الموهبة وحدها لا تكفي، ربما هذا هو الوصف الأمثل لحياة سعيد صالح الفنية، فعلى الرغم من موهبته الفنية الفذة، إلا أنه لم يتمكن من حماية موهبته تلك بسبب مواقفه المشاغبة ضد الحكومة وميوله لصالح المواطن، وهو ما أثر على حياته الفنية حيث وضع في خانة المغضوب عليهم.
سعيد صالح إبراهيم نجم هو ممثل وكوميديان مصري ولد في 31 يوليو عام 1940 في قرية كجيريا مركز أشمون في محافظة المنوفية في عائلة متوسطة الدخل، فوالده كان يعمل موظفًا لدى شركة الغاز، حصل على ليسانس الآداب عام 1960 وبعدها عمل في مسرح التلفزيون.
لم يدرس سعيد في معهد التمثيل، ويرى أنها ميزة وليست عيبًا، فالمعهد يهتم بالنظريات في الفن، وهو ما يُفقد الفنان أهم الصفات التي يجب أن تتوافر فيه ألا وهي الإحساس، فالنظريات في الفن شيء وتطبيقها شيء آخر.
تزوج مرتين، وأنجب من زوجته الأولى ابنته الوحيدة هند، وبعدها تزوج للمرة الثانية من شيماء فرغلي عام 2014 وهي سيدة تصغره بسنوات عديدة.
عمل سعيد طوال حياته الفنية في أكثر من 500 فيلم، وأكثر من 300 مسرحية، ويقول عن نفسه: "السينما المصرية أنتجت 1500 فيلم، وأنا نصيبي منهم الثلث"، كما وصف نفسه بفتى المسرح.
تأثر سعيد في التمثيل بوالده الذي يصفه بأنه أستاذه، لم يكن والده ممثلًا بل كان مقلدًا حيث كان يقلد الضيوف التي تأتي لزيارتهم، وبمرور الوقت تأثر بوالده وأصبح يقلد الضيوف مثله.
بدأ الفنان سعيد صالح مسيرته الفنية من خلال المسرح في عام 1963 حيث قدم مسرحيات مختلفة، منها مسرحية "كفر أبو مجاهد"، ومسرحية "حارة الشرفاء"، كما ظهر في بعض المسلسلات منها مسلسل "خيال المآتة".
وفي أواخر الستينات اكتشفه الممثل المصري حسن يوسف وقدمه لمسرح التلفزيون، وقدم أول عمل مسرحي له من خلال مسرحية "هاللو شلبي"، حيث جسد شخصية محفوظ أبو طاقية بجانب كبار الفنانين، منهم عبد المنعم مدبولي.
وبعدها شارك في أعمال فنية مختلفة، منها مسرحية "بنسيون الأحلام"، ومسلسل "أشجان"، وفيلم "ربع دستة أشرار"، و"شقة مفروشة"، و"مدرستي الحسناء"، و"هاربات من الحب"، وغيرها.
وبعدها سطع نجمه في مسرحية "مدرسة المشاغبين" عام 1971 التي ظلت تعرض لمدة 6 سنوات بصحبة سيهر البابلي، وعادل إمام، ويونس شلبي.
وصفه النقاد بأنه خُلق ليحترف التمثيل، فيمكنه أن يضحك الطوب بحركة أو إشارة صغيرة، وما يميزه أنه لا يعتمد التمثيل وإنما يتحرك على المسرح كما يتحرك على الشارع، ويتكلم مثلما يتكلم في الحقيقة.
وتاريخه الفني مليء بعدد كبير من الأعمال الفنية، ففي المسرح قدم 300 مسرحية، وفي السينما قدم 500 فيلمًا والعديد منها أعمال فنية ناجحة رسخت اسمه بين أهم الفنانين في مصر.
وفي السبعينات شارك في العديد من الأعمال الفنية الناجحة، ومنها "صوت الحب"، و"شلة المشاغبين"، و"زائر الفجر"، و"في الصيف لازم نحب"، و"الرصاصة لا تزال في جيبي"، و"حتى آخر العمر"، و"مولد يا دنيا"، و"شوق"، و"المنحرفون"، و"ليالي ياسمين" وغيرها.
وفي الثمانينات قدم عدد كبير من الأعمال الفنية، ومنها فيلم "مخيمر دايمًا جاهز"، و"لن أغفر أبدًا"، و"خلف أسوار الجامعة"، و"على باب الوزير"، و"مملكة الهلوسة"، و"المتشردان"، و"مطلوب حيًا أو ميتا"، و"محطة الأنس"، و"شهد الملكة"، و"الأونطجية"، و"سكر بولاق".
اشتهر الفنان سعيد بأفلام المقاولات في مطلع الثمانينات والتسعينات، وهي أفلام تكلفتها قليلة لتواكب الزمن الذي تنزل فيه، وتوزع غالبًا خليجيًا، وهي أفلام تتبخر في لحظات، ويمكن أن يصور فيلمين أو 3 كل شهر.
في حين أن زميله في التمثيل عادل إمام كان النجم الجماهيري الأول في شباك التذاكر، وقدم أفلامًا عديدة لا تزال خالدة حتى الآن ويتذكرها الجمهور.
وفي التسعينات قدم العديد من الأفلام ومنها فيلم "ابن مين بسلامته"، و"حصل يا سعادة البيه"، و"كله بيلعب على كله"، و"خلي بالك من عزوز"، و"الدلالة"، وو"اللص والثعلب"، و"الحلو ميكملش"، و"ننوس عينه"، و"الحرب العائلية الثالثة"، و"الواد محروس بتاع الوزير".
وتعد مشاركته في مسلسل السقوط في بئر سبع من أهم المسلسلات التي شارك فيها، حيث جسد شخصية "شفيق فكري" وهو مسلسل يدور حول قصص حقيقية من ملفات المخابرات المصرية.
وفي الألفينات قدم أيضًا أعمالًا فنية كثيرة، ولكن لم يقدم أدوار البطولة في الكثير منها، ومنها فيلم "جواز بقرار جمهوري"، ومسلسل "آمال وأقدار"، وفيلم "أمير الظلام"، ومسرحية "قاعدين ليه"، وفيلم "مهمة صعبة"، ومسلسل "أذكر غبي في العالم"، و"دموع في حضن الجبل".
أيضًا شارك في فيلم "بحر النجوم"، ومسلسل "صبيان وبنات"، وفيلم "بالألوان الطبيعية"، وفيلم "زهايمر" كضيف شرف، ومسلسل "أنا القدس"، ومسلسل "همي همك"، ومسلسل "9 جامعة الدول"، وآخر أعماله مشاركته في فيلم "متعب وشادية" قبل وفاته عام 2014.
تزوج مرتين المرة الأولى أنجب منها ابنته الوحيدة هند، وبعدها انفصل عنها وتزوج في عام 2005 من الممثلة الشابة شيماء فرغلي التي كانت تمثل معه في أحد العروض المسرحية.
اتهمت ابنته هند شيماء فرغلي بأنها تسيء معاملة والده، وأنها تضربه وتهينه وتمنعه من رؤيتها، ورفضت وجودها في أثناء العزاء.
حينما دخل السجن تعرف على شخص اسمه العم يوسف، وهو من نبهه لأمور دينية منها الصلاة، وقراءة القرآن فتاب داخل السجن، وحينما خرج من السجن سافر للحج، وحج 14 مرة على التوالي لم ينقطع إلا في عام واحد شهد إنفلونزا الخنازير.
كانت علاقته بالزعيم عادل إمام علاقة صداقة قوية، حيث كانا جيران، ومثّلا سويًا في العديد من الأفلام الناجحة، ومنها "رجب فوق صفيح ساخن"، و"الهلفوت"، و"سلام يا صاحبي"، وأنا اللي قتلت الحنش"، وكانت آخرها فيلم "الزهايمر" عام 2010.
عانى قبل وفاته من مرض الزهايمر.
علاقته بابنته هند كانت قوية وجيدة، وقالت ابنته في تصريحات صحفية إن والدها كان يدللها جدًا، وكان صديق لها أكثر من كونه أب.
تلقى تهديدات بخطف ابنته هند إذا لم يحذف أغنية تنتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق "مناحيم بيغن" في عرض مسرحية "حلو الكلام" في أميركا، وبعدها توقفت المسرحية عن العرض بسبب قصيدة كتبها الشاعر أحمد فؤاد نجم يهاجم بيجن وينتقد حصوله على جائزة نوبل للسلام.
دخل سعيد صالح السجن 3 مرات، المرة الأولى بسبب خروج عن النص في مسرحية "لعبة اسمها الفلوس"، منتقدًا السياسة في مصر.
حيث قال في المسرحية "أمي اتجوزت 3 مرات الأول أكّلنا المِشْ، والثاني علّمنا الغش، والثالث لا بيهش ولا بينش" في إسقاط سياسي على رؤساء مصر الثلاثة وربط البعض أن سبب سجنه الأول بسبب هذه الجملة.
وهو ما أشار إليه الفنان الراحل سعيد صالح في مسرحية "كعبلون" حينما رد على أحد الحاضرين مازحًا "إنت مالك؟ بتتكلم ليه؟ إن تتكلم وأنا أرد عليك، وأخرج عن النص واتحبس تاني؟"
ولكن ذكر الكاتب الصحفي بلال فضل أن نظام مبارك لم يتدخل في سجنه، وإنما سُجن لأنه سخر من أحد الحضور الذي كان نائمًا خلال عرض مسرحية "البعبع" وكان هذا الشخص القاضي الذي حكم عليه.
وحكم عليه بالسجن 5 أشهر، غرامة 50 جنيهًا وذلك في عام 1981، وقضى سعيد 17 أيام في الحبس الاحتياطي، وبعدها تنحى القاضي وأصدر القاضي التالي قرارًا بالإفراج عنه بضمان مالي قدره 100.
وفي السجن واجه الفنان الراحل صعوبات، ولعل أهمها الاستيقاظ المبكر، كما أن زنزانته كانت قريبة من غرفة الإعدام، وكان أول فنان يُحبس احتياطيًا لخروجه عن النص.
وفي عام 1991 دخل السجن للمرة الثانية، ولكنه أفرج عنه لعدم كفاية الأدلة، وفي عام 1996 دخل السجن بتهمة تدخين الحشيش المخدر وتم حبسه لمدة سنة، ولكنه أكد أنه بريء من تعاطي المخدرات وأن النظام هو من تربص له بسبب "طول لسانه" على حد وصفه.
وفي أحد لقاءاته التلفزيونية ذكر أن فترة السجن كانت محطة التغيير في حياته، ففيها صلى وصام وحفظ القرآن لأول مرة.
تعرض لآلام حادة في القلب بسبب ضيق في ثلاثة شرايين في عام 2005، وأجرى عمليه جراحية، كما كان يُعاني من السكر، والالتهاب الرئوي.
وفي أغسطس عام 2014 توفي سعيد صالح بعد أن أتم ال76 عامًا بعد صراع طويل مع المرض، ودفن في مسقط رأسه بقرية ميجريا في المنوفية.
