو قَنا و يَخوضُ في وَحلِ الشِّتا مُتهلِّلاً مُتيمِّنا

لا يتَّقي شَرَّ العُيونِ ولا يَخافُ الألسُنا ولكمْ تَشيطَنَ كي يَقولَ النَاسُ عَنهُ "تَشيطَنا "

أنا ذَلكَ الوَلدُ الَّذي دُنياهُ كانتْ ههنا أنا مِن مياهكَ قَطرةٌ فَاضتْ جَداولَ مِنْ سَنَا

أرضُ آبائنا عليكِ سلامٌ

أرضُ آبائِنا عَليكِ سَلامٌ وسَقَى الله أنفُسَ الآباءِ

ما هَجرنَاكِ إذ هَجرنَاكِ طَوعاً لا تَظُنِّي العُقوقَ في الأبْنَاءِ

يُسأمُ الخُلدُ والحياةُ نَعيمٌ أفترضَى الخُلودَ في البَأساءِ؟

ليست الغربة إلا غربة الجسد!

جُعتُ والخبزُ وفيرٌ في وِطابي والسَنا حَولي وروحي في ضَبابِ

وشَرِبتُ الماءَ عَذباً سائِغاً وكأَنّي لم أَذُق غَيرَ سَرابِ

 حيَرةٌ لَيسَ لَها مَثلٌ سِوى حَيرةِ الزورَقِ في طاغي العُبابِ

 لَيسَ بي داءٌ ولكِنّي امرُؤٌ لَستُ في أرضي ولا بَينَ صَحابي

 لَستُ أَشكو إِن شَكا غَيري النَوى غُربَةُ الأَجسامِ لَيسَت بِاِغتِرابِ

 أَنا كالكرمَةِ لو لم تَغتَرِب ما حَواها الناسُ خَمراً في الخَوابي

 أَنا كَالسَوسَنِ لو لم ينتَقِل لم يُتَوَّج زَهره رأسَ كَعابِ

 أَنا في نيويوركَ بالجسمِ وبالروحِ في الشَرقِ على تِلكَ الهِضابِ

في ابتسامِ الفَجرِ وفي صَمتِ الدُجى في أَسى تشرينَ في لَوعَةِ آبِ

نسيب عريضة وحمص العديّة

من هو نسيب عريضة

ولد الأديب السوري نسيب عريضة في مدينة حمص، وتلقى فيها تعليمة، حتى تخرج من مدرسة المعلمين الروسية، ثم هاجر إلى أمريكا عام 1905، وعمل بالتجارة.

كما أسس مجلة أدبية حملت اسم (الفنون الأدبية)، شاركه فيها كبار أدباء المهجر، ثمَّ عمل في تحرير عدة مجلات أخرى، وصدر له ديوان شعر بعنوان (الأرواح الحائرة)، متضمناً قرابة مائة قصيدة.

ويعتبر أحد الرائدين في شعر الحنين إلى الوطن، لكنه رغم حنينه توفي في المهجر في آذار عام 1946، كما يعتبر  إلى جانب جبران خليل جبران من المبشرين بالشِعر الحديث، وقصيدة التفعيلة.

إضافة إلى كسر القواعد الكلاسيكية للشعر، المتعلقة بوحدة الوزن، والقافية، فهو القائل في الحنين للوطن والأهل:

كفّنوهُ وادفنوهُ أسكنوهُ هوَّةَ اللحد العميق

واذهبوا لا تندُبوه فهو شعبٌ ميتٌ ليس يُفيق

ذلّلوه قتَّلوهُ حمَّلوهُ فوق ما كان يُطيق

حمل الذّلَّ بصبر من دهورٍ فهو في الذّلِّ عَريق

هتكُ عرضٍ نهبُ أرضٍ شنقُ بعضٍ لم تُحرِّك غَضَبَه

فلماذا نَذرِفُ الدمع جُزافاً ليس تَحيا الحطَبة

لا وربِّي ما لشَعبٍ دون قلبٍ غيرَ موتٍ من هِبة

فدعوا التاريخ يَطوي سِفرَ ضُعفٍ ويُصَفّي كُتُبَه

ولنُتاجِر في المَهاجر ولنُفاخر بَمَزايانا الحِسان

ما علينا إن قضى الشعبُ جميعاً أفَلَسنا في أمان

رُب ثارٍ رُبَّ عارٍ رُبَّ نارٍ حركت قلبَ الجَبَان

كلُّها فينا ولكن لم تحرِّك ساكناً إلا اللِسان

نسيب عريضة وحمص العدَّية

حِمصُ العَديَّةُ كُلُّنا يَهواكِ، يا كَعبةَ الأبطالِ إنَّ ثَراكِ، غِمدٌ لسيفِ اللَه في مَثواكِ

 ولكَم لنا من خَشعةٍ وسُجودِ في هَيكلِ النَجوى ومن تَمجِيدِ

يا جارةَ العاصي لدَيكِ السُؤدُدُ، لبنانُ دونَكِ ساجدٌ مُتعبِّدُ، هو عاشقٌ من دَمِهِ لكِ مَورِدُ

 وا رَحمَتاه لِمُتَيَّمٍ مَصفودِ يَسقِي الهوى من قلبه الجُلمودِ

عُد بي إلى حِمصَ ولو حشو الكفن

يا دهرُ قد طالَ البُعادُ عن الوطن، هل عَودةٌ تُرجى وقد فات الظَعَن؟

عُد بي إلى حِمصَ ولو حَشوَ الكَفَن

 واهتِف أتيتُ بعاثِرٍ مَردودِ، واجعَل ضريحي من حِجارٍ سُودِ

بكائيات نسيب عريضة

إضافة إلى الشوق والحنين، يتميز شعر المهجر بالبكائية، والبؤس، حيث يقاسي أولئك الشعراء الوحدة، والغربة، فصوروا حالتهم هذه من خلال قصيدتهم، ربما أبرزهم نسيب عريضة، في قوله مثلاً:

وأنا أَحسِبُ نفسي شاعراً جاشَ في قلبي عزِيفٌ من وَتَر

وَتَرٌ واهٍ على ألحانِهِ يَسكَرُ القَلب ويُفشِي ما سَتَر

ضاقَ ذَرعاً بالأسى لكنَّهُ ظَلَّ في كِتمانِهِ حتى انفَجَر

فاسمَعُوا أناتِهِ تَروي لَكم رَجعَ ما رَدَّدَهُ صوتُ الغِيَر

عن ظلامِ العَيشِ عن سجنِ البقا عن فَيافي التيهِ عن ظُلمِ القَدَر

عن ليالي الوَيلِ عن قَطعِ الرَجا عن دنوِّ البَينِ عن بُعدِ المَفّر

عن خِداعٍ عن شَقاءٍ عن شَجا عن فِراقٍ عن دُموعٍ عن سَهَر

عن شَقيٍّ عن أبيٍّ عاثِرٍ عن شَرِيدٍ عن نَبيٍّ مُحتَقَر

عن فقيرٍ حاسدٍ طَيرَ السَما عن طَريدٍ ما لَهُ العُمرَ مَقَرّ

عن عَذاري بَذَلت أعراضَها في سَبيلِ العَيش بِئسَ المُتَّجَر

عن ديارٍ بعدَ مجدٍ خَمَلَت وبَنُوها الصِيدُ صاروا في النَفَر

ما بَقى من عِزِّ أجدادٍ لهم غيرُ ذِكرى مَن غَدا ضِمن الحُفَر

رشيد سليم الخوري (الشاعر القروي)

ولد رشيد سليم الخوري سنة 1887 في لبنان، وتوفي فيها عام 1984، لكن بين ولادته ووفاته رحلة اغتراب طويلة، حيث هاجر إلى البرازيل صغيراً، وكان رئيس تحرير مجلة الرابطة، ورئيس تحرير العصبة الأندلسي.

التي جمعت شعراء المهجر الجنوبي، أما عن لقبه، فقد استقاه من أحد النقاد، الذي كان يحاول التبخيس من قدره، فنعته (الشاعر القروي)، لكن الخوري اتخذ النعت لقباً له.

كما كتب الخوري في الحنين، والاشتياق، إضافة إلى الدعوة للتآخي بين المسلمين والمسيحيين في بلاده، وسنلاحظ في أدب الخوري، تشابهاً كبيراً مع شعراء المهجر الآخرين.

حيث استخدموا جميعاً نفس الأسلوب، وأحياناً نفس الاستعارة الشعرية، فالقصيدة التالية، تشبه إلى حد بعيد قصيدة كبير شعراء المهجر ايليا أبي ماضي (وطن النجوم)، حيث يقول الخوري:

يا نَسِيم البَحرِ البَليلَ سَلامُ زارَكَ اليومَ صَبُّكَ المُسْتَهامُ

إنْ تَكُنْ ما عَرَفْتَني فَلَكَ العُذْرُ فقدْ غَيَّرَ المُحِبَّ السِّقامُ

أَوَلا تَذْكُرُ الغُلامَ رَشيداً إننّي يا نَسيمُ ذاكَ الغلامُ

طالَما زُرْتَني إذا انْتَصَفَ الليلُ بِلُبنانَ والأَنامُ نِيامُ

ورَفَعْتَ الغِطاءَ عنّي قليلاً فأَحَسَّتْ بِمَزْحِكَ الأَقدامُ

وتَنَبَّهْتُ فاتِحاً لكَ صَدْراً شبَّ فيهِ إلى لِقاكَ ضِرامُ

فَتَغَلْغَلْتَ في الأضلاعِ أَنفاساً لِطافاً تَهْفو إليها العِظامُ

ولَثَمْتَ الفُؤادَ ثَغْراً لِثغرٍ ولكَمْ حَجَّبَ الثُّغورَ لِثامُ

يا لَشَوْقي إلى مَحاسِنِ قُطْرٍ هَبَطَ الوَحْيُ فيهِ والإلْهامُ

وكُرومٍ إنْ مَرَّ فيها غَريبٌ يَتَوارى من وجْهِهِ الكَرَّامُ

لَو قَضَمْتُ الرَّغيفَ فيهِ قَفاراً فالرّضى والسّرورُ نِعمَ الادامُ

أَيُّها النَّازِحونَ عَوْداً إليهِ حالَما يَسْتَتِبُّ فيهِ السّلامُ

كلُّ حَيِّ إلى الشَّآمِ سَيَمْضي حينَ يُقْضى، إنَّ السَّماءَ الشَّآمُ

الخوري يودع نفسه

نَصَحتُكِ يا نَفسُ لا تَطمَعي، وقُلتُ حَذارِ فَلمْ تَسمَعي

 فإنْ كُنتِ تَستَسهِلِينَ الوداعَ كما تدَّعينَ إذاً ودِّعي !!

رَزمتُ الثِيابَ فَلِمَ تُحجِمينَ وفي ما ارْتِعاشُكِ في أضلُعِي

ألا تَسمَعينَ صِياحَ الرِّفاقِ  وتَجديفَ حوذِيِّنا؟ أَسرِعي!

خرجتُ أجُرُّكِ جَرَّ الكَسيحِ تَئنينَ في صَدريَ المُوجَعِ

ولمّا غَدونا بِنِصفِ الطَريِقِ رَجعتِ وليتَكِ لمْ تَرجِعي

لئنْ كُنتِ يا نَفسُ مَع مَن أُحِبُّ فلمَ ذا اشتياقي ولمَ أدمعي

أظنكُ تائهةً في البِحارِ  فلا أنتِ مَعهم ولَستِ مَعي

كفاكِ اضطراباً كَصدرِ المُحيطِ  قفي حيثُ أنتِ ولا تجزَعي

 سأقضي بِنَفسِي حُقوقَ العُلى وأرجِعُ فانتَظِرِي مَرجِعي.

لقب رشيد أيوب بالشاعر الشاكي لكثرة شكواه في قصائده

ولد رشيد أيوب عام 1871 في لبنان، وتوفي في بروكلين الأمريكية عام 1941، بعد أن تنقل بين فرنسا، وأميركا، ولبنان، كما عُرف بقصائده الشاكية، فلقب بالشاكي، حيث أن الشكوى كما ذكرنا، من أساليب شعراء المهجر بشكل عام، ومنها قوله:

تأتي وتمضي الشَّمسُ لكنّما عِندي شُروقُ الشَّمسِ مِثلَ الغُروبْ

هذا يُزيح النومَ عن مُقلتي وذاكَ يُدمي القلبَ حتى يَذوبْ

عندَ الضُحى أشتاقُ يا مُهجتي وفي الدُّجى بَينَ الدراري أجوبْ

أنوحُ بالأشعارِ بَعدَ النَّوى وأرقُبُ الأيّامَ حتّى تؤوبْ

لو كان نوحي عُدَّ الورى ذنباً لكنتُ اليومَ كلِّي ذنوبْ

لكن عَزاءَ القَلبِ أنَّ الأسى قَد صَارَ شِعراً عَشقَتهُ القُلوبْ

حنين الشاعر الشاكي

أيا جيرَةَ الحيِّ أينَ الطَريق فإني ضَلَلت عنِ المَنزِلِ

لقد كان لي في حماكم رفيق من المَهدِ في الزَّمنِ الأوَلِ

فغضّوا العُيونَ وفِيها الدموع فَحَارَ فُؤادي بتلكَ العيونُ وفي الأدمعِ

وقالوا رَأينَا شَريداً يَجُول بَعيداً عن النّاس في معزلِ

يَبِيتُ اللّيالي يَؤمّ الطُّلول ويَبكي على عَهدِهِ الأوَلِ

فقلنَا دعوهُ عَرَاهُ جُنون ومرَت لَيالٍ وكرّت سنون ولم يَرجعِ

ضمت روابط الأدب في المهجر كبار الأدباء والشعراء

تشكلت كما ذكرنا عدة تجمعات أدبية في المهجر، أبرزها العصبة الأندلسية في أميركا الجنوبية، وأبرز أعضائها الشاعر القروي، وشقيقه قيصر الخوري (الشاعر المدني)، إضافة إلى ميشيل معلوف، والياس فرحات، وشكر الله الجر.

أما الرابطة القلمية في أمريكا الشمالية، وأبرز أعضائها جبران خليل جبران، وميخائيل نعيمة، إلى جانب نسيب عريضة، وايليا أبو ماضي، ورشيد أيوب، ليجتمع في المهجر، جمهرةٌ كبيرة من أعلام العرب.

حيث شكل هؤلاء الأدباء معاً، مذهباً أدبياً في الشعر العربي، حيث ينتمون بمعظمهم إلى جيلٍ واحد، حاول جاهداً التمرد على كلاسيكية الشعر العربي.

كما فعل جبران في المواكب، باستخدام أوزان، وقوافٍ متعددة، أو كما فعل نسيب عريضة في قصيدته (كفنوه وادفنوه)، إضافة إلى أنهم جميعاً اتبعوا أساليب متقاربة، من حيث الموسيقى الشعرية، والموضوعات...إلخ.

ختاماً... ربما يكون أفضل الختام، مع الشاعر الياس فرحات، عضو عصبة الأندلس في المهجر الجنوبي، الذي يصف قساوة الغربة، ومصاعب الهجرة، فيقول:

نبِيتُ بِأَكْوَاخٍ خَلَتْ مِنْ أُنَاسِها وَقَامَ عَلَيْهَا البُومُ يَبْكِي وَيَنْـدُبُ

مُفَكَّكَـة جُدْرَانُـهَا وَسُقُوفُـهَا يُطِلُّ عَلَيْنَا النَّجْـمُ مِنْهَا وَيَغْـرُبُ

عَلَيْهَا نُقُوشٌ لَمْ تُخَطَّطْ بِرِيشَـةٍ تَظُنُّ صِبَاغَاً لَوْنَهَا وَهْوَ طُحْلُـبُ

يُغَنِّـي لَنَـا فِيهَا الْهَـوَاءُ كَأَنّـَهُ يُنَوِّمُنَـا، وَالْبَرْدُ لِلنَّـوْمِ مُذْهِـبُ

فَنُمْسِي وَفِي أَجْفَانِنَا الشَّوْقُ لِلْكَرَى وَنُضْحِي وَجَمْرُ السُّهْدِ فِيهِنَّ يَلْهَبُ

قصيدة الحنين إلى الوطن لأحمد شوقي

عُرف الشاعر أحمد شوقي بأنه شاعر الوطنية الأكبر فقد نظم العديد من الأشعار والقصائد عن حب الوطن والشوق إليه، وقد سطع نور الوطنية في أشعاره طوال حياته، وقد كتب قصيدة عام 1920 بعد عودته من منفاه:

ويا وطني لقيتُك بعد يأس          كأنيَ قد لقيت بك الشبابا

ولو أني دُعيتُ لكنتَ ديني     عليه أُقابِل الحَتم المُجابا

أُديرُ إليك قبل البيت وجهي         إذا فُهتُ الشهادةَ والمَتابا

وقد كتب قصيدة في منفاه قائلًا:

وطني لو شُغلتُ بالخلد عنه          نازعتني إليه في الخلد نفسي

وقال  أيضًا في حب مصر:

وإني لَغِرِّيد هذا البطاح            تغذَّى جَناها وسلسالَها

ترى مصرَ كعبة أشعاره          وكل مُعلَّقة قالَها

الحنين إلى الوطن في الشعر الأندلسي

بعد خروج المسلمين من الأندلس كتب العديد من الشعراء الأندلسيين أشعار وقصائد عن الحنين إلى الوطن حزنًا على خروجهم منها، ونجد في ذلك ما نظمه القاضي أبو عبد الله محمد بن أبي عيسى الذي صور مشاعره بعد أن خرج من الأندلس وقال شعر عن الشوق والوطن:

ماذا أُكَابِدُ مِنْ وُرْقٍ مُغَرِّدة

على قضيبٍ بذات الجِزْعِ مَيَّاسِ

رَدَّدْنَ شَجْوًا شَجَا قلبَ الخليِّ فَهَلْ

في عَبْرةٍ ذرفتْ في الحُبِّ مِن بَاسِ

ذكَّرْنه الزَّمنَ الماضي بقُرطبَةٍ

بين الأحبَّة في أَمْنٍ وإيناسِ

هُمُ الصَّبابةُ لولا همةٌ شَرُفَتْ

فَصَيَّرَتْ قَلْبَهُ كالجنَدْلِ القَاسِي

أما الشاعر أبو بكر محمد بن أزرق كتب شعرًا بكى فيه شبابه ومحبوبته في الأندلس، وقال:

هَلْ عَلِمَ الطّائرُ في أَيْكه

بأنَّ قلبي للحِمى طائرُ

ذكَّرني عَهْدَ الصِّبا شَجْوُهُ

وكُلُّ صَبٍّ للصِّبا ذاكِرُ

سقَى عُهُودًا لهمُ بِالحِمى

دَمْعٌ لَهُ ذِكْرهُمُ نَاثرُ

أما الشاعر ابن دراج القسطلي فقد بكى شبابه ودياره التي تركها عامرة في الأندلس، فيقول تعبيرًا عن الحنين إلى الوطن:

  • فيا لَلشَّباب الغضِّ أنهج بُرْدُهُ
  • ويا لَرياضِ الَّلهْوِ جَفَّ سَفَاها
  • وما هي إلا الشَّمْسُ حَلَّتْ بمفْرقي
  • فأعْشَى عُيونَ الغانياتِ سَنَاها
  • وعينُ الصِّبا عارَ المشيبُ سَوادَها
  • فَعَنْ أيِّ عَيْنٍ بَعْدَ تِلْك أُرَاها
  • سَلامٌ على شَرْخِ الشَّبابِ مُرَدَّدٌ
  • وآهًا لِوَصْل الغانياتِ وآها
  • ويا لديار اللهو أقوَتْ وسُومها
  • ومَحَّتْ مغانيها وصَمَّ صَدَاها
القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة